الرئيسية

مكالمة هاتفية تقلب حياة 19 طالبا بجامعة القاضي عياض بمراكش

بعد الفرحة والاحتفال بالنجاح في سلك الدكتوراه، تلقى 19 طالبا بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش مكالمة تنهي حلمهم. منصة هوامش حاولت تتبع خيوط هذه القصة، والكشف عن تفاصيلها، ووصلت إلى بعض الطلبة المعنيين بالواقعة، فيما امتنعت إدارة الكلية عن الإدلاء بأي تصريح.

مكالمة هاتفية واحدة كانت كفيلة بقلب حياة عمر (اسم مستعار) رأسا على عقب، وهو الشأن نفسه بالنسبة لمجموعة من زملائه في سلك الدكتوراه. فقد تلقى 19 طالبة وطالبا مكالمات هاتفية، تطلب منهم سحب ملفاتهم من الجامعة، ما يعني التخلي عن حلم الدكتوراه. هذه المكالمات توصلوا بها بعد اجتيازهم بنجاح جميع امتحانات ولوج سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية بمراكش، ونشر أسمائهم في اللائحة النهائية للطلبة الناجحين. 

وحسب عبد الرحيم بنبعيدة، النائب البرلماني، فإن “الغريب في هذه الواقعة هو أن هؤلاء الطلبة اجتازوا جميع الاختبارات بنجاح، بل وتم نشر أسمائهم ضمن اللائحة النهائية بالموقع المخصص لسلك الدكتوراه”.

وأضاف نفس المصدر، في سؤال كتابي، وجهه بتاريخ 8 يناير الماضي، إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أن مصالح كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، “أقدمت في خطوة غريبة وغير مفهومة، بعد نشرها النتائج النهائية الخاصة بسلك الدكتوراه، على استدعاء مجموعة من الطلبة الموجودة أسماؤهم باللائحة النهائية ومطالبتهم بسحب ملفاتهم لأن هناك مشكلة في التسجيل”.

فرحة النجاح.. خطوة على طريق الحلم

صيف سنة 2013، كانت فرحة عمر لا توصف، انهالت التهاني عليه وعلى أسرته من طرف العائلة والأصدقاء والمعارف، فقد تمكن من الحصول على شهادة البكالوريا في شعبة الآداب، وسيغادر إلى المدينة الحمراء، على بعد نحو 500 كيلومترا شمال بلدته، انطلقت الحافلة تشق الصحراء ومنعرجات مدينتي تيزنيت وأكادير، وحقول شيشاوة للوصول إلى مراكش.

نفس الطريق سلكتها الحافلة بعمر ذهابا وإيابا طيلة سنوات دراسته بسلك الإجازة، وفي صيف 2021 نجح في امتحانات السنة الأخيرة لشعبة القانون الخاص، وتأبط شهادة الإجازة أخيرا، ليبدأ مشواره بسلك الماستر، سنتان مرتا بسرعة وحان موعد التباري على مقعد في سلك الدكتوراه، “موعد مع الفرحة الكبرى”.

انطلقت عملية التسجيل بسلك الدكتوراه بجامعة القاضي عياض، يوم 19 يوليوز 2023. “تمر العملية من مراحل مختلفة تبدأ بمرحلة التسجيل القبلي عبر المنصة، من خلال تعبئة مجموعة من المعلومات والمعطيات الخاصة بالمترشح، مع التزام تام بالتصريح بما يتوافق مع ما هو موجود بالوثائق والشواهد المتعلقة به”، يقول عمر. 

بعد انتهاء عملية التسجيل القبلي أتت مرحلة الانتقاء الأولي، اسم عمر ظهر ضمن لائحة أسماء الطلبة المدعوين لاجتياز الامتحان الكتابي. نجح في الخطوة الأولى في الطريق نحو إنجاز أطروحته.

في الرابع عشر من شهر أكتوبر اجتاز المترشحون الاختبار الكتابي، وبدأ الترقب يخيم على المترشحين في انتظار الإعلان عن النتائج، لم تكن المدة طويلة ولكن الانتظار يحولها إلى زمن لا نهاية له.

بعد خمسة أيام، وتحديدا يوم التاسع عشر من نفس الشهر، ظهرت النتائج ببشرى خير لعمر، إذ طلب منه ومن بقية الناجحين، الإدلاء يوم 28 أكتوبر بملف يحتوي على نسخ من الوثائق والشواهد المطلوبة، لاجتياز مقابلة شفوية، قبل الإعلان عن اللائحة النهائية للمترشحين المدعوين لوضع ملفات التسجيل الإداري.

انتهت المقابلة الشفوية وخلصت نتائجها إلى الإعلان عن أسماء 259 مترشحا في جميع شعب الدكتوراه، يوم 3 نونبر 2023، تم قبولهم بصفة نهائية في كلية العلوم القانونية والاقتصادية، بجامعة القاضي عياض، “أُدرِجت أسماؤُنا ضمن اللائحة النهائية باعتبارنا من ضمن الناجحين في هذه المباراة” يصرح عمر لمنصة هوامش.

إلى هنا كانت الأمور عادية، تقول بشرى، وهي واحدة من الطلبة الـ 19 الناجحين، “ملأت الاستمارة بالمعلومات الصحيحة حول تاريخ التسجيل والحصول على الشواهد، ولكن بعد اجتياز الامتحانات بنجاح والشروع في إنجاز أطروحتي، تلقيت اتصالا هاتفيا من موظف بالكلية يطلب مني الالتحاق بالإدارة لسحب ملفي، أخبروني أن هناك خطأً في استمارة التسجيل القبلي”، مضيفة أن ذلك “شكل صدمة لنا، خصوصا وأننا أخبرنا عائلاتنا والمقربين بخبر نجاحنا، بعد الإعلان عن اللوائح النهائية، واستِدعائنا للقاء التواصلي، والشروع في الاشتغال مع الأساتذة المشرفين”.

أما عمر فيقول “فقدت فرصة ولوج سلك الدكتوراه في مدينة فاس بعد قبولي في مرحلة الانتقاء، حيث قمت بسحب ملف التسجيل بعدما رأيت اسمي في اللائحة النهائية لكلية العلوم القانونية بجامعة القاضي عياض بمراكش، وفضلت التسجيل في هذه الأخيرة”.

الصدمة.. بريد إلكتروني ومكالمة يقلبان حياتهم

يقول محدثنا أنه “بعد افتحاص وثائق الملف والتحقق منها من طرف الموظف المكلف، تسلمنا شهادة إيداع الملف، وبعد مرور 22 يوما توصلت إلى جانب الطلبة المدرجة أسماؤهم في اللائحة النهائية، ببريد إلكتروني يخبرنا أننا مدعوون لحضور لقاء تواصلي منظم من طرف الإدارة، تحت إشراف رئيس قطب الدكتوراه ومدير المركز، لصالح الطلبة المسجلين الجدد”.

في الثاني من شهر دجنبر الماضي، حضر كل الطلبة، الموجودة أسمائهم في اللوائح النهائية، لقاء تواصليا نظم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض، حيث تم تقديم عرض حضره مدير مركز الدكتوراه، لتعريف الطلبة بمنصة للتعلم تدعى “روزيتا” (Rosetta) والمهارات الحياتية الخاصة باللغات الأجنبية، كما كان فرصة للقاء الطلبة بأساتذتهم المشرفين، وبعد اللقاء التواصلي شرع الطلاب مع أساتذتهم في تحديد لوائح المراجع وإنجاز اطروحاتهم.

يضيف عمر، “في تلك الأثناء بدأت تحوم شائعات في أرجاء الكلية وبين صفوف الطلبة، تفيد باتخاذ إجراءات إدارية في حق عدد من طلبة سلك الدكتوراه، حيث بلغ إلى مسامع بعض الطلبة أن هناك مشكلة في التسجيل، ولكن لم نعلم بتفاصيل المشكلة حينها”.

مساء يوم 11 يناير 2024، توصل عمر باتصال هاتفي من رقم مجهول فلم يرد على المتصل، وبعد ثوان جاء اتصال من رقم هاتف نقال يظهر أنه لإدارة الكلية، وفق ما اطلعت عليه منصة هوامش في سجل المكالمات على هاتف محدثنا، يقول عمر “الصوت من الجهة الأخرى قدم لي نفسه على أنه موظف في الكلية، وطلب مني الحضور من أجل سحب ملف التسجيل دون الكشف عن السبب”. نفس الأمر تؤكده الطالبة بشرى التي بدورها تلقت بعد أيام اتصالا هاتفيا من موظف يطلب منها الحضور لسحب ملفها.

المكالمة الهاتفية قلبت حياة 19 طالبا في سلك الدكتوراه، توضح بشرى، “بل الأكثر من ذلك حتى الأساتذة المشرفون لم يكونوا يعلمون شيئا عن الموضوع، عندما استفسرت الأستاذ الذي يشرف على رسالتي للدكتوراه عن الموضوع تبين أنه لا يدري، وإلى حدود الساعة ما زلت أشتغل معه على الرسالة إلى حين الوصول إلى حل لهذه المشكلة، بالرغم مما سببه الأمر من أضرار نفسية”. 

نظام “سكور SCOR”.. مبرر الإدارة

وفق تصريح كل من عمر وبشرى، فإن الإدارة أوضحت لهم أنها طلبت منهم سحب ملفات تسجيلهم بعد قطع جميع مراحل الاختبارات بنجاح، بسبب تعبئة استمارات التسجيل القبلي للترشح لاجتياز مباراة الولوج، وبالتحديد يتعلق الأمر بعدم الإدلاء بالمعطيات الصحيحة بخصوص سنوات التسجيل في بعض الوحدات، رغم أن الاستمارة تتضمن خانة أخرى تشير إلى سنوات الإجازة والماستر الصحيحة.

هذا الخطأ يبرره الطلبة بكون عملية التسجيل تتم بشكل آلي كل سنة، كما سبق وأدلى الطلبة بالمعطيات الصحيحة في مقدمة الاستمارة والسيرة الذاتية، وأرجعوا ذلك إلى جهلهم بنظام المنصة الرقمية للتسجيل القبلي. 

وأوضح الطلبة الذين تحدثنا إليهم أنهم سبق وقدموا نسخا من الوثائق والشواهد أثناء اجتياز المقابلة الشفوية، فضلا عن أن أسماءهم وردت ضمن لائحة الناجحين في الاختبار الكتابي والمقابلة الشفوية. وأوضح النائب البرلماني، وأستاذ القانون، عبد الرحيم بنبعيدة، أن “عملية فرز الملفات كان يمكن القيام بها قبل نشر النتائج النهائية”.

ويرى الطلبة أن المبرر الذي قدمته إدارة الكلية شفهيا غير مقنع، حيث أوضحت لهم أن نظام الانتقاء “Scor”، أظهر بعد إدخال عدد سنوات التسجيل الصحيحة، أن الطلبة غير مقبُولين لاجتياز الامتحانات، دون تقديم أي توضيح لهذا النظام، وسبب عدم إجراء عملية التدقيق قبل الإعلان عن أسماء المستدعين لاجتياز الاختبار الكتابي، ثم نجاحهم في المقابلة الشفوية، وظهور أسمائهم ضمن اللوائح النهائية مما يخول لهم إنجاز اطروحاتهم تحت إشراف أساتذتهم.

وامتنع عميد كلية القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، خلال مقابلة مع صحافي هوامش عن الإدلاء بأي تصريح في الموضوع، مؤكدا أنه سيتم الكشف خلال أيام عن الجواب بشأن ماحدث، على خلفية سؤال النائب البرلماني عبد الرحيم بنبعيدة.

على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، وجه الطلبة المعنيون مراسلاتهم وتَظلماتهم إلى كل من وزارة التعليم العالي، والبرلمان، ومؤسسة الوسيط، إضافة إلى رئاسة الجامعة، دون أن يتوصلوا بأي جواب. وأوضح هؤلاء الطلبة أن إدارة الكلية عقدت معهم اجتماعا حضره العميد وبقية نوابه والكاتب العام، ولم تتوصل معهم إلى أي حل، وفي نفس الوقت لم تمكنهم من شواهد التسجيل النهائي.

وطالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع المنارة، في رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي، بإجراء “تحقيق شفاف ونزيه وترتيب الآثار القانونية في النازلة، واحترام المعايير المتعارف عليها للقبول في سلك الدكتوراه، وأساسا التفوق والكفاءة، مع إيجاد حل واقعي وعملي يمكن الطلبة المُشتكين من الإنصاف وعدم تفويت فرصة استكمال دراستهم”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram