محمد تغروت
أكدت الجمعية المغربية لحماية المال العام في ندائها أن الوقفة تأتي “في ظل استمرار الفساد والرشوة ونهب المال العام، وما يترتب عن ذلك من تفويت فرص التنمية على المجتمع المغربي وانعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة، وردا على تصريحات وزير العدل في مجلس المستشارين الهادفة إلى منع التبليغ ورفع الشكايات إلى القضاء في شأن الجرائم المالية ضد المفسدين وناهبي المال العام لحمايتهم وجعلهم في منآى عن المحاسبة والمساءلة وتحجيم الأدوار الدستورية والقانونية للمجتمع المدني في مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام.”
وتهدف الوقفة حسب ذات المصدر إلى فضح هذا “التوجه النكوصي المنتهك للدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد،”داعية كافة الأحزاب السياسية الديمقراطية والهيآت النقابية والحقوقية والجمعوية وجميع مناهضي ومناهضات الفساد ونهب المال العام إلى المشاركة المكثفة في هذه الوقفة الاحتجاجية.
في كلمة له تحت قبة البرلمان قال وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، في سياق حديثه عن المقتضيات التي يعتزم تضمينها في مشروع القانون الجنائي الجديد، إن “مراقبة ومتابعة صرف المال العمومي اختصاص حصري للدولة ولا يحق للجمعيات أو المواطنين تقديم الشكاوي ضد السياسيين والمنتخبين، بخصوص شبهة فساد أو اختلالات في التدبير أمام القضاء”.
وأضاف وهبي أن “متابعة أموال المؤسسات ‘شْغْل’ الدولة والمواطن إذا كانت لديه ملاحظات فليقدمها لممثلي الشعب الذين لهم الحق في إعلانها في مؤسسات الشعب، أما أن تبقى كل مرة نقدم شكاية بهذا المسؤول أو ذاك، فغير مقبول، ثم هل نعلم نحن لماذا قدمت هذه الشكايات؟” مشككا في خلفيات الجمعيات المناضلة من أجل حماية المال العام أثناء تقديمها للشكايات.
واتهم وهبي الجمعيات بممارسة الابتزاز عن طريق تقديم شكايات ضد سياسيين ومنتخبين بشبهة تبدير المال العام، ملوحا بأن الأمر قد يؤدي إلى عزوف السياسيين عن الترشح للإنتخابات، حيث قال “إذا ترشح سياسي وظل لسنة أو سنتين وهو يذهب ويعود من المحاكم، أية شرعية ستبقى لديه أمام الناس؟”، مضيفا أن المجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة دستورية توجه تقاريرها إلى مؤسسة دستورية أخرى هي النيابة العامة، لتقوم النيابة العامة بوظيفتها”، وختم بالقول أن “الديمقراطية ليست هي أن تقوم بما تريد، بل أن تقوم بما ينبغي القيام به” مهددا “أجي نرويك هذاك اللي كيدي الشكاية أش كيدير”.
اعتبرت الجمعية المغربية لحماية المال العام، في بيان أصدرته في ذات السياق، أن “تصريحات وزير العدل تندرج ضمن مؤشرات كثيرة تؤكد غياب إرادة سياسية حقيقية لدى الحكومة لمكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام وتخليق الحياة العامة”، مضيفة أن “الرغبة الجامحة لوزير العدل في تشريع مقتضيات خاصة بالمتهمين المشتبه تورطهم في قضايا الفساد والرشوة إنما يهدف إلى توفير امتياز لفئة خاصة من المواطنين (المنتخبين) وهو تمييز في إعمال القانون وانتهاك صارخ للمقتضيات الدستورية والقانونية ذات الصلة بسواسية الناس أمام أحكام القانون وتقويض لربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وذَكَّرت ذات الجمعية أن القانون منح للجمعيات المدنية، وفق شروط معينة، حق التنصيب كطرف مدني (المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية)، أمام الجهات القضائية للمطالبة بالتعويض وليس فقط مجرد التشكي “فكيف يسمح وزير العدل لنفسه بتوظيف مركزه الحكومي لانتهاك هذه المكتسبات الحقوقية والالتفاف على المقتضيات الدستورية التي اعتبرت المجتمع المدني شريكا في صنع وتقييم السياسات العمومية”.
المرصد الوطني لمحاربة الرشوة وحماية المال العام بدوره دخل على خط تصريحات وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، واصفا تلك التصريحات ب” المندفعة والانفعالية، والمتعجرفة”، وأكد المرصد أن تلك التصريحات، ” تتضمن مغالطات غير مقبولة، لا تليق بمسؤول عمومي سام ملزم بالعمل الجماعي المتزن، ضمن فريقه الحكومي، لتنفيذ مقتضيات البرنامج الحكومي مع الحرص على التقيد بالالتزامات الدستورية، والاتفاقات الدولية الواجبة في مجال تفعيل الديموقراطية التشاركية بعيدا عن لغة الوعيد (غنوري ليكم..!!!!)”.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيان لها ردا على تصريح وزير العدل أكدت، أن ذلك يشكل “إخلالا باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، الصادرة في الجريدة الرسمية عدد 5596 بتاريخ 17 يناير 2008، التي دعت في مادتها 13 الدول الأطراف إلى اتخاذ التدابير المناسبة “لتشجيع المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر،”، و” تجاهلا للتوصيات، المنبثقة عن مؤتمرات الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، المنشأة بموجب المادة (63) من هذه الاتفاقية”.
واستنكرت ذات الجمعية بشدة تصريحات وزير العدل، معبرة عن تخوفها من أن تكون استهلالا لتضمين القانون الجنائي المنتظر نصوصا تمنع المجتمع المدني من تقديم الشكايات، ومن الترافع لمحاربة الفساد؛ الأمر الذي من شأنه أن يقوض الحق في الولوج للعدالة، ويمس باختصاصات السلطة القضائية ويقبر أحد أدوار المجتمع المدني، و طالبت الحكومة بجعل محاربة الفساد المالي أولوية لديها، “لأن مظاهر الفساد وغياب النزاهة والشفافية تعاكس تطلعات الشعب المغربي، وتعيق التطور وإعمال الحق في التنمية والتمتع بالحقوق، وفي مقدمتها تلك ذات الصبغة الاجتماعية التي بلغت مستويات خطيرة من الانحدار والتدني”.
يرجع العديد من المتتبعين هذه الخرجة الجديدة لوزير العدل إلى تفجير عدد من المتابعات ضد منتخبين، بمن فيهم منتمون إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي يرأسه وحزب التجمع الوطني للأحرار حليفه في الحكومة والمجالس الترابية، ولعل أبرزهم رئيس جهة الشرق عبد النبي بعيوي، الذي سبق أن أدانته غرفة الجنايات الاستئنافية (قسم جرائم الأموال)، بسنة واحدة سجنا نافذا، ولازال ملفه في محكمة النقض.
بالإضافة إلى توالي الملفات التي يتابع فيها برلمانيون ورؤساء جماعات ترابية في مختلف مناطقة المغرب، نذكر على سبيل المثال، الحكم على البرلماني ورئيس جماعة الشراط سعيد الزايدي، بسنة سجنا نافذا، بتهمة الارتشاء، بعدما ضبطت بحوزته 40 مليون سنتيم، وكذا رشيد الفايق رئيس جماعة أولاد الطيب بنواحي فاس، الذي يتابع في حالة اعتقال بتهم اختلالات في التعمير وتلقي رشاوى من منعشين عقاريين وخواص، بالإضافة إلى أخيه جواد الفايق المودع بسجن بوركايز بفاس بنفس التهم، والذي يشغل منصب رئيس مجلس عمالة فاس.
دون أن ننسى الرسالة التي بعثها محمد حاتمي، عضو المجلس الجماعي لتارودانت، الذي يرأسه عبد اللطيف وهبي، التي اتهم فيها المجلس الترابي بسوء التدبير الإداري والمالي وعدم احترام القانون لعقد دورة المجلس الجماعي لتارودانت لشهر ماي 2022.
محمد الغلوسي، المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، اعتبر أن تصريحات عبد اللطيف وهبي تتضمن العديد من المغالطات، وحاول الرد عليها في سلسلة من التدوينات على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي والحوارات مع عدد من المنابر الإعلامية، أذ أوضح أن “المجلس الأعلى للحسابات مؤسسة دستورية معنية بممارسة الرقابة على المال العام وافتحاص المؤسسات الخاضعة لسلطة المجلس ووزارة الداخلية تتوفر على مفتشية عامة تنجز تقارير رسمية لها صلة بالاختلالات التي قد تعتري تدبير بعض الجماعات الترابية”، غير أن الأسئلة التي يطرحها الرأي العام وينتظر إجابات واضحة عنها هو “لماذا لا تحال كل التقارير التي تنجزها هاتين المؤسستين على القضاء خاصة وأن هناك تقارير تكتسي صبغة جنائية بل إن البعض منها يشكل خطورة حقيقية وتشير إلى تورط مسؤولين يمارسون قدرا من المسؤولية العمومية ؟ ولماذا لا تشير هذه التقارير إلى المسؤولية التي يتحملها كبار المسؤولين والموظفين السامين في تلك الإختلالات ؟وما الذي يمنع المؤسستين معا من إحالة كل تلك التقارير على الجهات القضائية دون انتقائية ودون أية اعتبارات أخرى ؟ولماذا تعتمد وزارة الداخلية بعضا من تقاريرها لعزل بعض رؤساء الجماعات المحلية من مهامهم وبشكل مستعجل في حين تتغاضى عن ذلك بالنسبة لبعض رؤساء الجماعات الآخرين رغم جسامة الأخطاء التدبيرية التي ارتكبوها وأنجزت في حقهم تقارير رسمية ؟”
وردا على “التخوف” الذي عبر عنه وهبي في تصريحاته، حول فقدان الشرعية لدى السياسيين وهروبه من الترشح، ذكر الغلوسي أن السياسيين والمنتمي لحزب ما في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها، بمجرد أن يفتح مع أحدهم تحقيق يتم تجميد عضويته في الحزب إلى حين انتهاء المسطرة، في حين أنه في بلادنا العديد من المرشحين، كانوا يتابعون أمام المحاكم وفي نفس الوقت قدموا ترشيحاتهم وفاز بعضهم في الانتخابات الماضية، وهو ما يعكس المسؤولية الأخلاقية للأحزاب السياسية في استمرار نفس ترشيح نفس الوجوه التي تحوم حولها شبهات فساد مالي وتدبيري.
اعتبر العديد من الحقوقيين أن التراجع عن تجريم الإثراء غير المشروع وسحب مشروعي قانون الأول تحت رقم 19-03 يتعلق بتنظيم “الاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة ” وضمنها الملك البحري والثاني يتعلق بمشروع القانون رقم 20/46 الذي يغير ويتمم القانون رقم 13/33 الخاص بالمناجم ومسطرة منح السندات المنجمية، تشكل بعضا من سوابق الحكومة الحالية في التشريع ل”حماية الفساد”.
ولم تكمل الحكومة الحالية شهرا على تنصيبها حتى بادرت لسحب مشروع تعديل القانون الجنائي من خلال مراسلة وجهها رئيس الحكومة إلى رئيس مجلس النواب خلال الجلسة الأسبوعية المنعقدة بتاريخ 8 نونبر 2021، وهو ما أثار ردود فعل مستغربة من الجمعيات الحقوقية والفرق والمجموعات البرلمانية المعارضة، التي اعتبرت أن هذه الخطوة تشكل تطبيعا مع الفساد، وخطوة تناقض الخطاب الرسمي للدولة.
وذكرت مصادر إعلامية في الأيام القليلة الماضية أن المجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، بعثت إلى رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، بمراسلة تضم لائحة البرلمانيين الحاليين الذين لم يصرحوا بممتلكاتهم عقب انتخابهم أعضاء في المجلس، وكذا لائحة البرلمانيين السابقين الذين لم يكشفوا عن التغييرات التي طرأت على ثرواتهم بعد انتهاء مهامهم.
وحسب المصادر فالعدد الإجمالي للبرلمانيين الذين “يخفون” ثرواتهم عن المجلس الأعلى للحسابات، بلغ 161 برلمانيا، من بينهم، 21 برلمانيا لم يقدموا تصريحا بممتلكاتهم منذ انتخابهم أعضاء في مجلس النواب، و21 برلمانيا قدموا تصريحاتهم خارج الآجال التي يحددها القانون، و140 برلمانيا سابقا لم يصرحوا بممتلكاتهم بمناسبة انتهاء فترتهم الانتدابية.