الرئيسية

 كسّابة دواوير “ويرغان” يواجهون مصيرهم بين أنقاض الحظائر ورائحة جثث الماعز

يواجه "الكسابة" في الجماعة القروية ويرغان، بإقليم الحوز، صعوبات بسبب الزلزال الذي دمر حظائرهم وأسفر عن موت الماشية. محمد تالبورت، وهو كساب بسيط فقد على سبيل المثال 10 من ماشيته وواجه رائحة جثث المواشي والعظام تحت الأنقاض. غير أنه ليس وحيدا، الكسابة هنا يعتمدون على ماشيتهم كمصدر للرزق. وبين أنقاض الحظائرعلف مدفون، استمعت "هوامش" إلى قصص الكسّابة، بعدما عجزوا عن التواصل  مع مسؤول في القطاع الفلاحي حتى الآن.  

دواوير “ويرغان”– إقليم الحوز I محمد الحميدي – هوامش/خاص: 

أثناء صعودنا الجبل المحاذي لدوار “تيزيان”، الواقع بالجماعة القروية “ويرغان”، والقريب من جبل “توبقال”، صادفنا محمد تالبورت، خمسيني من سكان المنطقة، منهمكا رفقة اثنين من أبناءه ومتطوعين من القرية، في “ركز” (بناء) جدران حظيرة لإيواء ما تبقى من قطيع الماعز، بعد أن هدم زلزال الثامن من شتنبر “العزيبة” (الحظيرة) التي كان يقيمها قرب قمة الجبل، شأنه في ذلك شأن عدد من سكان الدوار والدواوير المجاورة.

“18” رقم المأساة

ما أن تقترب من حظيرة محمد تالبورت، حتى تهاجمك رائحة  جثث المواشي النافقة، التي تنبعث من تحت الأنقاض. وما أن تصل إليها، حتى تواجهك مشاهد صوف الماعز والعظام المتناثرة التي تبقت بعد أن نهشت الكلاب الجثث التي كانت فوق الركام، وربما أجهزت على المواشي التي نجت من الزلزال وعجزت عن الهرب بسبب الإصابة.

يقول تالبورت في حديثه لـ “هوامش”، والحزن باد على وجهه، إنه حين ذهب لتفقد أحوال ماشيته، وفي نفسه أمل بأن يكون الزلزال رحيما بها، كما كان مع سكان الدوار، وجد “كل شيء تحول إلى أنقاض، وبعض المواعز متحلقة حولها”.

ويضيف المتحدث “وقفت ساكنا قليلا من أثر الصدمة. ثم بدأت بإحصاء خسائري، فتأكدت من خلال الجثث التي كانت متناثرة فوق الركام أني فقدت ثمانية”، ويصمت تالبورت قليلا، ثم يشير إلى جهة أخرى من أنقاض الحظيرة ويواصل “بينما لست متأكدا من مصير عشرة مواعز. هل هي تحت الأنقاض هناك، حيث يبيت قطيعي خلال فصل الشتاء، أم أنها فرّت ليلا فتاهت خلف الجبل، أو ضمها كسّاب آخر إلى قطيعه”. 

في دوار آيت حرب، المجاور لدوار “تيزيان”، دوى في مسامعنا مرة أخرى الرقم “18”، حين سألنا الحسين آيت الحاج احماد، 46 سنة، عن عدد القطيع الذي فقده بسبب الزلزال. الفرق هنا، يقول الحسين بنبرة  مسلمة بالقضاء،  أنه “متأكد من أن الثمانية عشر رأسا من الماعز  جميعها  ردمت تحت الأنقاض منذ ليلة المعجزة (الزلزال)” .

ويضيف الحسين في حديثه لهوامش ” لكن الحمد لله في صباح اليوم الموالي وجدت 100 رأس متبقية كلها قد عادت”.  ثم وهو يطلعنا على ركام غرفة صغيرة في الحظيرة، يخصصها لتحضير الشاي، “والحمد لله أنني أعود إلى منزلي في الدوار مساء، وإلا كنت قضيت أنا أيضا”.

غذاء القطيع الناجي تحت الأنقاض

يُقدر محدثنا، الحسين آيت الحاج احماد،  قيمة الرؤوس التي لقت حتفها تحت الأنقاض “الأثمنة متفاوتة. مبلغ الماعز الواحد يتراوح ما بين 500 و 750 درهما..عموما الخسارة تدنو من العشرة آلاف درهم”.

مأساة مزدوجة يعيشها هذا الكساب البسيط الذي يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد،. إذ فقد الحسين، إلى جانب رؤوس الماعز، ما يقدره بنحو 40 كيسا من الشعير، قيمة الكيس الواحد منها 65 درهما، كانت في الحظيرة؛ ولذلك يطغى على حديثه، كما على قسمات وجهه، بعض اليأس، حين يجيب عن سؤال “هوامش” حول ما إذا كانت ثمة إمكانية استخراج تلك الأكياس من تحت الأنقاض بالقول “لا! لا! الردم هذا. صافي  لي تحتو ضاع، مشا خسارة”.

وعلى مسافة 100 متر من حظيرة ماشية الحسين، سقطت أجزاء من سقف وجدران غرفة صغيرة لتخزين “الكرط” (العشب اليابس). يقول صاحب الغرفة، وهو رجل في عقده السادس، إنه خسر من جراء ذلك 10 أكياس من “الكرط”، مشيرا إلى أنه نقل الأكياس التي بقيت سالمة إلى منزله “لاستعمالها حين  تتساقط الثلوج، التي تُعلق رعي المواشي، أو جلب “الفصة” (البرسيم) من الحقول”.

وعبّر عدد من ساكنة دوار آيت حرب، عن معاناة المواشي جراء نقص الأعلاف و”الكرط”، وعدم وجود غطاء نباتي كاف، خاصة وأن الوادي المحاذي للقرية لم يشهد مرور المياه، إلا مؤخرا مع تدفق المياه من الشقوق التي أحدثها الزلزال.

وبحسب إسماعيل آيت الحاج، الكاتب العام لجمعية “أسنفوا”، الناشطة بالدوار، لن يتمكن كسابو “آيت حرب” والقرى المجاورة، رغم هذه الظروف، من بيع الماعز والأغنام والأبقار الناجية من الزلزال؛ ذلك أن “حصة مهمة من  غذائهم تأتي من الماشية. خاصة الزبدة والألبان، التي تُوفر عن بعضهم أحيانا نصف المصروف اليومي”.  

لا مسؤول تفقد أضرار الكسّابة

مصدر مطلع، كان كشف لجريدة هسبريس الإلكترونية، السبت 23 شتنبر الجاري، عن استعداد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد الصديقي “لإجراء زيارة ميدانية إلى الأقاليم المتضررة من الزلزال بحر الأسبوع المقبل، لتدقيق لوائح المتضررين، من أجل الشروع في تنفيذ مخطط الوزارة لدعمهم”. بعد أن كان  الصديقي قد كشف لذات المنبر عن عزم الوزارة “شراء رؤوس الأبقار والأغنام التي فقدها السكان”.

 لكن الفاعل الجمعوي إسماعيل آيت الحاج، يقول بنبرة متأسفة لـ “هوامش” إنه حتى الآن “لم ترسل الحكومة أي مسؤول في القطاع الفلاحي لتفقد أحوال الكسابة الذين تضررت ماشيتهم”،  قبل أن يقطع أحد أصدقائه حديثه متسائلا “حتى 2500 درهم التي سوف تمنح – وإن كانت تستحق الشكر-  بالكاد تكفي في الظروف العادية لإعالة أسرة، فكيف بالاقتطاع منها لشراء الأعلاف للماشية؟ لن يشبع إذن لا الكساب ولا ماشيته”. 

يضيف آيت الحاج في حديثه لـ”هوامش”، وقد بدأ  بعض الارتياح  يتسلل إلى نبرته: “جمعية يُرجح أنها أمريكية، حملت مساعدات غذائية وأغطية وخيّاما إلى دوار آيت حرب، أحصت البغال المجروحة في كل المنطقة، بغية جلب ما تحتاجه من أدوية بيطرية”. 

“بادرة تبعث الأمل على الأقل، إذا  قدموا مرة أخرى يمكن أن يلتفتوا إلى ما يحتاجه القطيع من أعلاف”، يختم محدثنا، بينما كان يستعد للاتجاه إلى مدينة الدار البيضاء؛ حيث يعمل في إحدى محلات البقالة أو أحد المصانع، وهو بمثابة حل مفروض يخضع له أهل هذه المداشر، بحثا عن مصدر رزق آخر. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down
This website uses cookies and asks your personal data to enhance your browsing experience.
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram