هوامش
في بلدة بني عياط، المتكومة على قدم جبال الأطلس المتوسط بإقليم أزيلال، لا يرتاح بال عبد الله بوسلهام ورفاقه، وهم يجوبون الفجاج والجبال المجاورة كي يكشفوا عن أسرار المغارات والكهوف والبالوعات التي تتميز بها المنطقة. فرغم بساطة الوسائل وضعف الإمكانيات المادية، تعاظمت الفكرة لديهم، ونمت، وتزايد إصرارهم على استكشاف المزيد من المغارات ذات الأهمية العلمية والسياحية والثقافية، فكان لهم الفضل في إزالة الغبار عن كنز من كنوز المغرب المنسية.
اجتذبت المؤهلات الطبيعية التي يتميز بها إقليم أزيلال، وخاصة منطقة بني عياط، اهتمام عبد الله وأصدقائه لسبر أغوار ما يختزنه جوف هذه الجبال الشاهقة المطلة على البلدة من أسرار، فأسّسوا جمعية أطلقوا عليها اسم “جمعية الأطلس المتوسط والكبير للاستغوار والبحث العلمي والسياحة والرياضات الجبلية”.
“كان الهدف من تأسيس الجمعية، التي رأت النور في ربيع 2018، هو نفض الغبار عما تزخر به منطقة بني عياط والنواحي، من مؤهلات طبيعية وسياحية خدمة لقضايا الإنسان والبيئة والبحث العلمي واقتصاد المنطقة”. يقول عبد الله بوسلهام رئيس الجمعية في حديث لهوامش.
ذات المتحدث أضاف قائلا “إننا في الجمعية، نرمي إلى رصد واستكشاف مختلف المغارات واللجج والكهوف والبالوعات الجوفية الطبيعية، وكذا مواقعها وأعماقها وإبراز أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، ودراسة هذه المواقع من الناحية الطبوغرافية والجيولوجية والمورفولوجية، وإنجاز أبحاث أركيولوجية مرتبطة بما يتم اكتشافه من مغارات وكهوف، والقيام بأبحاث أنثروبولوجية من شأنها إغناء البحث العلمي والثقافي حول المنطقة “.
بالنسبة لهؤلاء الشباب من بلدة بني عياط، الشغوفين بالبحث، تبقى الجمعية رغم إمكانياتها المحدودة فرصة لهم، ومنصة للتعريف بالمنطقة على جميع المستويات الطبيعية والسياحية والثقافية والرياضية.
تسعى الجمعية من خلال نشاطاتها الاستغوارية Spéléologie إلى القيام بدراسات بيولوجية لمجمعات الأحياء بالكهوف والمغارات سواء النباتية أو الحيوانية وغيرها، فضلا عن دراسة ما تتوفر عليه هذه الكهوف والمغارات من خزانات مائية مهمة، ومعرفة مدى سلامة جودتها للاستعمال البشري، وبالتالي توفير قاعدة بيانات مهمة للباحثين يمكن استغلالها لنفض الغبار عن جزء من مهمة من تاريخ المغرب القديم.
أسفرت جهود عبد الله ورفاقه بالجمعية، عن استكشاف عدد من المغارات والكهوف بالمنطقة، والتي بلغت حسب ما تم التصريح به لنا، أزيد من 30 موقعا، يضم مغارات وكهوف وبالوعات، وهي استكشافات، حسب بوسلهام، من شأنها أن تشكل إضافة نوعية للبحث العلمي والتاريخي حول المنطقة، بالنظر للمعطيات التي ستوفرها هذه المواقع للباحثين من مختلف التخصصات الجيولوجية والبيولوجية وعلم المناخ وغيرها.
وتبقى أهم مغارة تم اكتشافها، هي المغارة التي أطلق عليها اسم ” جوهرة بني عياط “، والتي يبلغ طولها حوالي 400 متر بدوار ” وعريان ” بالتنسيق مع الجمعيات الاستغوارية المنضوية تحت لواء الفيدرالية المغربية للاستغوار، وتتميز هذه المغارة بجمالية خارقة بفضل الصواعد (Stalagmites) والنوازل (Stalactite) التي تؤثث جنباتها، مما يوفر للباحثين معطيات مهمة، يمكن استغلالها في البحث العلمي حول المنطقة.
استكشاف آخر لا يقل أهمية عن المغارة التي أطلق عليها “جوهرة بني عياط” تمثل في اكتشاف مغارة أخرى جنوب “وعريان”، وهي عبارة عن مستوطنة لمئات الخفافيش، تشكل هي الأخرى قاعدة بيانات يمكن الاستعانة بها في الأبحاث البيولوجية والجيولوجية لمعرفة تطور الأحياء بهذه المغارات والكهوف.
لكن عبد الله، وأصدقاءه سجلوا في أخر زيارة لهم لهذه المغارة، تراجع عدد الخفافيش، وعبروا عن تخوفهم من أن تعبث يد المتطفلين بهذا الكنز العلمي والسياحي بالمنطقة، وخاصة الباحثين عن الكنوز الذين يخربون كل ما تتوفر عليه هذه المغارات والكهوف من معطيات جمالية وسياحية، دون تدخل من أي جهة لحمايتها والعناية بها.
وخلال جولة شباب بني عياط الاستكشافية في الجبال المحيطة بالبلدة تم استكشاف مغارة مهمة بقمة جبل “تامرنوت”، أطلق عليها اسم مغارة “أكرام” تكريما للشخص الذي دل فريق الجمعية عليها، حسب تصريحات الفريق.
يبلغ طول مغارة “أكرام” حوالي 130 متر، وتتميز بصعوبة الولوج إليها، ولكنها تحتاج إلى المزيد من الاستكشاف، لأنه من خلالها يمكن أن تتم معرفة كافة المسارات التي تتخذها المياه لتغذية العيون والآبار المتواجدة بهذه المنطقة، وكذا خط الزلازل نظرا لوجود فيالق مهمة داخلها، “فهي ذاكرة حية يمكن من خلالها معرفة مختلف الظواهر الجيولوجية والغطاء النباتي والتربة” يشرح بوسلهام.
ويواصل المتحدث توضيحه “سنوجه اهتمامنا خلال المرحلة المقبلة صوب دير بني عياط الذي لا يستبعد أن تكون به مغارات سبق أن سكنها الإنسان القديم”، بالإضافة استكشاف الكهوف والمغارات المتواجدة على تراب جماعة سيدي عيسى بن ادريس بأيت عتاب”.
استكشاف آخر جد مهم ينضاف إلى مغارات بني عياط، يتمثل في استكشاف مقبرة جماعية بمغارة بدوار “تاغية” الواقع بمنطقة بين الويدان على مقربة من قنطرة ” أيت علوي “، وتتضمن عظاما بشرية وأوانٍ خزفية تعود لفترة قديمة جدا، من شأنها أن تحدد تاريخ الوجود البشري بهذه المنطقة، حيث قام فريق بحث علمي مكون من “عبد الواحد بنصر” مدير المعهد الوطني للآثار والتراث و”يوسف بوكبوط” عالم الآثار بنفس المعهد، و”مامون عمراني مراكشي” رئيس الجامعة المغربية للاستغوار، بزيارة لهذا الموقع الأركيولوجي المستكشف سنة 2019.
رغم الجهد الكبير الذي قام به هؤلاء الشباب، والمتمثل في استكشاف مغارات وكهوف ذات بعد علمي وسياحي وبيئي مهم، فإن هذه المغارات والكهوف تظل عرضة للتخريب والتدمير المستمر، في ظل غياب تدخل للسلطات المختصة، مما يضيع على المنطقة كنزا ثمينا، قد يساهم في الترويج السياحي للمنطقة.
فهذه المغارات والكهوف، أضحت تسيل لعاب الباحثين عن الكنوز، الذين يلجأون لهذه الكهوف آملين أن يجدوا بداخلها كنوزا مدفونة، مما يسبب في تدمير هذا التراث ويعرضه للضياع، كما أن للرعاة والغرباء الذين يحلون بالمنطقة يد في ما تتعرض له هذه المغارات والكهوف من تدمير.
“مطلبنا اليوم هو التدخل العاجل لحماية هذه المغارات والكهوف وتأهيلها حتى لا تتعرض للتخريب والنسيان، وبالتالي ضياع ما تزخر به المنطقة من معطيات سياحية وعلمية وهيدرولوجية” يقول بوسلهام.
وعن هذه الاستكشافات بالمنطقة قال رئيس الجمعية المغربية للاستغوار، مامون عمراني مراكشي، إن اكتشاف هذه المغارات بمنطقة بني عياط وخاصة مغارة “جوهرة بني عياط” له أهمية علمية كبرى لأنها ستوفر للباحثين والأساتذة الجامعيين أرضية خصبة للبحث، وستمكّنهم من معرفة التكوين الجيولوجي للمنطقة، كما أنها ستعمل على تطوير وتعزيز الجانب السياحي كذلك لهذه المنطقة “.
وأوضح مراكشي، أنه أمضى وقتا طويلا في اكتشاف أزيد من 15 مغارة من المغارات نواحي تازة، لكنه وقف على أشياء مهمة بمنطقة بني عياط، وبالتحديد مغارة “جوهرة بني عياط” التي “ستفتح آفاقا للباحثين والأساتذة الجامعيين، وهو ما يمكن أن يعود بالنفع على المنطقة من الجانب السياحي والرياضي وخاصة الرياضة الجبلية”.
رغم الاستكشافات المهمة التي قام بها فريق جمعية الأطلس المتوسط والكبير للاستغوار والبحث العلمي والسياحة والرياضات الجبلية ببني عياط، فإن هناك العديد من الإكراهات التي تعيق عمله، وتحول دون تحقيق الأهداف التي وضعها أعضاؤه نصب أعينهم.
ويبقى أكبر عائق يواجه طموح هؤلاء الشباب، مرتبطا بضعف الموارد المالية، مما يحول دون تحقيق كافة الأهداف المرسومة، خاصة أن الجمعية تعتمد على الإمكانيات الذاتية للمنخرطين الذين لا يتجاوزون 20 منخرطا، نظرا لغلاء المعدات الخاصة بعملية الاستغوار، من واقيات وألبسة خاصة وحبال، وما يتطلبه كذلك تنظيم دورات تكوينية لفائدة المنخرطين خارج المنطقة.
“نجد أنفسنا محرجين أمام تنامي رغبة شباب المنطقة في دخول عالم الاستغوار، لأن توسيع قاعدة الجمعية يعني توفير معدات لهؤلاء الشباب، وهو ما لا تقدر عليه الجمعية في اللحظة الراهنة”. يقول بوسلهام.
ويتابع حديثه “إن كلفة المعدات التي يستعملها كل مستغور قد تتجاوز 6000.00 درهم، وهو مبلغ كبير تعجز الجمعية عن توفيره لكل منخرط” مضيفا “نسعى لعقد شراكات مع جمعيات فاعلة في عالم الاستغوار محلية وأجنبية، لتدارك بعض هذه الصعوبات”.
الإشكالات القانونية، بدورها تطفو على السطح، وتعيق عمل الجمعية أو بالأحرى الجمعيات النشيطة في عالم الاستغوار، وهي الإشكالات التي لازمت هذا النشاط منذ مدة طويلة، فهناك فراغ قانوني في هذا الجانب، لأن عالم الاستغوار يجهل لحد الآن، إلى أي قطاع وزاري تابع، هل لوزارة الشباب والثقافة والتواصل أم لوزارة السياحة أم للبحث العلمي، أم لوزارة الداخلية.
ورغم كل هذه الإكراهات يواصل شباب بني عياط، عمله لتطوير هذه التجربة وتعميمها من أجل التعريف بالمؤهلات السياحية التي يزخر بها إقليم أزيلال، اعتمادا على الإمكانيات الذاتية في انتظار أن تلتفت الجهات المسؤولة إلى ما يقوم به عبد الله بوسلهام ورفاقه من مجهود لخدمة المنطقة.