لا تعرف خديجة بوجود قانون جديد يصون حقوق العاملات المنزليات، وترجح أيضا عدم علم مشغلها به، موضحة أن “لا أحد يهتم بحقوق العاملات المنزليات ولا بأحلامهن وطموحاتهن”، معتبرة أنها “كانت تتمنى أن تكمل دراستها أو على الأقل أن تحظى بزوج وتكون أسرة مثل قريناتها”.
بعد اطلاع محدثتنا على مضامين القانون، تمنت أن يتم إجبار أرباب العمل على تطبيقه لتضمن على الأقل حقوقها خصوصا العطلة، وحين تخونها صحتها تجد تغطية صحية وتقاعدا يقيها من مشقة العمل عند الكبر، وتحكي خديجة لـمنصة “هوامش” عن معاناتها من طول ساعات العمل التي تصل في بعض الأحيان إلى 16 ساعة يوميا، فضلا عن عدم استفادتها من أيام العطلة لزيارة أهلها.
بالمقابل عبرت خديجة عن عدم رضاها عن الحد الأدنى للأجر الذي حدده المشرع والذي يتساوى مع الأجرة الشهرية التي تتقاضاها، مقارنة مع المجهود اليومي الذي تقوم به، مردفة أن “العمل في البيوت شاق جدا، وأصحاب البيت لا يفهمون أن العاملة المنزلية يمكن أن تمرض وتشعر بالإعياء”، وتستبعد المتحدثة أن تقبل العائلة التي تشغلها التصريح بها في الضمان الاجتماعي، لأن التصريح يفرض عليهم التزامات قانونية ومادية.
ليس فقط العاملات والعمال المنزليون من يجهلون بوجود القانون ومقتضياته، بل حتى أرباب الأسر، بحيث أن سكينة وهي موظفة في القطاع العام وتقطن بالعاصمة الرباط، نفت أن تكون لها معرفة مسبقة بهذا القانون، موضحة أنها “سبق أن سمعت نقاشا حول تحديد السن القانوني للعاملات المنزليات في 18 سنة، لكن لم تتابع الموضوع”، وترى سكينة أنه “من الصعب تطبيق هذا القانون خصوصا في الوقت الحالي، الذي أصبح فيه إيجاد خادمة أمرا شاقا، فضلا عن أن الخادمات نادرا ما يستمررن في العمل لدى مشغل واحد لمدة تزيد عن 6 أشهر”.
رغم أن القانون رقم 19.12 دخل حيز التنفيذ منذ شهر أكتوبر من سنة 2018، إلا أن عدد العمال والعاملات المنزليين المصرح بهم لا يتجاوز 4523 شخصا، وفقا لآخر أرقام صرح بها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في غشت من سنة 2021، وهو رقم ضعيف جدا مقابل عدد العمال والعاملات المنزليات التي حدّدته دراسة أنجزت من قبل مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بشراكة مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في حوالي 200 ألف شخص.
ولم ينص قانون العاملات المنزليات على عقوبات زجرية على عدم التصريح بالعاملات والعاملين المنزليين من طرف رب الأسرة، حيث اكتفى فقط بتحديد العقوبات في حالة ما إذا تقدمت العاملة أو العامل بشكاية إلى مفتشية الشغل ضد المشغل في كل ما يخص تنفيذ العقد الذي بينهما، حيث يقوم مفتش الشغل ببحث سبل الصلح بين الطرفين وإذا تعذر ذلك يحرر محضرا في الموضوع يسلم إلى العامل أو العاملة المنزلية لتدلي به إذا قررت اللجوء إلى المحكمة المختصة قصد البث في النزاع.
وفي هذا الشأن اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها حول القانون أنه “رغم تنصيص القانون الجديد على عملية التوفيق التي يُجريها مفتشو الشغل بين العاملات المنزليات وأصحاب العمل في حالة النزاع، لكنه لا يحدد مدة لحل النزاعات. كما لا يُعالج القانون الحواجز الأخرى التي تُعيق العاملات المنزليات من الوصول إلى العدالة”.
وأضافت المنظمة الحقوقية “ينبغي للسلطات المغربية أن تحدد مدة لتسوية النزاعات، وتوفير الموارد اللازمة لإنجاحها، وتوفير بدائل قضائية، والنظر في أنظمة للبت السريع في النزاعات بشأن مبالغ مالية تحت سقف معين”.
يظهر أن قانون العاملات المنزليات منح لهذه الفئة عددا من الحقوق التي لم تكن تتمتع بها من قبل، غير أن تطبيقه يظل صعبا، إذ يعتبر عمر سعدون وهو ناشط مدني مهتم بملف تشغيل القاصرات أن “تنزيل هذا القانون سيبقى حبرا على ورق نظرا لصعوبة تطبيقه، خصوصا وأن مفتشية الشغل المكلفة بالإشراف على تنفيذ القانون وتطبيقه، ليست مؤطرة بعد حتى تتمكن من دخول البيوت، وليست لها موارد بشرية تغطي التراب الوطني”، ويضيف “مراقبة مفتشي الشغل للمشغلين داخل البيوت يطرح عددا من المشاكل، أهمها عدم توفر مفتشي الشغل على الصفة الضبطية وتعارض ذلك مع مبدأ حرمة البيت”.
ويرى سعدون في حديثه لـ”هوامش ” أن “عدم الترويج للقانون بشكل جيد، والقيام بحملة تعريفية به خصوصا في القرى، ساهم في عدم معرفة العاملات المنزليات بحقوقهن خصوصا منهن المنحدرات من البوادي وهو ما سيعرّضهن للاستغلال من طرف المشغلين”.
من جانبها اعتبرت “هيومن رايتس ووتش” أنه “في ظل عدم وضوح القانون الجديد، ينبغي للسلطات المغربية ضمان حصول مفتشي الشغل على سلطة وتدريب يؤهّلانهم لتفتيش ظروف العمل”، مضيفة أنه “ينبغي أن يكونوا قادرين على دخول منازل أصحاب العمل، مع إيلاء الاعتبار الواجب للخصوصية، ومقابلة العاملات المنزليات بعيدا عن أصحاب العمل”.
وأضافت المنظمة الحقوقية أنه “ينبغي للسلطات أن تنظر في حوافز لأصحاب العمل لتسجيل العاملات المنزليات، ووضع جداول عمل نموذجية، وقواسم الرواتب، لضمان أن أصحاب العمل يُوفرون وثائق ساعات العمل وقسائم الرواتب”.
من جهة أخرى حدد قانون العاملات المنزليات الحد الأدنى للأجور في 1542 درهم شهريا، كما وضع سن 18 سنة كسن أدنى لعاملات المنازل، مع فترة تمهيدية تدوم 5 سنوات يسمح خلالها للفتيات بين 16 و18 عاما بالعمل. كما يحدد القانون ساعات عمل الفتيات في سن 16 و17 سنة بـ40 ساعة أسبوعياً كحد أقصى، والبالغات 48 ساعة أسبوعياً، رغم أن مدونة الشغل تنص على حد لا يتجاوز 44 ساعة بالنسبة لعمال في مهن أخرى، بالإضافة إلى ذلك يضمن القانون 24 ساعة راحة متصلة أسبوعياً.
و يتعين على المشغل الذي يشغل عاملة أو عاملا منزليين، واحدا أو أكثر، طبقا لأحكام القانون، أن يقدم إلى الصندوق داخل أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ إبرام العقد ملف انخراطه وتسجيل عاملاته أو عماله المنزليين، ويبلغ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى كل مشغل رقم انخراطه وإلى كل عاملة وعامل منزلي رقم تسجيله، كما يتعين على المشغل أن يشعر الصندوق بأي وسيلة من الوسائل الممكنة بكل تغيير يطرأ على عنوان المنزل الذي تعمل فيه العاملة أو العامل أو على التاريخ المحدد لانتهاء سريان عقد العمل محدد المدة المبرم بين الطرفين، وذلك داخل أجل أقصاه شهر واحد ابتداء من تاريخ هذا التغيير.
وفي حالة ثبوت عدم انخراط المشغل أو عدم تسجيل العاملات أو العمال المنزليين الذين يشتغلون لديه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بناء على شكاية توصل بها صندوق الضمان الاجتماعي في الموضوع، مشفوعة بعقد عمل أو بمحضر لمفتشية الشغل موقع بين المشغل والعاملة أو العامل المنزلين، في حالة إجراء محاولة التصالح أو بناء على حكم قضائي يثبت العلاقة الشغل، يوجه الصندوق إلى المشغل المعني إنذارا بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، وذلك من أجل تقديم ملف وتسجيل عاملته أو عماله المنزليين، وإذا لم يقم المشغل بالإجراء في أجل شهر يباشر الصندوق تلقائيا عملية انخراط المشغل وتسجيل العاملات والعمال المنزليين.