الرئيسية

“نساء الطحالب” بين معاناة الغوص واستغلال الوسطاء والشركات

رغم سنها الذي تجاوز الستين، تنحني رقية بمرونة وهي تعمل على فرز الطحالب الحمراء وتخليصها من الشوائب ثم تجفيفها تحت أشعة الشمس، قبل أن تأخذ طريقها إلى المصنع، حيث تحوّل هذه الطحالب إلى أنسجة غذائية و جيلاتين ومواد التجميل والأدوية ومنتجات أخرى.

حسناء عتيب

تصنف شواطئ مدينة الجديدة (95 كلم جنوب الدار البيضاء) كأغنى الشواطئ العالمية بالطحلب الأحمر، الذي تستخلص منه مادة “أغار أغار”، المستعملة في صناعة الجيلاتين النباتي، أحد أهم المكملات المعتمدة في الصناعات الغذائية، إضافة إلى الأدوية ومستحضرات التجميل. 

وتربع المغرب لعقود على قائمة الدول المنتجة لمادة “أغار أغار” التي اكتشفت أول مرة في اليابان سنة 1958، قبل أن يتراجع إلى المركز الثالث خلف الصين وتشيلي خلال العقد الأخير.

رقية أم لأربعة أبناء، جميلة الملامح رغم لفحة الشمس البادية على محياها، لم تسرق السنين من هذه المرأة الدكالية همتها وحماسها في جمع الطحالب، فهو مصدر العيش الوحيد.

 فيما يتوجه الناس خلال عطلة الصيف إلى الشواطئ للسباحة من أجل المتعة، تسبح رقية من أجل كسب ما تعيل به أسرتها، فهي تتجه يوميا إلى البحر، وتمضي من ست إلى ثمان ساعات في اليوم  تغوص وتطفو ممسكة بما جاد به البحر. 

على طول شاطئ “سيدي بوعابد”، تتوزع قوارب “الغطاسة”، وعلى الشاطئ الصخري تٌرابط بعض النساء رفقة أطفالهن، لالتقاط ما يلفظه البحر من طحالب حمراء من أجل بيعها.

بعد جمع الطحالب وفرزها تأتي مرحلة التجفيف، وتتبع طريقة تقليدية في ذلك، حيث توضع الطحالب تحت أشعة الشمس،وتعهد إلى شخص من أجل حراستها مقابل مبلغ مالي، ثم تنقل لاحقا بواسطة الشاحنات إلى الشركات التي تعمل على تكريرها وتصديرها.

تشتغل رقية في هذا المجال منذ ثلاثة عقود. بأسى تتذكر  كيف ” كان الإنتاج وفيراً ويستفيد منه المشتغلون في استخراج الطحالب خلال التسعينيات ومطلع العقد الماضي، ، عكس اليوم، الذي لا  يستفيد منه سوى أصحاب البواخر والشركات الكبرى المصدرة”. 

رغم تجربتها الطويلة،  فإن مدخولها بالكاد يكفي لسد حاجيات البيت، لذلك لم تتمكن حتى من توفير مبلغ كاف لاقتناء بذلة غوص. فهي تقوم بالغطس إلى عمق مترين ونصف دون أي احتياطات، وهو ما انعكس سلبا على صحتها.

12 ساعة من العمل مقابل 5 دراهم عن كل كيلوغرام.

تصل الطحالب التي تستخرجها رقية وزملاؤها إلى المصنع عن طريق الوسطاء، وهو ما يجعلهم يشتكون من قيمة المقابل “غير المنصف” لتعبهم ومن تذبذب سعر بضاعتهم. تقول رقية ” نحن نسلم الطحالب للسماسرة، وهم يقيّمونها ويحددون الثمن. كل ما نفعله هو تسليم البضاعة وانتظار الشيك، وحين نتسلمه نعرف أن الثمن قد ارتفع أو انخفض”. 

على نفس الشاطئ قابلنا رشيدة سيدة في الخمسينيات من عمرها، و هي تشتغل في نفس المجال، حيث أكدت في تصريح لمنصة هوامش ” أن كل أبناء المنطقة رجالا ونساء هم “أولاد البحر”. هنا تعلموا أساسيات السباحة والغوص. لا نملك مورد رزق آخر غير البحر؛ به نحيا ومن دونه نموت”. يوافق الحسين، 29 سنة،  غطاس سابق، رشيدة في أن جنى الطحالب مصدر رزق سكان الدوار الوحيد، لكنه يؤكد أن تكلفة استخراجها وتحضيرها أصبحت مكلفة، فالعملية لا تقتصر على الغطس وجمع الطحالب وبيعها، بل تمتد الى  مراحل أخرى يؤدون خلالها  مبالغ مالية لقاء خدمات أشخاص آخرين. 

ويحكي الحسين، في حديثه إلينا، أنه خسر العام الماضي حوالي 3 ملايين سنتيم”كلها تبخرت بين كراء بعض وسائل الغطس وأداء أتعاب الحمالين وشراء وقود الجرار”، مضيفاً أنه لم يتوصل بمستحقاته إلا بعد مرور أشهر عديدة.

 وأوضح الحسين أن “تكاليف جلب الطحالب مكلفة للغاية. وتبدأ من الشخص الذي يتسلم الطحالب منا في وسط البحر، ثم الحمال الذي يستقبلنا على الشاطئ، بعده يأتي سائق الجرار الذي ينقلها إلى مكان الفرز، ثم يليه الحارس، وكل هؤلاء يتقاضون مقابلا عن خدماتهم”. وأضاف المتحدث أن “الأمر مكلف جدا أمام الخمسة دراهم التي نتلقاها مقابل  الكيلوغرام الواحد”.

مصدر من وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، رفض الكشف عن هويته، قال في تصريح لمنصة هوامش، إن متوسط الأسعار المطبق في تصدير الطحالب الخام عرف تحسنا ملحوظا، إذ ارتفع من 14 إلى 40 درهم للكيلوغرام الواحد، مشيرا إلى أن الأمر نفسه ينطبق على “الأغار أغار” (agar agar) والذي ارتفع ثمنه من 192 إلى 275 درهم للكيلوغرام.

استغلال ومعاناة

نفس الأمر تحكيه سميرة (اسم مستعار) في حديثها لـ “هوامش”،   وترى “أن ممتهنات جمع الطحالب البحرية، يعانين في صمت مرير، بسبب تحكّم الوسطاء أو السماسرة في القيمة المالية للطحالب البحرية بالمنطقة، وهو تبخيس لجهد النساء في جمع الطحالب مرورا بتنظيفها، وصولا إلى عملية تجفيفها، والتي تعتمد فيها النسوة على طرق بدائية تستهلك الكثير من الوقت وفق مداومات تمتد لساعات طويلة، تنطلق من السادسة صباحا إلى السادسة مساء”.

وتعتبر أغلبية النساء ممن تواصلت معهن هوامش، أن محدودية الأيام المسموح فيها باستخراج الطحالب تضيق عليهن عيشهن وتعرضهن للفاقة وقلة ذات اليد، في حين يرجع المسؤولون عن القطاع حصر الأيام إلى خطورة استنزاف المحاصيل و احترام الراحة البيولوجية، الأمر الذي تعتبره غالبية النسوة تواطؤا بين السماسرة وأصحاب الشركات، حيث إن عملية الجني حسب ما أخبرونا به:” تبدأ قبل افتتاح موسم الجني بثلاثة أشهر وذلك بدخول قوارب مجهولة الهوية تحت جنح الليل وعدم احترام مدة الراحة البيولوجية المحددة من طرف وزارة الصيد البحري”.

“الذهب الأحمر”

ويوفر ساحل منطقة الجديدة ما يعادل 80% من الإنتاج الوطني من مادة الطحالب الحمراء  أو ما يسمى بـ”الربيعة” أو “الذهب الأحمر”، والذي تستخلص منها مادة اغار اغار.

 وبالإضافة إلى الاستهلاك في مجال الغذاء، تستخدم هذه المادة المصنعة بنسبة 65 % من هذه الطحالب، في ملونات الأقمشة وصناعات البلاستيك. كذلك تلقى هذه المادة الجيلاتينية رواجا، حيث تستخدم كقاطع للشهية في الأنظمة الغذائية.

وخلال السنوات الأخيرة، حققت هذه المادة ارتفاعا،  خصوصا في أوساط النباتيين الذين يفضلونها على الجيلاتين المحضر من مصادر حيوانية.

وحذر “معهد الدراسات البحرية”سنة 2009، من اختفاء هذه النبتة البحرية في المغرب بسبب الاستنزاف. وفي سنة 2010 وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري برنامج حماية يُطلق عليه استراتيجية “اليوتيس” بهدف النهوض بقطاع الصيد البحري وتنظيم استغلال الثروات البحرية المغربية.

 ولحماية “الطحلب الأحمر”، فرضت وزارة الزراعة والصيد البحري مجموعة من الإجراءات من بينها منع قطف الطحالب البحرية من فصيلة  ( Floridés )، ابتداء من فاتح أكتوبر إلى غاية 30 يونيو من كل سنة، ومنع قطف الطحالب خلال الليل، مع السماح بجمع الطحالب البحرية الملقاة على الساحل، في حين يمنع اقتلاعها. 

كما وضعت الوزارة نظام تتبع مسار الطحالب البحرية و الأغار أغار (agar agar) على امتداد السلسلة التجارية و التسويقية انطلاقا من الإنتاج إلى التصدير، مع إخضاع الطحالب الخام و” الأغار أغار” لنظام رخص وتصاريح التصدير.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram