الرئيسية

سوق السبت: الفنان موحا صوت المهمشين يرحل في صمت

يوم 29 ماي المنصرم، غادر الفنان محمد اليونسي هذا العالم في صمت حاملا معه مخاوفه على الآخرين والمنسيين، بعد عقود من الإصرار على الانتصار لقضايا حقوق الإنسان، مرددا شعاره "نحن دعاة سلام، ولسنا مسالمين". غادر موحا العالم كما عاش دون ضجيج، تاركا وراءه حب الناس من جنسيات مختلفة، وروائع فنية تجوب العالم تكاد لا تذكر في بلده الأم، ولأنها تجربة تنحدر من الهامش فقد طالها النسيان.

هوامش

ووري جثمان الفنان محمد اليونسي الثرى يوم 2 يونيو الجاري، بمقبرة ” لكرازة ” بجماعة سيدي حمادي بإقليم الفقيه بن صالح، بعد صراع مع مرض عضال أنهى حلمه في إقامة معارض بمختلف المدن المغربية. 

محمد اليونسي (موحا)

“هو فنان عصامي، يسعى دائما أن يكون صوتا لمن لا صوت لهم من ضحايا الظلم في هذا العالم، استطاع أن يقول بفنه ما لم يستطع الآخرون قوله، هو إنسان ملتزم بالعدالة ومدافع عن حرية الإنسان، وبالتحديد المهاجرين واللاجئين من مختلف بقاع المعمور”، بهذه الكلمات وصفت الفنانة العاملة بالصليب الأحمر الإسباني Silvia Garcia Moraga  شخصية محمد اليونسي.

شكل “موحا” كما ينادي عليه أصدقاؤه، حالة فريدة نبتت في أرض إسبانيا، صنعتها المآسي والعذابات وتناقضات المجتمع، لكنها حالة أسست وصنعت لنفسها تجربة فنية جديدة، محورها الالتزام بقضايا الإنسان، والانحياز الواضح لفئات المنبوذين والمقهورين والمهاجرين واللاجئين من جنسيات مختلفة.

من سوق السبت إلى إسبانيا.. بالفن يواجه الظلم

قبل أزيد من ثلاثين عاما، حط “موحا” الرحال بإسبانيا كمهاجر غير نظامي، بعد أن حسم خياره بالهروب من واقع التيه والمستقبل المجهول نحو الضفة الأخرى، وقرر العيش بإسبانيا، وهناك، سيتشبّع بثقافة التسامح والعدالة، والدفاع عن حرية الإنسان، فكان الفن بالنسبة إليه وسيلة للنضال من أجل الحقوق ومناهضة كافة أشكال العنصرية التي تعشّش في المجتمعات الأوروبية، حيث سخر كل أعماله الفنية لهذا الهدف. 

في إسبانيا، ظل اسم محمد اليونسي حاضرا، بقوة في المشهد الثقافي والفني والإعلامي من خلال أعماله الفنية الغنية والمتميزة التي تنوعت ما بين الرسم والمسرح والسينما والشعر، لكن هذا الحضور في بلاد الغربة يقابله نسيان وتهميش بمسقط رأسه المغرب، فلا أحد يتحدث عن أعماله وآثاره الفنية التي تجاوزت كل الآفاق. فـ “موحا” ليس ممن يتقاذفهم الغرور والكبرياء، ويتلقّفهم تضخم الأنا، لذلك ظل فنانا بسيطا متواضعا بعيدا عن أضواء الشهرة الكاشفة.

الفن بالنسبة لموحا، “هو صراع حقيقي من أجل تغيير العالم الذي يسود فيه الظلم، هو مرْكب للعبور نحو الإنسانية، نحو الحب، نحو السلام، نحو عالم يحترم الناس، مهما كانت جنسياتهم أو لونهم أو دينهم، دون تمييز أو احتقار أو دونية، لأن الإنسانية توحد الجميع”، هكذا كان الراحل يلخص جدوى الفن. 

ظل موحا طيلة مقامه بإسبانيا يراقص الريشة بعفوية وبحس رهيف، ويكسر بالألوان القوية رتابة الغربة الموحشة على أرض إسبانيا، يختار موضوعه بدقة، كما يختار أنسب الطرق للوصول إلى الجمهور، مستغلا دفأه الإنساني وعلاقاته بمجموعة من الفنانين والمثقفين الإسبان، لذلك انخرط في العديد من المشاريع الثقافية والفنية مع شخصيات معروفة في الحقل الفني والإعلامي الإسباني، وكالعادة من موقع المساهم المتواضع المتشبع بثقافة الحوار والتسامح.

من أعمال الفنان موحا

أعمالي حبلى بالمتناقضات.. إنّها واقعنا المشترك

تحمل أعمال موحى الفنية في مضامينها، أفكارا متجددة ومتمردة، متطلعة نحو أفق مشرق، وهو ما شكل دافعا أساسيا له من أجل سبر أغوار الفن بعفوية، لكنها عفوية دالة ومؤثرة تعكس روح فنان عصامي ملتزم بالقضايا الإنسانية، وعلى رأسها قضايا المهاجرين واللاجئين ممن ألقت بهم أوضاع بلدانهم نحو جنوب أوروبا. 

تظل البساطة والتجريد والقوة في التعبير، هي السمة الأساسية التي تطبع أعماله، لكنها بساطة ذات حمولة رمزية قوية، تكشف عما يختلج موحا من أفكار وانطباعات عن واقع يختلف عن واقع بلده الأصلي حضاريا وثقافيا، لكن موحا وضع للفن مهمة واحدة تتجسد في الربط بين الشعوب من أجل إيقاظ الصرخة الإنسانية لصالح المحرومين. 

بإسبانيا، تخلص موحا من كل القيود التي كانت سببا في مغادرته سوق السبت أولاد النمة في بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث كان يشتغل خطاطا بمصلحة جوازات السفر بعمالة بني ملال، فاخترقت أعماله حدود اسبانيا لتصل إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وبلدان أخرى وفتحت شهية النقاد لدراسة موحى “الظاهرة”.

بغرناطة ومدريد وسان سيباستيان ومورسيا وبرشلونة وغيرها شغلت قضايا المهاجرين بال موحا، وأصر على النضال من أجل مطلب إدماج المهاجرين وتسوية أوضاعهم، نضال كلفه تجريده من أوراق إقامته مدة قاربت ثمان سنوات، عانى فيها كافة أنواع التضييق والتهميش، وهي سنوات أضافت له الشيء الكثير، وأثرت في مضمون انتاجه الفني. 

سأله Manuel Herrero Carcelén الصحافي بجريدة La verdad ذات مرة لماذا ترسم يا موحى؟ أجابه بعفوية ” إنّي أعبر عن قناعاتي، لقد كان الخط بالنسبة لي منذ الصغر حافزا كي أبحر إلى شواطئ الفن الأخرى، وتحديدا الرسم والمسرح والسينما “. وأضاف ” إن لوحاتي حبلى بالهدوء والحركة والغضب والضعف والقوة، تجد فيها كل هذه المتناقضات التي تعكس الواقع بكل تجلياته، إنه واقعنا المشترك “. 

من أعمال الفنان موحا

بصمات في بلاد الغربة

بصم محمد اليونسي على رصيد فني محترم بإسبانيا يكاد لا يُذكَر ببلده الأم، في الرسم والغرافيك والمسرح والسينما والإشهار والتأليف وغيرها من الميادين الفنية والثقافية التي برز اسمه فيها، إما منتجا أو مساهما أو مشاركا أو مديرا.

وتبقى تجربته التليفزيونية والسينمائية غنية جدا، حيث شارك في العشرات من الإنتاجات السينمائية الذائعة الصيت، أهمها فيلم حول قضية “الكتب الرصاصية” بعنوان El enigma de los libros plúmbeos للمخرج Oscar berdullas  وفي السلسلة المتلفزة الشهيرة Cuéntame cómo pasó de Televisión Española ، التي بثت عام 2001.

 كما شارك في الفيلم القصير Pyrilampes سنة 2010 للمخرج   Alex Amara،  وفي الفيلم القصير Attahaddi للمخرج Óscar  Berdullas  سنة 2009، وفي سنة 1999 شارك في الفيلم الوثائقي El otro lado للمخرج المصري بازل رمسيس، وغيرها من الأعمال التلفزية والسينمائية.

وفي المسرح ترك موحى بصمات بارزة في العديد من الأعمال المسرحية الناجحة، حيث عمل سنة 1997 مصمما لأعمال El umbral del Arrabal، لمسرح شركة نجمة، بطليطلة. 

كما عمل سنة 2005 موجها ومصمما لمجموعة من أعمال El immigrante ، بمهرجان بديل، Sala Triangulo  وسنة 2008 عمل مستشارا للممثلين في العمل “الجزائري” لمسرح Teatro Animalario y el Teatro La Abadía وهو العمل الذي فاز بأربع جوائز سنة 2009، كما عمل سنة 2015 مساعدا للعمل المسرحي المتميز La estación del destino للمخرج F.J.Motos

وفي مجال الرسم والديكور برز اسم موحا في الكثير من المعارض الفنية، أهمها مشاركته في معرض الربيع العربي للرسم ب Kunststation Kleinsassen بألمانيا، ومشاركته في معرض Plúmbeos في قصر Madraza بالتعاون مع جامعة غرناطة، ونال جائزة التصوير بمناسبة يوم البيئة ب Tolosaldea, San Sebastián سنة 2002، كما شارك في الحملة من أجل التشجيع على القراءة التي أطلقتها وزارة الثقافة الإسبانية سنة 2005 من خلال ملصق دعائي، بالإضافة إلى تأليف كلمات أغنية “بنتي جميلة” الصادرة بألبوم  Ni la plata ni el oro ل Lole Montoya.

من أعمال الفنان موحا

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram