الرئيسية

المياه مياهنا والقرار قرارنا .. قصة أربعة أشهر من الغضب في فجيج

بينما تستمر احتجاجات الساكنة في مدينة فجيج للشهر الرابع على التوالي، احتجاجا على تفويت تدبير قطاع الماء الصالح للشرب لشركة الشرق للتوزيع، لا تزال جهود الوساطة لتخفيف الاحتقان متعثرة، خصوصا بعد الأحكام القضائية التي أدانت عددا من نشطاء الحراك الاجتماعي. هذا ملخص الحكاية . 

عماد استيتو

في فجيج، واحة النخيل التاريخية التي تتوسطها مجموعة القصور، وعلى امتداد 4 أشهر لم تتوقف الأصوات عن الهتاف بشعارات مركزية كبيرة عنوانها : “المياه مياهنا والقرار قرارنا”، و”فجيج ليست للبيع”، و”الشركة لازم ترحل”.

 انتفضت الساكنة المحلية في الواحة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 10 آلاف نسمة، ضد قرار الانضمام إلى مجموعة الشرق، الذي اتخذه المجلس الجماعي للمدينة بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما يعني تفويت تدبير قطاع المياه إلى شركة جهوية متعددة الخدمات، وفق القانون 21-83، الأمر الذي يمثل وفق تقدير السكان خوصصة للماء، و تهديدا للمعيش اليومي للمواطنين ومستقبل الواحة، وإعلانا عن ارتفاع أسعار الماء .

ويفسر المصطفى ابراهمي، الفاعل الحقوقي وابن المنطقة، أن الماء كان فاعلا في تشكيل البنيات الاجتماعية والقبلية في الواحة لعدة قرون، ما يجعله ضمن “المقدس” في مخيال ساكنة الواحة التي تعتبره موروثا شعبيا.

صور Figuig Media

“يسود في المنطقة مناخ شبه صحراوي، ما يعني أن الماء يمثل عصب الحياة فيها، حيث يستعمل للسقي والأنشطة الفلاحية وكذلك للشرب، لقد بنى الفيجيجيون بأنفسهم نظام توزيع وتدبير تقليدي تشاركي ناجع، يجعل جميع السكان مستفيدين بشكل عادل من الماء. الماء في فجيج مصلحة اجتماعية تراعي القدرة الشرائية للناس، وهؤلاء ببساطة يعتبرون أن هذا القرار يعني أنهم سيمنحون مياههم لجهة أخرى ستقوم بعدها ببيعها لهم “، يوضح ابراهمي.

ويخرج السكان، منذ صدور القرار، في أشكال نضالية احتجاجية متنوعة، بمعدل مرتين أسبوعيا عبارة عن مسيرات، واعتصامات، وقوافل بالدراجات الهوائية، وإضرابات عامة، إضافة إلى مقاطعة الأسواق.

النساء في المقدمة 

يبدو لافتا الحضور النوعي والوازن للنساء في احتجاجات فجيج، حيث تتصدر المرأة الفجيجية بلباسها التقليدي الأبيض “الحايك” معظم هذه المحطات النضالية، والتي تبقى أشهرها مسيرتا 1 دجنبر و26 يناير.

علاوة على التفسير الذي يربط هذا الحضور باختلال البنية السكانية لفجيج، بسبب الهجرة المكثفة للرجال خارج الواحة بسبب انعدام فرص الشغل، يعتبر هذا الخروج الجماعي للمرأة الفجيجية إلى الشارع، بحسب ما تشرحه الحقوقية كريمة دبشي، عضو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، امتدادا لدور تاريخي لعبته المرأة الفجيجية في المجتمع.

صور Figuig Media

وتوضح دبشي أن”المرأة الفجيجية تناضل منذ أربعينيات القرن الماضي ضمن الحركة الوطنية، كمربية للأجيال، كما كانت حاضرة منذ نعومة أظافرها في مقاعد الدراسة دون تمييز مع الرجل، وكافحت اجتماعيا من خلال أداء أدوارها التقليدية في التربية والرعاية، كما ساهمت اقتصاديا في الدورة الإنتاجية”.

“دون أن ننسى أن المرأة أكثر استعمالا لهذه المادة الحيوية، حيث تدبر الماء بشكل عقلاني منذ القدم في واحتنا، إذ كانت تجلبه على ظهورها من العيون، وتحافظ عليه بإعادة استعماله دون تدبير واستنزاف للفرشة المائية. وانخراطها اليوم في حراك الماء ليس إلا واحدا من نضالات سابقة كانت المرأة عمودها الفقري، كحراك العرجة والصحة وغيرها”، تؤكد المتحدثة.

انقلاب برعاية السلطات الإقليمية

يعود أصل الحكاية إلى تاريخ 1 نونبر من السنة الماضية، يوم استفاقت ساكنة الواحة على خبر مفجع، بعد تحول دراماتيكي للأحداث، حين صوت المجلس الجماعي لفكيك، في دورة استثنائية عقدها المجلس، لصالح تفويت قطاع تدبير المياه إلى شركة “مجموعة الشرق للتوزيع”، بعد أن كان قد رفض في جلسة سابقة وبالإجماع تمرير ذات المقرر.

ففي السادس والعشرين من شهر أكتوبر، كان المجلس نفسه قد أقر بنفسه باستحالة اعتماد المشروع بعد التداول في تقرير داخلي. 

“استدعى رئيس المجلس لجنة الشراكة التي نقودها كمعارضة، وتم عرض الاتفاقية علينا وقدمنا بتاريخ 25 أكتوبر تقريرا شاملا ومفصلا، نبهنا فيه الرئيس وباقي الأعضاء إلى ضيق الوقت، وعدم كفايته للاطلاع بشكل كامل ودقيق على القانون المنظم لهاته الشركات، والغموض الذي يكتنف عددا من بنودها، ودعونا إلى تأجيل النظر في الأمر في الوقت الراهن على الأقل. وتفاعلت معنا الأغلبية بشكل إيجابي، بل ذهبت أبعد منا حينما تبنوا التقرير وصوتوا معنا بالإجماع ضد الانضمام”، يسرد المصطفى يحيى، عضو فريق المعارضة ورئيس لجنة الشراكة في المجلس، تسلسل الأحداث الذي قاد إلى احتجاجات لم تهدأ.

صور Figuig Media

ما سيحصل بعد ذلك يصفه يحيى بأنه “انقلاب”، وبأنه “خرق سافر للدستور”، ويضيف “يوما واحدا فقط بعد ذلك، سنفاجأ بتوجيه دعوة من طرف عامل الإقليم لعقد دورة استثنائية، في 31 أكتوبر، للتصويت على المشروع نفسه، غير الرئيس موقفه بشكل غريب بعد لقاء غير رسمي استدعي إليه من طرف العامل مع أعضاء آخرين. حاول الرئيس إقناعنا بضرورة التراجع عن موقفنا لكننا رفضنا، واعتبرنا الدعوة إلى هذه الجلسة حدثا خطيرا، ونجحنا في نزع أربعة أصوات من أغلبيته، واستطاع بصعوبة بالغة تمرير القرار بالأغلبية النسبية”.

“ما حصل هو انتهاك لحق دستوري، حيث حرم الفيجيجيون من حق الاستشارة والإخبار في مسألة أساسية وحيوية وهي الماء، ولم يُفتح أي حوار عمومي مع الساكنة، وتم ضرب مبدأ الديمقراطية التشاركية. نحن نشكك في مصداقية مكتب المجلس، والأسباب التي جعلته بقدرة قادر يتراجع عن قراره السابق في ظرف 5 أيام فقط، وبعد أن أحس بخطأه الاستراتيجي بدأ بالدعوة إلى لقاءات انتقائية، ليظهروا بصورة من يجري حوارا”، يقول أحمد أسهول عن التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فكيك.

وبالنسبة إلى أسهول فإن التطمينات التي تقدمها السلطة للساكنة بخصوص عدم رفع التسعيرة، وبكون الشركة تابعة للدولة، تبقى غير ذات أساس وغير واقعية : ” نحن لا نريد السير إلى المجهول، حيث ليست لدينا أفكار واضحة حول العقدة، وحول الحقوق والواجبات، لذلك نطالب المجلس بالعودة إلى رشده وأن يعلن عن دورة استثنائية للتراجع عن هذا الانضمام”، يؤكد المتحدث.

مستقبل الواحة على كف عفريت

تتجلى إحدى المخاوف الرئيسية لهذا القرار، كما أوضح تقرير صادر عن التنسيقية المحلية لحراك فجيج ومجموعة المتابعة بالرباط، في إشكالية تنزيل هذا الشكل التدبيري المقترح في منطقة واحية ذات طبيعة خاصة وفريدة، وكذلك في منطق الربحية الذي سيتقدم على مبدأ الخدمة العامة، علاوة على الاعتبارات السوسيو-بيئية والخصوصيات الثقافية والتاريخية لفجيج، خصوصا أن الشركة تصنف شركة مساهمة ومبدأ الربحية هو الأساس الرئيسي في توجيه قرارات استثماراتها.

ويتابع التقرير: ” كما يلف هذا القانون غموض في الجانب المتعلق بشروط التعاقد مع الخواص، وكذا بعض الصلاحيات التي يمكن اعتبارها تجاوزات ممنوحة لشركة خاضعة لقانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، كإمكانية نزع الملكية التي لم يؤطرها هذا القانون نفسه، مما يثير تساؤلات حول الحقوق الفردية والجماعية في فجيج، وحول تأثير هذا القرار على البنية المجتمعية الواحية، الذي يعتبر الماء والأرض أصل بقائها ومصدر استدامتها”.

“على الدولة أن تحرص استراتيجيا على ما يثبت السكان وليس ما يقوم بتهجيرهم، تفويت قطاع الماء للشركة سيدفع في اتجاه مزيد من موجات الهجرة والنزوح، من حق الناس في فجيج أن يرفضوا الشركة، وتغيير نمط التزود بالمياه الذي سيؤثر على الفرشة المائية، وهي فرشة واحدة، ومن حقهم الدفاع عن مواردهم التي حفروها بأياديهم”، يشدد أسهول . 

بدوره يتمسك المستشار الجماعي المصطفى يحيى بضرورة الاستماع إلى صوت الجماهير: ” لقد أثبتت حناجر المتظاهرين بأنه لا يمكن فرض الشركة علينا، وأن الرئيس اختار المسار الخطأ، وأن صوت الديمقراطية الحقيقي هو ما عبر عنه الشارع، وأن مقرر نونبر لا يمثل سوى ديمقراطية الأصوات”. 

ويتابع المتحدث: ” الماء في فجيج مسألة تاريخية وموروث حضاري، فواحتنا منذ القدم تسير بنظام خاص وهو نموذج المنظومة الواحية، وقد حظي بإشادة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التي اعتبرتها من أفضل 70 موقعا فيها ترشيد وتدبير جيد للماء “.

صور Figuig Media

ومن جانبه دعا عبد الجبار جباري، عضو مجموعة المتابعة بالرباط في حديث لمنصة “هوامش” ، إلى أخذ الخصوصية المحلية للمنطقة بعين الاعتبار: “ارتباط الإنسان الفيجيجي الواحي بالماء أقوى من بقية المدن والمداشر، لدينا ارتباط يومي ودائم وحيوي بهذه المادة، حيث أجاد أجدادنا على مر السنين توزيع الماء عبر معادلات جد دقيقة، وهذه المسألة التاريخية والحضارية لم يتم أخذها بعين الاعتبار، وتم تغييب منطق التواصل والديمقراطية التشاركية.  لدينا عدة تخوفات بخصوص الشركة ليس أقلها إصدار تسعيرات مرتفعة، ونحن نعرف الظروف الاجتماعية الهشة في المنطقة، كما أن ماء السقي والماء الصالح للشرب كلاهما من فرشة مائية واحدة، وليس لنا ضمانات بعدم المس بهذه الفرشة” . 

 في نفس السياق، نبهت الباحثة في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، سميرة مزبار، ابنة المنطقة، في مداخلة لها خلال اللقاء التواصلي حول الحراك الشعبي بفجيج، الذي نظمه الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان الأسبوع الماضي، إلى أهمية أخذ الثقافة المحلية بعين الاعتبار أثناء رسم السياسات العمومية : “لدى فجيج خصوصية، وهذه الخصوصية تحدد حاضرها ومستقبلها. لا يمكن التعامل مع فجيج مثل باقي الجماعات الترابية، الواحة هي الأرض، الماء، الإنسان .. فجيج فقدت الكثير من أراضيها، وإذا منح الماء لشركة فإنه لن تبقى هناك واحة، وستزيد موجات الهجرة، ويمكن أن نصبح أمام فضاءات شاسعة غير مأهولة وفارغة، وهو ما قد يطرح تحديات أمنية جدية “.

في الجهة المقابلة، يبرر المصوتون لصالح القرار، والمدافعون عن هذا الطرح، موافقتهم بالتحديات التي يواجهها قطاع الماء الصالح للشرب بالمدينة، من قبيل الاستهلاك المفرط، وجودة مياه الشرب، وتآكل البنية التحتية للشبكة، وتفاقم أعداد العدادات المعيبة، التي تفرض على المجلس اللجوء إلى التعرفة الجزافية، والتي لا تعكس في أغلب الأحيان الاستهلاك الحقيقي.

اعتقالات وحوار متعثر 

في السياق ذاته، تعذر يوم الأحد الماضي، عقد لقاء وساطة بين التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فجيج وبقية الأطراف المشكلة للمجلس الجماعي (أغلبية ومعارضة)، بعد تغيب ممثلي المعارضة في المجلس عن حضور اللقاء.

وتمسكت المعارضة في وقت سابق بضرورة عقد جلسة استثنائية للمجلس تدرج فيها نقطة الانسحاب من الشركة، وهو ما واجهه رئيس المجلس بالرفض، ليقوم عدد من المستشارين بتقديم طعن أمام المحاكم الإدارية.

ومن جانب آخر أكد المستشار الجماعي المصطفى يحيى أنهم “مستعدون لخوض معركة قانونية لإبطال هذا القرار الذي سجلنا بخصوصه حوالي ثماني خروقات”.

وحذر الصديق كبوري، الفاعل النقابي والحقوقي، في ورقة عن “حراك فكيك”، نشرت قبل أيام، من أن نهج مقاربة أمنية يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاحتقان وتسميم الأجواء في المنطقة.

وكانت المحكمة الابتدائية لفجيج ببوعرفة قد أدانت الأسبوع الماضي الناشط المحلي محمد ابراهمي، الشهير ب “موفو MOUVO”، بالسجن 3 أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 1000 درهم، كما أدانت كذلك حليمة زايد الناشطة في الحراك نفسه بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 2000 درهم. 

وتأتي هذه الأحكام إثر شكايات تقدم بها باشا المدينة ضد الناشطين البارزين، بتهم “إهانة موظفين عموميين” و”التحريض على جنح وجنايات”.

الناشط المعتقل محمد ابراهمي “موفو” (صور Figuig Media)

وبحسب الصديق كبوري فإن الساكنة وإن كانت ترفض قرار التفويت، وتطالب باحترام التصويت الأول ليوم 26 أكتوبر، فإنها تتشبث بضرورة تدبير قطاع الماء من طرف المجلس الجماعي كما في السابق، ومعالجة الاختلالات التي طالت تدبيره لها، وأبرزها : ضعف البنية التحتية، ونقص الموارد البشرية الكافية والمؤهلة لتدبير هذه الخدمة، وعدم استخلاص المجلس لكل مستحقاته من عوائد الماء، وتبذير مياه الشرب من طرف البعض في سقي المغروسات دون مراعاة لندرة هذه المادة.

وتقترح التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فجيج عددا من الإجراءات العملية، لتجنب بيع موارد المدينة للشركة، منها: العمل على دراسة الوضع ميدانيا، والقيام بفحوصات منتظمة للشبكة، وتعزيز المهارات التقنية للعمال، والعمل على استبدال العدادات المعيبة بشكل دوري. ويمكن لهذه الإجراءات أن تتم بتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، وإقامة شراكات مع القطاعين العام والخاص، ومع منظمات وطنية ودولية.

ويرى الناشط مصطفى ابراهمي، وهو شقيق المعتقل محمد ابراهمي، أن الصيغة التي يقترحها المجلس الجماعي الآن غير واضحة، وقد لا تكون منتجة، موضحا أن “الفكرة الرئيسية التي أتى بها الحراك هي أن للمواطن الحق في صناعة مصيره، وأن يخضع أي قرار يهمه للتشاور. هم يقولون لنا الشركة الآن واقع فلتقبلوا بها، ثم نتفاوض على التفاصيل مثل: دفتر التحملات، والتسعيرة”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram