الرئيسية

الرحلة القاتلة.. أربعة شبان مغاربة قادهم حلم الهجرة إلى وفاة غامضة بالناظور

لم يكن في حسبان أربعة شبان من الدار البيضاء وسطات، وجميعهم في عمرِ الزهور؛ أنهم بلقائهم في حافلة متجهة إلى الناظور، كانوا يجمعون مصائرهم؛ كما اجتمعت أحلامهم في بلوغ الضفة الأخرى من الأطلسي، ولا كانوا يظنون أن مقلع "علََّاشْ" قرب باريو تشينو، المحاذي لمدينة مليلية، سيكون نهاية لتلك الرحلة ومقبرة لتلك الأحلام.

هوامش/ سعيد المرابط:

بدأت السلطات المغربية العام الجديد بعمليات تمشيط ومطاردات واسعة النطاق، ضد المهاجرين غير النظاميين؛ الذين ينتظرون في مدن شمال البلاد فرصتهم للعبور إلى إسبانيا، إما على متن قوارب تصل إلى سبتة ومليلية، أو عبر السياج الفاصل أو في رحلة أخرى محفوفة بالمخاطر عبر السباحة ومصارعة الأمواج والحواجز البحرية.

بالتوازي مع هذه العمليات التي اعتقلت فيها السلطات أزيد من ألف شخص، اكتشفت جثث أربعة شبان مغاربة، كانوا مرشحين للهجرة نحو إسبانيا، ويأتي كل هذا التشديد في وقتٍ زاد فيه الاتحاد الأوروبي من تشديد حصاره على المهاجرين واللاجئين، في ما بات يعرف بـ”ميثاق الهجرة الأوروبي”.

أربعة أحلام انتهت في محجر! 

لم يكن في حسبان أربعة شبان من الدار البيضاء وسطات، وجميعهم في عمرِ الزهور؛ أنهم بلقائهم في حافلة متجهة إلى الناظور، كانوا يجمعون مصائرهم؛ كما اجتمعت أحلامهم في بلوغ الضفة الأخرى من الأطلسي، ولا كانوا يظنون أن مقلع “علََّاشْ” قرب باريو تشينو، المحاذي لمدينة مليلية، سيكون نهاية لتلك الرحلة ومقبرة لتلك الأحلام.

تزامن إعلان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن اكتشاف أربع جثث لشباب مغاربة في مدينة بني انصار، مع عملية تمشيط واسعة تقوم بها وحدات تابعة للقوات المسلحة في مدينتي المضيق (الرينكون، حسب اسمها المحلي) والفنيدق (كاستييخو)، بالقرب من سبتة، وأسفرت عن اعتقال 935 شخصًا كانوا، وفقًا للسلطات، “يستعدون لمغادرة المغرب لإسبانيا”.

هذه العملية التي سماها بيان للقوات المسلحة الملكية، “عمليات تطهير مشتركة”، نفذتها  وحدات مكلفة بمراقبة الحدود على مستوى مدن الناظور والمضيق والفنيدق، بهدف “اعتراض وإبعاد لمرشحين للهجرة غير النظامية” وفق البيان الذي نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء في فاتح يناير الجاري.

آثار دماء أحد الضحايا

اكتشفت جثث الشبان الأربعة يوم السبت 30 دجنبر 2023، في مقلع للحجارة، وحسب بيان لفرع الناظور للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يتعلق الأمر بثلاثة “ينحدرون من مدينة سطات (هم) حمزة حلوي، مصطفي العسلي وحمزة الجرموني، إضافة إلى شاب آخر ينحدر من مولاي يعقوب قرب فاس، لم يمض على تواجدهم بالناظور سوى ثلاثة أيام”.

وربط فرع الناظور للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وفاة الشبان الأربعة بعمليات التطهير التي تحدث عنها بيان القوات المسلحة، وقال في البيان الذي عنونه بـ “سياسات الهجرة المغربية والاسبانية تخلف المزيد من الضحايا”، (قال) إن وفاة هؤلاء الشبان تزامنت مع قيام السلطات بحملات مطاردة واعتقالات في صفوف القاصرين والشباب المغاربة المتواجدين بمنطقة بني انصار والذين يحاولون الهجرة نحو مليلية المحتلة”.

وانتقدت الجمعية، الإجراء الذي اتخذته قوات الشرطة المغاربية لمنع القُصّر والشباب من محاولة الوصول إلى إسبانيا، كما أدانت “عدم وجود معلومات رسمية حول هذه الوفيات”.

الفرع الناظوري للمنظمة الحقوقية الأكبر بالمغرب، أكد أن الجثث الأربعة، “موجودة في مشرحة مستشفى الناظور، في انتظار تحديد أسباب الوفاة وتحديد هوياتها”. 

وقالت أنهم جاءوا من مدن الدار البيضاء وسطات، على بعد 700 كيلومتر من المكان الذي فقدوا فيه حياتهم.

المعلومات الرسمية الأولية الوحيدة، تشير إلى أنهم ماتوا “بعد سقوطهم من منحدر بالقرب من مطعم بعيد عن وسط المدينة”.

وحسب معطيات استقتها “هوامش”، فالشباب الأربعة، رغم أنهم ينحدرون من ذات المنطقة، إلا أنهم “التقوا مع بعضهم البعض في الحافلة التي كانت تقلهم للناظور، دون أن يكون بينهم تنسيق مسبق”.

ووجدت جثث الأربعة، “يوم السبت 30 دجنبر على الساعة العاشرة ليلًا، ليتم نقلهم إلى مستودع الأموات بمستشفى الناظور على الساعة الثانية بعد منتصف الليل؛ السبت- الأحد، “وتم دفنهم بسرعة كبيرة بعد تسليمهم لعائلاتهم، التي وصلت إلى الناظور يوم الإثنين، قادمةً من سطات، دون تشريح أو تحقيق؛ لينقل الشباب يوم الثلاثاء لمسقط رأسهم، وهناك تم دفنهم في مسقط رأسهم”، حسب تصريح ناجي.

المحجر الذي وجدت فيه الجثث

وينتمي الشبان المتوفون إلى “قبيلة بني مسكين الغربية”، وتلقت عوائلهم النبأ عن طريق “مركز الدرك الملكي “أولاد افريحة” سد المسيرة والسلطة المحلية بقيادة “أولاد افريحة”، والذين توصلوا بدورهم ببرقية إخبارية من السلطات المختصة بإقليم الناظور”.

وتضيف مصادر “هوامش” من الناظور، أن الوفاة وقعت بعد سقوطهم من جرف عال، تحديدًا بـ”مقلع (عَلَّاشْ) قرب باريو تشينو المحاذي لسياج مليلية، بالتوازي مع مطاردات شنتها السلطات والجيش ضد المهاجرين”.

وهذا المعطى الأخير، تؤكده “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، في بيان لها “الأسباب غير معروفة بعد، لكن وفاتهم تأتي عندما نفذت السلطات مداهمات يومي الجمعة والسبت ضد المهاجرين”.

وتساءل الحقوقي عمر ناجي، رئيس فرع الناظور لـ”الجمعية”، في اتصال هاتفي مع “هوامش”، عن الكيفية التي “سقط بها أربعتهم في نفس المكان واللحظة، إذ لو كان السقوط دون سبب لسقط واحد وانتبه الآخرون وأخذوا حذرهم”.

وأشار الناشط البارز في قضايا الهجرة، أن المنطقة شهدت “مطاردات بالليل، وهو ما يشكل خطورة على المهاجرين أثناء فرارهم”، وأضاف “نجدد تحذيراتنا السابقة بالتوقف عن المداهمات والمطاردة ليلا، لما تسببه من خطورة على الأشخاص”.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أشارت في بيانها، إلى أن هذا ليس حدثا معزولا، إذ “شهدت الأيام الأخيرة من عام 2023 عدة مداهمات للشرطة ضد الشباب والقاصرين في بني انصار”.

ما تبقى من أغراض أحد المتوفين في المحجر

وتضيف أنه “تم اعتقال حوالي 30 شابا وقاصرا، وتم ترحيلهم في ظروف غير إنسانية إلى مدينة الدار البيضاء”، على بعد حوالي 600 كلم من الناظور ومليلية. 

وأعربت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الناظور، عبر صفحتها على “فيسبوك”، عن أسفها لأنهم “لم يعطوهم حتى حفنة من الأرز”.

وحول وفاة الشباب الأربعة، قالت الجمعية في منشور على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أنه في المكان الذي وجدت فيه الجثث “لم يبق سوى بعض شواهد هذه الفاجعة التي تجرم سياسات الهجرة المغربية والاسبانية القاتلة، دماء الشباب منتشرة على عدة صخور وأحذية رياضية كانوا يرتدونها”.

وأدانت الجمعية “سياسات الهجرة القاتلة المتبعة في منطقة الناظور منذ سنين والتي كان من نتائجها العديد من المجازر والفواجع لعل أبرزها مجزرة يوم 24/6/2022 وفاجعة 30/12/2023”.

ويخلص عمر ناجي، انطلاقًا من رصده وعمله على الأرض، أن “حدود الناظور ومليلية أصبحت الأكثر إماتةً للمهاجرين بالنسبة لحدود برية بالبلاد”.

حملات واعتقالات 

قالت السلطات المغربية يوم الاثنين أنها قامت بحملات واسعة النطاق نفذتها وحدات من الجيش بالتعاون مع السلطات في مدينتي المضيق- الفنيدق والناظور الشماليتين بالقرب من مدينتي سبتة ومليلية على التوالي. وبحسب المعلومات المقدمة، فقد اعتقل 1110 شخص أرادوا العبور إلى إسبانيا.

وذكرت القوات المسلحة الملكية، أن المداهمات نفذت ليلة الأحد إلى الإثنين وأنها “اعترضت وأخرجت مجموعات من المهاجرين” من الحدود البرية مع إسبانيا.

هذه الأنواع من العمليات شائعة في المنطقة، خصوصًا عندما يتزايد عدد المهاجرين في المناطق الشمالية؛ وهي تنطوي على “أعمال عنف وحشي”، وفق تعبير حقوقيين ينشطون في مجال الهجرة، وكثيرًا ما يُنقل المهاجرون قسرًا إلى الجنوب، على بعد مئات الكيلومترات، إلى مدن تيزنيت وأكادير، والمناطق الصحراوية كمدن طاطا ووارزازات، القريبة من الحدود مع الجزائر. 

وفي هذه الحملة، فإن الموقوفين ليسوا فقط مواطنين من جنوب الصحراء الكبرى، بل عدد كبير من المواطنين المغاربة كانوا من بينهم.

مغاربة ممنوعون من التنقل في بلادهم

حذرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من “إرضاء أوروبا’، حيث تقوم السلطات بـ”لعب دور الدركي الحارس لحدود مدينة مليلية المحتلة”، معتبرةً “على ما يبدوا أن الناظور بمثابة حدود أوروبية” يعامل فيها المغاربة أنفسهم “كمهاجرين في بلدهم لمجرد وجودهم في الناظور”.

وبحسب المنظمة، فإن الاعتقالات والنقل القسري الأخير لمئات المغاربة يمثل “تمييزا خطيرا يحرم المواطن المغربي من حرية التنقل في جميع أنحاء التراب الوطني”.

ولوحظ في الأسبوع الأخير من السنة المنصرمة (2023)، وبداية 2024 حملات مكثفة لمنع المهاجرين غير النظاميين من العبور نحو أوروبا، برا عبر سبتة ومليلية، وبحرا عبر جزر الكناري، وهو ما أوضحته بلاغات متتالية وشبه يومية للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية. 

صورة أرشيفية من المنطقة

وجاء في بلاغ للقيادة العامة يوم 3 يناير الجاري “اعترضت وحدات القوات المسلحة الملكية بتنسيق مع قوات حفظ النظام، خلال سنة 2023، حوالي 87 ألف مرشح للهجرة غير النظامية، ينحدر غالبيتهم من إفريقيا جنوب الصحراء”. أما على مستوى البحر فيفيد البلاغ أن “تكثيف مراقبة وحراسة المياه الإقليمية الوطنية مكن، خلال العام الماضي، من تقديم الإغاثة والمساعدة اللازمتين لأزيد من 22 ألف مرشح للهجرة غير النظامية”.

ومنذ مأساة مليلية، تم تشديد المراقبة المغربية حول سياج سبتة ومليلية؛ فهذا العام، لم تكن هناك أي محاولات كبيرة للعبور. وتمكن 161 شخصًا فقط من دخول مليلية عن طريق البر هذا العام مقارنة بـ1175 العام الماضي و 1092 في عام 2022.

وتم تسجيل آخر محاولة العبور إلى مليلية يوم الجمعة الأخير من العام الماضي، وأفادت الحكومة المحلية في مليلية أن مجموعة مكونة من حوالي 50 شخصا اقتربت من السياج الفاصل عند نقطة بين بني انصار وباريو تشينو، حيث تم تفعيل بروتوكول مكافحة التسلل. 

ووفق مصادر “هوامش” من الناظور، فإن الوجود القوي للقوات المغربية “حال دون اقترابهم وتفرقوا هاربين”.

أسباب هجرة المغاربة: “القهرة والحگرة والجورة”

في الـ7 من نونبر الماضي، سجلت محاولة من قبل مائة شابٍ مغربي، حاولوا القفز جماعيا من فوق السياج الفاصل مع مدينة مليلية المحتلة، قبل أن تتدخل السلطات المغربية من أجل منع مرور هؤلاء الشبان المغاربة، وهذا أمر غير عادي، ولكنه “يمثل علامة على التغيرات في مسار الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور في المغرب”، حسب آراء حقوقيين استشارتهم “هوامش”.

ويقسم فؤاد عبد المومني، الناشط الحقوقي والخبير الاقتصادي المغربي، “أهم دوافع وأسباب الهوس والرغبة في الهجرة بالشكل الذي الذي نشهده”، إلى ثلاثة أقسام رئيسية، هي: “القهرة، الحگرة والجورة”.

ويفسر المومني سبب “القهرة”، في تصريح لـ”هوامش”، “لأن الشباب لا يجد عملا، وعندما يجده؛ لا يكون إطلاقًا في الحدود الدنيا التي تعتبر مرضية وتحقق له ولأهله شروط العيش الكريم”.

ويوضح الخبير الاقتصادي أنه “في السنة الماضية فقد المغرب حوالي 400 ألف منصب شغل، مقارنة بالسنة التي سبقتها، بالتوازي مع زيادة نسبة الساكنة في سن النشاط بـ400 ألف، ما يعني أن الخصاص في مناصب الشغل إزداد بـ700 ألف؛ وهذا يجعل الخصاص بالنسبة للشباب يزيد بكثير على 50 بالمائة من حيث عدد مناصب الشغل”.

ويضيف، أنه عند إمعان النظر في الأرقام الرسمية لمناصب الشغل هذه، “نجد أن جزءًا مهمًا منها إما يعتبر شغلا ناقصا؛ لأن الوقت فيه والأجرة غير لا يكفيان، أو هو عمل غير مأجور (أشخاص يساعدون آباءهم في عمل لا يتقاضون عليه أجرا، وغالبا يكونون في القرى والبوادي)، أو عمل في القطاع غير المهيكل الذي غالبًا ما يكون فاقدًا للضمانات الدنيا التي تسمح بتسميته عملًا لائقا”.

وكل هذا “يؤدي إلى أن شبابنا لا يملكون ما يعيشون به، ولا ما يعيلون به عوائلهم ويضمنون به عيشةً محترمة”، يفسر المومني.

وبجانب القهرة، “هناك الحگرة، المتمثلة في رؤية الشباب لخيرات وطنهم وطاقاته الموجودة والمتوفرة، ولكنها مكرسة لأقلية قليلة جدًا؛ والتي تحتكر المال والسلطة والجاه، وكل ما هو إيجابي في هذا البلد”.

هذا الشباب، حسب المومني، “يرى نفسه محرومًا من كل شيء، في الوقت الذي هناك أقلية مرتبطة بأصحاب السلطة والمال والقوة تعيش في رغدٍ ونعيم؛ هو شباب معرض لأن يكون رافضًا وغير راضٍ على هذا الواقع”.

أما العنصر الثالث، أي “الجورة”/ الجوار، “فهو مرتبط بمشاهدة الشباب لأقرانهم في الدول الأخرى عبر الإعلام والأنترنت وغيرهما، وكذلك لمغاربة الخارج المنحدرين من محيطهم القريب، والذين يعودون ليحكوا تجاربهم ويعطون نماذج عن كيفية عيشهم، وبالتالي يصبح حلهم شبابنا هو الوصول إلى هذه الوضعية مهما كان الثمن” وفق تحليل الأمين العام السابق لـ”الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة”، (ترانسبرانسي المغرب) غير الحكومية.

أرقام رسمية: ارتفاع البطالة بالمغرب

تؤثر الأسباب التي سردها الخبير الاقتصادي، في المغرب بشدة على فئة الشباب، الذين يجدون صعوبة في الحصول على عمل لائق، ما يدفع البعض منهم إلى التفكير في الهجرة أو الإقدام عليها. وتطال البطالة بشكل خاص الشباب؛ إذ لا يتمكن أربعة من كل 10 شباب بين 15 و24 عامًا من العثور على عمل.

وارتفع معدل البطالة في المغرب إلى 13.5 بالمائة خلال الربع الثالث من العام المنصرم 2023، حسب أرقام حكومية. وقالت المندوبية السامية للتخطيط، في بيانٍ أصدرته يوم 1 نونبر الماضي؛ أن “معدل البطالة في البلاد ارتفع إلى 13.5 بالمائة خلال الربع الثالث 2023، مقارنة مع 11.4 بالمائة في الفترة نفسها من العام الماضي”.

وأظهرت البيانات الرسمية؛ “ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في السوق المحلية بمقدار 248 ألفا”، ليبلغ عددهم على المستوى الوطني “مليونًا و625 ألفًا”.

ووفق ذات البيان، “زاد معدل البطالة في الوسط الحضري من 15 بالمائة في الربع الثالث 2022، إلى 17 بالمائة خلال الربع الثالث 2023”. كما ارتفعت بطالة القرى إلى 7 بالمائة صعودا من 5.2 بالمائة على أساس سنوي، وبلغت “بطالة الشباب بين سن 15 و24 عاما نحو 38.2 بالمائة”.

وأفاد البيان بأن سوق العمل المغربي “فقد 297 ألف فرصة عمل خلال الربع الثالث من 2023″، لأسباب أبرزها الزلزال الذي ضرب مدنا عدة في البلاد في شتنبر الماضي.

محاربة الهجرة.. “الثمن الذي سيدفعه المغرب”

تعمل السلطات المغربية على الحد من الهجرة في البر والبحر، وكما تشن حملات بالمدن الحدودية على المهاجرين، تمنع رحلات القوارب من سواحل البلاد، وكذلك القادمة من دول الصحراء الكبرى إلى جزر الكناري. 

وانخفض عدد المهاجرين عبر المحيط الأطلسي بشكل ملحوظ خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023.

ويدرك المغرب أن وضعية الهجرة في إسبانيا – وفي أوروبا – متوترة وحساسة، ليس فقط على المستوى الإنساني والإداري، ولكن أيضا على المستوى السياسي. ولا تستطيع حكومة بيدرو سانشيز تحقيق توازن إيجابي في إدارتها للهجرة، على الأقل في منع الوافدين. وتختم إسبانيا عامها بأكبر عدد من الوافدين منذ أزمة 2018، مع زيادة في الهجرة غير النظامية بأكثر من 70 بالمئة مقارنة بعام 2022. 

وهناك أكثر من 53 ألف مهاجر دخلوا بشكل غير نظامي في عام 2023، أي ما يناهز 80 بالمئة أكثر مما كانت عليه في عام 2022.

وزار وزير الداخلية، فرناندو غراندي مارلاسكا، السنغال ومالي والمغرب في الأشهر الأخيرة في محاولة لوقف تدفق المهاجرين، ولكن باستثناء اتفاقات لتعزيز المراقبة، لم يتمكن من زيادة العدد المنخفض لعمليات إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. وتلك إحدى التحديات الكبرى التي يواجهها الميثاق الأوروبي الجديد بشأن الهجرة واللجوء.

وهي أيضاً القضية الكبرى المعلقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يواجه انتخابات يونيو المقبل، مقتنعًا بأن قضية الهجرة ستكون محورًا مركزيًا في الحملات الانتخابية، في مناخ سياسي يشهد صعودًا واسع النطاق لتشكيلات اليمين المتطرف.

فكرة العودة الجماعية هي طرح متكرر لليمين المتطرف، رغم أن ترحيل المهاجرين لا يعتمد على الإطلاق على بلدان العبور، بل على بلدانهم الأصلية التي يجب أن تستقبلهم.

وكان مارلاسكا واضحا بشأن هذا الأمر في مداخلته الأخيرة في الكونجرس الإسباني (مجلس الشيوخ) بالقول “هل تعتقدون أن الدول، في ظل الظروف الاقتصادية والشخصية التي تعيشها، ستقبل عودة مواطنيها؟ هل تعلمون ما الذي يمثلونه؟، على سبيل المثال، في السنغال، وفي غامبيا، وفي غينيا كوناكري، التحويلات المالية من المهاجرين، تصل إلى ما بين 10 بالمئة و15 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، ولا يبقى سوى أن نرى الثمن الذي سيدفعه المغرب، البلد الأصلي الرئيسي للمهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا، لتنفيذ آلية العودة”.

على ضوء ميثاق الهجرة الجديد 

وتأتي الحملات المغربية ضد المهاجرين، عقب موافقة الاتحاد الأوروبي مؤخرًا، بعد سنوات من المفاوضات، على ميثاق الهجرة واللجوء الذي يضفي الطابع الرسمي على سياسات الهجرة، وهو “ما قد يكون نهاية حق أساسي مثل حق اللجوء”، حسب العديد من المنظمات الحقوقية التي ترفضه.

ومؤخرا، وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية أيضا على قانون الهجرة المثير للجدل، والذي وصفته زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، مارين لوبان، بأنه “نصر أيديولوجي”.

وفي مقال رأي، نشرته صحيفة “لاخورنادا”، يرى ميغيل أوربان، وهو عضو يساري في البرلمان الأوروبي، أن هذا الميثاق هو “صورة لقوة أجندة حقيقية لليمين المتطرف، والتي صارت هي القدرة الوحيدة على تحديد سياسات الهجرة واللجوء”. 

ويقول أوربان، “إن ما ظل علماء الاجتماع الفرنسيون يصنفونه لسنوات على أنه تجذير لأرواح السياسة الأوروبية، هو ذلك النصر الأيديولوجي الذي تعلنه لوبان بنفسها. ومن الأمثلة الجيدة على قدرة اليمين المتطرف على وضع الأجندة الأوروبية، وحتى المؤسسية، هو ميثاق الهجرة واللجوء ذاته، والذي يلغي بضربة واحدة الحصص الإلزامية لتوزيع اللاجئين”.

وشدد أوربان على أنه “انتصار سياسي واضح للحكومتين اليمينيتين المتطرفتين في بولندا والمجر، اللتين جعلتا من نظام الحصص أحد خيول المعركة الرئيسية مع بروكسل. بالإضافة إلى تجريم نشاط منظمات البحث والإنقاذ غير الحكومية في البحر الأبيض المتوسط ​​كما طالبت حكومة ميلوني الفاشية الجديدة بإيطاليا”.

هذا الميثاق، هو الإطار التشريعي الذي يضفي الشرعية على سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي القائمة على إضفاء الطابع الخارجي على مراقبة الحدود. ورغم أنها بدأت مع اتفاقية شنغن (1991)، إلا أنها تكثفت منذ مؤتمر فاليتا (2015). 

ويتضمن هذا الاتفاق مزيدا من عسكرة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي؛ عبر إضفاء الطابع الخارجي على مراقبة الهجرة؛ باستخدام جميع الأسلحة وتكنولوجيا تحديد الهوية البيومترية، أو ما يسمى بالحدود الذكية، المتاحة في السوق.

وتعتبر الخبيرة في مجال الهجرة، الإسبانية، كريستينا فوينتيس لارا، أن “عام 2023 هو العام الذي تم فيه ترسيخ نموذج الهجرة، حيث لا يكون المهم هو الأشخاص، بل عدم رؤية بعضهم البعض”.

وترى فونتيس أن الإستراتيجية الجديدة للهجرة، بسيطة ويتم تنظيمها في ثلاث خطوات؛ “فأولا، عسكرة وتوفير التكنولوجيا المتطورة والموارد الاقتصادية لبلدان المنشأ وعبور المهاجرين، مثل النيجر والسنغال ومالي، لوقف طريق الهجرة مهما كانت الظروف”. 

ثانيا، حسب فونتيس دائمًا؛ إذا تمكن المهاجرون من الوصول إلى الحدود الأوروبية، “فقد تقوم الدول الحدودية مثل المغرب وتونس وتركيا بقمعهم أو تنظيمهم”.

ثالثًا، إذا تمكنوا من دخول أوروبا، “يجب إنشاء آليات العودة من خلال المعاهدات مع بلدان الأصل والعبور؛ وجعل حياتهم معقدة قدر الإمكان. وهذا هو الاتجاه الذي تتجه إليه فرنسا وألمانيا وهولندا”.

وجدير بالذكر أن العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، على رأسها منظمة العفو الدولية، ومنظمة أوكسفام، واللجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين، ومنظمة أطباء بلا حدود، أدانت هذا القانون، وطالبت بأن “تكون حقوق الإنسان في صميم الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء”.

وقالت المنظمات في بيان مشترك، أنه في السنوات الأخيرة، “كانت هناك انتهاكات خطيرة لحقوق المهاجرين واللاجئين في أوروبا مثل العودة الجماعية، وتعليق حق اللجوء، والاحتجاز التعسفي، والمعاملة التمييزية لطالبي اللجوء، في حين زاد في الوقت نفسه تجريم أنشطة الإنقاذ والإنقاذ من قبل منظمات المجتمع المدني”.

وأضافت “مع هذا الميثاق، ستلزم إجراءات الاحتجاز الحدودي الناس بالبقاء في المرافق الحدودية ومناطق العبور، وغيرها من الأماكن في أراضي البلاد، مع مساعدة مخفضة، وفترات تصل إلى خمسة أشهر. وبالمثل، قد لا يتم إعفاء الأشخاص الضعفاء بشكل خاص، بما في ذلك الأطفال وأسرهم، من تطبيق الإجراءات الحدودية مع ضمانات قانونية أقل وسبل انتصاف فعالة”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram