الرئيسية

حرائق العرائش.. هوامش تقضي 3 أيام قرب “لايبيكا”

على مدى ثلاثة أيام، تنقلت "هوامش" ما بين غابة "لايبيكا" بمدينة العرائش وباقي غابات الإقليم : القلة، بوجديان، أهل سريف، تطف، حميمو... عاينت من خلالها أراضي محترقة، رمادا ودخانا يسودان على المكان، وغابات عٌمّرت لسنوات تفحمت في لمح البصر

حسناء عتيب

على طول الطريق المؤدية إلى مدشر” دلم لغميق” يضع شباب المدشر وبعض من المتطوعين، أغصان الأشجار على جانبي الطريق من أجل إخماد النار التي تسابق الزمن في حالة وصولها إلى الطريق.

سيارت رجال المطافئ والحافلات العسكرية تمر مسرعة، ولا يكسر الصمت بين الفينة والأخرى سوى مرور كوكبة من الدراجات النارية التابعة للدرك الملكي تتبعها سيارات لأحد المسؤولين . 

وبين الفينة والأخرى تمر سيارات تحمل المؤن لضحايا الحرائق، وسيارات تنقل ما تبقى من أثاث المنازل.

ألسنة النيران لا تكاد تخبو في مكان حتى تتأجّج في مكان آخر، وكأن هناك يدا شيطانية خفية، تقف وراء كل تلك الحرائق المدمرة، والأمر المثير أن تلك النيران تتنقل بين المداشر، وكأنها تستجمع قواها للانتشار من جديد.

على مدى ثلاثة أيام، تنقلت “هوامش” ما بين غابة “لايبيكا” بمدينة العرائش وباقي غابات الإقليم : القلة، بوجديان، أهل سريف، تطفت، حميمو… عاينت من خلالها أراضي محترقة، رمادا ودخانا يسودان على المكان، وغابات عمّرت لسنوات تفحمت في لمح البصر، لم تترك وراءها سوى الخراب والدمار، ومساحات شاسعة أصبحت خاوية على عروشها بين ليلة وضحاها.

لايبيكا”.. رئة تلتهب

حريق غابة لايبيكا

حين وصلنا إلى مدينة العرائش ، كانت الأحياء المجاورة لغابة “لايبيكا” التي التهمتها النيران خالية، إلا بعض من أبناء الحي المقابل يتأملون بأسى ما فعلته الحرائق بغابة الصنوبر، والتي لم  تغب عنها رائحتها العطرة بالرغم من التهام النار لها.

على مدى أربع ساعات، وهي المدة الزمنية التي التهمت فيها النار غابة “لايبيكا”، لم يتوقف شباب الحي عن المساعدة في إطفاء الحرائق بكل الوسائل، بالرغم من وصول رجال الوقاية المدنية.

أبناء المنطقة يبادرون إلى استخدام معدات المطافئ (المصدر: العرائش نيوز)

 يحكي أحد شباب الحي لهوامش، كيف أن بعضا من رجال الوقاية المدنية، لم يتمكنوا من التوغل في الغابة، فما كان من شباب الحي، إلا أن يأخذوا خراطيم المياه، ويسارعوا للدخول بين الأشجار لإطفاء النار التي تلتهم رئة المدينة بسرعة جنونية.

الطريق إلى “خطوط النار”

على طول الطريق إلى مدشر” دلم الغميق” والمداشر المجاورة، لمسنا التآزر والتضامن بين أبنائها وحتى من أبناء مدينة القصر الكبير. سيارات من مختلف المدن المغربية، وهي محملة بالمواد الأساسية، شباب لا يعرفون بعضهم البعض لكن جمعهم هم واحد، وهو إغاثة المنكوبين وتخفيف المأساة .

بعضهم يرابطون من أجل مراقبة المناطق التي تمت فيها السيطرة على النيران، وآخرون يعملون على جلب مياه الشرب والغذاء لفرق التدخل، والبعض الآخر مرابط بالغابات ، بينما أعرب العديد منهم عن استعدادهم للانضمام إلى فرق التدخل متى اقتضت الضرورة.

في كل المداشر التي زرناها، أغلب الرجال يرابطون في الغابات من أجل  المساعدة في إطفاء الحرائق، فلم نجد إلا قلة قليلة من النساء والأطفال، نظراتهم حائرة مع زيارة كل غريب، وحينما يٌنادى عليهم من أجل تلقي المساعدات يتقدمن باستحياء، ويتمتمن بخجل واضح” بارك الله فيكم”.

بعض العائلات إن لم نقل جلها، غادرت ديارها، وحملت ما تبقى من أثاث المنزل (تلفاز، أغطية، ثلاجة..)، لا ملجأ لها سوى الأقارب القاطنين بمدينة القصر الكبير.

“كان عيدا بطعم المرارة” تقول أمي خديجة “سيدة في العقد السابع، “لم نفرح بالعيد كباقي العائلات المغربية، لكن ما العمل أمام قدرة الله، إن كانت من عند الله فأهلا وسهلا بها،  وإن كانت من تهور العبد فلا سامحه الله”.

أغلب من تحدثنا إليهم، يرجحون أن الحرائق بفعل فاعل، لأنها ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها درجة الحرارة، بينما نسبة قليلة مقتنعة بفرضية ارتفاع درجة الحرارة.

أحد أبناء المداشر التي طالتها الحرائق، تحدث إلينا بأسى عن المعاناة التي يعيشونها، وقال بصوت غاضب “الدولة أرسلت فرقا من رجال المطافئ …لكن لولا التحام الشباب وتآزرهم لكانت الكارثة أكبر”.

ويشرح دوافعه وأبناء مدينته للمساعدة قائلا “فرق الإطفاء لا تعمل بنفس الجهد الذي يشتغل به أبناء المنطقة، حٌرقتنا أكبر ولن يشعر أحد بوجعنا مهما أرسلوا من مساعدات” وأضاف “المشكل ليس هنا، المشكل هو ما بعد الكارثة” . وانطلق مبتعدا وهو يردد ” الحمد لله على كل حال”.

يقول أحمد.م ، وهو من سكان مدشر قريب من منطقة الحريق “لم أدرك حجم الحريق إلا بعد أن اقتربت منه. كانت الرياح تزداد قوة وتذكي النيران”.

رشيد (35 عاماً) ومحمد نور (30 عاماً) وهما أبناء عمومة، وجدا نفسيهما وسط أعمدة دخان كثيف جعلتهما غير قادرين على رؤية أي شيء، أصابهما ذلك بالارتباك لولا لطف الله وخروجهما سالمين.

قنينات غاز في الآبار

أبناء المنطقة يعدون أغصان الأشجار تحسبا لانتشار الحرائق

بلكنة جبلية، تحدث إلينا أحد المتطوعين من أبناء مدشر حميمو قائلا: “لطف الله معنا” صحيح أن جهد أبناء الدواوير كان مضاعفا، لكن لا يمكن أن ننكر تدخل عناصر المياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية وأعوان الإنعاش الوطني والهلال الأحمر المغربي،  التي لم تدخر جهدا من أجل احتواء النيران التي أجهزت على الغطاء الغابوي، كما أضرّت بعدة منازل في المداشر القريبة”.

وصلنا إلى مدشر حميمو، وهو مدشر لم تطله النار، ولكنه رغم ذلك عرف حالة وفاة، وحسب تصريح أحد أبناء المنطقة فالمتوفى تعرض للاختناق في بئر نزل ليجلب منها قنينة غاز البوتان، أنزلها خوفا من أن تنفجر في حال وصول النيران إلى البيت.

هنا يسارع الناس إلى رمي قنينات الغاز في الآبار كي تبقى بعيدة عن النيران وحتى لا تتسبب في انفجارات إن اقتربت منها ألسنة اللهب، هذا الأمر من بين الاحتياطات التي اطلعنا عليها والتي يقوم بها الساكنة منذ أن اندلعت الحرائق. 

في هذه المناطق يبتكر الناس أدوات يقدّرون أنها ستوقف زحف اللهب، لم يتلقوا تكوينا أو تدريبا لمثل هذه الحالات، كل ما في جعبتهم بعض الخبرات المتوارثة كغمر الحريق بالتراب، أو استخدام جرار الحرث لحفر أخاديد تعزل المنطقة التي تحترق عن غيرها.

شكوك أبناء المنطقة

أعاد اندلاع هذه الحرائق الكبيرة وكمثال على ذلك غابة “لايبيكا”، الحديث عن “فعل فاعل”،  حيث يعتبر أبناء المنطقة أنها محط أطماع بفعل موقعها الاستراتيجي ومؤهلاتها الطبيعية المتنوعة.

وتتعزز الشكوك بخصوص ضلوع “مافيا العقار” في هذه الحرائق، خلال الفترة الليلية، تزامنا مع هبوب الرياح، وهو أمر حدث في وقت سابق، حسب ما صرح به العديد ممن التقتهم هوامش، وتكرر أثناء تواجدنا هناك.

الحرائق لا تكاد تخبو في مكان حتى تشتعل في مكان آخر

نور الدين سينان، رئيس فرع العرائش للجمعية المغربية للبيئة والتنمية، طالب السلطات بفتح تحقيق عاجل ونزيه، للكشف عن مسببات الحريق.

و قال “كارثة بيئية وإنسانية، حرائق تلتهم غابات العرائش في ظل إمكانيات محدودة لإنقاذها، يجب فتح تحقيق رسمي لتحديد المسؤوليات”.

وكان مدافعون عن البيئة قد دقوا ناقوس الخطر، قبل أكثر من عام، محذرين من تدمير غابة “لايبيكا”، رئة مدينة العرائش، بسبب التداعيات السلبية الخطيرة التي قد يعرفها مناخ المدينة في السنوات القليلة القادمة، وطالبوا بتسريع تدابير حماية الغابة، وتنزيل توصيات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP22  وما تلاها، على أرض الواقع، خصوصا أن مجهولين يقومون بين الفينة والأخرى بقطع أعداد كبيرة من أشجار الصنوبر.

وتساءل المدافعون عن البيئة وقتها، عن مصير مشروع إعادة تهيئة غابة “لايبيكا” الذي صادق عليه مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، خلال دورته العادية لشهر أكتوبر عام 2020،  حيث أعلن خلالها عن تخصيص 30 مليون درهم في إطار اتفاقية شراكة تتعلق بأشغال تهيئة المنتزهات الحضرية بإقليم العرائش.

ولا يعرف بالضبط متى أنشئت غابة “لايبيكا” LA HÍPICA وتعني الفروسية، أو”بيبيرو”VIVERO وتعني الحضانة، لكن الروايات المتواترة في المنطقة تعيد إنشاءها إلى فترة الحماية الإسبانية لتلطيف جو العرائش المشبع بالرطوبة، لكنها وردت في مذكرات الأديب اللبناني أمين الريحاني، عند زيارته لشمال المغرب سنة 1938.

وتضم لايبيكا أو البيبيرو (تعرف بالاسمين معا) أحد أوائل المشاتل في تاريخ المغرب، وشكلت الغابة منتزها للترفيه ومركزا لتدريب عناصر جنود فرقة الخيالة في الجيش الإسباني. 

آلاف الهكتارات من الغابات أصبحت رمادا

قالت السلطات إنه  قد تم تدمير ما لا يقل عن 9200 هكتار من الغابات في جهة طنجة تطوان الحسيمة، وفق تقرير غير نهائي.

وحسب بلاغ رسمي فقد بلغ مجموع المساحة المتضررة منذ الأربعاء 13 يوليوز حتى حدود الأحد 17 يوليوز، 6 آلاف و 600 هكتار، وجرى إخلاء 20 دوارا.

 تواصلت الجهود بكثافة لتطويق باقي الحرائق في الساعات اللاحقة، حيث بلغت نسبة السيطرة على حريق غابة القلة (العرائش) الذي أتى على حوالي 5.300 هكتارا، 70 في المائة، وحريق غابة جبل الحبيب (تطوان) 80 في المائة، وحريق غابة تاسيفت (شفشاون) أزيد من 70 في المائة، إلى حدود يوم 17 يوليوز.

ولمواجهة “حرائق الشمال” سخرت السلطات أربع طائرات “كنادير” تابعة للقوات الملكية الجوية للمشاركة في جهود إخماد ألسنة اللهب، إضافة إلى أربع طائرات (توربوتراش) تابعة للدرك الملكي.

أما على الأرض فقد تم استنفار أزيد من 300 عنصر من القوات المساعدة ورجال الإطفاء وأعوان مصالح المياه والغابات ومختلف المصالح الأمنية في محاولة لوضع حد لانتشار النيران. حسب ما صرح به “فؤاد العسالي”، مدير المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية الغابوية، لوكالة المغرب العربي للأنباء.

تدابير وإجراءات في ظل موجة حر بالمغرب

شرعت وزارة وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، عبر إدارة المياه والغابات، في تشخيص الوضع والإحصائيات وتحديد الآثار والانعكاسات، لبرمجة المشاريع المندمجة من أجل إعادة تأهيل المنظومات المتضررة بالاعتماد على الأصناف الغابوية المتأقلمة مع الخصوصيات الطبيعية لكل منطقة، بداية من موسم التشجير المقبل.

وفي إطار استراتيجيتي “غابات المغرب 2020-2030” و”الجيل الأخضر 2020-2030″، تم وضع خلية على المستويين المركزي والمحلي وبتنسيق مع كل الفاعلين، من أجل تحديد التدابير والإجراءات العاجلة لمواكبة الساكنة المتضررة من هاته الحرائق وكذا برمجة مشاريع تنموية مندمجة.

و يواجه المغرب منذ عدة أيام موجة حرارة اقتربت من 45 درجة مئوية في وقت تعاني البلاد جفافا استثنائيا وإجهادا مائيا.

ويذكر أن المغرب يشهد سنويا حرائق في الغابات التي تغطي نحو 12% من المساحة الإجمالية للبلاد، وفي واحات النخيل (جنوب شرق). وشهدت البلاد منذ بداية السنة الجارية وإلى 13 يوليوز ، ما يناهز 165 حريقا، وتقدر المساحة المتضررة من حرائق العام الجاري بحوالي 1800 هكتار، وفق بيانات رسمية.​​​​​​​

متطوعون من الهلال الأحمر المغربي لمساعدة المتضررين وإسعاف المصابين

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram