أسامة باجي
تمارس يسرى هنو تداريبها كالعادة في فضاء تاغبالوت؛ وهو منتجع سياحي يقع بمُرتفع يبعد عن مدينة القصيبة بثلاثة كيلومترات. تاغبالوت فضاء طبيعي يضم مراكز للتخييم ومساحات خضراء. فضاء يجذب الباحثين عن السكون، والرياضيين، ومحبي التخييم وهواة الترحال “التريب”.
تنحدر يسرى من مدينة القصيبة، وهي عداءة منخرطة في نادي أمل القصيبة، تشق طريقها بأمل، وتبدو مصرة على تحقيق إنجاز مهم، كما فعلت حين فازت ببطولة المغرب في سباق 1500 متر فئة الشابات سنة 2019.
في نفس المدينة التقينا هاجر بلواز، وهي أول حكمة جهوية ووطنية في رياضة الكاراتيه، وعضو بالمكتب المسير لعصبة هذه الرياضة بجهة بني ملال خنيفرة، وهي كذلك أول مدربة كاراتيه بالقصيبة.
القصيبة مدينة جبلية تقع شرقَ مدينة بني ملال، عاصمة جهة بني ملال خنيفرة، وقد عُرفت بجمال طبيعتها، التي تجذب الزوار خصوصا في فصل الصيف، كما تعرف بتاريخها البطولي في مقاومة الاستعمار.
هذه المدينة العريقة “فقدت رصيدها الرياضي، ففي ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي أعطت لاعبين احترفوا في فرق كبرى، كأولمبيك خريبكة والوداد البيضاوي، إلا أن الواقع الرياضي بالقصيبة اليوم يعرف تراجعا مهولا ونكسة كبرى”. هكذا لخص الفاعل الرياضي محمد أخراز، في حديثه لهوامش واقع الرياضة بالمدينة.
يسرى وهاجر نموذج لفتاتين تمارسان الرياضة، وترغبان بالاحتراف، في مدينة تواجه فيها الرياضة النسوية عوائق أهمها سلطة الأعراف والعقلية الذكورية، التي تسكثر على المرأة أي نشاط خارج البيت ومحيطه، ولا ترى لها دورا غير القيام بالأعمال المنزلية.
في ظل هذا الوضع حققت يسرى هنو ألقابا عديدة، منها بطولة المغرب للشابات في سباق 1500 متر؛ أما هاجر بولواز فقد حازت على نتائج مشرفة في بطولات جهوية ومحلية؛ وحققت أول بطولة جهوية لها بمدينة قصبة تادلة.
في الواقع، التهميش هو حال الرياضة في المدينة، وهو وضع لا يخص النساء دون الرجال، فالوضع العام لا يشجع على إطلاق العنان للطاقات الرياضية المحلية، نسوية كانت أم رجالية.
وأهم العوائق، التي تواجه الأندية التي تحاول تأطير أطفال وشباب المنطقة، هو العائق المادي، حيث أن المبالغ التي يخصصها المجلس الجماعي تظل هزيلة في منطقة يمكن أن تشكل مشتلا لأبطال وبطلات المستقبل، بالنظر إلى طبيعتها الجغرافية ومناخها وبعدها عن التلوث الصناعي.
رياضي سابق ومُهتم بالشأن الرياضي المحلي لخص الوضع في حديث مع هوامش، بالقول “إن المجلس الجماعي يقدم للأندية منحا سنوية هزيلة، بحيث يحصل فريق شباب أطلس القصيبة، الذي يزاول في القسم الوطني الرابع هواة، على منحة تُقدر بحوالي 12 مليون سنتيم، فيما يخصص 5 مليون سنتيم لفريق كرة اليد، ومليوني سنتيم لفريق الكرة الحديدية”.
وحسب المصدر ذاته فإن الفرق الرياضية المحلية يتعذر عليها أحيانا للسفر إلى مدن مجاورة لإجراء تداريب أو لعب مباريات، بسبب العجز المالي بالدرجة الأولى.
ورغم العائق المادي تعرف المدينة مبادرات رياضية موجهة بشكل خاص للأطفال، منها مدرسة صداقة ورياضة، وأكاديمية كرة القدم، وبعض النوادي المدرسية لكرة القدم وألعاب القوى. وعلى الرغم من وجود هذه المبادرات إلا أن عدم توفر الملاعب وغياب بنية تحتية ومرافق خاصة بهذه الرياضات تشكل عائقا آخر.
وُلدت يُسرى هْنُو في يناير 2000، درست بالمدرسة الغربية بالقصيبة ثم بعدها في ثانوية موحى وسعيد ثم درست الثانوي بمدينة بن جرير. وبدأت مسيرتها سنة 2012 مع نادي الأمل الرياضي بالقصيبة، حيث أشرف على تدريبها المدرب عبد الرحيم السميحي، ثم التحقت سنة 2017 بمركز ألعاب القوى بمدينة بن جرير، وحصلت على ألقاب جهوية وإقليمية.
خاضت يُسرى منافسات وطنية ودولية، وحازت على الميدالية الذهبية في سباق 10 كيلومتر في بني ملال، فضلا عن الرتبة الأولى في سباق 10 كيلومتر في بن جرير، والمرتبة الأولى بفاس، كما شاركت هنو في بطولة العالم بباريس، وبطولة العالم في الدنمارك، وبطولة أفريقيا في الكوت ديفوار، ثم بطولة العرب في الأردن سنة 2019، ولازالت شهيتها مفتوحة للتتويج ورفع علم المغرب في المحافل الدولية رغم العوائق.
لم يكن مسار هاجر بولزاز يسيرا، وهي التي اختارت رياضة كانت تعتبر إلى عهد قريب في مدينتها حِكراً على الرجال.
بدأت هاجر مسيرتها الرياضية، سنة 2009، مع جمعية أبطال القصيبة لرياضة الكاراتيه. وشكلت مساندة والدها ومدربها حافزا لتتحدى واقعا قد يعيب على المرأة “جرأتها” في ممارسة فنون القتال.
“لا زال هنا من يعتبر أن المرأة لا يمكنها أن تمارس الرياضة. تعرضت لضغوطات للتوقف، إلاَّ أن والدي الذي كان منفتحا دافع عني ودعمني بكل الوسائل”، تقول هاجر في حديثها مع هوامش.
وتؤكد محدثتنا أن مسارها لم يخلُ من عراقيل، فبعدَ صبر طويل اجتازت شهادة التأهيل في التدريب بالعاصمة الرباط، لتبدأ مواجهة أخرى بسبب مسؤول محلي سابق “وضع عراقيل عديدة كي يمنعني من فتح ناد لرياضة الكاراتيه في المدينة”.
تمكنت هاجر بعد سنة، من فتح النادي وحققت حلمها باحتراف التدريب، ورغم قلة الإمكانيات المادية فهي تتمسك بشغفها وتعتبر أنها تقوم بدور هام في هذه المدينة الصغيرة، حيث أنها تمكنت من “تغيير العقليات قليلا ولازلنا فقط في بداية المشوار” تقول بأمل.
وبفضل هاجر وإصرارها على التدريب تستطيع فتيات مدينة القصيبة اليوم ممارسة رياضة الكاراتيه، حيث أن وجود هاجر كمدربة شكل حافزا لعدد من الأسر للسماح لبناتهن بممارسة الكاراتيه، وهي تطمح إلى تدريب عدد أكبر من بنات وأبناء المنطقة.
“الرياضة النسوية بالقصيبة لا تجد أي تشجيع، محتشمة إلى أبعد الحدود. الواقع الرياضي مر، خجول، كارثي”. بهذه الكلمات يصف محمد أخراز، في حديثه لهوامش، واقع الرياضة النسوية بمدينة القصيبة.
ويضيف أخراز أن الوضع المُحتشم يعود لعدم تشجيع المسؤولين للرياضة النسوية، وانعدام البنيات التحتية وانعدام منح رياضية في المستوى، حيث عرفت تقزيماً إلى أبعد الحدود وهو ما انعكس سلبا على تحقيق نتائج إيجابية.
ورغم أن الرياضة بشكل عام أصبحت في مراتب مُتدنية، حسب أخراز، إلا أنه يؤكد أن هناك بصيصاً من الأمل “فعلى الرغم من هذا الوضع إلا أنها عرفت نهضة متواضعة في العدو الريفي وكرة اليد، لكنها لم تصل بعد إلى الأوج المطلوب”. يقول المتحدث.