الرئيسية

زلزال الحوز.. نصف عام على الفاجعة

مر نصف عام بالتمام والكمال على ليلة فاجعة الثامن من شهر شتنبر 2023. في تلك الليلة، وجدت ساكنة إقليم الحوز نفسها أمام الوجه الأكثر وحشة لجبال الأطلس. توفي 2497 شخصا على الأقل، موزعين بين أطفال ونساء ورجال، وخلف الحادث أكثر من 5674 جريحا.

متابعة | سامي صبير

قبل ستة أشهر، وابتداء من تلك الليلة، تحولت أجزاء من السفوح الخلابة إلى مساحات ملونة بالأزرق والأصفر الفاقع، سادت المشهد مخيمات أقامها المنكوبون هربا من صقيع الجبال، بعد أن تحولت منازلهم إلى أكوام تراب فوق الأرض، وأطلال تعوي بين جدرانها المتصدعة رياح الشتاء.

“لحسن الحظ لم تتساقط الأمطار هذا الموسم” عبارة قالها، لحسن آيت ناصر، فلاح خمسيني فقد 13 شخصا من أقاربه بدوار تيكيوت، على الطريق الرئيسي الرابط بين جماعة اجوكاك وثلاث نيعقوب، وترددت على ألسنة باقي منكوبي الزلزال بدوار أزرو في تحناوت، وجماعة أمزميز، وامي ن تالا، وباقي الجماعات المنكوبة.

“فلاش باك” .. 23:11

كان الجو حارا تلك الليلة، الأمور كانت تبدو طبيعية، وما إن تجاوزت الساعة الحادية عشرة وبضع دقائق حتى ارتجت الأرض تحت أقدام الساكنة في 6 أقاليم أغلبها بجهة مراكش. انقطع التيار الكهربائي والاتصالات لبعض الوقت، وبدأت الأسئلة حول تفاصيل ما جرى تنهال على كل من عاش الحدث، وبعدها جاءت الإجابات من كل صوب، على شكل تدوينات ومقاطع فيديو على منصات التواصل الإجتماعي.

زلزال عنيف ضرب الأطلس، حجم الخسائر يبدو كبيرا، وأفاد المعهد الوطني للجيو-فيزياء، التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، بأنه تم تسجيل هزة أرضية بقوة 7 درجات، وحدد مركز هذه الهزة في جماعة إغيل، التابعة لإقليم الحوز.

هشام، 38 سنة، من سكان جماعة إغيل، يقول: “تلك الليلة كانت مرعبة، انقطع التيار الكهربائي وعلقت أبواب المنازل، لم نستطع فتحها والهرب بجلدنا إلا بصعوبة، كان الأطفال يصرخون من الخوف، بعدما تمكنا من الخروج شرعنا في البحث عن الضحايا الذين انهارت المنازل فوق رؤوسهم، كافحنا إلى أن استطعنا إخراجهم من تحت الركام، وتوفي في الدوار أربعة أشخاص بينهم فتاة”.

تتوالى صور الهلع وتتهاوى، على في ذاكرة الشاب، كما تهاوت السقوف على رؤوس الآمنين، “الليلة الأولى أمضيناها بدون ماء ولا كهرباء، لأن الزلزال دمّر الخزان الرئيسي الذي يزود الدوار بالماء الشروب، اعتمدنا بشكل تضامني خلال الأيام الموالية على الخضر، والمواد الغذائية التي تمكنا من إخراجها من تحت الأنقاض، إلى أن وصلت المساعدات بعد ثلاثة أيام، بعدما نجحت الجرافات وفرق الإنقاذ من فتح المسالك الطرقية التي أغلقتها الحجارة والأتربة”.

آيت الحسين، سبعيني نجا بدوره من ليلة الفاجعة، يتذكر بدوره تفاصيل ما حدث، “قضينا الليلة الأولى في العراء بدون أغطية ولا أفرشة، تطلب الأمر من فرق الإنقاذ ثلاثة أيام للوصول إلينا، وقبل ذلك شرعنا بأنفسنا في إخراج العالقين تحت الركام باستعمال الفؤوس والأيدي”.

عندما يرحل الجميع

ليلة الكارثة قلبت حياة ساكنة 169 جماعة، تضم مئات الدواوير، رأسا على عقب، وبحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط ، يقدر عدد الأسر في المناطق المنكوبة، بنحو 578 ألف و280 أسرة.

يقول رشيد آيت وزارت، من ساكنة أمزميز، “خلال الأسابيع الأولى التي أعقبت الزلزال شعرنا بالدفء عندما رأينا أفواج المغاربة المتطوعين للمساعدة تهب من شمال وجنوب وشرق المغرب، لتقديم يد العون والإعانات لنا، ولكن بعد أيام رحل الجميع وتغير الوضع لنجد أنفسنا نواجه مصيرنا”، ويضيف “العيش في خيمة ليس بالأمر الهين، فهي ليست رحلة تخييم واستجمام لبضع ليال، وإنما مدة طويلة، في ظل وتيرة ضعيفة للمساعدات، فضلا عن أن مبلغ المساعدة الحكومية التي لا تتجاوز 2500 درهم، لا تكفي في ظل ارتفاع سومة الكراء نظرا لارتفاع الطلب”.

عدد كبير من أهالي المناطق المنكوبة، لم يستطع الرحيل إلى مدن أخرى بحثا عن بديل للاستقرار، ودفعهم ارتباطهم بالأرض والعائلة إلى الإقامة منذ ستة أشهر في خيام بلاستيكية، نصبت في ساحات البلدات وسفوح الجبال التي تشكل معظم جغرافيا المنطقة، يصرح إبراهيم آيت أوغادير، من أهالي إمي ن تالا الناجين، “الوضع في الخيام صعب، نعاني من موجة البرد، خصوصا بالنسبة للأطفال والعجائز، لأنهم غير معتادين على المبيت في الخيام”.

ستة أشهر في المخيمات وجراح يصعب أن تندمل

رغم أن الفترة التي مرت على ليلة الثامن من شتنبر طويلة، إلا أن مخلفاتها ما تزال تشكل كابوسا بالنسبة للناجين، يقول آيت ناصر “انقلبت حياتنا في رمشة عين، أصبحنا كمن نزل من السماء، فقدنا كل ممتلكاتنا، والآن نعيش حالة يرثى لها”.

ويضيف محدثنا، “البرد شديد، نعاني من البرد الشديد خلال الليل، حيث لا تنفع البطانيات ولا الخيام البلاستيكية، ولحسن الحظ لم تتساقط الثلوج والأمطار خلال هذا الموسم، كما هو معتاد، وإلا كنا لقينا حتفنا”.

بالنسبة للبعض الآخر، العيش في خيمة ليس هو المعاناة الوحيدة التي تسبب فيها الزلزال، فهناك جراح آخرى يصعب أن تندمل، كما هو حال إبراهيم، أستاذ التعليم الابتدائي، والذي فقد زوجته التي تشتغل بدورها في سلك التعليم، حيث لم يمض عن عقد قرانهما أكثر من عشرة أيام.

ويحكي في تصريح لمنصة هوامش، “في تلك الليلة حاولت الاتصال بزوجتي عدة مرات دون جدوى، فقررت التنقل إلى الجماعة حيث تعمل، وجدت صعوبة في العبور بسبب الحجارة المتساقطة، وبعد أن نجحت في الوصول رفقة بعض الأصدقاء كانت الصدمة”.

انهارت جدران وسقف المنزل الذي كانت تقطن فيه الزوجة، “حاولنا انتشالها من تحت الأنقاض مستعينين بالفؤوس والمعاول، إلا أنها كانت قد فارقت الحياة رفقة صاحبة المنزل وابنتها”، ويضيف إبراهيم، “التعويض المالي الذي أعلنت عنه الوزارة المعنية، لا يمكن أن يعوضنا في فقد الإنسان”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram