الرئيسية

نهر أم الربيع ينام على فراش الجفاف، هل سيستيقظ يوماً؟

منطقة أهل المَنْزَل، التابعة ترابيا لإقليم الفقيه بن صالح، كانت تتمتع بالحياة النابضة والمياه الجارية، حيث كانت جميع أنشطتها ومعيشتها مرتبطة بمياه النهر الرقراقة. لكن مع تغير المناخ وحدة الجفاف، تحولت هذه المنطقة إلى أرض قاحلة، تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والسقي، وهذا ما جعل الحياة في المنطقة أصعب وأكثر تحديًا.

عبد اللطيف مرتضى

جف مجرى نهر أم الربيع عن آخره، على مستوى منطقة بني عمير وبني موسى، بإقليم الفقيه بن صالح، وجفت معه آمال عمي الصغير (63 عاما) وسكان البوادي المجاورة، التي يخيم عليها شبح الجفاف.

بعينين تحكيان قسوة السنين التي قضاها في قرية “أهل المَنْزَل”، يقول عمي الصغير “هاذ الواد  أولدي كان ليه الفضل  باش نبقاو هنا في الدوار، منو كنسقيو الأرض ديالنا، ومنو كتشرب بهايمنا، ومنه كنغسلو فراشنا،” ويضيف  “تعلمنا فيه السباحة، واصطدنا منه الأسماك. لم نكن نتخيل يوما أنه  سيصبح بقعة جافة تتكدس فيها الأحجار والأسماك الميتة.، بصدق تمنيت الموت قبل معاينة هذا المنظر”.

منطقة أهل المَنْزَل، التابعة ترابيا لإقليم الفقيه بن صالح، كانت تتمتع بالحياة النابضة والمياه الجارية، حيث كانت جميع أنشطتها ومعيشتها مرتبطة بمياه النهر الرقراقة. ولا يمكن الحديث عن المنطقة دون الإشارة إلى أهمية هذا النهر، فهو روح المنطقة، وعليه ترتكز أنشطتها.

لكن مع تغير المناخ وحدة الجفاف، تحولت هذه المنطقة إلى أرض قاحلة، تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والسقي، وهذا ما جعل الحياة في المنطقة أصعب وأكثر تحديًا.

“لم يعد بإمكاننا العيش هنا”

بعبارات تحمل الكثير من الألم والحزن يحكي ابن المنطقة، عبد الرحيم (32 عاما)  “المياه هي التي كانت تمدنا بالحياة في منطقتنا، الآن لم يعد بإمكاننا العيش هنا، بالرغم من أننا لا نتقن أي مجال آخر غير الفلاحة وتربية الماشية، تلك هي الحرفة الوحيدة التي نتقن والتي توارثناها، لم نتخيل يومًا أننا سنصل إلى هذه الحالة المؤلمة التي تدمي قلوبنا جميعا”.

يتحدث عبد الرحيم “لهوامش”، بحسرة كبيرة، “كان كل شيء مختلفًا، فالمنطقة كانت تتألق بمياه النهر، وكانت الأنشطة والحياة تتركز حوله، لكن الجفاف المتزايد جعلنا نعاني من صعوبة العيش والاعتماد على الموارد المحلية، وأصبحت الحياة في المنطقة أصعب بكثير مما كانت عليه”.

ويضيف المتحدث أن ابناء المنطقة “يعانون من غياب فرص الشغل، فلا يجدون أمامهم سوى ركوب الأمواج بحثًا عن فرصة العيش، مما يعرضهم للخطر والموت في بعض الأحيان. يجب على المسؤولين مراعاة وضعيتنا والعمل على إيجاد حلول فعالة لهذه المشكلة المتفاقمة، لأن الحفاظ على الموارد المحلية وتحسين جودة الحياة في المنطقة يتطلب تعاونًا وجهودًا مشتركة من جميع الأطراف المعنية” حسب تعليقه.

وتبلغ المساحة الإجمالية لجهة بني ملال خنيفرة مليونين و811 ألف هكتار؛ منها 994 ألف و463 هكتارا صالحة للزراعة، ضمنها 17 ألف هكتار فقط مستغلة فلاحيا، حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات. وتعيش هذه الجهة خلال السنوات الأخير على وقع تردّ كبير ومتواصل لحقينة السدود ومقاييس التساقطات المطرية، إضافة إلى القطع التدريجي لمياه السقي، ثم جفاف مياه الآبار والأنهار.

ويعتبر نهر “أم الربيع” من أكبر أنهار المغرب، حيث يبلغ طوله حوالي 600 كلم، وتدفقه حوالي 142.20 متر مكعب في الثانية، حيث ينبع من سلسلة جبال الأطلس المتوسط، ويتجه غربا ليصب في المحيط الأطلسي عند مدينة آزمور الماثلة على ضفته اليسرى، ولم يشهد التاريخ جفافه يوما، ولكن الآن، يعاني النهر من الجفاف التام وتظهر التشققات والتصدعات في التربة الجانبية، والصخور الملساء التي كانت تشكل عمق النهر.

هل نتجه نحو أزمة مائية؟

سُجِّلت آخر عملية سقي في بني عمير في 31 مايو 2022، بعد توقف دام أكثر من 9 أشهر، حيث تراجعت أيام السقي في نفس المنطقة من 197 يوماً في موسم 2017-2018، إلى 24 يوماً فقط في موسم 2021-2022، وزاد عدد أيام التوقف عن السقي من 168 يوماً في موسم 2017-،2018 إلى 341 يوماً في موسم 2021-2022. 

وسُجِّلت آخر عملية سقي في بني موسى في 1 مايو 2022، بعد توقف دام أكثر من 9 أشهر، حيث تراجعت أيضاً أيام السقي من 195 يوماً في موسم 2017-2018، إلى 44 يوماً فقط في موسم 2021-2022، وزاد عدد أيام التوقف عن السقي من 170 يوماً في موسم 2017-2018، إلى 321 يوماً في موسم 2021-2022. 

وتشير الأرقام إلى أن حجم مياه سد بين الويدان انخفض من 993 مليون متر مكعب في موسم 2010-2011، إلى 115 مليون متر مكعب في موسم 2022-2023، وتراجعت واردات المياه من السد من 677 مليون متر مكعب في موسم 2011-2012، إلى 135 مليون متر مكعب في موسم 2021-2022.

من جهته، شهد سد أحمد الحنصالي، بزاوية الشيخ، تراجعاً في حجم المياه من 993 مليون متر مكعب في موسم 2010-2011، إلى 55 مليون متر مكعب فقط في موسم 2022-2023، وتشير الأرقام إلى تقلص حصص السقي المخصصة للفلاحين على مدى السنوات الأخيرة، حيث انخفضت حصص السقي للمزارعين من 1100 مليون متر مكعب في موسم 1979-1978 لبني موسى وبني عمير معاً، إلى 110 مليون متر مكعب فقط في موسم 2021-2022.

أصل المشكلة: “سدود خاصة” لفلاحين كبار وأسباب أخرى 

تجاوبا مع مطالب  المجتمع المدني التي دعت إلى ضرورة التدخل لوقف مظاهر التدهور الذي يعرفه المصب قرر مجلس النواب تشكيل مهمة استطلاعية للوقوف على وضعية مصب نهر أم الربيع

وكشف التقرير النهائي، للمهمة الاستطلاعية المؤقتة حول “وضعية مصب نهر أم الربيع”، والتي تم تشكيلها بمبادرة من لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، عن خمسة أسباب رئيسية تسببت في وضعية اختناق مصب النهر. بالإضافة إلى نقص التساقطات المطرية بفعل الجفاف، فإن ثاني الأسباب يتمثل في تشييد سد المسيرة وسد سيد الضاوي بشكل ساهم في انخفاض صبيب النهر.

وأورد التقرير أن السبب الثالث يتمثل في اقتلاع الحصى والصخور، التي كانت تشكل حاجزا أمام الرمال، موازاة مع تشييد ميناء الجرف الأصفر في إقليم الجديدة؛ وهو ما يسمح للتيار البحري بجرف الرمال إلى المصب. فيما يتمثل السبب الرابع حسب نفس التقرير في لجوء فلاحين كبار إلى إنشاء سدود خاصة لسقي الهكتارات من الأراضي من وادي أم الربيع.

أما السبب الخامس والأخير فهو مرتبط باعتماد حلول ترقيعية غير مدروسة، حيث كان يتم جرف الرمال ووضعها على جنبات البحر بدل وضعها في أماكن بعيدة، فتعمل الأمواج على دفعها مرة أخرى إلى المصب.

وكشف نفس التقرير أن شركة “درابور”، التي تعاقدت معها وزارة التجهيز عام 2001 لجرف الرمال، كانت تقوم بجلب الرمال النقية من الغابة إلى النهر، ثم جرفها وبيعها باسم شركة مغايرة طيلة سنوات.

ودعت توصيات المهمة الاستطلاعية المؤقتة إلى الوقوف على وضعية مصب نهر أم الربيع، والتعجيل بإنجاز مشروع مندمج لمعالجة الاختلالات التي يعرفها مصب النهر، لاسيما المرتبطة بمياه الصرف الصحي وتداعياتها على المنظومات البيئية ومهنيي الصيد التقليدي العاملين في المنطقة.

وحثت المهمة الاستطلاعية، على مباشرة إطلاق الدراسات وتعبئة الموارد اللازمة وإعداد الشراكات والمخططات القطاعية، أخذا بعين الاعتبار حجم النمو الديموغرافي واتجاه وسرعة التوسع العمراني، وتحديث تصميم التهيئة الخاص بمدينة أزمور في اتجاه توسيع مجالها الترابي ليشمل مصب وضفتي نهر أم الربيع، مع إمكانية خلق مجال ترابي خاص بمصب وضفتي الواد والمناطق المائية المرتبطة به.

كما شددت التوصيات على ضرورة تجنب وضع الرمال المزالة من مصب النهر في مكان قريب منه، حتى لا تعود إليه بسهولة بعد فترة وجيزة، واستغلال الرمال من طرف الإدارة لتدعيم الشاطئ، ثم دعم وتمويل مشاريع تنموية تعود بالفائدة على ساكنة المنطقة، مع الإسراع في إنجاز محطة معالجة المياه العادمة بأزمور، واعتبرت أن أي تأخر لهذا المشروع سيؤدي إلى تفاقم نسبة تلوث مياه النهر لا سيما في ظل الجفاف والندرة.

“كنا نعلم أن اللحوم ستصل إلى 100 درهم”

صرح رئيس الغرفة الفلاحية لجهة بني ملال خنيفرة، محمد رياض، بأن سلاسل الإنتاج العديدة التي كان يعمل عليها المخطط الأخضر قد اختفت واندثرت. وأوضح أن جميع تعاونيات الحليب فشلت وتوقفت عن جني الأرباح. وأضاف “عندما نتحدث عن فشل التعاونية، فإن ذلك يعني توقف الفلاح عن تربية البقر وتوقف عن ممارسة هذه المهنة، الأمر الذي أدى إلى تقليل كميات الحليب بشكل كبير”.

وفي حوار خاص مع جريدة بيان اليوم، أكد المهندس الفلاحي رياض أن رؤساء الغرف كانوا على علم مسبق بهذا الوضع الحالي ودقوا ناقوس الخطر قبل سنة، وأشار إلى أن الوضع سيتدهور أكثر في المستقبل. وأردف “أن المغاربة يجب أن يدركوا أن هناك مشكلة كبيرة في المياه وأن القطاع الفلاحي ليس له دخل في هذا المشكل”.

وأشار رياض إلى أن الجميع يتحملون مسؤولية حل هذه المشكلة وليس القطاع الفلاحي بمفرده، فهو قطاع يستخدم الماء ولا يخزنه. وأعرب عن قلقه إزاء الفلاحين ودعاهم إلى الخروج للشارع للمطالبة بحقوقهم وإيجاد بدائل لمعيشتهم.

الهجرة القروية.. أرقام مقلقة

قالت المندوبية السامية للتخطيط إن 152 ألف مغربي ينتقلون سنويا من القرى إلى المدن، مفيدة بأنه بين عامي 2009 و2014 بلغ عددهم 760 ألف شخص، أي بمتوسط تدفق 152 ألف مهاجر سنويا.

وحسب دفاتر التخطيط الصادرة عن المندوبية، فإن هذا النزوح من القرى يمثل تقريبا 20.7 في المائة من إجمالي السكان المهاجرين الداخليين، و1.1 في المائة من سكان القرى المغربية، مشيرة إلى أن عدد الأسر القروية المهاجرة إلى المدينة آخذ في الازدياد، ليبلغ 37 ألفا و100 أسرة تغادر سنويا، وتتميز هذه الأسر بصغر حجمها ويبلغ معدل أفرادها 3.8 أشخاص لكل أسرة.

وأكدت المندوبية، أن جنس المهاجرين القرويين يخضع لتغييرات كبيرة ويتجه إلى زيادة التأنيث، حيث بلغت نسبة النساء 55 في المائة، وأوضحت أن المرأة القروية تشارك في الهجرة بطرق عديدة؛ من خلال مبادرتها الخاصة في إطار الهجرة المستقلة، أو بحثا عن ظروف معيشية أفضل كرفيقة للرجل أو الزوج أو أحد أفراد الأسرة، أو كمسؤولة عن أُسرَة.

وحسب نفس الوثيقة، فإن المهاجرين من القرى إلى المناطق الحضرية هم في الغالب من الشباب، إذ 41.3 في المائة تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما؛ وهم يشكلون 26.8 في المائة من سكان القرى، فيما 10.2 في المائة من المهاجرين القرويين تزيد أعمارهم عن 50 عاما، ويمثلون 17.7 في المائة من سكان القرى. أما بشأن الوضع العائلي فإن 67 في المائة منهم متزوجون، و27.3 في المائة عازبون.

وتستقطب الجهات الأربع: الدار البيضاء-سطات، وفاس-مكناس، وطنجة-تطوان-الحسيمة، وسوس-ماسة، على التوالي، 16.3 في المائة، و13.9 في المائة، و13.2 في المائة، و12.8 في المائة، من مجموع الهجرة الجماعية من القرى. 

أما أهم أحواض الهجرة فهي منطقة مراكش آسفي، التي تعتبر أكبر مورد للنزوح الوطني من القرى، بنسبة 17 في المائة، ثم جهة فاس مكناس بنسبة 14.6 في المائة، وجهة طنجة تطوان الحسيمة بنسبة 11.6 في المائة، ثم جهة سوس ماسة بنسبة 11 في المائة أي ما مجموعه 54.3 في المائة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram