في الوقت الذي نشرت فيه منصة ”هوامش” ومنابر شريكة تحقيق : مجموعة “BMW” و”رونو” تتورطان مع شركة “مناجم” في فضيحة بيئية بالمغرب” لم تُدل مجموعة “مناجم” التابعة للهوليدينغ الملكي، التي اكتفت بتعميم بلاغها على بعض وسائل الإعلام دون نشره كما عادتها على موقعها الرسمي، بأية وثائق تفند شهادات العمال والنقابيين المعززة بالأرقام والاختبارات التي أنجزها فريق التحقيق مستعينا بمختبرات دولية لتحليل عينات من المياه والتربة، إضافة إلى حالات عمال ومواطنين يعانون من أمراض مزمنة تتسبب فيها المواد السامة التي يخلفها نشاط المنجم.
أعلنت “BMW” عبر ناطقها الرسمي أنها تأخذ بمحمل الجد الاتهامات والمعطيات التي نشرتها “هوامش” في ثلاثة أجزاء (1 ـ 2ـ 3) بالشراكة مع موقع “روبورتير” Reporterre الفرنسي ويومية زود دويتشه تسايتونج Süddeutsche Zeitung ومحطتي الإذاعة والتلفزيون الألمانيتين NDR وWDR.
وأكدت الشركة، عملاق السيارات الألمانية، أنها طالبت “مناجم” بتقديم توضيحات بشأن الخروقات التي تم نشرها، مذكرة أن “مناجم” دأبت على تزويدها بمعطيات تؤكد أن نشاط المنجم وظروف العمل تحترم كافة الشروط المعترف بها دوليا، والتي تتيح لمصنعي السيارات المستوردة للكوبالت تسويق بطارياتها الكهربائية تحت تأشيرات “المسؤولة” و”الاستدامة” و”النظيفة” و”الصديقة للبيئة”، ووعدت الشركة الألمانية بتصحيح أية اختلالات قد يكشف عنها التحقيق الذي أمرت بفتحه.
من جانبها، وبعد تردد، اضطرت “رونو” بدورها للتفاعل مع الضجة التي أثارها التحقيق. ورغم أنها استبعدت إلغاء عقدها مع “مناجم” الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من سنة 2025، إلا أنها أعلنت عن بدء عملية “افتحاص خارجي ومستقل” في الموضوع.
وأكد تحقيقنا أنه “لا يمكن للشركات أن تتخلى تمامًا عن التزاماتها بموجب واجب اليقظة من خلال تسليط الضوء فقط على الشهادات التي أجراها طرف ثالث، كما تقول المحامية المتخصصة في قانون البيئة، كليمنتين بالديون، خاصة إذا كانت هذه الشهادات مشكوكا في أمرها، أو إذا كان هناك خطر مؤكد، أو إذا كان الأمر يتعلق بشراكة استراتيجية. في مثل هذه الحالة، يبدو من المعقول أن نطلب تضمين تدابير اليقظة للشركات وإجراء تدقيق في الموقع”.
يمكن إرجاع تفاعل المصنع الألماني السريع والفعلي، على الأقل حتى الآن، إلى الترسانة القانونية المستجدة التي تفرض على الشركات الألمانية، خاصة قانون “واجب اليقظة” (droit de vigilance)، الصادر سنة 2021، والذي يفرض عليها متابعة الوضعية الصّحية والبيئية والاجتماعية، سواء في مواقع الإنتاج الخاصة بها أو مواقع مورديها، وهو ما يقفل أمامها باب التملص من المسؤوليات عبر الاختباء خلف الموردين وشركات المناولة (sous-traitants).
يُشار إلى أن منجم “بوازار” يُنتج حوالي 7000 طن سنويًا من الزرنيخ، وهي مادة جدّ مُسرطنة تستخدم في صناعة المبيدات الحشرية، مقابل 2000 طن من الكوبالت. وفي تصريحات لتجمع وسائل الإعلام الذي تشكل “هوامش” جزءاً منه، أكدّ عمال المناجم المتعاقدون في إطار شركات المناولة أنهم يعملون دون وسائل حماية للجهاز التنفسي، ويتعرضون لغبار المعادن والمتفجرات. كما يعاني البعض منهم من أمراض جلدية يتسبب فيها التسمم بالزرنيخ، فيما يعاني آخرون من “السحار السيليسي” (السليولوز) دون أن يتم الاعتراف بدائهم كمرض مهني. اتهامات أكدّتها بشكل غير مقصود مجموعة “مناجم” في بلاغها الأخير الذي قالت فيه أنه «منذ بداية المنجم، لم يتم تسجيل أية حالة مرض مهني مرتبط بالزرنيخ ولم يتم الإبلاغ عن أي مرض مرتبط بالزرنيخ في منطقة منجم بوازار».
ولأن مجموعة “مناجم” اختارت في بلاغها “دحض ادعاءات وسائل الإعلام، بشكل قاطع، واصفة تحقيقنا بـ” الاتهامات الخطيرة والمغرضة والمعطيات التي لا تستند إلى أي معطى مادي”، نضع بين أيدي القراء الأجزاء الثلاثة من تحقيقنا
للإطلاع : الجزء الأول : مآسي مناجم الكوبالت بالمغرب.. أضرار بشرية وبيئية لتزويد أوروبا
الجزء الثاني : مجموعة “BMW” و”رونو” تتورطان مع شركة “مناجم” في فضيحة بيئية
الجزء الثالث: : “مناجم” التابعة للهولدينغ الملكي في قلب زوبعة صحية وبيئية