الرئيسية

تحقيق| تنظيمات إجرامية في المغرب.. مافيا نهب الرمال

تقوم عصابات الجريمة المنظمة باستخراج الرمال من الأنهار والسواحل المغربية، لتغذية الطلب في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى تدمير النظم البيئية والتجمعات الإنسانية المهمشة. هل يمكن إيقاف هذه المعضلة؟

 ساينتيفيك أميريكان ترجمة وتقديم: نبيل حانة

   انطلق عبد القادر عبد الرحمن، وهو محقق مختص في الجرائم المنظمة العابرة للحدود، من مدينة القنيطرة المغربية، رفقة اثنين من مساعديه، من أجل التحقق من أحد مقالع الرمال التي تتموقع على ساحل المحيط الأطلسي. قادوا سيارتهم عبر الطريق غير المعبدة بين التضاريس الجافة والمنبسطة لمسافة ستة كيلومترات، وهي آخر مسافة قطعوها عبر طريق ترابية متعرجة، جعلتهم يتقدمون بالسيارة بسرعات جد منخفضة. ورغم الحرارة المفرطة، تم إغلاق زجاج نوافذ السيارة بإحكام، حتى لا يتسرب إليها الغبار الساخن المنبعث من احتكاك عجلاتها، التي تسير ببطء عبر الطريق الرملية المليئة بالتراب الأحمر والحجارة.

كانت كثبان الشاطئ التي قصدوا التوجه إليها تقع خلف حافة مرتفعة، وعند اقترابهم من المكان المقصود، ظهرت فجأة على يمينهم سيارة رباعية الدفع، يجلس خلف مقودها رجل يرتدي قبعة الدرك الملكي، انطلق نحوهم بسرعة فائقة ثم بدأ يقوم بإيماءات جسدية غاضبة، ممّا أجبرهم على التوقف فورا. سألهم الدركيّ بنبرة حادة: ”ماذا تفعلون هنا؟!” وأضاف: “ليس هناك مكان تذهبون إليه”. ليجيبه أحد المساعدين من داخل السيارة أنهم يبحثون عن وجهة الشاطئ والمخيم السياحي القريب. هزّ الدركيّ رأسه وقال مزمجرا: “لا. تراجعوا لا تتقدّموا أكثر”.

    استداروا بسيارتهم ببطء، ثم بدأوا في القيادة عائدين أدراجهم عبر الطريق غير المعبدة مجددا، وبمجرد أن غاب رجل الدرك عن الأنظار، انحرفوا قليلا بسيارتهم لينسلّوا خلف التلال القريبة، ثم توقفوا على بعد نحو 400 متر من الموقع. أطفأوا محرك السيارة ثم تسلل عبد الرحمن سيرا نحو قمة المنحدر ليطل على المنظر بالأسفل، بينما ظل منخفضًا حتى لا يلاحظ تواجده أي أحد. رغم كل ما رآه وسمعه خلال سنوات أبحاثه المتعلقة بمقالع الرمال غير القانونية، إلا أنه لم يكن يتوقع المشهد الذي رآه بالأسفل. ست شاحنات تفريغ كبيرة تنتشر أسفل سطح الجرف الرملي الهائل الغني بالرمال البنية، والذي تم تشويهه بحفر عميقة ضخمة، حيث زرقة مياه البحر الأطلسي تمتد على الفضاء الشاسع، مباشرة بعد المشهد الطبيعي المشوه. لقد أصيب بالصدمة والذهول من “التشوه الكبير” الذي لحق بمنظر الكثبان الرملية الكبيرة جرّاء الأعمال المستمرة لتحميل الرمال، حيث قال: ”لقد كانت صدمة قوية بالنسبة إلي”.

    لقد صُدم فعلا من المنظر الطبيعي الذي تم تشويهه، لكن صدمته الكبرى كانت بعد رؤيته للشاحنات التي تنقل الرمال في وضح النهار. وعلق على ذلك في حديثه للمجلة بالقول: “لا يمكنك استخراج الرمال بشكل غير قانوني في وضح النهار إلا إذاكان لديك أشخاص يساعدونك”، أي أشخاص من ذوي النفوذ، وأضاف: ”إن الشركات الكبرى (في هذا الميدان) تحظى بالحماية، ربما من قبل بعض الشخصيات السياسية النافذة أو مساعديهم. إنه نظام متناسق، لأن الجميع في سوق الاتجار بالرمال “يستفيدون منه، من الأعلى إلى الأسفل”.

   على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، اشتغل عبد القادر عبد الرحمن كمحقق في موضوع التجارة البيئية والجريمة المنظمة، لصالح معهد الدراسات الأمنية ”أي إس إس” (ISS)، وهي منظمة إفريقية استشارية تختص في الأبحاث والسياسات مقرها جنوب إفريقيا. وقد أظهرت وثائق محطة الفضاء الدولية كيف يمكن للتدهور البيئي أن يغذي جذور تفجر النزاعات، ممّا يهدد الأمن البشري.

إلى غاية سنوات قليلة مضت، لم يكن محققنا يعلم أي شيء عن تجارة الرمال. لقد كان يتواجد في مالي من أجل القيام بعمل ميداني بشأن تجارة المخدرات، عندما أشار أحد المصادر إلى أن سوق تهريب الرمال هو أيضًا نشاط رئيسيّ في منطقة شمال غرب أفريقيا، تتقاطع فيه أعمال شبكات تجارة المخدرات الدولية. يقول عبد الرحمن: “أعتقد أنه عندما تتحدث عن الاتجار بالرمال، فإن معظم الناس لن يصدقوا ذلك، بما فيهم أنا في السابق. الآن أنا أصدق الأمر”.

الاستخدام العالمي للرمال

 لاتزال فئة ضئيلة جدا من الناس ممن يتوقفون ويمعنون النظر في آفة المتاجرة بالرمال غير الشرعية، أو مّمن يطالبون بإيقاف هذا الأمر وإحداث التغيير، وهذا بسبب الاعتقاد السائد بأن الرمال مجرد مورد طبيعي بسيط. ومع ذلك، يعد قطاع استخراج الرمال من أكبر قطاعات استخراج المعادن الصناعية في العالم، لأن الرمل مكوّن رئيسي في الإسمنت، وبفضله يستمر قطاع البناء والتشييد العالمي في الازدهار والتطور منذ عقود. يستخدم العالم كل سنة ما يصل إلى 50 مليار طن من الرمال، وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وتعتبر المياه المورد الطبيعي الوحيد والرئيسي للرمال والذي يتم استهلاكه بكثرة عبر العالم. وخلصت دراسة أجراها باحثون في جامعة أمستردام، سنة 2022، إلى أن الإنسان يقوم بتجريف رمال الأنهار بمعدلات تفوق قدرة الطبيعة على تجديدها بكثير، مما قد يؤدي إلى نفاذ رمال البناء من العالم بحلول سنة 2050. ويؤكد تقرير، صادر عن الأمم المتحدة، بأن استخراج الرمال بالمعدلات الحالية أمر لا يجب الاستمرار فيه.

    الرمل هو أي مادة حبيبية صلبة – أحجار أو أصداف أو أي شيء آخر – يتراوح قطرها بين 0.0625 و2 ملم. ويتم استخدام الرمال ذات الجودة العالية في صناعة الألواح الشمسية ورقائق السيليكون للإلكترونيات، فيما تستخدم الرمال الأدنى جودة في صناعة الزجاج. تتكون رمال الصحراء عادة من حبيبات مستديرة، مثل رخام صغير، نتيجة للعوامل الجوية المستمرة.

ومع ذلك، فإن أفضل رمل للبناء هو الذي يحتوي على حبيبات ذات زاويا، مما يساعد على ترابط الخلطات الإسمنتية. وتُفضل الرمال النهرية على الرمال الساحلية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه يتعين غسل الرمال الساحلية لتخليصها من الملح. لكن يتم استخدامها، خاصة عندما يرغب عمال البناء في سلك طرق مختصرة، مما يؤدي إلى نشوء مبان ذات عمر افتراضي أقصر، وهو ما يشكل مخاطر كبرى على السكان.

إن مثل هذه الطرق المختصرة هي التي أدت إلى تفاقم الأضرار الناجمة عن الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا وسوريا، في فبراير 2023، كما تقول ”ميتي بينديكسن”، عالمة الجغرافيا الفيزيائية في جامعة ”ماكجيل” الأمريكية، والتي تحقق في آثار استخراج الرمال منذ سنة 2017.

ويأتي الطلب العالمي الأكبر على الرمال من الصين، التي استخدمت خلال ثلاث سنوات فقط نحو 6.6 جيجا طن من الإسمنت، ما بين سنتي 2011 و2013، وهو يفوق ما استخدمته الولايات المتحدة خلال القرن العشرين بأكمله (4.5 جيجا طن)، كما يشير ”فينس بيزر”، في كتابه “العالم في حبة”. وتستخدم معظم الرمال التي يتم استخراجها داخل الصين، ولكن مع تضاؤل بعض الإمدادات الوطنية، وصلت واردات الصين الرملية إلى 1.9 مليار دولار سنة 2018، وفقًا لدراسات أطلس الاقتصادية التابعة لجامعة هارفارد.

تقوم الشركات العملاقة والصغرى بتجريف الرمال من الممرات المائية، ومن قاع المحيطات، ثم يتم نقلها إلى تجار الجملة، وشركات البناء، والتجار بالتجزئة، وحتى تجارة الرمال القانونية يصعب تتبعها. ويقدر خبراء أن قيمة السوق العالمية تصل إلى نحو 100 مليار دولار سنويًا، فيما تشير نتائج مؤسسة ”الاستقصاء الجيولوجي للمواد المعدنية الأمريكية” إلى أن القيمة قد تصل إلى 785 مليار دولار سنويا.

وتعتبر الرمال المترسبة في مجاري الأنهار، وقيعان البحيرات، والشواطئ، الأمثل والأفضل لأعمال البناء، لكن ندرة هذه النوعية من الرمال تفتح السوق أمام الرمال الأقل جودة، والتي تأتي من رمال الشواطئ والكثبان الرملية، والتي يتم استخراج الكثير منها بشكل غير قانوني وبتكلفة زهيدة.

ومع النقص النوعي الذي يلوح في الأفق وموجة غلاء الأسعار، اكتشف عبد الرحمن أن رمال الشواطئ والكثبان الرملية المغربية تباع داخل البلاد كما يتم شحنها إلى الخارج أيضا، وذلك باستخدام شبكات النقل الواسعة التابعة لشبكات الجريمة المنظمة، حيث خلص تحقيقه إلى أن أكثر من نصف رمال المغرب يتم استخراجه بطرق غير قانونية. 

لقد تم التنبيه لأول مرة إلى مافيات الرمال من قبل ”لويز شيلي”، التي تترأس مركز دراسات الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والفساد، في جامعة ”جورج ماسون”. لقد أدركت ”شيلي” أن استخراج الرمال يمكن أن يصبح تطوراً طبيعياً للجريمة المنظمة، قبل خمس سنوات، وقد كانت على تواصل مع أحد كبار مسؤولي حلف شمال الأطلسي، للحديث عن الصيد غير المشروع قبالة سواحل غرب أفريقيا، باعتباره تهديدا خطيرا لأمن أوروبا وحلف شمال الأطلسي.

مقالع رمال العرائش 

إن إزالة الرمال من السواحل تجعل الأراضي، التي تواجه بالفعل ارتفاعًا في مستوى سطح البحر، أكثر عرضة للخطر. وقد وثّق فريق ”أميركان ساينتيفيك” هذا الأمر داخل المغرب عندما توجه شمالا من الرباط إلى العرائش، المعروفة بأنها “شرفة المحيط الأطلسي”. وتعد المدينة، التي تطل على منحدرات يبلغ ارتفاعها أكثر من 50 مترا باتجاه البحر، مركزا تجاريا لقطاع صيد السمك المزدهر في المغرب. وكانت وثيقة حكومية، صدرت سنة 2001، عرفت باسم بــ”مخطط أزور” (Azur) اقترحت توفير حماية أكبر للطبيعة في العديد من الأماكن، في البلاد الغنية بالرمال الطبيعية، بما فيها مدينة العرائش. لكن بعد بحث ميداني سنة 2021، خلص محققنا إلى أن الرمال الداكنة والشاطئ المليء بالصخور هو ميدان نشيط لأعمال استخراج الرمال، حيث تقوم فرق من العمال بتحميل الحمير بكميات كبيرة من الرمال، مما أدى إلى تشكل حفر صخرية مشوهة، تبدو بارزة من الجرف الضخم المقابل للحافة. كما يقوم العمال باقتياد الحمير عبر ممرات المشاة المهترئة، على المنحدرات الوعرة، حيث يتم تفريغها في الشاحنات التي تنتظر في الأعلى، والتي تنقل الرمال غير المشروعة نحو مختلف مواقع إنتاج الإسمنت في البلاد.

يصعب تحقيق التغيير في المناطق التي لا تمتلك فيها المجتمعات المحلية القدرة على إدارة مواردها الطبيعية. وفي المغرب، وجد مصدرنا مجموعة واسعة من الأشخاص الذين يعملون ضمن نظام واسع وسري، بدءًا من العمال المحليين وصولا لكبار المسؤولين. لقد تعرّض عدد قليل من الأشخاص الذين احتجوا للمضايقات، وشهدت المخرجة الوثائقية الفرنسية ”صوفي بونتون Sohphie BONTEMPS’‘ حدثا مماثلا سنة 2021، عندما كان طاقمها يقوم بالتصوير داخل موقع للكثبان الرملية بالقرب من مدينة الجديدة. حيث تم اعتقال الطاقم من طرف الشرطة بتهمة التصوير غير المرخص، حسب ”بونتون”، وتم استجوابهم لمدة يوم كامل، فيما صودرت منهم معدات التصوير. في ذلك المساء، قام مسؤول أمني رفيع، كان يعمل مع اثنين من المساعدين بملابس مدنية، بترتيب محاكمة صورية داخل أحد الفنادق؛ وحوالي منتصف الليل تم إجبار أفراد الطاقم على التوقيع على وثيقة مكتوبة باللغة العربية، يلتزمون من خلالها بعدم التصوير ومحو كل اللقطات التي تم أخذها، ليتم إطلاق سراحهم أخيرا. (كان الفريق قد حفظ اللقطات في مكان آخر). بالنسبة للمخرجة الفرنسية، فقد كان من الواضح أن بعض المسؤولين المغاربة متورطون في عمليات تهريب الرمال. يتحدث فيلمها “المغرب: هجمة على الرمل MAROC : RAZZIA SUR LE SABLE” عن حوادث تعرض فيها متظاهرون محليون للتهديد والتعنيف.

Au Maroc, la mafia du sable

“هجمة على الرمال”

وجدت ”أميريكان ساينتيفيك” صعوبة في التعمق لتوضيح نطاق أوسع لهذا الفساد. قد تكون الرمال المستخرجة من المواقع المتقاربة بعيدة عن رقابة المسؤولين المحليين، لكن النقل لمسافات طويلة والذي يشمل عشرات الشاحنات، التي تقطع مسافات طويلة جدا على طول الطريق السيار العام، لا يمكن أن يفلت من ملاحظة سلطات مراقبة الطرقات. 

لم يتمكن عبد الرحمن من الاعتماد على التعاون من قبل السلطات في العرائش، لذا قرر المخاطرة. تظاهر أعضاء فريق التحقيق بأنهم مستثمرون عقاريون، ويبحثون عن مقاولين للعمل على مشروع كبير في الدار البيضاء، على بعد أكثر من 200 كيلومترا جنوبا. توجه الفريق إلى موقع مليء بالاكوام الرملية العملاقة حمراء اللون، يتخصص في بيع مواد البناء في ضواحي مدينة العرائش. دخل أحد مساعدينا عبر بوابة معدنية عملاقة خلال وقت متأخر من أحد الأيام، حين كانت الشاحنات عائدة من عمليات التسليم. استفسر المساعد حول نوعية وتكلفة الإمدادات لمشروع بناء وهمي، وأصيب بالذهول من محتوى الإجابات: يستطيع وسطاء وتجار الرمال غير الشرعية تعبئة مئات الشاحنات والجرافات في غضون أسبوع، وطمأنه أحد المسؤولين عن الأشغال بالموقع: “سيكون ذلك سهلاً للغاية”.

وفي أيام أخرى، اقترب أحد أعضاء فريقنا بشكل مباشر من سائقي الشاحنات المحملة بالرمال، والتي كانت متوقفة بوسط المدينة. ومن مقعده وراء مقود الشاحنة، أوضح أحد السائقين أن بإمكان المقاولين ترتيب عمليات نقل ليلي لما يصل إلى 250 شاحنة، بالاعتماد على مجموعة من الشركات. وبمجرد تسليم الرمال، تقوم شركات البناء بخلط الرمال المهربة مع الرمال القانونية. يقول أحد أعضاء فريق التحقيق إن ثقة المقاول بقدرته على تسليم مثل هذه الكميات، عبر مسافات كبيرة وما تحتويه من حمولات ضخمة، وعبور ما لا يقل عن 10 نقاط تفتيش عبر الطريق السيار، يشير إلى تواطؤ جهات نافذة متعددة المستويات.

وبما أنه غالبا ما يعاني السكان المحليون أثناء محاولتهم للتصدي للعصابات الكبيرة والمنظمة، فإن الضغط الدولي يمكن أن يدفع الحكومات إلى تعقب وإيقاف ومحاكمة المتاجرين بالرمال. في المغرب، من المرجح أن يتطلب الأمر تبني استراتيجية مخططات بيئية أقوى، وتعزيز الممارسات المستدامة وإنفاذها عبر الحدود الوطنية. 

يقول ”باسكال بيدوزي”، وهو مسؤول في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن إصدار نظام الشهادات الدولية، المشابهة لعملية مجلس رعاية الغابات للحصول على تصاريح استغلال مصادر الأخشاب، لا يزال في مرحلة المناقشة. لكن مصادرنا من داخل المغرب تقول إن الحكومة تفكر في اتخاذ إجراءات جديدة إذا تم اعتماد مواقع مقالع الرمال بموجب اتفاقية الأراضي الرطبة، وهي عملية دولية يعود تاريخها إلى السبعينيات، وتشرف عليها معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. 

وتنص الاتفاقية على أن تقدم الدولة قائمة بالأراضي الرطبة التي تنوي الاشتغال فيها، وإذا وافقت الهيئة الدولية المشرفة على الاتفاقية، يمكن مراقبة هذه الأراضي من قبل لجنة استشارية مستقلة، للمساعدة على ضمان الحفاظ على المواقع وعدم نهبها. وقد تساعد التكنولوجيا الجديدة في التمييز بين ما إذا كانت الرمال قادمة من مصادر قانونية أو غير قانونية. في سنة 2023، ابتكر باحثون من عدة جامعات نظامًا بصريًا يمكنه وصم حبيبات الرمل، مما يسمح بتعقب موقعها الأصلي.

التأثيرات البيئية المدمرة

إن التأثيرات البيئية لاستخراج الرمال خطيرة للغاية. ويتسبب تجريف الأنهار في تدمير مصبات الأنهار والموائل المائية، مما يؤدي إلى تفاقم الفيضانات. ويؤدي تجريف النظم البيئية الساحلية إلى دمار الغطاء النباتي والتربة وتشوه قاع البحر، مما يسبب تعطيل سيرورة سلسلة الحياة البحرية. ويشكل نشاط الاستخراج غير الشرعي للمعادن في بعض البلدان جزءًا كبيرًا من إجمالي قطاع الشغل، وغالبًا ما تكون آثاره البيئية أسوأ بكثير من تلك التي يخلفها المشغلون الشرعيون. كل هذا من أجل بناء مدن بتكلفة أرخص.

وبالإضافة إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، هناك قلق متزايد بشأن “التأثيرات البيئية المدمرة” الناجمة عن عملية استخراج الرمال لأغراض صناعية. إن إزالة الرمال تؤدي إلى تدمير النظام الطبيعي للحفاظ على المياه، وما يترتب عن ذلك من آثار مهولة على نمط حياة الناس.

وتعمل الرمال النهرية مثل الإسفنجة، مما يساعد على تجديد المجمعات المائية بشكل كامل بعد فترات الجفاف؛ وإذا تمت إزالة الكثير من الرمال، فلن يتمكن نظام التجديد المائي الطبيعي من الحفاظ على منسوب مياه الأنهار، وهو ما يقود البشر إلى الزيادة في متطلبات الإمدادات المائية، مما يؤدي إلى اختفاء الغطاء النباتي وتناقص الحياة البرية. لقد تسبب التجريف في إزالة الكثير من الرمال من نهر ”ميكونغ” في آسيا، مما أدى إلى جفاف نظام جريان مياه النهر.

تمارس أعمال استخراج الرمال الصناعية المشبوهة في جميع أنحاء العالم. وفي مطلع التسعينيات، أوقف المسؤولون في مقاطعة سان دييغو، بكاليفورنيا، أعمال التعدين أي استخراج الرمال في نهر ”سان لويس ري”، بمجرد أن تم رصد المشغلين يتحركون، على الطريق عبر الحدود نحو ”باجا كاليفورنيا”، لنهب مجاري الأنهار هناك.

وحتى سنوات قليلة مضت، كانت شركة البناء العالمية ”سيميكس” تدير مقلع رمال شمال مونتيري بولاية كاليفورنيا، والذي كان يسحب أكثر من 270 ألف متر مكعب من الرمال سنويا من الشاطئ، وكان ينشط في منطقة مشبوهة. وكان هذا هو آخر عهد لمقالع الرمال الشاطئية في الولايات المتحدة، وقد تم إغلاقه سنة 2020 بسبب تزايد الضغط الشعبي. ومع ذلك، لا تزال أعمال استخراج الرمال، من الأنهار والدلتا، تسير بقوة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهذه الأعمال ليست كلها قانونية.

يتم تشجيع شيلي، من جامعة ”جورج ماسون”، من خلال طاقة الجيل الجديد من الباحثين، الذين يسعون بكل جد من أجل حل هذه المعضلة. إنها راضية نوعا ما لأن العديد من الباحثين اليافعين مطلعون على البيانات حيث يمكنهم إحداث التغيير. وفي كثير من الأحيان يتطلب الأمر عيونًا جديدة لتغيير الأشياء، مما قد يلهم الأشخاص الآخرين المهتمين بالبيئة والمناهضين للإساءة إلى الفئات المهمشة داخل المجتمعات الإنسانية.

ستساعد المزيد من الأبحاث في إعداد قضايا ضد عصابات الجريمة المنظمة المعادية للبيئة. يقول ”بينديكسن” من ماكجيل: ”إن عدد الدراسات المتعلقة بالرمال، التي قدمت في المؤتمر السنوي للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي، ارتفع من دراستين في سنة 2018، إلى أكثر من 20 دراسة سنة 2023. ويمكن أن تساهم البحوث في النهاية في رسم خرائط أفضل لعمليات استخراج ونقل الرمال، مما سيكشف النقاط الساخنة، والأنشطة غير القانونية، لأحد أكبر التحديات العالمية التي لم يتم دراستها في القرن الحادي والعشرين.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram