الرئيسية

”أطّان”: فيلم قصير من الهامش يعالج  معضلة الهدر المدرسي وزواج القاصرات 

بإمكانيات شبه منعدمة، ومن رحم الهامش،  تمكن تلاميذ في المستوى الإعدادي، بإشراف من أساتذتهم، من إنجاز فيلم قصير، يعد باكورة عملهم في نادي الفلسفة، بالثانوية الإعدادية سيدي احساين ببلدية لخصاص، إقليم سيدي إفني. وتعيش "لخصاص'' تجربة فريدة من نوعها بعد أن شارك تلاميذ المنطقة في تشخيص فيلم قصير مدته ثمان دقائق و45 ثانية،  يعالج الهدر المدرسي وزواج القاصرات بالقرى.

يحكي فيلم أطَّان/ ATTAN (الألم الشديد بالامازيغية)، عن معاناة “تيهيا”، وهي فتاة قروية أرغمتها التقاليد والسلطة الذكورية على مغادرة المدرسة، ودفعت بها إلى الزواج وهي لا تزال طفلة، رغم تفوقها الدراسي. وهكذا تحولت الطفلة إلى ربة بيت تحمل جنينا ينتظره واقع قاس. خلال خروجها لجمع الحطب تلتقي تيهيا بفتيات الدوار فيتبادلن أطراف الحديث قبل أن تنصرف كل إلى وجهتها: زميلات الأمس بوزراتهن البيضاء إلى المدرسة وبطلة الشريط، اليائسة والمتعبة من هموم ونظرات المجتمع والتقاليد، إلى “بيت الزوجية”.

“أطّان” .. قسوة الواقع في شريط تلاميذي

يعالج الفيلم القصير واقع الفتيات في المجتمعات التقليدية، واللاتي يتم إجهاض حلمهن في التعلم وإقبار رغبتهن في الهروب من العنف والزواج المبكر. “تيهيا” كانت بمثابة الرمز التائه أمام واقعها المفروض، حيث تعود بها الذاكرة، لتسترجع تلك الصدمة الموجعة، حين تم الإجهاز على حلمها من طرف “سلطة الأب”، أمام استسلام الأم  لتعليمات الزوج المتسم بالشدة والقسوة. 

ويتناول الفيلم هذا الواقع الذي تعيشه يوميا آلاف القاصرات في كل أنحاء البلاد، ورغم الألم (أطّان) تستمر في مخاطبة جنينها، الذي يمثل المستقبل، وتتمنى أن يعيش الحرية وينعتق من براثن الجهل والأمية. 

مدخل لمعالجة الواقع …

سعيد اوبحمان، مجاز في الدراسات الفرنسية وكاتب سيناريو الفيلم، قال في تصريح لمنصة هوامش إن “إنتاج “أطّان” جاء في إطار مشاركة الثانوية الإعدادية سيدي حساين لخصاص في الدورة العشرين للمسابقة الوطنية للفيلم التربوي القصير، المنظم من طرف الأكاديمية الجهوية لوزارة التربية الوطنية فاس مكناس. وقد اخترنا موضوع زواج القاصرات وعلاقته بالهدر المدرسي نظرا لكونه إشكالا حقيقيا وسط المجتمع المغربي”.

من جهته أكد مخرج الفيلم، الصديق أكومار، وهو أستاذ مادة الفلسفة بنفس المؤسسة، في حديثه لهوامش أن “هذه التجربة هي الأولى لنا في مجال العمل السينمائي، وهذا الإنجاز الذي حققه الفيلم التربوي “أطّان” جاء نتيجة للمجهودات التي يبذلها أعضاء وعضوات نادي الفلسفة، كما أنه ينم عن حس المسؤولية والجدية المعهودة في هذه المجموعة”.

وأضاف أكومار “علمتنا هذه التجربة أن العمل السينمائي يعد مدخلا خصبا للتربية على القيم الإنسانية النبيلة، وأن جدلية الفني والتربوي مدخل أساسي لبناء شخصية متعلم قوي، يفهم ويفسر ويحاكي واقعه الموضوعي. 

أما بطلة الفيلم وصال صبري، وهي تلميذة بمؤسسة سيدي احساين، فقالت في حديثها لهوامش، إن “هذه التجربة رائعة جدا، وكان الهدف من دور”تيهيا”، إيصال رسالة للفتيات القاصرات ولأولياء أمورهم، بالإضافة الى توعية بعض الفئات، في العالم القروي خصوصا، والتي لا تزال تؤمن أن الفتاة مكانها هو بيت الزوجية وليس المدرسة”.

وأضافت وصال “هي أول تجربة لي في التمثيل، حاولت الانسجام مع دور” تيهيا” عن طريق وضع نفسي مكانها، وتخيلت أني أعيش نفس ظروفها”. 

زواج القاصرات ظاهرة مقلقة 

لازال زواج القاصرات بالمغرب يشكل معضلة تنخر جسم المجتمع المغربي، وتحرم أعدادا كبيرة من الفتيات من حقهن في التحصيل الدراسي. وحسب الإحصائيات الرسمية، التي نشرتها رئاسة النيابة العامة، بشأن تزويج القاصرات فإنه تم تسجيل 13 ألفا و652 إذنا بالزواج سنة 2022. وقد انخفض العدد نسبيا مقارنة بسنة 2020 التي سجلت 20  ألفا و738 إذنا بالزواج. 

وقبل ذلك بسنتين نشر فريق برئاسة النيابة العامة دراسة تشخيصية حول زواج القاصرات بالمغرب، واعتبرت هذه الدراسة أن القيود الثقافية والأعراف في عدة مناطق بالمغرب هي من تبيح هذا الزواج. 

  وفي ارتباط زواج القاصرات بارتفاع الهدر المدرسي في صفوف الفتيان والفتيات، نشرت وزارة التربية الوطنية، بدورها، إحصائيات رسمية سنة 2020، خلال جائحة كوفيد-19، تظهر أن الهدر المدرسي خلال 2019-2020 بلغ أزيد من 300 ألف تلميذ وتلميذة سنويا، وتشكل نسبة الفتيات المنقطعات عن الدراسة نسبة كبيرة قدرت بـ 42 بالمئة .

وفي فاتح مارس 2021 وقعت رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية اتفاقية شراكة وتعاون في مجال إلزامية التعليم الأساسي، من أجل الحد من الهدر المدرسي تنفيذا لإعلان مراكش 2020. وأعلنت رئاسة النيابة العامة أنه تمت إعادة 20 ألف فتاة إلى أقسام الدراسة، بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية، إلا أن ما تحقق لازال هزيلا ولا يرقى إلى مستوى الطموحات.

واستمرت رئاسة النيابة العامة في تفعيل اتفاقية إلزامية التعليم الأساسي رفقة الشركاء، ورغم تحقق بعض النتائج بإرجاع عدد كبير من التلاميذ المنقطعين إلى المدارس (في كل من الحوز، وبني ملال، وتارودانت )، لكن هذه النتائج لم تبلغ حتى نصف الرقم المنقطع عن الدراسة الذي أعلنته وزارة التربية الوطنية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram