الرئيسية

“غادِي تْبَاتْ” .. بين قانون الصحافة  و”العقل الباطن للسلطة”

"غادي تبات" عبارة قالها ضابط شرطة للصحافي عبد المجيد أمياي، مدير موقع "شمس بوست"، قبل ايقافه من المقهى، يوم الخميس 05 أكتوبر 2023، حسب ما صرح به محاميه مراد زيبوح في حديثه لـ"هوامش"، كاشفا بذلك حلقة من "سلسلة خروقات" شابت ملف متابعة أمياي بتهمتي "بث وتوزيع وقائع كاذبة" و"إهانة موظف عمومي بسبب قيامه بمهامه"، على خلفية شكاية من والي جهة الشرق حول تدوينة له. وهي المتابعة التي أعادت النقاش مجددا، بين أوساط الصحافيين والمهتمين بحرية الرأي والتعبير والرأي العام، عن جدوى وجود القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، في ظل استمرار متابعة الصحافيين بفصول القانون الجنائي.

هوامش  

 انضم الصحافي عبد المجيد أمياي، مدير موقع شمس بوست، إلى ركب زملائه المتابعين بناء على فصول القانون الجنائي، إثر شكاية تقدم بها والي جهة الشرق على خلفية تدوينة على منصة فايسبوك، انتهت باعتقال أمياي ثم قررت المحكمة متابعته في حالة سراح، ثم قررت تأجيل الجلسة الأولى إلى يوم 28 دجنبر المقبل، بطلب من دفاع الصحافي. 

ورغم إطلاق سراحه بعد حملة تضامن واسعة، فإن متابعة الصحافي بتهم منصوص عليها في القانون الجنائي، عوضا عن قانون الصحافة والنشر، أعادت التساؤل مجددا حول جدوى هذا الأخير، ودوافع الاستغناء عنه في عدد من المتابعات بحق الصحافيين، خاصة وأن الجسم المهني استبشر به لحظة صدوره، باعتباره خاليا من العقوبات السالبة للحرية. 

“غادي تبات”.. في البدء كان الخرق

في حديث مع هوامش، يعيد مراد زيبوح، عضو هيأة دفاع أمياي، تفكيك “سلسلة الخروقات” التي تضمنها ملف مؤازره، ويعتبر أن أولى حلقاتها استماع النيابة العامة إلى المشتكي؛ ويوضح “كون الأمر يتعلق بتدوينة أو خاطرة لا تحمل أي إشارة أو تلميح يثير انتباه قارئها إلى أن مضمونها يتعلق بمسؤول عمومي معين”؛ كان يفرض حسب المتحدث “استعمال النيابة العامة لسلطتها التقديرية، عبر حفظ الملف، لعدم توفرها على أية قرينة”. 

أما الخرق الثاني حسب زيبوح، الذي يؤازر أمياي أيضا بصفته عضو المجلس الوطني للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، فيتمثل في استعمال عبارة “غادي تبات” في حق مدير موقع شمس بوست، دونما صدور قرار باعتقاله في البداية؛ حسبما أكدت له النيابة العامة خلال الساعات الأولى لتوقيف أمياي من داخل المقهى. وإن كانت حسب المتحدث “لم تستطع تبرير توجه الشرطة مباشرة للقيام بذلك”. 

وكشف المحامي مراد زيبوح في حديثه لـ “هوامش” عن “خرق آخر، وهذه المرة للمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية؛ إذ تم رفض طلب هيئة الدفاع زيارة مؤازرها بدعوى أن الصحافي لم يوضع في الحراسة النظرية بعد، لكي يتم السماح بزيارته”. إلا أن هذا “الخطأ” حسب المتحدث تم “تداركه إثر اتصال بين السيد وكيل الملك ونقابة المحامين بوجدة”.

أمياي..صحافي آخر مهدد بسلب الحرية؟

حسب المحامي مراد زيبوح، فإن “أبرز خرق” كشف عنه ملف الصحافي عبد المجيد أمياي يتمثل في متابعته بالفصلين 2/447 و263 من القانون الجنائي، عوض متابعته بالقانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر؛ حيث أن “صفة الصحافي حينما يمارس مهامه، في ارتباط مع الشأن العام  (…) تبقى ثابتة سواء تم ذلك في موقع إلكتروني أو في مواقع التواصل الاجتماعي”.

وعلى عكس القانون 88.13، فإن الفصلين المذكورين من القانون الجنائي، يتضمنان عقوبات سالبة للحرية؛ حيث أن الفقرة 2 من الفصل 447، التي أضافها قانون محاربة العنف ضد النساء، إلى القانون الجنائي المتعلق بحماية الحق في الخصوصية تنص على أنه “يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم”.

وبموجب الفصل 263 من القانون الجنائي، فإن “إهانة موظف عمومي بسبب قيامه بمهامه”، التهمة الثانية التي وجهت للصحافي عبد المجيد أمياي، تتراوح عقوبتها بين شهر وسنة سجنا نافذا، وغرامة  من مئتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم.

عبد المجيد أمياي، ليس الصحافي الوحيد “المهدد بسلب حريته” بسبب متابعته بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، إذ أن الصحافية حنان باكور، التي شغلت سابقا منصب رئيسة تحرير موقع “اليوم 24” تحاكم بدورها بتهمة “بث وتوزيع وقائع كاذبة”، وهي نفس تهمة أمياي، والمنصوص عليها في الفقرة 2 من الفصل 447، على خلفية شكاية تقدم بها حزب التجمع الوطني للأحرار، بخصوص تدوينة أخذت فيها على التجمعية امباركة بوعيدة،  انتخابها رئيسة لجهة كلميم واد نون، تزامنا مع وفاة البرلماني “البامي” عبد الوهاب بلفقيه.

وورد في تدوينة بكور، التي أرفقتها بصورة تجمع بوعيدة وبلفقيه، “وهو بين الحياة والموت… كانت “تزف” بكل أريحية…دون حتى تأجيل لمعرفة مصير ابن البلدة والزميل…والبشر!!! السياسة بنت كلب فعلا”

وجاءت متابعة بكور بعد شكاية ضدها من رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الحكومة، قد لاقت ردود فعل واسعة من عدد من المنظمات الدولية والوطنية، وضمنها منظمة العفو الدولية، التي قالت إنه “لأمر صادم وثقيل الوطأة وغير منطقي أن تواجه صحافية تهما رئيسية بسبب منشور لها على فيسبوك، انتقدت فيه الحزب السياسي الرئيسي في المغرب”، وذكرت المنظمة أنه “في عام 2022 وحده، حققت السلطات مع ما لا يقل عن سبعة صحافيين وناشطين، بسبب انتقادهم للحكومة”. 

القانون رقم 88.13 و”العقل الباطن” للسلطة

على غرار “أمنيستي”، نبهت العديد من المنظمات الدولية الناشطة في مجال حرية الصحافة وحقوق الإنسان، إلى تطبيق المغرب للقانون الجنائي في القضايا المتصلة بجرائم التعبير السلمي “دون اعتبار لقانون الصحافة والنشر رقم 88.13”. 

ومن بين هذه المنظمات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي اعتبر في تقرير أصدره في يوليوز 2021، أن هذا الأمر يشكل “مخالفة صريحة” لنص المادة 17 من قانون الصحافة والنشر، الفقرة الأخيرة منها تحديدا، ودليلا على “تعارض القوانين المغربية، الذي يستلزم مراجعتها وتعديل جميع النصوص المتعارضة والالتزام بتطبيق القوانين ذات العلاقة”.

تنص الفقرة الأخيرة من المادة 17 على عدم سريان أحكام القوانين الأخرى على “كل ما ورد فيه نص صريح في مدونة الصحافة والنشر”. وبخلاف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي رأى فيها دليلا على تعارض القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر. 

ويعتبر الصحافي والأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، يونس مسكين في حديثه لـ “هوامش” أن الفقرة المذكورة تشكل “جسرا بين القانونين”، حيث أنه وفقا لمبدأ المخالفة، يتعلق الأمر بـ كل الجرائم التي لـم ينص عليها قانون الصحافة والنشر، والتي تخضع للقوانين الأخرى، خاصة منها القانون الجنائي، وإن ارتكبت بواسطة وسيلة إعلامية، وذلك مثل جرائم الإساءة للمقدسات، وكل ما يتعلق بالمس بالوقار الواجب للملك والإساءة للعلم الوطني والوحدة الترابية والدين الإسلامي”. 

وبالتالي، حسب مسكين، وفقا لنفس المبدأ، تفتح الفقرة “الجسر”، ويضاف إلى ذلك إمكانية  تطبيق عقوبات مثل الحجب الإلكتروني ومنع النشر بناء على القانون الجنائي، وهو ما يجعل حماية الصحافيين من المحاكمة بموجب القانون الجنائي في قضايا النشر غير واضحة. 

ويُذكر المتحدث بمبادرة الحكومة لتعديل القانون رقم 88.13 عقب دخوله حيز التطبيق، عبر مشروع قانون يقضي بفصل ما اعتبرته جرائم للحق العام ترتكب بواسطة الصحافة، عن القانون الخاص بالصحافة والنشر، وإعادتها إلى القانون الجنائي. وهي المبادرة التي “فتحت المجال أمام متابعة الصحافيين بموجب القانون الجنائي في قضايا متعلقة بالنشر، والذي لا يقتصر على الغرامات بل يتجاوزه إلى العقوبات السالبة للحرية”.

 ويلفت مسكين إلى أن “الممارسة أبانت أن القانون الجديد لمحاربة العنف ضد النساء، الذي دخل حيز التطبيق في سنة 2018، وكان مرتقبا أن يعاقب من يستهدفون النساء بالعنف، بما في ذلك العنف الرقمي، قد جرى توظيف بعض مقتضياته لملاحقة نشطاء وصحافيين وإنزال عقوبات سجنية بهم، كالصحافيين عبد المجيد أمياي وحنان بكور”.

وبناء على ذلك يعتبر مسكين أن الأمر لا يتصل بـ”مشكلة في القوانين”، بل يتعلق “بمنطق يستقر في عمق العقل الباطن للسلطة في المغرب، يصرّ على إبقاء الصحافة والنشر ومختلف أنواع التعبيرات، تحت طائلة القانون الجنائي”. 

بينما يرى عضو المجلس الوطني للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، مراد زيبوح، أن استمرار متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر، رغم الدعوات الملكية المتواصلة لتطوير القانون الجنائي، دليل على أن المغرب يسير بسرعتين: الأولى “تطمح إلى جعل المغرب في مصاف الدول المتقدمة على مستوى التشريعات والحقوق والحريات”، والثانية تسير بها “قوى النكوص، التي لا ترى في التجديد ما يلبي حاجاتها”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram