الرئيسية

حوار – الكاتب عبد المجيد سباطة: “جوهر الرواية هو إسماع صوت البسطاء”

بدأ مساره الأدبي بكتابة رواية "جدار العشق" سنة 2015، وكتب بعدها رواية "ساعة الصفر" التي فازت بجائزة المغرب للكتاب سنة 2018. لم يهب الغوص في تجربة روائية مختلفة، بتعقيدات أكثر ومتاهات أكبر، فرمى على الطاولة ملفات وقضايا حساسة في روايته "الملف 42"، ليتجاوز ملفه حدود الوطن ويصل إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) سنة 2021.

حاورته: مريم أبروش

تمرد على البناء السردي للرواية التقليدية، كاتب فضولي، يعشق التدقيق في التفاصيل الصغيرة، ولا يهاب التنقيب عن قضايا دفنها الزمن. سخر قلمه للانتصار للمهمشين والبسطاء، وطرح أسئلة عن الهوية والانتماء والكرامة الإنسانية.

هو عبد المجيد سباطة، من مواليد الرباط سنة 1989.عشق الأدب والكتابة منذ صغره. انعرج مساره عنهما و”تمادى” في مسار علمي، غير أنه وبعد أن حصل على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية، قرر أن يقلب مساره المهني رأسا على عقب، وعاد إلى حبه الأول: الكتابة. حصل على الماجستير في الترجمة من مدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة. له ترجمات عديدة على رأسها رواية “فتاة الرحلة 5403” ورواية “لن ننسى أبدا” وكذا رواية “مناورة الملكة”. 

في هذا الحوار، يشاركنا عبد المجيد سباطة رؤيته للأدب المغربي ورأيه بخصوص الجوائز ومنح الكتابة. تحدث عن الترجمة والفن والسينما، كما ناقش إكراهات النشر بالمغرب وعلاقة جيل الرواد بجيل الكتاب الشباب. 

يلاحظ القارئ من خلال رواياتك اهتمامك الشديد بالفئات المقهورة مجتمعيا وكذا الأحداث المنسية تاريخيا التي تحاول تسليط الضوء عليها في أعمالك، خاصة في روايتك الأخيرة “الملف 42”. ما هي القضية الكبرى التي يحاول عبد المجيد سباطة الدفاع عنها من خلال كتاباته؟ 

 أعتقد بأن جوهر الرواية أو الكتابة بشكل أدق يكمن في إسماع صوت من لا صوت له. نعلم جميعا أن المصادر والكتب التاريخية تهتم بالدرجة الأولى بمسار القادة والرؤساء والملوك والسلاطين، ليظل السؤال مطروحا، من سيسمع صوت المواطنين البسطاء، من سينقل آراءهم وانفعالاتهم؟ 

أحاول من خلال كتاباتي التطرق لقضايا البسطاء والناس العاديين، في محاولة مني لتسليط الضوء على معاناتهم ومشاكلهم. ففي رواية “ساعة الصفر” كان هاجسي الأول هو التطرق لسؤال الهوية والانتماء، أما في رواية “الملف 42” تناولت قضية الكرامة الإنسانية، وذلك أساسا من خلال تطرقي لقضية “الزيوت المسمومة”. ربما في الأعمال القادمة سأتناول موضوع الذاكرة الفردية أو الجمعية. على العموم، هذه هي أبرز القضايا التي أتناولها في كتاباتي، والتي غالبا مع تدور حول معاناة الإنسان البسيط.

 المحزن في الأمر، أن الرواية في مناطق أخرى تستطيع أن تنطلق أحداثها من قصة بسيطة وتصنع وتبتكر عوالم سردية واسعة ومثيرة للغاية، في حين أن الرواية المغربية أو العربية ما تزال أسيرة لعدد كبير من القضايا والأسئلة التي ما زلنا نناضل من أجل الإجابة عنها أو بالأحرى ما نزال نناضل من أجل طرح سؤالها.

عرف المشهد الأدبي المغربي خلال السنوات الأخيرة بروز أسماء جديدة لكتاب شباب يحاولون وضع بصمتهم الخاصة في الساحة. ما تقييمك مستوى هذه الإنتاجات الأدبية وما هي نصيحتك للمقبلين على كتابة أو نشر أول أعمالهم؟

هنا، دوما أستذكر مقولة للكاتب والشاعر المغربي محمد بن ميلود حين تحدث وقال فيما مضمونه، إنه وفي ظل الظروف الحالية التي يعيشها الشاب المغربي من صعوبة العيش ومعضلة البطالة والإكراهات المادية والاقتصادية، فبمجرد أن يحمل الشاب المغربي قلمه ويكتب رواية، فهذا بحد ذاته كاف لكي نمنحه جائزة بغض النظر عن مستوى هذه الرواية. وأعتقد بأن هذه المقولة تلخص الكثير.

أنا مع الإبداع الشبابي، ولا أنكر بأني أتحيز له دائما، وأبذل كل ما في وسعي لتشجيعه. وأسعد أيما سعادة كلما صدر عمل جديد لكاتب شاب مغربي، لأني ببساطة أستشعر مدى صعوبة التجربة وأدرك حجم الظروف الكارثية التي تحداها ليرى مشروعه النور. وكم أسعد حين يحصد بعضهم جوائز مغربية وعالمية. إذ أرى بأن ذلك ليس انتصارا للكاتب وحده، وإنما هو انتصار لي أيضا، وانتصار للكتاب الشباب وانتصار للأدب المغربي كذلك. 

لا أدري إن كان لي الحق في إسداء النصائح، إذ أعتبر نفسي ما أزال في بداية الطريق، وأنا أيضا بحاجة إلى المزيد من التجارب والخبرة. والنصيحة التي يمكن أن أقدمها هي أن يحرص الكتاب الشباب على التعامل مع أعمالهم بمتعة وجدية. أن يحاولوا الاستمتاع قدر الإمكان بما يكتبون، وأن يكتبوا ما هم مقتنعون به، وألا ينجرفوا مع التيار. إذ أني أرى أن البعض خاصة في البداية، ينجرفون مع التيار ويكتبون على منوال أعمال أخرى ناجحة، مما ينتج لنا كتابات يغلب عليها شيء من التصنع. ببساطة، نصيحتي أن يكتبوا ما يودون هم قراءته، وليكونوا أكيدين بأنهم بذلك سيلقون النجاح والاعتراف. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنصحهم بألا يتعجلوا في النشر، وإن كنت أعلم بأن الكثير من الكتاب الشباب لن يأخذوا هذه النصيحة على محمل الجد، لكن صدقا، مع توالي السنوات سيستشعرون مدى أهميتها. فكلنا ككتاب مبتدئين نمر بما يمكن وصفه بحماسة العمل الأول، إلا أن التعجل في النشر قد يحكم على الكاتب وعلى الرواية معا بالفشل، فقد يكون العمل بالفعل عملا مميزا لكنه يفشل، لأنه وببساطة تلعب الجهة الناشرة دورا أساسيا في الدفع بالعمل أو تدميره.

بصفتك كاتبا مغربيا شابا، كيف ترى العلاقة بين الكتاب الشباب والرواد في المغرب، هل هي علاقة دعم وتشجيع أم تنافر وتعال؟ 

بصفة عامة، مسألة صراع الأجيال هي من مسلمات القدر والتاريخ، وليست حكرا على المغرب بل في جميع أنحاء العالم وفي كل المجالات. نحن تصادف دوما ما يمكن أن نسميه بالصراع بين الجيل الحالي والسابق. إلا أنه حينما نتحدث عن “صراع” في المجال الأدبي في دول أخرى، فنحن نقصد به المعنى المجازي، أي ذاك الصراع الثقافي الذي يدفع إلى البحث عن التجديد، ومحاولة الخروج من القوالب القديمة، والانفتاح على أفكار جديدة. 

أما فيما يخص بلدنا، فلن أتحدث بشكل عام، إذ كان لي احتكاك بجيل الرواد. صراحة، لقد شهدت الكثير من مظاهر التناقض والتنافر في هذا الصدد، وعلى هذا الأساس لا يمكنني أن أقر بأنها علاقة تشجيع ودعم كامل، كما لا يمكنني الجزم بأنها علاقة تنافر تام. فقد لقيت دعما كبيرا من عدد من الكتاب المنتمين لجيل الرواد، كما صادفت نفورا وتعاليا بل وحتى صدا من بعضهم، لذا لا يمكن إصدار أحكام مطلقة في هذا الصدد.

والأدهى أني لاحظت أن بعض الكتاب الشباب يتقربون من جيل الرواد بشكل تشتم منه رائحة التملق، وهذا ما أرفضه تماما. فأنا أكن احتراما كبيرا لجيل الرواد ولا أعتبر أني في صراع مع أي منهم، ولو اختار أحدهم أن يعاديني لسبب أو لآخر، فذلك شأنه. أحرص على أن تكون علاقتي طيبة مع الجميع، وأن أستفيد قدر الإمكان من خبرتهم مما يتوافق وتجربتي. أما الاقتراب من الرواد بغرض التملق والحصول على جواز مرور إلى المشهد الثقافي فأنا ضده جملة وتفصيلا.

 أن تكون كاتبا جيدا يستلزم أن تكون قارئا نهما، وهذا ما نلاحظه من خلال قراءاتك المتنوعة التي تشاركها مع متابعيك على حسابك الفايسبوكي. في تدوينة لك كتبت “أحيانا يبعث لك القدر برسائله على شكل سطر معين في رواية معينة في وقت معين.” ما هي الروايات التي استشعر فيها عبد المجيد رسائل القدر؟

إن مسألة رسائل القدر تظل مسألة شخصية ترتبط بكل قارئ على حدة، فقد يستشعر قارئ رسالة في رواية ما لا يستشعره قارئ آخر في الرواية ذاتها.

بالنسبة لي، هناك روايات عديدة استشعرت فيها رسائل القدر، رسائل قد تكون مرتبطة بحياتي الشخصية أو بمساري الأدبي أو المهني، وفي هذا الصدد هناك عناوين كثيرة لا أتذكرها.

إن ما يمكن أن ألخصه في هذا الشأن، هو ببساطة أن نقرأ وأن نتفاعل مع ما نقرأه. إننا نكتسب مع الخبرة تلك العين الثالثة القادرة على قراءة ما بين السطور، وأظن بأن هذا أجمل ما في الأدب، فلكل قارئ قراءته الخاصة.

في لقاء تلفزيوني، عبرت عن التحديات التي واجهتك خلال تجربة نشر روايتك الأولى “خلف جدار العشق”، وتعاملك مع دار نشر خارج المغرب، فهل ترى بأن المغرب يعاني من أزمة نشر؟ 

لا يختلف اثنان على أن المغرب يعاني من أزمة نشر، وهذا ما يدفع الكتاب المغاربة للنشر خارج المغرب، لأنهم واعون جيدا بتلك المعاناة التي سيكابدونها لو قدر لعملهم أن ينشر بالمغرب. الإشكال الأساسي يكمن في أن النشر هنا يتم بمقابل مادي، أي أن دور النشر في معظم الأحيان تطلب من الكاتب أن يدفع أموالا لينشر عمله. دون الحديث عن جودة الورق والطباعة وتصميم الأغلفة والتي في الغالب ما تكون ذات جودة سيئة بل رديئة للغاية. 

وعلاوة على ذلك، تعاني دور النشر بالمغرب من ضعف واضح وفاضح في مسألة التوزيع، ويمكننا القول بأن دار النشر هنا أقرب إلى المطبعة، إذ أنه حين يتم طبع الكتاب، تسلم النسخ للكاتب المطالب بأن يتدبر أمره في توزيعها. فكيف لهذا الكاتب أن يوزعها؟ سيجد نفسه كحد أقصى يوزع خمس إلى عشر نسخ في بعض المكتبات الكبرى المتواجدة في المدن الكبرى بالمغرب وحسب. 

هي مشاكل عديدة تدفع العديد من الكتاب إلى البحث خارج المغرب. لن أدعي أن النشر خارج المغرب مثالي، بل وبطبيعة الحال هو الآخر يعاني من مشكل التوزيع، حيث يمكن أن تصادف دار نشر جيدة على مستوى الطباعة وجودة الورق والتميز في التصميم، وكذا على مستوى المراجعة والتدقيق اللغوي، إلا أنها لا توزع في المغرب. 

 إن الكاتب حديث التجربة يجد نفسه أمام مشاكل معقدة ومتشابكة للغاية، لهذا أعود وأقول أنه لا بد من التريث في البحث واختيار الناشر الذي يلبي كل طموحات الكاتب.

توجت روايتك “ساعة الصفر” بجائزة المغرب للكتاب سنة 2018، واستطاعت روايتك “الملف 42” الوصول إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية سنة 2021، فهل يكتب سباطة من أجل الجوائز؟

لو كنت صدقا أكتب للجوائز، لما فازت رواية “ساعة الصفر” بجائزة المغرب للكتاب، ولما وصلت رواية “الملف 42” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. 

صدقا، لم أتوقع بتاتا أن تفوز رواية “ساعة الصفر” بالجائزة، فلم تتبادر الفكرة إلى ذهني نظرا لصغر سني وحداثة تجربتي، لكن كان للقدر رأي آخر. 

وتكرر الأمر مع رواية “الملف 42″، لقد استبعدت تماما فكرة أن تصل الرواية إلى القائمة الطويلة حتى، خاصة وأن البناء السردي الذي نهجته في الرواية ليس محبذا عند بعض اللجان والنقاد أسرى المدرسة التقليدية، ممن يعتبرون أن السرد الخطي هو الرواية، وما يخرج عن هذا القالب لا يمكن اعتباره رواية في الأصل.

في نفس السياق، نرى بأن هناك لغطا وجدلا يتجدد كل سنة إثر الإعلان عن الروايات الفائزة بالجوائز الأدبية وخاصة جائزة البوكر العربية، فما تعليقك حول ذلك؟ وهل ترى بأن هذه الجوائز تعكس جودة الرواية أدبيا وفنيا؟

 في الحقيقة، أرى بأن الفائدة الكبرى لهكذا جوائز- وأتحدث هاهنا بشكل خاص عن “البوكر” الجائزة العالمية للرواية العربية- تكمن في تغطيتها الإعلامية الكبيرة، والتي تمهد الطريق للرواية لتصل إلى شريحة كبيرة من القراء على المستوى العربي، أما عن اختيار الروايات المرشحة والفائزة، فأعتقد بأنها تعتمد أساسا على تصور لجنة التحكيم، وتبقى آراء يمكن أن تختلف من لجنة لأخرى.

 إن الإنصاف لا تقدمه الجوائز بالضرورة، بل تلك مهمة التاريخ وهذا أجمل ما فيه. ولهذا دوما ما أصر على أن الكاتب يجب أن يكتب ما يود أن يقرأه، ما يعبر عن أفكاره، وأن يختار طريقة الكتابة التي تناسبه وإن اختلفت عما ألفناه. وسواء ظفر عمله الأدبي بجائزة أم لم يحالفه الحظ، فالتاريخ كفيل بإنصافه.

سنة 2019، حصلت على منحة تفرغ للكتابة مقدمة من مؤسسة “مفردات” البلجيكية لدعم المشاريع الفنية والأدبية. من خلال تجربتك، هل ترى بأن الدعم المالي هو فقط ما ينقص الكاتب المغربي ليبدع؟ وهل ترى بأن الجهود المبذولة من طرف الجهات الثقافية في المغرب لدعم الكتاب كافية لإنتاج روايات تنافس على مستوى العالم العربي؟

 بكل تأكيد، تمثل المنح -حتى وإن كانت هزيلة- دافعا معنويا كبيرا للكاتب لكي يبدع، نظرا لجملة الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الكاتب المغربي، والظروف المزرية التي يكتب فيها.

وقد أشرت إلى هذا الموضوع في رواية “الملف 42″، في مقارنة خفية ومقصودة بين الكاتبة الأمريكية التي تتلخص مشكلتها في العقود والمعاملات الإدارية علما أن كل الظروف مواتية لها لكي تكتب وتبدع، في حين أني صورت شخصية الكاتب المغربي الذي بالكاد يجاهد ليوفر لنفسه مصروف التنقل والمأكل اليوميين. فالكاتب المغربي ما يزال متخبطا بين المعيقات والإكراهات الجمة التي تواجهه بشكل يومي، في حين أن الكتّاب في مناطق أخرى من العالم تجاوزوا هذه النقاشات.

أرى أن الإشكال يرتبط أساسا بنسبة المقروئية، فالكتاب المغاربة الذين يعيشون من مداخيل كتابتهم معدودون على رؤوس الأصابع، في حين أن هذه المسألة في الغرب محسومة. فمبيعات الكاتب يمكن أن تصل إلى مليون نسخة، والأمر ليس بتلك الصعوبة نظرا لقوة النشر والتوزيع لديهم وكذا لارتفاع نسب المقروئية في بلدانهم. والمليون نسخة هو رقم كاف ليتفرغ الكاتب لكتاباته ولإبداعاته بعقل منفتح وصاف، ويمحور حياته كلها حول الكتابة. عكس الكاتب المغربي خاصة والعربي عامة، فما يزال أسيرا للكثير من الإكراهات اليومية التي يجب أن يتغلب عليها أولا ليستطيع ضمان أساسيات الحياة الكريمة، ومن تم يحاول أن يستقطع من وقته ويسترق من زحمة يومه بعض السويعات ليكتب.

 أما فيما يخص الدعم الثقافي بالمغرب، فهذا حديث له شجون. هناك بعض الدعم السنوي، وكما قلت سلفا أن فكرة الدعم هي فكرة مستحبة بحد ذاتها. دون الدخول في تفاصيل من يستحق الدعم ومن يحرم منه. فهناك الكثير مما يمكن مناقشته حول هذا الموضوع.

أنت مهتم بمشاهدة الأفلام العالمية بشكل كبير، ألا تفكر مستقبلا في دخول عالم كتابة السيناريو أو المشاركة في تحويل رواياتك لأفلام سينمائية؟ وما رأيك في التجارب السابقة لتحويل الروايات الأدبية إلى أفلام سينمائية أو مسلسلات تلفزيونية عربية أو أجنبية؟

صحيح، أحرص بشكل كبير على مشاهدة الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية سواء العربية منها أو العالمية، وذلك لقناعتي الكبيرة بأن السنيما تفتح للكاتب آفاقا يمكن أن يستفيد منها كما يفعل مع القراءة. فكلاهما يدفع بخياله نحو آفاق أبعد. غير أني أحرص على انتقاء الأفلام التي أشاهدها بعناية، فلا أنجر وراء الأفلام التي تحظى بجماهيرية كبيرة، بل أجد نفسي في العديد من الأحيان أبحث عن أفلام تتناسب وبعض الأفكار التي أشتغل عليها في أعمالي الأدبية. 

أما فيما يخص كتابة السيناريو، فقد سبق لي بالفعل أن ساهمت في كتابة سيناريوهات لبعض التجارب السنيمائية، غير أنها صادفت فترة كورونا الأمر الذي منعها أن ترى النور إلى الآن. إلا أن تجربة كتابة السيناريو أضافت لي الكثير، واستخلصت أنني ككاتب قادر على تقديم إفادة للسيناريو، وبأن التجربة الروائية قادرة على الاستفادة من منهجية كتابة السيناريو. 

وأرى بأن الأعمال السينمائية أو الدرامية المقتبسة من الروايات تختلف من حيث مستوى الإمتاع، وإن كنت أميل إلى فكرة أن الرواية هي الأصل، وهي التي تحفز الخيال بشكل أساسي، إلا أن هناك أعمالا سينمائية خلقت الاستثناء وكانت أفضل من العمل الروائي بحد ذاته. لكن بشكل عام لا يمكن أن نجزم بأن كل عمل سينمائي هو بالضرورة أقل جودة من العمل الروائي.

لكل كاتب طقوسه الخاصة، ودوما ما تلتصق بمخيلة القارئ صورة نمطية لكاتب ينعزل في كوخ جبلي معتكفا هناك إلى أن ينهي روايته. ما هي طقوس الكتابة الخاصة بك؟ 

 لا أعتقد بأن هناك كاتبا لا يحلم بهذا الكوخ المنعزل في الجبل، ولا يتمنى الابتعاد عن العالم الخارجي والتفرغ بشكل كلي للكتابة، لكن ربما هناك من يجد متعته وسط الصخب. 

إن الكاتب يحب أن يخلق أسطورته الخاصة. هنا، لا بد من الإشارة أن مسألة الطقوس قد أخذت أكبر من حجمها، إذ أن هناك من الكتاب من يصر على تفاصيل الطقوس، بل إن كتبا بأكملها كتبت في هذا الصدد. 

شخصيا، لا ألقي بالا لمسألة الطقوس، فما أميل إليه أثناء الكتابة، هو التركيز والخلوة، وصدقا مع إكراهات الحياة اليومية أبذل ما في وسعي لأركز ولأتجنب أي نوع من المشتتات، لهذا أحرص في فترة الكتابة على الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي. وكأبناء جيلي، أكتب عادة على الحاسوب وأحتفظ ببعض النقاط المهمة في المذكرات الصغيرة. هذه ببساطة ما يمكن أن نعتبرها طقوسي الخاصة.

بالموازاة مع الكتابة، دخلت عالم الترجمة، وقد ترجمت روايات عدة، فأيهما أكثر إمتاعا بالنسبة لك الكتابة أم الترجمة؟ وما الدافع الذي جعل عبد المجيد سباطة يخوض غمار الترجمة بدل الاكتفاء بكتابة أعماله الأدبية الخاصة؟

 لكل من الترجمة والكتابة متعتهما الخاصة، لكن تحيزي وميلي الأكبر للكتابة.  كمترجم، أستفيد بشكل عظيم من تجربة الترجمة، إذ أنها تساعدني على تحسين جودة اللغة التي أكتب بها، فالترجمة تتيح لي فرصة التعامل الدائم مع اللغة العربية.

 والترجمة بنظري أشبه بلعبة تحدّ، تحدّ يكمن في البحث عن التراكيب المناسبة والمصطلحات الأدق، وهذا لا يمكنه إلا أن يفيد لغتي العربية ويضمن استمرارية كتابتي بها.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram