الرئيسية

الإفلات من العقاب.. مأساة ضحايا الاغتصاب في المغرب

كانت الطفلة، تبلغ من العمر 11 عامًا فقط عندما اغتصبها ثلاثة رجال أكثر من مرة، نتج عن ذلك حمل وأنجبت طفلًا. تغلب الأب على الخوف من الانتقام وتقدم بشكوى، لكن الحكم الذي صدر قبل أيام قليلة، سقط على العائلة مثل الصاعقة؛ فقد قضت المحكمة بالسجن النافذ ما بين 18 شهرا وسنتين على المتهمين.

“إيفي”/ ترجمة “هوامش”: 

عليك أن تسافر 30 كيلومترًا في طريق ضيق من أقرب مدينة، للوصول إلى بيت الطفلة المغتصبة التي شغلت قضيتها الرأي العام بالمغرب، المتواجد بدوار الغزاونة بضواحي تيفلت، في مسكن يتكون من أربعة مبانٍ بسيطة من الطوب؛ وعلى طول طريق هناك رمال حمراء.

هنا تعيش “س.“، الفتاة البالغة من العمر 13 عامًا، التي انتشرت قصة اغتصابها في المغرب كالنار في الهشيم. على بعد أمتار قليلة فقط من سكناها يقطن المتهمون باغتصابها.

كانت الطفلة، تبلغ من العمر 11 عامًا فقط عندما اغتصبها ثلاثة رجال أكثر من مرة، نتج عن ذلك حمل وأنجبت طفلًا. تغلب الأب على الخوف من الانتقام وتقدم بشكوى، لكن الحكم الذي صدر قبل أيام قليلة، سقط على العائلة مثل الصاعقة؛ فقد قضت المحكمة بالسجن النافذ ما بين 18 شهرا وسنتين على المتهمين.

الحُكم الذي يدين كريم أ. (36 عامًا) وعبد الواحد ب. (29 عامًا) ويوسف ز. (22 عامًا، وهوابن أخت كريم)، أثار سخط المواطنين، وطرح ما يبدو أنه مشكلة في ترسانة العدالة؛ حيث عقوبات متساهلة تطبق على المغتصبين.

ووفقًا لدراسة أعدها، سنة 2020، الائتلاف النسوي “ما ساكتاش” (لن ألتزم الصمت)؛ من خلال تحليل 1169 قضية، من 21 محكمة ابتدائية في المغرب، فإن “80 بالمئة من المدانين بارتكاب جرائم اغتصاب تقل عقوبتهم عن 5 سنوات”.

وينص القانون المغربي على عقوبة بالسجن تتراوح بين “5 و 10 سنوات” والتي ترتفع إلى “ما بين 10 سنوات و 20 سنة”، إذا كانت الضحية قاصرًا وتصل إلى “30 إذا فقدت عذريتها”، وهذه العقوبة الأخيرة هي التي تؤطر حالة الطفلة “س.”. ولكن محكمة في الرباط طبقت ثلاثة تخفيفات، وخففت العقوبة إلى الحد الأدنى.

على بعد 30 مترًا من “المغتصبين”

أنجبت الضحية المغتصبة، طفلاً قبل عام، يعتني به والداها وجدتها في منطقة شرق الرباط. العائلة تعيش بصعوبة بالغة من الزراعة وتربية المواشي، إذ تزرع هكتارين من البطاطس واليقطين والحبوب بالقرب من نهر شبه جاف.

ويتلقى الأب، محمد، العديد من المكالمات، في هذه الأيام، من صحفيين يريدون مقابلته هو والصغيرة المغتصبة. بينما كان في السيارة هو وابنته رفقة وكالة “إيفي” في الطريق إلى منزله لم يتوقف هاتفه عن الرنين. 

عند الوصول، ينبح كلبان، وتهرب دجاجات من أمام السيارة؛ خرجت الجدة حياة، مرحبةً. تقول أن عمرها “يزيد عن 50 عامًا”، لكن تجاعيدها توحي بالكثير. أوضحت هي وابنها محمد أن كل شيء بدأ في عام 2021، عندما مرض الجد.

“أتى (المغتصبون) لرؤية والدي، واعتدوا على الفتاة. بعد أربعين يومًا من وفاة والدي، ذهبت إلى السوق وأخبرني رجل بالقصة. أصبت بالدوار، لم أكن أعرف ماذا أقول؛ إنها فتاة صغيرة لا تعرف شيئًا”، يقول محمد.

ويضيف أن اثنين من “المغتصبين”، هما كريم ويوسف، يعيشان على بعد 30 مترا فقط من منزلهم؛ بينما يعيش المغتصب الثالث على بعد 400 متر.

حياة، جدة الطفلة المغتصبة (صورة إيفي)

ثقافة الاغتصاب

الطفلة س، يوضح والدها محمد، “لم تعد هي نفسها”، إذ أنها “لا تعرف ما إذا كانت فتاة أم راشدًا، فهي تعيش في فراغ، ولا تريد ان تلعب مع إخوتها”.  

وقد ازداد الأمر سوءا منذ صدور الحكم، الذي يتم الآن إعادة النظر فيه من قبل محكمة الاستئناف في الرباط.

محمد مستعد للذهاب إلى النهاية؛ طلبا للعدالة لابنته، فهو الذي بلَّغ عن الحادث، متجاوزًا الخوف، “ضغطت عليّ أسرهم كي لا أذهب إلى الشرطة، لكنني لم أقبل بذلك، ولا أريد أن يتكرر الجرم، فعلت ذلك من أجل أطفالي وأطفال الآخرين”.

قضية الصبية “س” هزت البلاد، ووعد وزير العدل عبد اللطيف وهبي بعقوبات أشد، لكن بالنسبة للنشطاء الحقوقيين والمنطمات غير الحكومية، مثل “ما ساكتاش”، المشكلة تبدأ من الشرطة والنيابة العامة والقضاة.

وحسب لبنى الرايس، إحدى أعضاء “ما ساكتاش”، هناك “ثقافة اغتصاب منتشرة في المغرب، ولا تتوقف عند أبواب المحاكم، حيث يتم التقليل من العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات، وتقليل معاناتهن إلى الحد الأدنى”.

وتضيف الرايس “إذا تم تطبيق العقوبات على النحو المنصوص عليه في القانون، فسيكون ذلك بالفعل إنجازا”.

الخوف والأمل

تخشى جدة الطفلة “س“، من لحظة إطلاق سراح “المغتصبين” من السجن، “إنها خائفة جدا منهم، ستموت بسكتة قلبية أو قد ترمي بنفسها في بئر إذا رأتهم”.

ترتدي الطفلة المغتصبة بذلة رياضية وردية اللون، وتنكمش على نفسها هربا من نظرات الآخرين، وحين تتحدث يبدو صوتها مثل شخص بالغ، بينما تحرك يديها بعصبية.

تقول الفتاة أنها بخير لأنها تدرس تصفيف الشعر في تيفلت منذ أربعة أشهر، وذلك بفضل مساعدة جمعية “إنصاف”، وتؤكد “أريد أن أعمل في صالون” وهي ترسم ابتسامة أمل.

وبعيدًا عن أذني الفتاة، عند سؤالها عما حدث، تشير الجدة مباشرة إلى وقت ولادة حفيدها، وهو صبي صغير مفعم بالحيوية بعيون كبيرة، ويحب اللعب.

تقول الجدة مبتسمة ما بين الدموع والنظر إلى السماء، في ذلك اليوم عادت الكهرباء إلى القرية بعد عام من انقطاعها “يبدو كما لو أنه قد أحضر معه النور”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram