الرئيسية

احتجاجات أزمور.. حين تعطل “مشاريع التنمية” حياة السّاكنة

الساعة تشير إلى الثامنة والنصف ليلا في مدينة أزمور، الشارع مزدحم بأهل المدينة والزوار، أصوات أبواق السيارات تعلو على صفّارات رجال الأمن، وبينهما تتصاعد أصوات المتظاهرين. هذه المرة تمكنوا من التجمع عكس الأسبوع الماضي بعد توصلهم ببلاغ من الباشا، يحذرهم من التظاهر. فيما اعتبر جمعويون أن" البلاغ التحذيري" دليل على "فشل السلطات بالمدينة في وقف احتجاج الساكنة، التي خرجت لتٌعبر عمّا تعيشه المدينة من ويلات ومن نكبات".

حسناء عتيب

عند مدخل الشّارع من الجهة الشّمالية، تصطف سيارات الأمن والقوات المساعدة ممتلئة عن آخرها، فيما تنتشر بقية العناصر خارج السيارات تحسبا لأي تطور أو أوامر.

ولمدة ما يزيد عن ساعة ونصف، صدحت حناجر المحتجين ضد ما أسموه الفساد والنخبة السياسية المسيرة للمدينة، وضد الحكرة والمحسوبية والزبونية. طالبت الشعارات بتشغيل الشباب العاطلين الذين يغامرون بأرواحهم في قوارب الموت، هربا من مدينة عريقة أهملت بعد سنوات من وعود لم ينفذ منها شيء. 

المتظاهرون قرروا مواصلة احتجاجاتهم الأسبوعية مطالبين بإيفاد “لجنة لتقصي الحقائق من وزارة الداخلية، للكشف عن التلاعبات التي عرفتها مجموعة من المشاريع بالمدينة، آخرها ما عرفته الحديقة العمومية التي عمرت تهيئتها طويلا”.

“مدينة مدمَّرة، مدينة ينخرها الفساد دون حسيب أو رقيب”، هكذا صرخ أحد المتحدثين في المظاهرة.”نحن هنا ليعلم الجميع كم نعاني، نحن لا نريد اصطداما مع قوات الأمن، همنا الوحيدإيجاد حل حكيم يرضي جميع الأطراف، ضد أوضاع امتدت جذورها البئيسة في المدينة لسنوات”. 

أصل الحكاية

تعيش مدينة أزمور منذ أسابيع على إيقاع مظاهرات أسبوعية. احتجاجات وحدت مختلف الفئات الاجتماعية في المدينة تحت شعار كبير “محاربة الفساد”، هذا الشعار الذي يلخص به المواطنون الذين التقتهم هوامش قصة حراكهم.

البداية كانت تدوينة على منصة فايسبوك، مطلع شهر أكتوبر، نشرها أحد تجار المدينة المتضررين من طول مدة الإصلاحات التي تعرفها الساحة العامة، المعروفة باسم “ساحة الزنك”، يتذمر فيها من الأشغال التي أوقفت تجارته. “بعد أسبوع انضم إليه زملاؤه التجار وعدد من ساكنة المدينة، ثم بدأت كرة الثلج تكبر”، يحكي  لهوامش سليم التومي، أحد نشطاء حراك أزمور.

هاشتاغ #دعوة_للاجتماع شكل البداية الفعلية لتحرك احتجاجي سيستمر لأسابيع، فقد وجه أحد تجار ساحة الزنك دعوة “إلى رواد العمل الجمعوي الجاد، إلى كل غيور على هذه المدينة، إلى أعضاء “تنسيقية أزمور التي نريد”، إلى أعضاء المعارضة بالمجلس البلدي، إلى الصحفيين والمؤثرين”، ليجتمعوا على “كلمة تخرج أزمور من التهميش الذي تعيشه وتفضح كل المفسدين”.

لم يمر وقت طويل حتى وجه عدد من التجار دعوة للاجتماع بمقهى البوعزيزي بعد زوال الأحد 18 شتنبر الماضي، وقرر المجتمعون من التجار والساكنة التظاهر يوم السبت الموالي، وبدأت تتشكل ملامح عمل منظم، لازال يؤطر المظاهرات المتواصلة في المدينة لأزيد من 8 أسابيع حين زيارتنا لها.

بعد المظاهرة الأولى التأم شمل المتضررين من تدبير المجلس الترابي، فقد تجاوز الأمر مجرد احتجاج على تأخر الأشغال إلى مساءلة القائمين على تدبير المدينة؛ ويوضح سليم أنه “بعد التحاق الساكنة بالمظاهرات، تحول الأمر الى ملف مطلبي يشمل مجموعة من النقاط منها إنهاء الأشغال بالساحة، وإصلاح كورنيش واد أم الربيع، والذي كان يفترض أن تنتهي فيه الأشغال بعد 3 أشهر لكنها استمرت لأكثر من ثلاث سنوات”.

ما يسميه المتظاهرون حراك أزمور، والذي أشعله تعطل أعمال تجار الساحة بسبب أشغال الإصلاح، استقطب فئات أخرى، حيث انضم المعطلون بدورهم إلى المحتجين. ودعا فرع أزمور، للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، في بلاغ إلى المشاركة في المظاهرات احتجاجا على “التهميش والتفقير والغياب الكلي لفرص التشغيل والمشاريع التنموية”.

ولم يفوت شباب المدينة فرصة زيارة الحاجب الملكي، يوم 20 شتنبر الماضي، للإشراف على افتتاح ضريح أبي شعيب الرداد، الذي ظلت أبوابه موصده بسبب الجائحة، وأيضا للإشراف على توزيع الهبة الملكية على الشرفاء “الشوفانيين”، حيث استغلوا الحدث للاحتجاج على “تقاعس عامل إقليم مدينة الجديدة ورئيس المجلس الجماعي عن أداء مهامهم من أجل النهوض بالمدينة، التي تدمرت أهم معالمها، منها الساحة وكورنيش المدينة ونهر أم الربيع، وإغلاق سوق مدينة أزمور الذي تم تفويت بقعته الأرضية المتواجدة بوسط المدينة وتحويلها إلى عمارات سكنية  وغيره”، حسب وصفهم. 

ساحة الزنك.. حين تعطل “التنمية” حياة الناس

يجلس إبراهيم (24 سنة)، أمام محل لبيع الملابس، مقابل “الحديقة العمومية” أو” ساحة الزنك” كما يسميها أهل المدينة.  قلة من الزبائن يزورون المحل الذي يشتغل فيه إبراهيم مع والده، والسبب أشغال تهيئة الساحة التي طالت كثيرا. يقول ابراهيم في حديث لهوامش “منذ أن بدأت الأشغال بالساحة قبل أكثر من ثلاث سنوات والحال على ما هو عليه، وبالرغم من أننا نؤدي واجباتنا الضرائبية، تجارتنا لم تعد كما في السابق، نعاني من الركود، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل”.

يؤكد إبراهيم أن طول مدة أشغال الحفر والتهيئة أثرت سلبا على تجارتهم، حتى  بلغوا مرحلة الاختناق بعدما كانوا يُمنون أنفسهم بانتهاء الأشغال، وفتح الساحة في وجه ساكنة المدينة وزوارها، باعتبارها المتنفس الوحيد كي تعيد الرواج للمحلات المقابلة. 

لكن يضيف إبراهيم “لم نستفد شيئا من طول مدة الإصلاحات سوى إصابة والدي بالحساسية، وبسبب ذلك لم يعد مداوما على القدوم إلى المحل كما العادة، لكننا بالرغم من ذلك صامدون. وما خروجنا إلى الشارع للاحتجاج إلا لنقول لمسؤولي المدينة: لقد سئمنا وفاض الكأس”.

وقال محتجون، في تصريحات متطابقة لهوامش، إن “المنتخبين هم سبب خراب هذه المدينة العريقة، وسبب التهميش والإقصاء اللذان يخيمان عليها، إضافة إلى غياب فرص الشغل بالمدينة، بسبب إغلاق غالبية الشركات أبوابها ومغادرتها للمنطقة”.

إهمال للماضي ولامبالاة بالمستقبل

يعتبر المحتجون أن المسؤولين يتعاطون بلامبالاة وإهمال مع تاريخ المدينة وواقعها ومستقبلها أيضا، فهي مدينة ذات أبعاد تاريخية وفنية وروحية عريقة. “أزمور لا تستحق كل ما تعانيه”، يقول أحمد، أحد من تحدثوا إلينا، ويضيف “أزمور منارة روحية وذات عمق تاريخي، وحبلى بملايين الحكايات الجميلة، كان من الممكن أن تستغل كل هذه المميزات لصالحها، لتأخذ مكانها إلى جانب باقي المدن المغربية العريقة”. 

ويسترسل قائلا إن “المدينة التي تٌعد اليوم مزارا روحيا بفضل كثرة الأضرحة، أنجبت العديد من أولياء الله الصالحين، كما استقر بها آخرون وفدوا إليها من مدن ومناطق أخرى… كل هذا لم يشفع لها أمام كل من تناوب على رئاسة مجلسها، كي يعمل على رد الاعتبار إليها”.

ويختم أحمد حديثه بكثير من الحنين قائلا إن”مدينة أزمور ليست مجرد مدينة عاشت فترات تاريخية كبيرة، من كر وفر بين غزو أجنبي وتحرر منه، بل هي أكثر من ذلك، إنها مدينة الرحالة المغربي الشهير مصطفى الأزموري، أو كما يلقب في أوروبا وأمريكا اللاتينية استيفانيكو الأزموري، أول من اكتشف فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية”.

ويعتبر جل من تحدثنا إليهم من المحتجين أن المكتب المسير للمجلس الجماعي يبدد الرأسمال الرمزي والمادي للمدينة، ويستطيعون بسرعة الربط بين إهمال مآثرها التاريخية والصفقات العمومية التي ينجزها المجلس؛ حيث تعالت الأصوات مؤخرا برفض قرار تم تمريره في الدورة الأخيرة، لتفويت سبعة هكتارات من ممتلكات الجماعة لفائدة الجامعة الملكية لكرة القدم.

وفي نفس السياق وضع المستشار الجماعي بمدينة أزمور “مهدي يسيف” قبل أيام، رسالة لدى مصالح عمالة الجديدة، يطالب فيها بإلغاء مقرر مجلس الجماعة القاضي بتفويت سبعة هكتارات لفائدة الجامعة المغربية لكرة القدم من أجل بناء مركز رياضي جهوي ، بدون مقابل أو أي امتياز للمدينة وساكنتها ، في جلسة مغلقة أعلن عنها رئيس المجلس الجماعي زكرياء السملالي.

واضطر السملالي إلى عقد جلسة مغلقة للتصويت على القرار المثير للجدل، بعد حضور عدد كبير من السكان لمتابعة أشغال الدورة، معبرين عن رفضهم للتفويت، فيما وصفوا قرار إغلاق الدورة في وجه الحضور دليلا على الفساد ولامبالاة برأي الساكنة.

الساكنة التي منعت من الحضور ومتابعة أشغال الدورة تتبعت مقرراتها، ونشر نشطاء أسماء من صوتوا لصالح التفويت مقرونة بنعوت تحيل على الفساد، إضافة إلى أسماء من اعترضوا على التفويت مقرونة بالتنويه.

وبينما تتواصل الدعوات للاحتجاج والتظاهر، وتتعالى الأصوات التي تتهم مكتب المجلس الجماعي ورئيسه بالفساد وتدمير المدينة، لم نتمكن من الحصول على تعليق هذا الأخير رغم محاولاتنا المتكررة للتواصل معه كي يقدم أجوبة على جبال الأسئلة التي تتراكم على المدينة ومستقبلها.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram