الرئيسية

مجلة أنفاس تتنفس مجددا في أمريكا .. باحثون مغاربة يحيون تجربة اللعبي ورفاقه

بعد أزيد من 50 سنة، تعود مجلة "أنفاس" بنفس جديد، مجموعة من الباحثين قرروا إعادة إحياء تجربة مجلة طبعت التاريخ الثقافي والسياسي في المغرب قبل أن تتوقف، بسبب المناخ السياسي الذي عرفه مغرب سبعينات القرن الماضي.

عماد استيتو

سنة 1966، في العاصمة المغربية الرباط، سيقرر ثلة من الشعراء المغاربة ممن أطلقوا على نفسهم تسمية “الفدائيين اللغويين” تأسيس تجربة فريدة من نوعها، أرادوا من خلالها إحداث ثورة ثقافية في بلد خارج للتو من الاستعمار، فكانت مجلة “أنفاس” الأدبية الناطقة بالفرنسية ، التي سرعان ما أخذت بعدا سياسيا ساخطا على الأوضاع القائمة، والنظام السائد، وضد القوى الاستعمارية والرأسمالية.

اليوم وبعد أزيد من خمسين سنة، قرر مجموعة من الباحثين المغاربة في أمريكا إعادة إحياء التجربة بشكل مختلف.

ضد السائد ثقافيا

” لم يكن أمام أنفاس من خيار ثان، إبان لحظة ما من وعيها بتداخل قضايا البلد، غير مواصلة مجابهتها النظام السائد، على جميع الواجهات، أو الخضوع للجور، وفي نطاق ما أن تستسلم بالانسحاب من الحلبة”، يقول عبد اللطيف اللعبي، مدير المجلة وأحد مؤسسيها إلى جانب مصطفى النيسابوري، في تقديمه لكتاب خصصته الكاتبة كنزة الصفريوي لتجربة المجلة .

كانت التجربة في البداية شعرية خالصة، من تأسيس شعراء قلقين غير راضين عن وضع الثقافة ووظائفها، حاولوا تأطير أسئلتهم السياسية، فقرروا إحداث منبرهم الخاص، هكذا جاء العدد الأول متضمنا لعدد من القصائد مرفوقة بعدد من اللوحات التشكيلية لفنانين كانوا يدرسون بمدرسة الفنون الجميلة.

ومع توالي صدور المجلة، بدأ النفس الاحتجاجي يظهر أكثر فأكثر، فأصبحت “أنفاس” صوتا للحركات اليسارية الجذرية البارزة، كمنظمتي إلى “الأمام” و “23 مارس”، حيث احتضنت كتابات العديد من وجوهها، وهو ما سيكلف المجلة احتجابها واعتقال مديرها عبد اللطيف اللعبي، في سياق قمعي طبعه تشديد القبضة الأمنية ومتابعة الأصوات النقدية.

حسب كنزة االصفريوي، كان العدد الأول بيانا ثقافيا، يبرز خطابا للقطيعة ويعكس فورانا فكريا وآمالا في التحرر، لكن مرحلة 1966- 1969 اتسمت بالخطاب والمنحى الثقافيين للمجلة عبر احتضانها لنخبة ثقافية حالمة ببناء البلاد، ونظرتها المنفتحة والملتزمة بدون هوادة، وكونها قطبا ثقافيا وتعبيرها عن إرادة تملك سلطة رمزية.

إلى السياسة ُدر ..

“لكن نهاية هذه المرحلة ستعرف بداية انعطاف أنفاس سياسيا، والذي سيجسده بجلاء عددها الخاص “من أجل الثورة الفلسطينية” الصادر في الفصل الثالث من 1969. انعطاف سيقود المجلة إلى اعتناق الراديكالية وتعميق خطها السياسي، مما سيؤدي بها، من نهاية 1969 إلى مطلع 1972، إلى التحول، ومعها نسختها العربية التي ستشرع في الصدور حينها، إلى منبر للحركة الماركسية اللنينية عبر مكونيها (المنظمة ألف، إلى الأمام لاحقا، والمنظمة باء، 23 مارس لاحقا)، بهدف تعبيد الطريق لقيام الثورة وتوفير شروطها الموضوعية والذاتية.. لكن المغامرة ستتوقف في يناير 1972، بقوة الحديد والنار، عن طريق الاعتقالات الجماعية والاختطافات والتنكيل بحاملي مشعل أنفاس وحركتها السياسية. وبين 1972 وأكتوبر 1973، ستعود المجلة إلى الحياة، عرضيا، في باريس من طرف أعضاء الحركة المنفيين هناك”، تشرح كنزة الصفريوي في كتابها “مجلة أنفاس 1966-1973 ، آمال ثورة ثقافية بالمغرب”.

بعد توقفها، وخلال مدة طويلة ظل الصمت سائدا حول مجلة أنفاس، التي تحولت إلى “طابو” يحظر الاقتراب منه، ولم تتعرف عليها الأجيال الجديدة إلا في سياق انفتاح نسبي عام عرفته البلاد، لكن البعد السياسي للمجلة ظل عموما شبه مغيب، أو يتم التغاضي عنه في الدراسات التي تناولت التجربة، كما أوضحت كنزة الصفريوي في كتابها الصادر سنة 2013.

أنفاس جديدة

هذا البعد السياسي في تاريخ المجلة وتحديدا ما يخص تفكيك الخطاب الكولونيالي، هو ما قرر عدد من الباحثين المغاربة في الولايات المتحدة الأمريكية من تخصصات مختلفة إحياءه، بإطلاق مجلة “أنفاس العالم “souffles monde ” على الأنترنت .

“لقد أثارت تجربة أنفاس اهتمامي منذ وقت طويل كواحدة من أولى تجارب محاولة مواجهة الاستعمار ثقافيا، في المنطقة المغاربية، الكثيرون لا يعرفون أن المغرب في الستينات كان مركزا للخطاب المناهض للاستعمار وصوتا لحركات التحرر في إفريقيا ..أنفاس كانت أول مجلة تجمع إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لكن ومنذ إغلاقها سنة 1973 اختفت الأصوات المناهضة للاستعمار أو ما بعد الكولونيالية عن الساحة المغاربية.. حينما اشتغلت على كتابي الأول عن انتقال الأفكار السياسية بين أمريكا اللاتينية والعالم العربي، أتذكر أنني سمعت كثيرا عن مجلة أنفاس من قدماء يساريي المكسيك والبرازيل”، يشرح لنا هشام عيدي الذي يقول أن فكرة إعادة إطلاق أنفاس تراوده منذ سنة 2013 حينما أصدرت كنزة الصفريوي كتابها.

“ما كان يحاول اللعبي ومجموعته في أنفاس فعله هو تعزيز العدالة المعرفية، والمساواة في إنتاج المعرفة. أرادوا إسماع الأصوات المحلية لمواجهة الهيمنة الأوروبية على المؤسسات الأكاديمية والفكرية في المغرب، حيث كانت تحدد ما ينشر وما يترجم، وما هو مقبول وما هو لا، هذا وجه من أوجه مواجهة الاستعمار، أي أن نقرر نحن المغاربة من يتحدث باسمنا وما يترجم ، أنفاس حاولت تفكيك هذا الإطار النيو كولونيالي، ويمكنني القول إنه هذا ما نحاول اليوم فعله من خلال حوار مع بقية العالم”، يضيف هشام عيدي لمنصة “هوامش”.

حوار مفتوح مع العالم

جمعت ” أنفاس العالم” في هيئة إشرافها، بالإضافة إلى هشام عيدي المتخصص في العلوم السياسية، زكية سليم عالمة الاجتماع المتخصصة في النسوية، والتي اشتغلت كثيرا إلى جانب الراحلة فاطمة المرنيسي، و عمر بوم الأنثروبولوجي الذي يشتغل على الأديان والأقليات، بالإضافة إلى الأكاديمي ابراهيم الكبلي الذي له كتابات غنية عن الأمازيغية والصحراء.

وخصص العدد الأول من المجلة الإلكترونية لتيمة “الاختلاف في المغرب”، من زوايا متعددة : الثقافي، واللغوي، والعرقي، والجندري. ونجد في العدد عدة مقالات مثيرة للاهتمام مثل: “دور الأمهات في حركة العدالة الانتقالية”، “الموسيقى الاحتجاجية في الريف”، “إصلاح مناهج التاريخ”.

“سجلنا مؤخرا تزايد الاهتمام بالمغرب في الأوساط الأكاديمية والبحثية في المغرب، على اعتبار أنه يعتبر مفتوحا نسبيا، إذا ما قورن ببلدان أخرى كمصر وتونس. هذا الاهتمام إيجابي، لكننا نريد أن نظهر للعالم أن الموضوعات التي يتناولها الباحثون الأجانب المتعلقة بالحريات والديمقراطية والعنصرية وغيرها، سبق وأن أثارها وتناولها الباحثون المغاربة، وهدفنا هو إيصال هذه الكتابات والأبحاث، التي ظلت في إطار محدود، إلى العالم وجعلها أكثر تداولا”، تقول زكية سليم، عضو هيئة تحرير المجلة لمنصة “هوامش”.

وتتابع: “الفكرة ولدت قبل سنتين ونصف، كنا نجتمع عن بعد بشكل منتظم، وحينما حصلنا على الموافقة من عبد اللطيف اللعبي، بدأنا العمل، نحن نريد تقديم خطاب بديل نريده حوارا مع العالم، وأن نكون محيطا ثقافيا لاحتواء الأفكار ما بعد الكولونيالية كما كانت تفعل أنفاس في الستينات”.

وعلق عبد اللطيف اللعبي على التجربة الجديدة، في رسالة  خص بها أسرة المجلة، قائلا : “هذه إشارة قوية جدا على استمرار روح المجلة التي لم تعش إلا لبضع سنوات في القرن الماضي.. حيث انتقلت أشكال التعبير الأدبي والفني من أعلى إلى أسفل، وتمت محاكمة الهيمنة الاستعمارية، لاسيما على المستوى الثقافي، بطريقة جذرية، وطرحت مسألة الهوية وأهميتها بشكل مبكر ..أن يشعر جيل جديد اليوم بالحاجة إلى إحياء روح أنفاس أمر يغمرني بالسعادة”.

ويأمل فريق المجلة الناشئة التي تصدر باللغتين الفرنسية والإنجليزية، في تطوير التجربة واعتماد اللغة العربية كلغة ثالثة للنشر قريبا، والشروع في الاشتغال على نسخ ورقية قبل متم السنة الحالية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram