الرئيسية

متى تنتهي فواجع الغرق بجهة بني ملال خنيفرة؟

تحولت نزهة الشقيقين عبد الواحد وعبد الكريم المنحدرين من جماعة "أكودي نلخير" بإقليم أزيلال، في 12 يوليوز الجاري، إلى فاجعة ومأساة حقيقية بعد أن قضيا غرقا معا في ثاني أيام عيد الأضحى في واد "أساكا" بجماعة "أيت أوعرضي".

يحيي العالم اليوم العالمي للغرق، في 25 من يوليوز من كل سنة، ذكرى لا شك في أنها تبعث جراح أمهات فقدن فلذات أكبادهن غرقا في الأودية والبحيرات والمجاري المائية، بعد أن خرجوا من البيت للاستجمام ثم عادوا نعوشا، ليتحولوا إلى أرقام في سجلات الغرقى، وإلى ذكريات يتداولها الأصدقاء، وعناوين لمطالب ترفع كل مرة للمسؤولين من أجل التدخل للحد من الظاهرة.

“شهداء الصّهْد”

قصد الشقيقان عبد الواحد (15سنة) وعبد الكريم (17 سنة) الواد للسباحة والاستجمام، هربا من قيظ الصيف الذي يلفح أجساد الصغار بهذه الربوع المنسية من المغرب، والتي تتميز بحرارة مرتفعة خلال هذه الفترة من السنة، حيث تتجاوز أحيانا 41 درجة، غطس الولدان ثم لم يظهرا. 

ظل أمل أسرة الولدين، وهي مكلومة بهذا الفقد الذي طرق باب العائلة في أجواء عيد الأضحى، معقودا على انتشال جثتيهما طيلة أربعة أيام من هذا الحادث المأساوي، كان الانتظار قاسيا بحجم الفاجعة.

 لكن رغم جهود البحث الذي قادته عناصر الوقاية المدنية من مدن بني ملال وأزيلال والدار البيضاء، ومتطوعون من أهالي البلدة، لم يتم العثور على الجثتين. 

بعد مرور أربعة أيام، طفت جثتا الطفلين على سطح واد “أساكا” تباعا، حيث جرى انتشالهما، ليسدل الستار على مأساة حقيقية حلت بالأسرة، ويتحول عبد الكريم وعبد الواحد إلى رقمين في سجل الأطفال الغرقى بوديان وأنهار وبحيرات المغرب غير النافع.

مروان صمودي، عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قال في تصريح لهوامش “ظلت الجمعية تدق ناقوس الخطر حول تزايد حالات الغرق بجهة بني ملال خنيفرة، وكنا ننبه المسؤولين عن الشأن العام بالجهة حول هذه القضية، لكن لم يسمع أحد نداءنا، فما وقع بواد “أساكا” قرب سد بين الويدان قبل أيام، فاجعة بكل المقاييس، لكن نداءاتنا ظلت أشبه بصيحة في واد سحيق”.

“ماذا لو كان منسوب مياه سد بين الويدان مرتفعا، وتم تصريف المياه عبر قنوات الري؟ كم سنسجل من غريق ومن شهيد يوميا؟” يتساءل الناشط الحقوقي.

وعاد في كفن

لم يكن حادث غرق الأخوين عبد الواحد وعبد الكريم حدثا عرضيا، بل تواصلت فواجع الأسر في أبنائها خلال السنوات الأخيرة حتى أصبح يطلق عليهم إعلاميا “شهداء الصهد”.

في 16 من شهر يوليوز من السنة الماضية، تلقت أسرة أيوب القاطنة بجماعة سيدي عيسى بن علي، بإقليم الفقيه بن صالح، خبر وفاة ابنها، البالغ من العمر 16 ربيعا، بنهر أم الربيع، قصد أيوب رفقة أقرانه، ممن يمضي معهم لحظات اللعب الطفولي الجميلة، النهر للسباحة، غير بعيد عن البيت، كان ذلك أياما قليلة قبل عيد الأضحى. 

وليد صديق أيوب، يسرد لنا قصته قائلا: ” تلقيت مكالمة في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، تفيد أن صديقي أيوب قضى غرقا بنهر أم الربيع، كان موته قاسيا على قلبي كما كان قاسيا على أسرته وأصدقائه، ونزل خبر موته علينا كالصاعقة “. 

لم يتوقع أصدقاء أيوب، وهم ينتشون ببرودة مياه نهر أم الربيع، أن تتحول لحظات الفرح واللعب إلى حزن ومأتم وتحقيقات، وتحذيرات من الأسر، ومخاوف أن يلقوا نفس المصير.

 لم تعد برودة النهر وخرير مياهه يستهويان الشباب والأطفال هربا من القيظ، بعد أن تحول النهر إلى وحش مخيف يخطف بين الفينة والأخرى ضحية من أزهار المنطقة.

 “وصل أيوب وأصدقاؤه إلى النهر حوالي الساعة الثانية بعد الزوال، كانت الحرارة مرتفعة جدا ما جعل الأطفال والشباب يتجهون نحو نهر أم الربيع للسباحة، وبعد مرور ساعة، انتشر خبر غرق أيوب في كل أرجاء الدوار، وحل الحزن ضيفا على بيت أسرته وهي تتهيأ للاحتفال بعيد الأضحى”. يحكي لنا وليد بحرقة عن فقدان صديق ظل يلازمه كالظل أينما حل وارتحل.

ووري جثمان أيوب الثرى بمقبرة بمسقط رأسه بعد تشييعه في جنازة مهيبة، “علا الحزن والحسرة وجوه المشيعين، لأن أيوب كان محبوبا من الجميع، كان ذلك في اليوم الموالي من وفاته حوالي الثانية عشرة زوالا”. يتذكر وليد وهو يعيد شريط الحدث المؤلم الذي هز الدوار بحر ذلك الصيف.

خلفت وفاة أيوب غرقا بنهر أم الربيع، أسى عميقا في نفوس أسرته وأصدقائه، وخاصة وليد الذي لا يزال يتذكر الأوقات الجميلة التي جمعتهم، وهم يلعبون رياضة كرة القدم بملاعب القرب بدوار أولاد امراح. 

يتنهد وليد بأسى وهو يتذكر كل ذلك ويقول “يجب على المسؤولين أن ينهوا هذه الفواجع التي تقع بين الفينة والأخرى، وحتى لا يتكرر هذا مرة أخرى، أصبح من الواجب إنشاء مسابح للقرب بالجماعة لإيقاف النزيف”.  

فواجع الصيف لا تنتهي

وفي ظل غياب مسابح عمومية مفتوحة في وجه الشباب والأطفال، وانتشار المسابح الخاصة، وغلاء تذاكر الولوج إليها، يلجأ الأطفال والشباب المنحدر من أوساط فقيرة إلى هذه البحيرات والأودية وقنوات السقي للسباحة، رغم ما تشكله من مخاطر على صحتهم وحياتهم. 

مشاهد تجمع عشرات الأطفال على طول قنوات السقي والأودية، أصبحت مألوفة كلما حل الصيف ضيفا على مدن وقرى جهة بني ملال خنيفرة، في ظل غياب المراقبة على هذه الأماكن، وضعف الحملات التحسيسية وترك أغلبها مفتوحا دون تسييج أو لوحات تمنع السباحة. 

ورغم الحملة التي تنظمها وكالة الحوض المائي لأم الربيع كل سنة حول مخاطر السباحة في حقينات السدود والبحيرات والمجاري المائية، إلى أن هذه الحملة تظل دون فعالية ما لم توازيها حملات مكثفة تشارك فيها كافة القطاعات المعنية بما فيها وسائل الإعلام.

يقول صمودي “لا يعقل أن تتكرر هذه المآسي كل سنة دون أن تعمل الجهات المسؤولة على إيجاد بدائل وحلول تمكن من تفادي حالات الغرق، وبالتالي وضع حد لآلام ومعاناة ورعب الأسر، وتفادي سقوط شهداء جدد، بدل الاكتفاء بتصريحات وإجراءات إشهارية لامتصاص الغضب”. 

ثم يضيف المتحدث “خطورة الوضع، باتت تتطلب تفعيل كل الوعود وخلق فضاءات ومتنفسات لأبناء الفقراء والمعوزين غير القادرين على التوجه إلى المنتجعات والشواطئ لارتفاع تكلفتها، ووقف تفويت وكراء المسابح العمومية للخواص الذين يفرضون تسعيرة لا تراعي الوضع الاجتماعي للأسر المعوزة ومحدودة الدخل”.

مسؤولية مشتركة

في غياب أرقام وبيانات رسمية عن عدد حوادث الغرق خلال كل فصل صيف، حيث يظل التكتم سيد الموقف، تشير تقارير وسائل الإعلام المغربية يوميا إلى تزايد ضحايا حوادث الغرق بكل الجهات، وأغلب هذه الحالات هي لشباب وأطفال في عمر الزهور، وبخاصة المتمدرسون الذين يقصدون هذه الأماكن بعد نهاية الموسم الدراسي.

ويسائل تزايد حالات الغرق دور الدولة وجمعيات المجتمع المدني والجماعات الترابية في هذا السياق، حيث اعتبر عدد من النشطاء والفاعلين السياسيين، أن هناك تقصيرا في التعامل مع هذه الفواجع التي تحل بالأسر المغربية مع كل فصل صيف.

فاطمة الزهراء خلفدير، مستشارة جماعية بالجماعة الترابية لخريبكة، اعتبرت في تصريح لهوامش، أن الموقع الجغرافي، والجو الحار الذي تتميز به العديد من المناطق بجهة بني ملال – خنيفرة يدفع الشباب والأطفال للبحث عن متنفس بعد سنة من الدراسة أو العمل فيلجأ إلى مثل هذه الأماكن الخطيرة، مما يؤدي إلى وقوع حوادث الغرق. 

وحملت المستشارة الجماعية، المسؤولية في تواتر حالات الغرق إلى كل الفاعلين، ومنهم مجالس الجهات والمجالس الإقليمية والمجالس الجماعية والبرلمانيين والقطاعات الوزارية المعنية، بسبب عدم إيلاء هذا الموضوع العناية اللازمة، وعدم خلق فضاءات ومتنفس للكبار والصغار وعلى رأسها مسابح تكون بالمجان أو بثمن رمزي وفي متناول الفئات محدودة الدخل، كما هو الحال بالنسبة للمسبح الكبير بمدينة الرباط، فضلا عن رصد إمكانيات مالية مهمة لهذا الغرض. 

وشددت خلفدير، على ضرورة القيام بحملات تحسيسية مكثفة مع بداية كل فصل صيف، تهدف إلى التوعية والتحسيس بمخاطر السباحة في مثل هذه الأماكن الخطرة، داخل المؤسسات التعليمية وإشراك الأسر في هذه الحملات بدل الاكتفاء بحملات محدودة وموسمية، واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في هذه المهمة وإدخال قواعد الوقاية من الغرق والسباحة في البرامج التعليمية. 

الفقراء هم ضحايا الغرق

تحيي منظمة الصحة العالمية، اليوم العالمي للوقاية من الغرق، يوم 25 يوليوز من كل سنة، اهتمام المنظمة بالموضوع يأتي من كون الغرق هو ثالث أسباب الوفاة في العالم، المنظمة، اعتبرت أن أكثر من 9 من أصل 10 وفيات بسبب الغرق تسجل في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وكشفت المنظمة، في تقرير لها صدر في يوليوز من السنة الماضية، أن العقد الماضي شهد نحو 5.2 مليون حالة وفاة بسبب الغرق، أكثر من نصفهم تقل أعمارهم عن 30 عاما، مع تسجيل أعلى معدلات للوفاة في صفوف الأطفال دون سن الخامسة. 

وأوضحت المنظمة الأممية، أن الغرق يؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء والمهمشين والسكان الأقل موارد للتكيف مع المخاطر من حولهم، حيث أن المعدلات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل أعلى بثلاث مرات من البلدان مرتفعة الدخل. 

ذات التقرير، أكد أن أكثر من 40 شخصا يلقون حتفهم في كل ساعة من كل يوم، بسبب الغرق سواء كانوا أطفالا صغارا ينزلقون في مياه البرك أو الأودية أو الآبار دون أن تراهم أعين آبائهم، أو راشدون أو مراهقون يسبحون تحت تأثير المخدرات. 

المنظمة الأممية، أصدرت مجموعة من التوصيات والإجراءات، أبرز هذه الإجراءات التي شدد عليها تقرير المنظمة، هي إقامة الحواجز حول أماكن الوصول إلى المياه للحد من المخاطر، وبالتالي التحكم في جزء من هذه المخاطر التي قد تحدث نتيجة إهمال هذه المسألة.

وتدعو المنظمة إلى تغطية الآبار والصهاريج وخزانات المياه، والمسابح ومنع السباحة في الأماكن الخطرة، لكن بحسب التقرير، لا ينبغي أن تحل هذه الإجراءات محل رعاية الأشخاص القادرين على حماية الأطفال، وأخذ ذلك بعين الاعتبار، خلال عملية إنفاذ السياسات وقوانين البناء لدعم هذه التدابير.

وأوصت منظمة الصحة العالمية، جميع بلدان العالم بوضع استراتيجيات واضحة مخصصة لمنع تفاقم مشكل الغرق، وعلى رأسها رعاية الأطفال باعتبارهم أول الضحايا، وتوفير أماكن آمنة لهم وإقامة الحواجز بين الأطفال ومخاطر المياه وتعليمهم مبادئ السباحة الأساسية، وتلقين مهارات الإنقاذ الآمنة للأطفال في المدارس الابتدائية، وخاصة في البلدان التي ترتفع فيها نسبة الغرق.

ومن بين ما شدد عليه التقرير، حث البلدان على اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين البيانات حول الغرق وجمع معدلات الحالات، ونشرها، وكذا الظروف التي تم فيها الغرق، وسجل الوفيات الناتجة عن هذه القضية، خاصة في المناطق الريفية، وفق التصنيف الدولي لقواعد الأمراض (10-ICD) الذي تعده المنظمة. 

لكن ورغم هذه التوصيات والملاحظات التي شددت عليها منظمة الصحة العالمية تواصل أغلبية البلدان، ومنها المغرب، التكتم بعدم نشر بيانات حالات الغرق التي تحدث على مدار السنة، وتكتفي فقط ببعض التقارير في مناسبات قليلة، مما يعطي صورة غير واضحة عن هذه القضية.

وفي هذا الإطار، يرى صمودي، أنه على الدولة أن تسارع إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتطويق هذه الظاهرة التي تجهز على أرواح العشرات من الضحايا، وأغلبهم أطفال، وتمس بالحق في الحياة، كحق تكفله كل المواثيق الوطنية والدولية، وتشدد عليه.

ويشدد الناشط الحقوقي على ضرورة أن يتقيد المغرب بالمواثيق الدولية وبالتوصيات الأممية ذات الصلة، وعلى رأسها الإفصاح عن البيانات المتعلقة بالغرق للإعلام وللباحثين لتفادي هذه الكوارث الإنسانية التي تتكرر سنويا.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram