الرئيسية

حوادث السير.. حرب غير معلنة في المناطق النائية

15 رجلا و8 نساء وطفل، هي حصيلة المأساة التي عرفها دوار أيت عنيناس بجماعة أيت تمليل، بإقليم أزيلال، يوم الأحد الماضي. جنازة جماعية لـ 24 شخصا حملتهم سيارات الإسعاف تباعا إلى المقبرة، صباح نفس اليوم، بعد أن قضوا جميعا في حادثة سير. في هذا التقرير، تسلط هوامش الضوء على هذه الحادثة والحوادث المشابهة التي تحصد أرواح المواطنين في المناطق النائية، والذين يجدون أنفسهم بين مطرقة النقل السري أو غير المنضبط للقوانين، وسندان سوء أو انعدام الطرق المناسبة. وستنشر "هوامش" وثائقيا مطولا يحمل عنوان "خطاف أيت قالة" ضمن سلسلة وثائقيات "هاو-دوك" التي ستنشر على قناة اليوتوب وتكشف واقع الطرق والنقل في العالم القروي.

محمد تغروت

عاشت ساكنة دوار أيت عنيناس بجماعة أيت تمليل، بإقليم أزيلال، وقتا عصيبا، بعد عصر الأحد الماضي، إذ اضطرت إلى تنظيم جنازة جماعية لـ 24 من أبنائها، ضحايا حادثة السير التي هزت الإقليم، صباح اليوم نفسه. ودفنت الجثث بمقبرة أيت أكنون بمدينة دمنات، في جنازة مهيبة حضرها المئات من أبناء المنطقة.

15 رجلا و8 نساء وطفل كان برفقة والده، هي حصيلة هذه المأساة التي عرفها الدوار، حملتهم سيارات الإسعاف تباعا إلى المقبرة، صباح اليوم ذاته، وسط بكاء الأقرباء.

وتعرضت حافلة للنقل المزدوج، من نوع “مرسيديس 207″، كان على متنها 24 راكبا، لحادث خطير، بعد أن فقد السائق التحكم في منعرج خطير، لتنقلب الحافلة بجميع ركابها بأحد المنحدرات الجبلية الخطيرة، دون أن “تتوفر على ترخيص لنقل المسافرين”، مع تجاوزها العدد المسموح به لهذا النوع من السيارات (16 راكبا)،  حسب ما توفر لدينا من معطيات.

هذه ليست المرة الأولى التي تقع فيها حوادث سير مميتة بالمنطقة، إذ لقي أربعة (4) أشخاص مصرعهم وأصيب 22 آخرون بجروح خطيرة في حادثة سير أخرى وقعت في فاتح ماي الماضي، على مستوى الطريق الرابطة بين دوار إكمير وتيرارين بجماعة أيت عباس بإقليم أزيلال، وبالضبط في منطقة “وانشكي”، إثر انقلاب حافلة لنقل البضائع، كانت تقل عددا من الأشخاص عائدين من السوق الأسبوعية، التي تقام كل يوم إثنين بمركز إكمير بأيت عباس.

وتكررت الحوادث الخطيرة التي كان فيها الضحايا بالعشرات، آخرها حادث سير وقع في شهر نونبر الماضي، وأسفر عن مقتل 11 شخصا وعن إصابة 43 آخرين قرب مدينة تازة، وفي غشت من سنة 2022، أدى حادث حافلة إلى مقتل 23 شخصا وإصابة 36 آخرين في مدينة خريبكة شرق الدار البيضاء، دون أن ننسى حادث تلاميذ طانطان الـ 33 الذين قضوا في حادثة سير خطيرة سنة 2015، وحادث ”تيشكا” الذي توفي إثره أزيد من 40 شخصا سنة 2012. 

المناطق المعزولة.. طرق غير قابلة للسير 

عند تحليل أسباب حوادث السير، عادة يتم ربطها بالبنية التحتية للطرق، أو العوامل البشرية، كالسرعة، والسياقة في حالة سكر أو في وضعية تعب. 

غير أن أغلب الحوادث، التي أودت بحياة عدد كبير من الضحايا، حصلت في المناطق الهامشية والمعزولة،  وتعود أسبابها الرئيسية للحالة المزرية للطرق، وغياب المراقبة. كحادث دمنات الأخير، الذي وقع في منطقة معزولة  تبعد عن العاصمة الرباط بحوالي 374 كيلومترا ولا تتوفر على بنية طرقية جيدة بالإضافة إلى غياب وسائل النقل التي توفر السلامة للساكنة.

 وتشكل الحافلات وسيارات النقل المزدوج وسيلة يستخدمها المغاربة على نطاق واسع، خصوصا أولئك الذين لا يستطيعون شراء سيارات ولا تصل شبكة السكك الحديدية إلى مناطقهم.

وللتنقل في المناطق القروية والنائية، بين الأسواق والدواوير، كثيرا ما تتجاوز “وسائل النقل المتوفرة” طاقتها الاستيعابية، بمبرر غياب بديل لدى الساكنة، وجشع أصحاب الحافلات.

وغالبا ما تكون الطرق في العالم القروي، وفي المناطق الجبلية أساسا، طرقا غير مصنفة، بل وأحيانا غير معبدة، مع منعرجات ومنحدرات خطيرة، يصعب معها التجاوز والتقابل بين سيارتين أو شاحنتين، ويشكل القيام بمناورات أمرا بالغ الخطورة، في ظل وجود منحدرات وطرق مزرية.

ولعل شهادة وزير التجهيز والماء، نزار بركة،  كافية  للتعرف على الوضعية المزرية للطرق في المناطق النائية، فأثناء جلسة للأسئلة الشفهية في مجلس النواب، عقدت يوم الاثنين 24 ماي من السنة الماضية، صرح نزار بركة أن المغرب “أمام نسبة عالية من الطرق غير قابلة للسير”، وأضاف “تسعى الحكومة لتحسين حالة الطرق لتصل إلى 66٪ من الطرق على مستوى متوسط ​​أو جيد”، وأكد في ذات الجلسة أن 62٪ فقط من الطرق في المغرب في حالة جيدة، بينما 32٪ من الطرق في حالة متوسطة جداً وتحتاج إلى صيانة. فيما 6٪ من الطرق في حالة كارثية.

أرقام مخيفة وتكلفة باهظة

تخصص المنصة الرسمية لوزارة التجهيز قسما خاصا بعنوان “إحصائيات حوادث السير” من أجل “جمع ومعالجة الاستمارات الإحصائية التي تعبأ من قبل فرق الدرك الملكي ومصالح المديرية العامة للأمن الوطني، وذلك وفقا للتعريفات الدولية لمفهوم ضحايا حوادث السير”، غير أن آخر تقرير منشور على هذه المنصة يعود إلى سنة 2017. بينما توقف الرصد في قسم “السلامة الطرقية بالأرقام” على ذات المنصة، عند سنة 2018، حيث “قامت وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء بجمع واستغلال معطيات حوادث السير الجسمانية المسجلة من طرف مصالح الدرك الملكي والأمن الوطني خلال سنة 2017 وتمت المصادقة عليها من طرف اللجنة الوطنية المكلفة بفحص البيانات الاحصائية لحوادث السير الجسمانية”، فيما توقفت عند الإحصائيات المؤقتة لسنة 2018.

في ذات السياق قال مدير الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، بناصر بولعجول، يوم الثلاثاء 14 فبراير 2023، إن الإحصائيات المؤقتة المتعلقة بحوادث السير خلال سنة 2022 تفيد بأن عدد القتلى بلغ 3201، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 6,84 في المائة.

وأبرز بولعجول، خلال لقاء حول “السلامة الطرقية وخدمات الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية”، نظمته لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، أن مجموع الحوادث الجسمانية خلال سنة 2022 بلغ 113 ألفا و740 حادثة، بنسبة انخفاض قدرها 1,53 في المائة. كما تراجعت نسبة الإصابات الخطيرة بـ 5,22 في المائة، والإصابات الخفيفة ب 1,07 في المائة.

وتفيد المعطيات المتوفرة أنه خلال سنة 2022، تلقت المحاكم 183 ألفا و508 محاضر ورقية لجنح السير، منها 2511 ملفا يرتبط بحوادث سير مميتة، و295 قضية تتصل بحوادث سير تسببت في عاهات مستديمة. كما بلغ عدد المحاضر الورقية المتعلقة بمخالفات السير 111 ألفا و569 محضراً، في حين بلغ عدد المحاضر الإلكترونية 9 آلاف و492 بالنسبة للجنح و770 ألفا و860 مخالفة.

وتجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات المؤقتة لسنة 2022 التي أوردها بولعجول، والتي تشير إلى تسجيل 113 ألفا و740 حادثة سير، خلَّفت 3201 قتيلا، وإصابة  8090 شخصًا بجروح بليغة، و153 ألفا و486 شخصا بجروح خفيفة. وأكد أن معدل ضحايا حوادث السير ببلادنا يصل يوميا إلى 10 وفيات، إضافةً إلى إصابة 250 آخرين بجروح، وسنويا يصل إلى أكثر من 3500 وفاة وإصابة 12 ألفا آخرين بجروح بليغة.

وتحدث الحسن الداكي، الوكيل العام لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة،  عن الموضوع في يوم دراسي حول “الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية”، نظم يوم الاثنين 13 مارس 2023، وقال “إن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية تقدر بحوالي 1.69% من الناتج المحلي الإجمالي”، أي حوالي 19.5 مليار درهم سنويا، بمعدل 3.19 مليون درهم لكل قتيل، و797 ألفا و500 درهم لكل مصاب بإصابات خطيرة، حسب تقرير البنك الدولي لسنة 2019.

تقليص عدد قتلى الطرق.. هدف بعيد المنال  

يتبين من خلال الاطلاع على منصة البرلمان المغربي، في القسم المتعلق بالأسئلة الكتابية، أن عددا من البرلمانيين سبق أن نبهوا إلى ما يصطلح عليه بـ “حرب الطرق”، بالنظر إلى المآسي التي تنتج عنها، معددين الأسباب التي تؤدي إليها ما بين وضعية الطرق، ومستوى تجهيزها والسلامة المرتبطة بإنشائها أو تشويرها. 

وطرح البرلمانيون أسئلة بخصوص درجة المواكبة والمراقبة المعتمدين أثناء تشييد هذه الطرق أو خلال صيانتها. وكذا بشأن سبل تجويد تهيئة الطرق وتعبيدها، بشكل يراعي دفتر التحملات المتعاقد عليه، فضلا عن دور الوزارة المكلفة في ضبط المخالفين وزجر كل الأعمال التي من شأنها أن تكلف مستخدمي الطرق حياتهم.

هذه الوضعية تسائل الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2017- 2026، التي اعتمدتها الحكومة للحد من حوادث السير، وحددت هدفا رقميا طموحا وهو تقليص عدد قتلى حوادث السير إلى 50% في أفق 2026، أي أقل من 1900 قتيل على الطرقات في سنة 2026. وكذا المخطط الوطني للمراقبة الذي أطلقته «الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية”، والمحددة فترته الزمنية بين عامي 2022 و2024، والذي قيل أن منهجه يستند إلى تحليل حوادث السير وأسبابها الرئيسية، وتعزيز آليات المراقبة في محاور الطرقات التي تشهد أكبر عدد من حوادث السير، إضافة إلى تقييم العمليات.

جدير بالذكر أيضا أن الوكالة كانت قد أطلقت في وقت سابق عملية المعاينة والمراقبة الآلية لمخالفات قانون السير، ووضعت أكثر من 550 راداراً من الجيل الجديد في مختلف مناطق المغرب، بعدما كانت تجهيزاتها تقتصر على 140 راداراً، غير أن الوقائع تشير إلى محدودية تأثير كل ذلك. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram