الرئيسية

تحقيق (الجزء الثاني) : “مناجم” التابعة للهولدينغ الملكي في قلب زوبعة صحية وبيئية 

لاستخراج المعادن اللازمة لصناعة السيارات الكهربائية في البلدان الغنية، يتطلب الأمر الماء. وتستنزف المناجم المورد الحيوي الأول في بلدان تعاني أصلاً من الجفاف، مثل المغرب والشيلي والأرجنتين.تقرؤون الجزء الثاني من تحقيق "كيف يجفف الاستغلال المنجمي البلدان الفقيرة"، وهو من إنجاز "هوامش" بالشراكة مع موقع "روبورتير" Reporterre الفرنسي ويومية زود دويتشه تسايتونج Süddeutsche Zeitung ومحطتي الإذاعة والتلفزيون الألمانيتين NDR وWDR.

هوامش I سيليا إزوار وصور بنجامان بيرني

للإطلاع على الجزء الأول : مجموعة “BMW” و”رونو” تتورطان مع شركة “مناجم” في فضيحة بيئية بالمغرب

الجزء الثاني

كيف يجفف الاستغلال المنجمي البلدان الفقيرة؟

سواء تعلّق الأمر ببطارياتها أو بمحركاتها، تتطلب صناعة السيارات الكهربائية كميات كبيرة من المعادن. وإذا لم يتم فعل أي شيء للحد من كميتها ووزنها، فمن المتوقع -مستقبلًا-  أن تستنزف هذه الصناعات عشرات المرات كميات الكوبالت أو الليثيوم أو الجرافيت التي يتم استخراجها اليوم.

إن مضاعفة إنتاج التعدين بهذه النسب الخيالية له نتيجة مباشرة: فهو يستنزف موارد المياه المعرضة للندرة بشكل متزايد، لأن إنتاج المعادن، يتطلب كميات كبيرة من المياه الضرورية لتركيز المعادن، وتزويد المحطات الهيدرومعدنية من أجل عمليات التكرير اللاحقة. 

كما أن الماء أساسي أيضا في عمليات الحصول على المذيبات والأحماض المستخدمة في كل مرحلة من هذه المراحل، وأيضا للتقليل من نسبة الغبار في المناجم. يمكن أن يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من النحاس 130 إلى 270 لترا من الماء، ويتطلب كيلوغرام واحد من النيكل من 100 إلى 1700 لتر، فيما قد تتطلب عملية انتاج كيلوغرام واحد من الليثيوم 2000 لتر من المياه [1].

ووفقًا لتحقيق أجرته وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني (Fitch Ratings)، يعتبِر المستثمرون أن نقص المياه هو التهديد الرئيسي الحالي لقطاع التعدين والمعادن. وتتوقع الوكالة أن  “ترتفع الضغوط على الموارد، ;وأن يضع النقص في المياه المحلية والصراعات حول استغلالها، خلال العقود المقبلة، البلاد على المحكّ، بسبب تزايد أنشطة إنتاج البطاريات والتقنيات منخفضة الكربون”، توقعاتٌ تبدو منطقية ووجيهة إذا علمنا أن ثلثي المناجم الصناعية في الوقت الحالي تتواجد في مناطق مهددة بالجفاف [2].

 تعترف “أنغلو أميركان” (Anglo American)، خامس أكبر مجموعة تعدين في العالم، بأن «75٪ من مناجمها تقع في مناطق عالية الخطورة» من حيث توافر المياه. نظريًا كان من المفُترض أن تساهم السيارة الكهربائية في محاربة الاحتباس الحراري، بيد أن العكس هو الذي حصل، إذ تتطلب صناعتها الكثير من المعادن لدرجة أنه في أجزاء كثيرة من العالم فاقمت من آثاره : الجفاف وندرة المياه.

في أكدز والمناطق المجاورة – هنا في تاساوانت -، تجف الصنابير والنافورات عدة ساعات يوميًا خلال فصل الصيف. © بنجامين بيرغنز/ ريبورتير

في المغرب، حيث تستغل شركة “مناجم” منجم بوازار لاستخراج الكوبالت، المستعمل في صناعة بطاريات سيارات “بي إم دوبلفي” وابتداء من سنة 2025 سيارات “رونو”، تقدّر حجم المياه المستهلكة سنويا ما يعادل استهلاك 50 ألف من الساكنة. على بعد بضعة كيلومترات من الموقع يوجد منجم “إيميني” للمنغنيز ومنجم “بليدا” للنحاس، وكلاهما يستهلك كميات ضخمة من المياه،  وكلاهما من المرتقب أن يساهما قريبا في تشغيل بطاريات “رونو”، إذ أعلنت المجموعة عن نيتها  توسيع شراكتها مع “مناجم” لتشمل التزود بكبريتات المنغنيز والنحاس.

استيراد المياه من الصحراء

إن استيراد الكوبالت أو النحاس أو المنغنيز من منطقة بوازار يشبه استيراد المياه من الصحراء. وتنضاف كميات المياه المستهلكة إلى تلك التي تتطلبها الزراعة الصناعية التصديرية. في أكدز والمناطق المجاورة لها، تجف الصنابير والنافورات لعدة ساعات يوميًا في فصل الصيف، حيث تقترب درجة الحرارة أحياناً من الـ45 درجة مئوية. يحتج مصطفى، المشرف على شبكات مياه الشرب في قرية “تسلا”، الذي التقيناه خلال استطلاعنا الميداني في بوازار قائلاً : «قريبا لن تكون هناك مياه. نحن هنا أشبه ما نكون  بالموتى الأحياء».

« نحن هنا أشبه ما نكون هنا نشعر وكأننا  بالموتى الأحياء».

لا يبعد المكان الذي عرف أحد أخطر الصراعات الاجتماعية – البيئية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة سوى  150 كيلومترا عن هنا، ودائما بسبب المياه والمناجم. في جهة درعة تافيلالت، في جماعة إميضر، تدير “مناجم” منجم فضة، وهو معدن يستخدم اليوم بشكل أساسي في الكهرباء والإلكترونيات، وخاصة السيارات. في الواقع، وفقًا لمعهد سيلفر Silver Institute، فـ«السياسات الوطنية المواتية بشكل متزايد للسيارات الكهربائية سيكون لها تأثير إيجابي واضح على الطلب على الفضة المعدنية». في إميضر، أدت عمليات سحب المياه المتزايدة في منجم الفضة إلى تمرد السكان. منذ عام 2011، غير قادرين على ري محاصيلهم، احتل السكان الخزان الجديد المنجم قرية صغيرة على جانبي الأنابيب التي ركبتها الإدارة. وفي عام 2019، أجبرت الغرامات وأحكام السجن ساكنة إيميدر على إخلاء المعتصم ، لكن الأسباب العميقة للصراع لا تزال قائمة.

«هنا، نشعر وكأننا أموات ـ أحياء»

مثال آخر: في الشيلي، تستغل مجموعة أنغلو أميريكان منجم النحاس في إل سولدادو، في منطقة فالبارايسو، حيث يؤدي الجفاف المتكرر إلى جانب نشاط التعدين إلى انقطاعات متكررة للمياه. ومن أجل معالجة المعدن، تم الترخيص لأنغلو أميريكان بسحب 453 لتر في الثانية، وفقًا لما ذكرته منظمة غرينبيس، في حين يحرم 11,000 ساكن في المدينة المجاورة إل ميلون في بعض الأحيان من التوصل بالماء في الحنفية. وفي عام 2020، أدى هذا النقص إلى قيام جزء من السكان باحتلال أحد آبار المنجم، تمامًا كما حدث في المغرب.

تحلية مياه البحر

في العام التالي، تقدمت جمعيات السكان بشكاية إلى المحكمة العليا في تشيلي للمطالبة بحماية حقهم الدستوري في الحياة الذي يتعرض للتهديد بسبب استهلاك الشركة المنجمية للمياه. وتفاعلا مع الحركة الاحتجاجية الوطنية التي حملت شعار “No más Anglo” (لا نريد أن نرى أنغلو بعد الآن)، اضطرت المجموعة إلى الاستثمار في محطة لتحلية مياه البحر لتغذية واحد من مناجم النحاس الضخمة الأخرى في الشيلي. وتقع هذه الوحدة على بُعد 200 كيلومتر ويتوقع أن تزوّد 500 لتر في الثانية إلى منجم لوس برونسيس، وهو ما يعادل نصف احتياجاته من المياه.

غالبًا ما تسلط شركات التعدين الضوء على الابتكارات التكنولوجية التي تسمح بتوفير المياه في المواقع، غير أنه في الواقع، زادت كميات المياه المستخدمة في هذه الصناعة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة: إذ تشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أنها تضاعفت بين عامي 2018 و 2021، وتفسر هذه الزيادة بالاندفاع إلى المعادن الحيوية، خاصة بالنسبة لصناعة البطاريات، فضلاً عن أن المواقع المستغلة تكون فقيرة إلى حد كبير. وكما توضح ذلك جمعية SystExt المشكلة من جيولوجيين ومهندسي معادن فإن “تقليل تركيز المعادن وتعقيد المعادن المستخدمة والمعالجة يؤدي إلى زيادة متسارعة في كميات الطاقة والماء المستخدمة لإنتاج نفس كمية المعدن”.

استعجالية تقليص حجم المركبات 

باختصار، هناك المزيد والمزيد من المناجم، مناجم تستهلك كميات متزايدة من المياه، وهناك نقص متزايد في المياه، وتلعب المعادن الضرورية للبطاريات دوراً هاماً في هذه النزاعات، سواء في المغرب، تشيلي أو على سهول الأنديز في الأرجنتين أو بوليفيا حيث تحتج الشعوب الأصلية بشكل محتدم على استخراج الليثيوم. كما كتبت عالمة السياسة الشيلية باربارا خيريز، لا يمكن فصل الحركة الكهربائية عن «ظلها الاستعماري»: إدامة التبادل البيئي غير المتكافئ الذي تقوم عليه الرأسمالية.

ومن خلال السيارات الكهربائية، تواصل البلدان الغنية احتكار موارد أفقر المناطق. قبل كل شيء، بدلاً من سداد ديونهم البيئية عن طريق إصلاح الضرر الناجم عن الاحتباس الحراري لبقية العالم، فإنهم يزيدون هذا الدين فقط.

بين سيارة صغيرة تزن 970 كجم مثل داسيا سبرينغ وتسلا التي تزيد عن 2 طن، تختلف كمية المعادن من الضعف إلى ثلاثة أضعاف، لذا فلتجنب، على وجه السرعة، أن تجف مناجم مناطق بأكملها، ينبغي أولاً تقليل الطلب على المعادن من خلال تقليص حجم السيارات. هذا ما ينادي به المهندس فيليب بيهوكس، الخبير في المواد الخام والشريك في تأليف كتاب “المدينة الثابتة – كيف يمكن وضع حد للانتشار الحضري” (Actes Sud, 2022): “إنه هدر فظيع أن نحتاج إلى طاقة ومواد لبناء وتحريك سيارة تزن 1.5 أو 2 طن، فقط لنقل حوالي مئة كيلوغرام من الركاب والأمتعة معظم الوقت”.

إنه إهدار فظيع

” السلطة العامة مطالبة بأن تعلن عن انتهاء اللعبة وإعادة النظر في القواعد”، يؤكد بيهويكس. “يجب أن حظر السيارات الكهربائية الشخصية التي تتجاوز وزنًا معينًا، مثل سيارات الدفع الرباعي، ووضع حد أو فرض غرامة تدريجية تصبح سريعًا مكلفة للغاية، ستكون تلك إشارة جيدة يمكن إرسالها منذ الآن. ثم، يمكن خفض هذا الحد بانتظام، بوتيرة طرح النماذج الجديدة.”

وهذا أبعد كثيرا من أن يكون الاستراتيجية التي اعتمدها الحكومة. اعتبارًا من عام 2024، سيتعين على مشتري السيارات التي يزيد وزنها عن 1.6 طن دفع غرامة بيئية بناءً على الوزن. أما السيارات الكهربائية، فليست مشمولة في هذا الإجراء.

الاحتياجات من المعادن بالأرقام

في عام 2018، أكدت أكاديمية العلوم أن برنامج السيارات الكهربائية الفرنسي يعتمد على “كميات كبيرة جدًا من الليثيوم والكوبالت، تفوق في الواقع  الإنتاج العالمي الحالي، وذلك لتلبية احتياجات فرنسا وحدها!” بوضوح: إذا لم نتخلى عن السيارات الشخصية، فسيكون من الضروري، الحصول على أسطول كهربائي كامل فقط في فرنسا، سنحتاج من الكوبالت والليثيوم  أكثر مما يتم إنتاجه حاليًا في العالم خلال عام واحد.”

تقدر الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على الليثيوم من أجل السيارات الكهربائية قد يتضاعف ب14 مرة خلال 25 عامًا، والطلب على النحاس بمعدل 10 مرات، والكوبالت بمعدل 3.5 مرة. حسب حسابات سيمون ميشو، مهندس التعدين والأستاذ في معهد الجيولوجيا في فنلندا، إذا كنا مضطرين لتحويل 1.4 مليار سيارة المتداولة حاليا على سطح الأرض إلى سيارات كهربائية، سنكون في حاجة إلى ما يعادل 156 مرة إنتاج العالم الحالي من الليثيوم، و 51 مرة إنتاج الكوبالت، و 119 مرة إنتاج الجرافيت، وأكثر من ضعفين ونصف إنتاج النحاس الحالي. ومهما كانت التقديرات المعتمدة، فإنه يلاحظ أن هذه الكميات من المعادن لا يمكن أن تأتي من إعادة التدوير، لأنها ستكون ضرورية لبناء الجيل الأول من السيارات الكهربائية.

للإطلاع على الجزء الأول : مجموعة “BMW” و”رونو” تتورطان مع شركة “مناجم” في فضيحة بيئية بالمغرب 

هوامش

[1] Stephen A. Northey and Nawshad Haque, « Life cycle based water footprint of selected metal production : Assessing production processes of copper, gold and nickel », EP137374, CIRO, 2013.

[2] 90 % des zones minières sont situées dans des régions mal dotées en eau, selon l’article « Surge in global metal mining threatens vulnerable ecosystems », S. Luckeneder, S. Giljum, A. Schaffartzik, V. Maus, M. Tost, Global Environmental Change, n°69, 2021.

[3] Simon Michaux, « Quantity of metals required to manufacture one generation of renewable technology units to phase out fossil fuels », 2023, p. 35.

ملاحظات

[1] Stephen A. Northey and Nawshad Haque, “Life cycle based water production of selected metal production: Assessing production of copper, gold and nickel’, EP137374, CIIIRO. 2013.

[2] 90% des zones minières sont situées dans des régions mal dotées en eau, selon l’ article “Surge in global metal mining hards ecosystems’, S. Luckeneder, st.

[3] Simon Michaux, “Quantity of metals required to manufacture one generation of renewable technology units to out fossil fuels’, 2023, p. 35.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram