عماد استيتو
يدخل حراك الماء في واحة فݣيݣ، شرق المغرب، شهره السادس في وقت تراوح الأمور مكانها، مع استمرار المجلس الجماعي في الإصرار على الانضمام إلى شركة “الشرق للتوزيع”. في المقابل ارتفعت وتيرة الأشكال الاحتجاجية، طيلة شهر رمضان، خاصة بعد تشديد العقوبة السجنية في حق الناشط “موفو”، واكتفاء السلطات المركزية بعقد لقاء تواصلي خارج فݣيݣ عوض فتح حوار مباشر مع الساكنة، “هوامش” تستعيد شريط شهر كامل من الأحداث، انتهى برفض المحكمة الإدارية لطعون فريق المعارضة، وتجميد عمل لجنة الوساطة.
احتجاجات يومية
ازدادت وتيرة الأشكال الاحتجاجية بشكل لافت، خلال شهر رمضان، مع إصرار مكتب المجلس الجماعي على المضي قدما في الانضمام، وقرار الساكنة الاعتصام بشكل يومي وبشكل مفتوح أمام مقر الجماعة، حيث يتناوب المواطنون على التواجد بمقر الاعتصام، ويتناولون وجبتى الإفطار والسحور داخل المعتصم، الذي يشهد بدوره حلقات نقاشية مفتوحة تمنح فيها الكلمة للراغبين في التعبير، وترفع فيه الشعارات ويتحول بعضها إلى مسيرات تجوب شوارع المدينة.
علاوة على ذلك، تتواصل الاحتجاجات بشكل شبه يومي، وأهمها الوقفات الاحتجاجية المركزية ليلا بالساحة المقابلة للجماعة والباشوية، كل يوم جمعة مباشرة بعد صلاة التراويح، بتنظيم وتأطير من التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فݣيݣ.
“في البداية كانت الاحتجاجات تنظم فقط الثلاثاء والجمعة، اليوم الحمد لله الأشكال الاحتجاجية ممتدة طوال الأسبوع، التعبئة شاملة لدى ساكنة فݣيݣ، النقاش لا يهدأ سواء في المنازل أو الحوانيت أو المقاهي أو في المواقع الاجتماعية، الكل منخرط في القضية والاحتجاج، البعض يريد تصوير الحراك على أنه سياسي والواقع أن الأمر واضح، نحن نقول إن المياه مياهنا، وإذا أراد المجلس تفويت الماء فليبحث عنه في مكان آخر”، يقول عضو الحراك، عبد المجيد الفلاح، في مداخلته في الشكل الاحتجاجي المنظم بتاريخ 29 مارس تحت شعار “جمعة التضامن والتآزر”.
ومن أبرز هذه الاحتجاجات مسيرة 18 مارس، التي أحيت الذكرى الثالثة لأحداث العرجة، وجمعة “الإصرار والصمود“، بتاريخ 22 مارس، والتي أعقبت اللقاء التواصلي الذي دعت إليه وزارة الداخلية يوما واحدا قبل ذلك في بوعرفة، وتميز بحضور كل من والي جهة الشرق، والعامل المكلف بالشبكات المحلية بوزارة الداخلية، حيث حاول المسؤولون تبديد مخاوف الساكنة، خصوصا فيما يتعلق بعدم الزيادة في التسعيرة.
دعاية غير مقنعة وحوار طرشان
اللقاء الذي حضره عدد من أعضاء التنسيقية كأفراد، لم يكن مقنعا لا للساكنة، ولا للتنسيقية المحلية، التي أصدرت ردا تؤكد فيه على استمرار الاحتجاجات السلمية مفتوحة إلى حين استجابة المكتب المسير لمطالب الساكنة، مشيرة إلى أن اللقاء لم يأت بجديد.
كما أن مداخلة مسؤول في وزارة الداخلية، جاءت-على حد تعبير التنسيقية- مسبوقة بلغة تهديد، من خلال اختياره فقرة من خطاب ملكي وجهه الملك محمد السادس في الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش، مبرزا سطرا من الفقرة باللون الأحمر يقول : “لن نتساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والاستعمال الفوضوي و اللامسؤول للماء”، وهو ما اعتبرته التنسيقية “إشارة مبطنة” إلى أن سكان فجيج يستعملون الماء بشكل فوضوي تنعدم فيه الحكامة.
ما رغبت الدولة في إظهاره وكأنه حوار مع الساكنة واستماع إلى همومها، لم يكن بالنسبة إلى كثير من الفجيجيين سوى “عملية تواصلية” قامت بها الدولة. ودليلهم على ذلك “عدم إعطاء الوقت الكافي للمتدخلين للتعبير عن آرائهم بكل أريحية لإيصال ما كنا نريد تبليغه للمبعوث المركزي لوزارة الداخلية”، يقول رد التنسيقية، التي انتقدت كذلك أداء الإعلام الرسمي المغربي في تغطيته للحدث، والذي اتسم على حد تعبيرها بـ “الانتقائية”، إذ قام بنقل مداخلات الطرف المؤيد لولوج الشركة للجماعة وتغييب رأي الساكنة.
“هذا لقاء إخباري لم يأت بأي جديد، نحن نعرف القانون المؤسس لهذه الشركات، وقمنا على امتداد أسابيع بشرح بنوده، ما نقوله وهو أن هذه الشركة ولو كانت تابعة للدولة، فإنها ستسير لتصبح خاصة لأن الدولة لن تستطيع تسيير مرفق يحتاج إمكانات تقنية، ساكنة فجيج تقول إنها تريد الحفاظ على مواردها المائية لأنها موروثة وهذا بالدليل”، يشرح أحمد السهول، عضو التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فݣيݣ، والذي يذكر بالمحرك الرئيسي الذي تنبني عليه الاحتجاجات وموقف الرفض: “هذا ليس ماء الدولة وهو مملوك لأصحابه، ولن نسمح لأي جهة بأخذه، وسنمضي في كل أشكال الضغط لثني المكتب المسير عن قراره المجحف”.
بدوره، اعتبر الفاعل الحقوقي مصطفى ابراهمي، ابن فجيج، أن “حوار الداخلية” انتهى إلى فشل ذريع لأنه لم يكن حوارا من الأساس.
“فشلت هذه الخطوة نظرا للطريقة التي أديرت بها، لم يكن الغرض إجراء حوار بهدف التوصل إلى حل، بقدر ما كانت عملية دعائية، هدفها إبراز إيجابيات المشروع وفوائده، وإظهار الساكنة كمن لا يفهم ويستوعب الأمور بشكل جيد، لم يمنح ممثلو الحراك الذين حضروا كفاعلين مستقلين في المجتمع المدني سوى 3 دقائق فقط، ولم يكن هناك أي تجاوب من الجهة الأخرى على تدخلاتهم، عن أي حوار نتحدث”، يعلق أخ المعتقل محمد ابراهمي “موفو”، الذي رفعت استئنافية وجدة من عقوبته السجنية، في 14 مارس الماضي، من 3 أشهر حبسا نافذا إلى 8 أشهر حبسا نافذا، إذ اعتبرت هيئة الحكم أن التهم التي يتابع من أجلها :”التحريض على ارتكاب جنايات وجنح دون أن يكون له أثر، وإهانة موظفين عموميين، والمشاركة في مظاهرة غير مرخصة”، موجبة للتشديد.
“تبذير الفݣيݣيين للماء”.. مشجب الدولة المريح
ترتكز دفوعات الدولة المغربية، بضرورة انخراط فݣيݣ في تجربة الشركات الجهوية المتعددة الخدمات، على سوء الوضعية المائية في الواحة.
وتقول التقارير الرسمية التي تأبطها المسؤولون القادمون من الرباط، خلال لقاء بوعرفة، إن “مستوى الفرشة المائية في فجيج في تراجع، بفعل الاستغلال المفرط للمياه الجوفية مع قلة التساقطات المطرية، حيث لم يتجاوز الصبيب في المصدر، في فبراير من 2024، في مغني عتبة 10 لتر في الثانية مقابل 15 لتر في الثانية في فبراير من سنة 2020″، زيادة على تراجع التساقطات المطرية في كامل الجهة الشرقية بنسبة 30% بين 1980 و 2023.
لكن وزارة الداخلية التي أوفدت مصطفى الهبطي، العامل مدير الشبكات العمومية المحلية، لهذه المهمة الخاصة، ستحاول توجيه النقاش أكثر نحو ما تصفه بـ “الاختلالات التي يعرفها تدبير قطاع الماء في جماعة فجيج”، هذا الطرح الرسمي قائم على فكرة رئيسية فحواها: سكان فݣيݣ يستهلكون الماء بشكل فوضوي تغيب عنه الحكامة.
هكذا خلص المسؤولون في “أم الوزارات” إلى أن استهلاك الماء في فݣيݣ يفوق بكثير متوسط الاستهلاك اليومي للفرد، حيث قال التقرير إن فݣيݣ تستهلك حوالي 136 لتر يوميا للفرد بينما يحدد متوسط الاستهلاك اليومي على الصعيد الوطني في 70 لترا فقط.
وفصل العرض بنماذج لأرقام الاستهلاك اليومي في القصور المكونة للواحة : قصر حمام التحتاني 136.5 لتر يوميا، قصر حمام الفوقاني 92.5 لترا يوميا، قصر لودغير 80.97 لترا يوميا، قصر زرناكة 92.73 لترا يوميا، قصر لمعيز 77.87 لترا يوميا، قصر لعبيدات 65.57 لترا يوميا، قصر ولاد سليمان 57.94 لترا يوميا.
غير أن هذه الأرقام التي اعتمدتها الداخلية لشرح الوضع الاستهلاكي المائي في الواحة، ليست في الواقع سوى جزء من تقرير أولي قديم، أنجز سنة 2006، حين كان المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يحاول التدخل في قطاع الماء في المنطقة، وهو ما رفضته الساكنة حينها، وساندها المجلس الجماعي في ذلك، بحسب ما تكشفه لمنصة “هوامش” الباحثة في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية وعضو مجموعة المتابعة بالرباط، سميرة مزبار، والتي اعتبرت عرض هذه الأرقام المغلوطة والاستشهاد بها فضيحة كبرى بجميع المقاييس.
“أن تكون هناك دراسة تعتبر رسمية معدة على هذا النحو السيئ فهذه فضيحة كبرى، لا يمكن اتخاذ قرارات تهم الشأن العام والخدمات العمومية بناء على معلومات خاطئة وغير دقيقة”، تضيف سميرة مزبار، التي توضح أن التصنيف الذي اعتمدته الداخلية لتوزيع الماء على 7 قصور أثناء عرض الأرقام يفتقد لأي معنى، ذلك أن فݣيݣ حاليا يغلب عليها طابع الأحياء الحديثة.
“في الواقع هذه القصور عرفت توسعات عمرانية منذ سنوات السبعينات، وأي عمل علمي وذو جودة كان سيكشف بوضوح عن الطبيعة الحقيقية لاستخدام الماء في فݣيݣ، وكان سيتوصل إلى أن حركة نبوع المياه من القصور هي في الطريق إلى نهايتها، وأن سكان القصور قد رحلوا إما إلى الأحياء العصرية، أو إلى مناطق أخرى في المغرب، أو إلى خارج البلاد، وهو ما يعني أن عدد المستهلكين تقلص، أن يقال مثلا إن قصر حمام التحتاني، الذي عمليا لم يعد له وجود بفعل الزمن، يستهلك 136.75 لترا أمر مثير للدهشة والحيرة”، تستطرد سميرة مزبار.
مصطفى ابراهمي، هو الآخر، في تصريح لمنصة “هوامش” أكد أن الأرقام الرسمية المعلنة غير علمية، “نحن مع إجراء تقرير وبحث علمي حقيقي حول الوضعية المائية في فݣيݣ، لكن التقرير القديم الجديد الذي عرضته الداخلية أعتبره سياسيا، ومليئا بالتناقضات، ويفتقد للمنهجية العلمية، فهو لا يخبرنا مثلا كيف تم احتساب الاستهلاك في كل حي، وهل يتوفر كل قصر على عداد؟ وكيف يمكن لقصر فيه أقل من 7 منازل أن يستهلك تلك الكميات الوافرة التي تحدث عنها التقرير، نحن للأسف أمام محاولة لتبرير تفويت قطاع الماء للشركة مهما اقتضى الأمر”.
في نفس السياق استفسرت التنسيقية المحلية “على أي أساس تم احتساب الاستهلاك الفردي في الأحياء؟” مبرزة أن “أحياء فجيج متصلة بعضها ببعض، ولا توجد عدادات عند مداخل الأحياء. وضع يناقض البيانات الدقيقة للاستهلاك حسب الأحياء التي تم ذكرها في العرض”، كما نبهت في ردها على هذه المعطيات إلى “وجود عدد من الوحدات السكنية غير المأهولة في جميع الدوائر والقصور. موصولة بشبكة المياه منذ عقود، يتم إحصاؤها وتضمينها في الاستهلاك الجزافي. حيث أن نسبتها تصل لـ 80% في بعض القصور، أكثر مما ذكره المسؤول الإقليمي”.
بحسب الرواية الرسمية، فإن من أوجه القصور الأخرى التي يعرفها تدبير قطاع الماء الصالح للشرب في فݣيݣ، استعماله في سقي ضيعات النخيل المثمر، وهو ما يرد عليه الناشطون المحليون بنوع من السخرية مستغربين استخدام الدولة لتوصيف ” الضيعات الزراعية” في فݣيݣ.
ووصفت التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فݣيݣ، في بيان لها صدر بتاريخ 1 أبريل، أن استخدام مصطلح “الضيعات الزراعية” أمر لا معنى له اعتمد المبالغة والتهويل لجلب الانتباه. مبرزة أن المساحة المأهولة في فݣيݣ تمثل جزءا صغيرا جدا من المساحة الإجمالية، ولا تمثل كلها ضيعة صغيرة.
“الحديث عن ضيعات يقوم سكان الواحة في فݣيݣ بسقيها بشكل يستنزف الماء أمر مضحك للغاية، نحن نتحدث عن بساتين صغيرة بعدد محدود من النخل في بعض المنازل، لكن يبدو أن كل شيء مسموح بقوله لإظهار سكان فݣيݣ مبذرين للمياه”، يوضح ابراهمي.
وعن هذه الجزئية، تقول سميرة مزبار إن طبيعة المناخ والأرض كانت تفرض أن تتبع الأحياء الجديدة التي أحدثت في فجيج بداية السبعينات، مثل حي بغداد، نمطا معينا، يقتضي وجود هذه البساتين الصغيرة في المنازل، التي يستفيد سكانها من تسعيرة جزافية للماء (الفورفي)، “هذا اقتضاه الوضع الجديد الذي لم يكن ليسمح بالاستمرار في نفس نمط التوزيع التقليدي بالحصص على العائلات، وليس رغبة في الغش كما يتم الترويج له، وامتدت العدادات لتشمل لاحقا كل الأحياء الحديثة “، وترد سميرة هنا على ما ورد على لسان مدير الشبكات العمومية المحلية، الذي تحدث عن غياب العدالة في توزيع المياه بسبب “نظام الفورفي غير القانوني الذي تستفيد منه قلة فقط”.
ما يشكل خطرا، برأي سميرة مزبار، ليس استهلاك هذه الفئة (مساكن ببساتين صغيرة) للماء، بما يسمح بخلق مناخ ملائم على المستوى المحلي للعيش خارج القصور، بل الزراعة المكثفة للنخيل المثمر خارج الواحة المركزية. “عوضا عن معالجة المشكلة، نفضل توجيه أصابع الاتهام إلى الساكنة ونصفها بأنها غير واعية، أو تتعرض للتضليل وقاصرة لا تستطيع تقرير مصيرها بنفسها، أكبر مستهلك للماء في فݣيݣ هي الرأسمالية الزراعية التي تشجعها المشاريع الكبرى، مثل المغرب الأخضر والجيل الأخضر، هؤلاء وإن كانوا من أبناء المنطقة فهم في تعارض تام مع ثقافتها الواحية، ولا يترددون في الاستيلاء على ما هو ملكية مشتركة، وهم الذين يقدمون الدروس للسكان حول الحكامة الجيدة في تدبير المياه”، تسترسل السوسيولوجية.
الدولة في مواجهة الشارع.. طريق مسدود
في سياق متصل، رفضت المحكمة الإدارية بوجدة، نهاية الأسبوع الماضي، الطعون التي تقدم بها فريق المعارضة بالمجلس الجماعي لفݣيݣ، الرامية إلى إلغاء مقرر انضمام الجماعة إلى مجموعة “الشرق للتوزيع”.
وقالت مصادر مقربة من الأعضاء الرافضين لقرار الانضمام، إنهم لازالوا في انتظار التعليل الذي بنت عليه المحكمة قرارها، ولم تستبعد اللجوء إلى خيارات أخرى للضغط، من قبيل تقديم الأعضاء الرافضين لاستقالتهم.
كما وصلت جهود لجنة الوساطة إلى طريق مسدود، بعد 3 أشهر من عملها، حيث أعلنت في بيان، بداية شهر أبريل، عن انتهاء مهمتها، بعد فشلها في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية، والمساهمة في التوصل إلى حل يساعد على الخروج من الأزمة. وقالت اللجنة إن موقف المكتب المسير للمجلس ومن معه من المتشبثين بالانضمام إلى الشركة، ومن ثم التفاوض من داخل الانضمام من أجل عقد تدبيري يراعي تخوفات الساكنة بخصوص قطاع الماء، يظل ثابتا، وهو نفس الشيء بالنسبة للطرف المقابل (المعارضة داخل المجلس، التنسيقية المحلية) المتشبث برفض تفويت قطاع الماء للشركة الجهوية المتعددة الاختصاصات، والذي يصر على تراجع المجلس عن القرار.
واستمر الفݣيݣيون في الخروج إلى الشوارع حيث نظمت الساكنة، الجمعة الماضية، وقفة احتجاجية تزعمتها النساء كالعادة، و حمل الشكل الاحتجاجي شعار “جمعة الهدوء الذي يسبق العاصفة“، وهي إشارة إلى استمرار جذوة الحراك بعد شهر رمضان بإيقاع أكثر ارتفاعا.
“نتوقع استمرار الحراك، وارتفاع وتيرته، وتنويع الأشكال الاحتجاجية، مثل تنظيم الإضرابات العامة والقوافل التضامنية، مع الاستمرار في الاعتصامات والمسيرات، ومقاطعة أداء فواتير المياه، الدولة تراهن على انحسار الحراك وتراجعه بفعل التعب، أو انجراره وانزلاقه إلى العنف، لكن الجميع واعون بذلك والناس مستمرون في التحرك بشكل مسؤول وسلمي”، يقول ابراهمي الذي يرى أن خصوصية فݣيݣ كمنطقة حدودية حساسة مع الجارة، و قيادة النساء للحراك، ربما تجعل الدولة لا تجازف في الاصطدام بالمحتجين والسعي إلى إنهاء الحراك بالقوة، كما حصل في احتجاجات اجتماعية أخرى في البلاد.
بدورها ترجح سميرة مزبار أن تطول الاحتجاجات في فݣيݣ، مادام صوت الساكنة لا يزال غير مسموع لدى الدولة التي تشتغل مؤسساتها بطريقة ميكانيكية، ومقاربة تقنية عاجزة عن استيعاب الجوهر الحقيقي للأزمة الحاصلة. وبالنسبة إليها هناك “بون شاسع بين الحقيقة في الميدان، والطريقة التي تقارب بها مؤسسات الدولة هذه المشكلة”.
“حتى الآن لا يظهر أن هناك فهما حقيقيا لجذور و أسباب ما يجري، كانوا يعتقدون أن اعتقال ‘موفو’ مثلا سيكون كافيا لفرملة الاحتجاجات، لكنهم مخطئون على طول الخط، هذه الاحتجاجات لم يصنعها أو يحركها قادة، إن الأمر بالنسبة للسكان مسألة حياة أو موت، فالقبول بالشركة يعني نهاية الحياة في الواحة، فذلك مرادف لرحيلهم عنها، السكان يرفضون التخلي عن فلسفتهم وطريقتهم في تدبير الأمور، والتي أسسوها منذ الستينات، بسواعدهم وإمكاناتهم الخاصة، وأن يرهنوا مستقبلهم للمجهول ولمشروع غير واضح المعالم، مع كل ما نعرفه عن التاريخ المعقد الذي يجمع المنطقة بمؤسسات الدولة”، تفسر لنا سميرة مزبار، التي مع ذلك، لا تتخيل سيناريو فرض الأمر الواقع بالقوة، مما قد تكون له عواقب وخيمة على المنطقة.
في المحصلة الأخيرة، تلخص حكاية الأزمة في فݣيݣ، في تقدير الباحثة، محدودية الخطط والاستراتيجيات الرسمية والسياسات العمومية، التي دائما ما تصطدم بعقبة التنزيل حينما تنتقل من المركز إلى الهامش : “بتأسيس الشركات الجهوية، نقوم هكذا بجرة قلم بنقل التجارب المركزية دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، ربما يمكن تجريب ذلك في مناطق أخرى متعودة على الشركات ولكن قطعا ليس في فݣيݣ”.