الرئيسية

بين الحظائر والسواقي المدمرة.. الواقع المزري لفلاح الحوز المحروم من الدعم

"الماء في النهر، لكن أين السواقي؟"، بهذا السؤال يلخص آيت ناصر حال فئة واسعة من المزارعين في إقليم الحوز، فئة تضررت زراعتها وأغراسها بعد تضرر السواقي بسبب الزلزال، وفئة أخرى فقدت ماشيتها، بينما من نجت بعض رؤوس ماشيتهم يواجهون مشاكل في إيوائها مع انخفاض درجة الحرارة، وقلة الكلأ وعدم توصلهم بالدعم، ورغم ذلك لازال الأمل في قلب محدثنا الذي قال "ما زلنا ننتظر، رُبما سيرقون لحالنا".

– محمد حميدي –

ما أن تغادر مركز جماعة إجوكاك التي تبعد بـ 16 كيلومترا عن إيغيل مركز زلزال الحوز، في اتجاه مركز جماعة ثلاث ن يعقوب، حتى تشاهد حركة دائبة في البساتين الصغيرة المُتراصة على جنبات الطريق، وتتناهى إلى سمعك أصوات العصي التي تهز أشجار الزيتون في عملية قطف المحصول؛ الأمر الذي  يوحي لك بأن الزلزال الذي قلب المنطقة رأسا على عقب لم يؤثر على سخاء هذه الأرض وأن وضع أهلها أفضل.

لكن، ما إن تتحدث إليهم، حتى تكتشف ما فعله هذا الزلزال بمحاصيل الفلاحة المعيشية. وما فرضه من طرق لتدبير بعضهم لزاد قطيعه الناجي من الكارثة، من الأعلاف والكلأ، بعد أن فاتتهم الاستفادة من دعم الشعير، بسبب “عدم كفاية” الأكياس التي وزعتها الوزارة الوصية على الكسابين المتضررين من الكارثة، وهو المعطى الذي سبق  لهوامش أن رصدته في دواوير أخرى من إقليم الحوز. 

توقف ساقية تيكيوت.. المحصول قليل وقوت الساكنة مهدد

في دوار تيكيوت، وهو أحد دواوير جماعة ثلاث ن يعقوب، التي سوى الزلزال أغلب منازلها بالأرض، التقينا آيت ناصر. تحدث إلينا هذا الفلاح، بحسرة، عن نقص محصول الزيتون هذا العام بسبب خروج ساقية الدوار، عن الخدمة، جراء الزلزال: “في السنوات الماضية كنت أجني في المتوسط 20 “عْبرة” (مقدار يساوي 20 كلغ، في أغلب مناطق المغرب) من أشجار الزيتون التي أملكها. وبعد عصر هذه الكمية أستخلص كمية من الزيت تشكل مؤونة أربعة أشهر على الأقل. أما هذه السنة فالمحصول قليل جدا وأغلبه يبُس بعد تضرر الساقية”.

وقبل خروج  ساقية تيكيوت عن الخدمة في الثامن من شتنبر، كان كل غذاء الساكنة ومواشيهم، تقريبا، يأتي من أراضيهم الفلاحية. أما خلال الأربعة الأشهر التالية، فيُجمل محدثنا الوضع بقوله بنبرة جازمة “كلشي من السوق”؛ حيث أن “الفلاحين لم يحرثوا الأرض ولم يزرعوا الشعير، الذي يوفر عادة علف سنة كاملة للمواشي والدجاج، والحمير التي هي وسيلة النقل والعمل بالنسبة لأغلبهم. ولم يتمكنوا أيضا من زراعة البطاطس والبصل (تزرع في أواخر أكتوبر-نونبر)؛ الأمر الذي كان يوفر من مصاريف الأسر”.

“الماء في النهر، لكن أين  السواقي؟” يتساءل محدثنا بأسف، ولسان حاله ينطق بحسرة الساكنة، التي لم يعد بإمكانها استثمار مياه الوادي المحاذي للقرية، سوى في توريد البهائم أو غسل الثياب. 

وبالنسبة إلى آيت ناصر الذي يعيل أسرة من 6 أفراد، توقفُ الساقية ليس انقطاعا لشريان حياة أرضه فحسب، بل لشريان قوته اليومي أيضا. نسأله إن كان يمارس مهنة أخرى غير الفلاحة، فيجيب: “كنت أشتغل في حقول ساكنة الدوار؛ أزرع البصل، أرش الغبار (سماد طبيعي من روث البهائم)، أهيئ وأزرع حقول البرسيم، لقاء 70 إلى 85 درهما في اليوم. أما حاليا، فلا يوجد ماء (يقصد غياب السواقي) ليس لدي شغل، أنا عاطل عن العمل”.

طول ساقية تيكيوت 7 كيلومترات، بدءا من قرب مسجد تينمل إلى مدخل إجوكاك، وتسقي أراضي ثلاثة دواوير، هي: تيكيوت وآيت بريهي وإيمونان. وهذه الساقية هي واحدة من 201 ساقية (طولها الإجمالي 65 كلم) متضررة من الزلزال، سيتم اصلاحها لسقي 1400 هكتار، وفقا للبرنامج الاستعجالي لإعادة بناء وتأهيل والنهوض بالقطاع الفلاحي بالمناطق المتضررة، الذي أشرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، على انطلاق تنفيذه لدى زيارته لجماعتي  إيغيل وثلاث نيعقوب وإقليم تارودانت، في 24 أكتوبر الماضي.

وعلى الرغم من قيام لجان الوزارة الوصية خلال ذات الشهر بزيارة تفقدية لساكنة تيكيوت ووعدها بانطلاق أشغال استصلاح الساقية في القريب العاجل، فإن الأشغال لم تبدأ بها حتى كتابة هذا الربورتاج، وفق ما يفيد به  آيت ناصر لهوامش. وبالمناسبة، يضيف المتحدث “قبل الزلزال أصلا، ساقية تيكيوت، كانت هي الوحيدة في المنطقة، التي لم يتم بناء جدرانها بالإسمنت، على الرغم من منُاشدة الساكنة ذلك عدة مرات”. 

تعويض الأغنام النافقة من مبلغ المساعدة العاجلة

عقب الزلزال انهار جزء من حظيرة آيت ناصر، ففقد 4 رؤوس غنم بينها خروفان كان يعدهما لعيد الأضحى. ولذلك خصص جزءا من أموال المساعدة الاستعجالية 2500 درهم، التي حصل عليها خلال الثلاثة أشهر الماضية، لشراء خروفين آخرين. يُفصل لهوامش: “اشتريت خروفين، مبلغ الخروف الواحد 2750 درهما. أدركت أنه إذا انتظرتُ حتى عيد الأضحى فمن المؤكد أنني سأضطر لشراء الرأس الواحدة بثمانية آلاف درهم على الأقل”.

يشمل البرنامج الاستعجالي لقطاع الفلاحة كذلك إعادة بناء الرأسمال الحيواني الذي فُقد في الزلزال؛ وتبعا لذلك أعلنت الوزارة الوصية أنه سيتم في إقليمي الحوز وشيشاوة وحدهما توزيع 22000 رأس من المواشي على الكسابة المتضررين. إلا أن آيت ناصر يكشف لهوامش أنه لم يتوصل بأي رأس من الماشية حتى الآن، بل إنه يضيف: “لم  تحطني علما أي لجنة تابعة لوزارة الفلاحة،  بكوني سـأستفيد من أغنام تعويضا عن تلك التي فقدت بسبب الزلزال”.

“لو فعلوا (يقصد اللجان التفقدية التابعة لوزارة الفلاحة) ما كنت اشتريت هذه الأغنام. ومع ذلك ما زلنا ننتظر، رُبما سيرقون لحالنا”، يضيف محدثنا بنبرة توحي أنه لم يفقد الأمل.

وأكد المتحدث ألا أحد من فلاحي الدوار، وعددهم عشرة، استفاد من تعويض الماشية التي فقدها بسبب الزلزال. وهو نفس الوضع الذي سبق أن رصدناه يوم الأربعاء 24 دجنبر 2023، بدواوير إمي ن إيسلي وإمي ن تالا، بالجماعة القروية أنكال، إقليم الحوز. وأكده جوابا على سؤال “هوامش”، إسماعيل آيت الحاج، الكاتب العام لجمعية “أسنفوا” بدوار تيزيان بالجماعة القروية لويرڭان، بنفس الإقليم المذكور. هذا ما وقفت عليه هوامش في دوار تيزيان، حيث رصدنا هناك من فقد ما يزيد عن 18 رأسا من الماعز، عقب الكارثة.

ويبدو أن المعاناة من عدم التعويض عن المواشي النافقة جراء الزلزال، حتى الآن، تتعمق بالنسبة للكسابة المتضررين، الذين لا يتوفرون على المال الكافي لشراء أضاحي العيد. حيث يلتقي أغلب هؤلاء في التأكيد على قلة المواشي في الأسواق، وغلاء أسعارها: “على سبيل المثال ثمن الخروف الواحد لا يقل عن 2500 درهم”.

إبراهيم: “نجمع العشب من تحت الأنقاض”

لحسن حظ آيت ناصر، أنه واحد من بين خمسة كسّابة (مربي ماشية) فقط من أصل عشرة في دوار تيكيوت، استفادوا من دعم الأعلاف، حيث حصلوا على عشرة أكياس من الشعير للكساب الواحد، تقدمها الوزارة الوصية في إطار البرنامج الاستعجالي. فضلا عن أنه إلى جانب ذلك، “لم تُدفن كل أكياس التبن التي كنت أخزّنها  في حظيرتي، تحت الأنقاض” يقول هذا الكساب. 

لكن مع ذلك، يلفت الرجل إلى أن ما استفاد منه من الشعير والمتبقي لديه من أكياس التبن: “قليل ولن يكفي المواشي” خلال هذه الفترة. فكيف إذن، يتدبر الذين وُضعوا بين مطرقة ضياع كل مخزونهم من علف وكلأ الماشية، وسندان “الإقصاء” من دعم العلف، غذاء ماشيتهم؟

“نُساوم من فقدوا كل مواشيهم، على ثمن ما بقي لديهم من الكرط (العشب وأغصان الذرة اليابسة)، ثم إذا تم التوصل إلى ثمن مرض للطرفين، وقد يبلغ 700 درهم، نذهب لإزالة التراب والأعواد، لاستخراجه من تحت أنقاض الحظائر”، يقول الكساب إبراهيم، الذي التقيناه أمام حظيرة أقامها بواسطة الأعواد والقصب والبلاستيك، خلف الخيمة التي يقطن فيها، داخل مخيم دوار تيكيوت.

ويضيف إبراهيم، الذي تهدمت حظيرته بالكامل، ولا يعلم سبب عدم استفادته من دعم الشعير حتى الآن: “هذا الحل مفروض عليك، إذا كنت تُريد الاحتفاظ بالبهائم”. 

لكن، هذا الحل، حسب ما عاينت “هوامش” أمام الحظيرة التي أقامها إبراهيم، وكًلفته 1200 درهم، غير كاف؛ حيث يضطر هذا الكساب، إلى تجميع أغصان الزيتون من الحقول. إضافة إلى أن شراء الشعير بات يكلفه شهريا، جزءا مهما من المساعدة الاستعجالية. يقول :” ثمن الشعير 75 درهما للعبْرة (مقدار يناهز 15 كيلوغرام) وتلزمني عبْرة ونصف إلى “عبْرتين” في الأسبوع، ناهيك عن كون  سعر التبن تخطى 55 درهما للكيس الواحد”.

غلاء الأعلاف الذي بات يُثقل كاهل الكسابة في كافة مناطق المغرب؛ دفع بالجامعة الوطنية للفلاحة، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، إلى مطالبة الوزارة الوصية، في بلاغ، يوم الأربعاء 28 دجنبر 2023، بتوفير “دعم مادي حقيقي للفلاحين أمام الارتفاع غير المسبوق لأسعار البذور والأسمدة والمحروقات والأعلاف والأدوية البيطرية وغيرها، وأمام تفاقم معاناة الساكنة القروية بسبب العطش وتوالي سنوات الجفاف وضعف البنيات التحتية وغياب تنمية قروية حقيقية”.

في “إمي ن تالا” المستفيدون يتقاسمون المساعدات مع جيرانهم

الأربعاء 24 دجنبر 2023، زارت هوامش دوار إمي ن تالا بالجماعة القروية أنكال، بإقليم الحوز. هناك، حيث سُوّيت جميع المنازل والحظائر بالأرض، فقد كل كساب رأسا أو رأسين من الماشية على الأقل. وبات كل ما جمعه من “كرط” وما كان في حوزته من أعلاف، استعدادا لفصل الشتاء، تحت الأنقاض منذ ليلة الثامن من شتنبر.

إبراهيم آيت أوكادير، 59 سنة، أحد ساكنة إمي ن تالا، رافقنا طيلة تواجدنا بالدوار. تحدث لنا عن قيام وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، قبل شهر ونصف من الآن، “بتوزيع 10 أكياس على كل كساب، في عملية استفاد منها 42 شخصا أدرجتهم في لوائح الكسابة المتضررين من زلزال الحوز، من أصل 90 كسابا متضررين في  الواقع”.

“أن تُمنح أنت عشرة أكياس، بينما جارك لم يستفد من كيس واحد، سوف يحز في نفسه، بلا شك” يقول آيت أوكادير، قبل أن يكشف أنه لتفادي ذلك “لجأ كل مستفيد إلى  اقتسام أكياس الشعير بالنصف،  مع جاره أو قريبه غير المستفيد”.

ولا ينفي آيت أوكادير أن مسؤولي وزارة الفلاحة والسلطات المحلية، الذين أشرفوا على عملية توزيع الشعير في الدوار. اقترحوا على غير المستفيدين، تقديم شكاية. لكن أغلب المعنيين، “ليسوا على دراية بآلية تقديمها، وبينهم من لا يرغب في ذلك من الأساس، على أمل أن تأتي دفعة أخرى من أكياس الشعير إلى إمي ن تالا” يوضح محدثنا. 

لا تنحصر مخاوف الكسابة على علف المواشي فقط، فالمأوى بدوره يشكل هاجسا، حيث اضطروا إلى “بناء حظائر من قصب، في مناطق مفتوحة في غابة الدوار وقرب الوادي المحاذي له، أو نصب خيام، لأجل إيواء مواشيهم”.

قلق الكسابة يأتي من “خطر البرد القارس على الماشية، ففي الظروف العادية نفسها، التي تبيت فيها مواشي الساكنة، في حظائر بجدران (طينية أو مبنية بالحجر) تُسجل بين الفينة والأخرى حالات وفاة بين هذه المواشي. فما بالك بهذه الظروف؟” يتساءل آيت أوكادير.

وكانت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية قد وعدت بتهيئة 680 ألف ملجأ للحيوانات والاسطبلات والحظائر، في إطار المحور الثالث من البرنامج الاستعجالي لإعادة بناء وتأهيل والنهوض بالقطاع الفلاحي في المناطق المتضررة من الزلزال. 

ضبابية حول مصير الخيليات المفقودة

بعد أيام من زلزال الثامن من شتنبر باشرت مجموعة من منظمات المجتمع المدني والهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، وفرع جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة SPANA Maroc، عدة تدخلات ميدانية لعلاج الخيليات (الحمير، والخيل، والبغال) التي أصيبت جراء الزلزال.

جمعية SPANA Maroc على سبيل المثال، أكدت  لهوامش، أنها عالجت 412 حيوانا، بينهم  210 من الحمير، و48 من البغال، من الجروح والكسور والعرج، خلال الفترة ما بين 16 شتنبر و10 دجنبر 2023. 

جانب من تدخلات جمعية SPANA Maroc لمعالجة الدواب

بدورها أفادت إيميلي دولين، المديرة التنفيذية للمؤسسة الأمريكية BROOKE USA FOUNDATION المهتمة بالخيليات، في تصريح لهوامش، أن حملة جمع التبرعات لمعالجة الخيليات المتضررة من الزلزال، التي أطلقتها بشراكة مع SPANA Maroc، تمكنت إلى غاية يوم 05 أكتوبر من جمع مبلغ 17 ألف دولار، أي ما يعادل 169 ألف درهم.

ويؤكد أغلب الفلاحين الذين التقتهم أو اتصلت بهم هوامش، أنهم فقدوا البغال والحمير، التي تعتبر وسيلة عدد منهم للعمل ونقل المحاصيل. لكن، يبدو أن البرنامج الاستعجالي لم يتضمن أي وعد لهم بتعويض دوابهم؛ حيث أن المحور الثالث من البرنامج، المتعلق بإعادة بناء الرأسمال الحيواني، لا يضم وفقا لتصريح الوزير الوصي في مجلس المستشارين، يومه الثلاثاء 24 أكتوبر، سوى التعويض عن “الأغنام والماعز والأبقار المفقودة”.

لكن مصدرا من جمعية SPANA Maroc، قال لهوامش “إن الوزارة مُستمرة في إحصاء الحيوانات المفقودة أو في طور متقدم من المرض” ، مُسجلا أن “الجمعية في حاجة لمثل هذه الإحصائيات”.

وبينما ينتظر الفلاحون المتضررون ينتظرون الشروع في تعويضهم عن الخيليات ورؤوس المواشي التي فقدوها جراء الزلزال، رغم “تعسر” حالهم جراء “تأخر” هذا التعويض، يؤكدون تشبثهم بأرضهم وماشيتهم؛ الكساب إبراهيم على سبيل المثال، جزم لهوامش، أنه رغم  كل شيء لن يقبل مقترح أبنيه “ببيع الأغنام والانتقال للعيش مع أحدهما في الشقتين اللتين يكتريانها في مراكش، منذ وقوع الكارثة”، في انتظار إعادة التئام العائلة في “تيكيوت”، بعد إعادة بناء منزلها المدمر.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram