الرئيسية

هامش من يوميات عبد الرزاق…  صديق نوارس وادي أبي رقراق

من باب الرحبة بمدينة الرباط، المؤدية إلى وادي أبي رقراق، وبين أزقتها الضيقة وباعة الخردة الذين يصطفون بجانب بعضهم البعض، تنطلق حكاية عبد الرزاق، "صديق النوارس" الذي اعتاد على إطعامها على مدار الفصول الأربعة.

حسناء عتيب

منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومع نفحات الصبح الأولى، اعتاد عبد الرزاق، في الصيف كما في الشتاء، الخروج يوميا من منزله في نفس الساعة وكل أيام الأسبوع.  يفتتح عبد الرزاق يومه بجولة بين المطاعم الصغيرة والكبيرة، يجمع بقايا الطعام وما يجود به أصحاب محلات المطاعم؛ ليطعم بها نوارس وادي أبي رقراق. يصنف عبد الرزاق نشاطه هذا ضمن خانة الأعمال الخيرية.

في الثمانين من عمره،  عبد الرزاق قليل الكلام لكنه كثير الفعل. لا يٌعرف عن حياته الشخصية الكثير،  سوى أن لديه من الأبناء اثنان وأنه “بدون عمل”. لكن الروايات الشفهية تضيف أن زوجته سيدة ثرية تملك العديد من العقارات مخصصة للكراء، وأنه بفضلها يعيش مرتاح البال. 

منتصباً وكأنه يأبى الاستسلام لعوادي الزمن، قصير القامة، أبيض البشرة، تحكي تجاعيد وجهه وصفاء عينيه إنسانية رجل وهب حياته لهواية أحبها منذ كان صغيرًا؛ مستمتعًا كل يوم بما يقوم به دون كلل أو ملل، وهي إطعام النوارس.

كل يوم يجر عربة صغيرة، هي وسيلة نقل الطعام لنوارس نهر أبي رقراق الذي يفصل الرباط عن جارتها سلا،  يشق نفس الطريق يوميًا، يجوب الأزقة الضيقة للمدينة القديمة لعاصمة المملكة الإدارية، بحثًا عما يسد به رمق النوارس التي تنتظره كل يوم لتتغذى على ما جاد به أصحاب المطاعم لصديقهم عبد الرزاق، بالرغم من وجود قوارب صيد البحارة، لكنهم لا يخلفون الميعاد كما لا يٌخلفها هٌو.

حراس المدينة

عند الوادي تبدو السماء صفحة بيضاء من سحب كأنها عهن منفوش، تبدو النوارس البحرية من بعيد وهي تحتل أسطح المنازل وكأنهم حراس المدينة يحمونها من غدر الزمان. و حينما تراه من بعيد وهو يجر عربته الصغيرة، مطأطأ الرأس، وتارة متأملا الطريق،  تطير نحوه وهي تدور وتدور حوله، بصياح الفرحة لقدومه. جمالية المشهد وروعته تنقل المارّة إلى عالم سحري مليء بالعطف والإنسانية قل نظيره.

يقترب من المكان الذي اعتاد فيه وضع الطعام لها، تقترب منه لتنزل بجناحيها إلى مأدبة الطعام، تتناول على عجل ثم تطير بعدها مسرعة وكأن لديها موعدًا آخر، ينتقل بعدها عبد الرزاق إلى جمع بقايا الخبز الذي كان ضمن قائمة الطعام التي أحضرها لهم بواسطة لوحة خشب، يحتفظ بها عبد الرزاق لمثل هذه المهمات، ثم يرمي بالخبز إلى البحر حتى تقتات منه أسماك الوادي؛ فغذاؤها أيضًا ضمن قائمة الأهداف التي سطرها عبد الرزاق طوال السنين الماضية، وبعد أن ينتهي من كل هذا،  ينظف المكان، ويرحل تاركًا كل من كان يراقب المشهد من بعيدٍ، فاغرًا فاه.

الكل يعرف عبد الرزاق، يكفي أن تسأل عمال المقاهي المجاورة لمارينا الرباط، أو أحد سكان المدينة القديمة عن موعد قدوم صديق النوارس؛ ليجيبك فورا: “سيأتي بعد قليل، إنه لا يخلف ميعاده مع النوارس أبدًا”.

تهجره في مارس

طفرة البنيان والعمران التي بدت على جانبي وادي أبي رقراق، و الذي يفصل بين مدينتي سلا والرباط، غيرت طريقة عيش النوارس؛ فبعد أن كانت تقضي الفصول الأربعة كلها بالميناء، أصبحت اليوم تغادر في شهر مارس لتعود بعدها في الصيف .

الزيتوني أحمد، مهتم بمجال الطيور بمدينة الرباط، قال في تصريح لمنصة هوامش أن  “معظم أنواع النوارس مهاجرة، حيث تنتقل الطيور إلى موائل أكثر دفئًا خلال فصل الشتاء، لكن مدى هجرتها يختلف باختلاف الأنواع. يهاجر البعض لمسافات طويلة، فيما تتنقل الأنواع الأخرى لمسافات أقصر، وقد تنتشر ببساطة على طول السواحل بالقرب من مواقع تكاثرها.

وأضاف أحمد، أنها تتميز بالقدرة على شرب المياه المالحة، لأن بإمكانها امتصاص الأملاح الزائدة وفرزها مما لا يؤثر في عملياتها الحيوية”، مشيراً إلى أنه يعد من الطيور المهمة لنظافة البيئة، حيث يقوم بكنس الشواطئ ليتغذى على البقايا والفضلات الكثيرة التي يجدها على هذه الشواطئ.

وأشار أحمد إلى أن كميات كبيرة جداً من النوارس توجد في المغرب على الشواطئ والمحميات الطبيعية ومناطق الصرف الصحي، مضيفاً أنها “مهددة بفقدان موائلها الطبيعية، بسبب الامتداد السكاني على حساب الموائل الطبيعية، خصوصاً في المناطق الساحلية، علماً أنها تأقلمت في كثير من الأماكن على وجود البشر، بل والتقاط الأكل من أياديهم عند شعورها بالأمان وإطعامها بصورة مستمرة، كما هو الحال .

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram