الرئيسية

مصادرة رواية “مذكرات مثلية”.. جدل حرية الإبداع وطابوهات المجتمع

ضجة كبيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارها قرار منع رواية "مذكرات مثلية" للكاتبة المغربية فاطمة الزهراء أمزكار من العرض خلال فعاليات الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، المقام بمدينة الرباط، ومصادرة 40 نسخة من الرواية، حيث اعتبر البعض أن القرار هو بمثابة رقابة على النشر وتقييد لحرية الفكر والإبداع، فيما عبر آخرون عن ارتياحهم لهذا القرار باعتبار عرض الرواية التي تتحدث عن المثلية هو "انقلاب" على قيم المجتمع المغربي وترويج "للانحلال الأخلاقي".

هاجر الريسوني

بررت وزارة الثقافة في تصريحات متفرقة للإعلام أن منع ومصادرة الرواية سببهما “عدم تسجيل الكتاب في لوائح المعرض الدولي للنشر والكتاب، وغير مصرح به سلفا من لدن دار النشر”، مشددة على أن “سحب نسخ الكتاب كان بسبب إدخاله بطريقة سرية ومخالفة لقوانين معرض الكتاب”.

وقبل قرار مصادرة الكتاب خاض عدد من الشخصيات المحسوبين على التيار السلفي وتيارات سياسية أخرى حملة ضد إعلان حفل توقيع الكتاب الذي أعلنت عنه دار النشر “أكورا”، وكتب الشيخ الكتاني المعروف بمواقفه المتشددة على حسابه الفايسبوكي ” معرض الكتاب هذه السنة في المغرب ينشر كتب الكفر والفجور والعهر بين أبنائنا بكل وقاحة، وبالمقابل يضيق على كتب الدين والفضيلة”، فيما اعتبر إسحاق شارية وهو الأمين العام لحزب المغرب الحر أن وزارة الثقافة “تطبع مع المثلية والترويج لها كما تساهم في تخريب العقول والهوية الجنسية للشباب والأطفال المرتادين للمعرض”.

ويبدو أن وزارة الثقافة سحبت الكتاب ومنعت حفل توقيعه بسبب الضغوط والهجوم الذي تعرضت له قبل افتتاح المعرض بساعات، خصوصا وأن إعلان عن حفل التوقيع نشرته دار النشر قبل يومين على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن تحتج وزارة الثقافة عن ذلك.

وفي رد لدار النشر حول قرار المنع قالت في بيان لها “تعودنا في تعاملنا مع إدارة المعرض الدولي للكتاب والنشر، على مستوى عال من الاحترام والتفاهم”، مسترسلة “نعي حرص إدارة المعرض على الحفاظ على الهامش الواسع من الحرية وعدم الحد منها فيما يخص الكتابة الإبداعية، ولكن وككل إدارات المعارض وعندما يثير بعض المتفذلكين والظلاميين هجوما مقصودا، مستغلين عنوان عمل إبداعي، لم يقرؤوه، فمن الطبيعي أن تعمل أي إدارة معرض على سحب الكتاب وايلائه لمتخصّصين لديها حتى يتاح لها الاطلاع عليه، وتحديد الرأي الواضح والصائب الذي ينتصر للحرية والإنسان وحق المبدع في إبداعه”، مشيرة إلى أنها يوم الجمعة 3 يونيو ستتلقى القرار النهائي بخصوص عرض الكتاب.

الحق في الإبداع وطابوهات المجتمع

مصادرة رواية “مذكرات مثلية” تضع حرية الفكر والإبداع على المحك في المغرب، خصوصا وأن الكتاب الممنوع هو رواية متخيلة ولا تحكي عن وقائع حقيقية، وتعالج قضية مطروحة في المجتمع وتتناولها تقارير رسمية أمام المنتظم الدولي وتناقش في الإعلام المغربي.

وفي هذا الصدد وتعليقا على سحب روايتها قالت الكاتبة فاطمة الزهراء أمزكار في حديث لمنصة هوامش إن “ما صرحت به الوزارة حول أن الرواية غير مسجلة لوائح المعرض وتم إدخالها بطرق غير قانونية غير صحيح”، مضيفة أن “مصادرة الرواية من المعرض هو القرار غير القانوني”، وأوضحت أمزكار قائلة : “الحملة التي أثيرت حول الرواية وضدي كانت سبب منع الرواية، حيث أطلق شرارتها حسن الكتاني وإسحاق شارية، وبعدها بدأ سيل من التدوينات تهاجم الرواية وموضوعها”.

 وأضافت الكاتبة المغربية ” شخصيا اعتبر هذا المنع خيرا، لأنه كان من الوارد جدا أن اتعرض للاعتداء خلال حفل تقديم الرواية بعد تجييش القراء ضدي، وأعتقد أن منظمي المعرض تخوفوا من حدوث مشاكل أثناء تقديم الرواية لذلك تم إلغاء حفل التوقيع”، وأردفت ” بالمقابل اعتبر أن التكفيريين انتصروا بمنع الرواية”.

وترى فاطمة الزهراء أنه “عوض أن نتقدم وتكون لدينا الحرية في فتح النقاش في كل المواضيع التي تهم المجتمع نحن نرجع إلى الوراء”، مشددة على أن “هذا الهجوم الذي تعرضت له الرواية أتى بسبب عنوانها وبسبب أن كاتبتها امرأة”، منبهة إلى أن “المجتمع لازال لا يقبل أن تصبح المرأة كاتبة باعتبار أن قلمها عورة”

وتحكي الرواية وفقا لفاطمة الزهراء “عن فتاة ولدت في عائلة فقيرة، تزوجت في سن 17 سنة، وبعد الزواج اكتشفت أن لها ميولات مثلية”، من خلال الرواية تروي الكاتبة تصورات فتاة مثلية عن الدين والدولة والتقاليد في قالب تصويري سينمائي للأحداث”.

من جانبه اعتبر أحمد الهايج الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن قرار منع الكتاب” شكل من أشكال ازدواجية سياسات الدولة”، مضيفا “الدولة تجرّم العديد من الحقوق والحريات لكن على مستوى الواقع لا تنزّل هذه القوانين، لكن حين يتعلق الأمر بحدث أثيرت حولة ضجة ومعارضة تلجأ إلى هذه القوانين للمنع”، مشيرا إلى أنه “لمعرفة أسباب المنع يمكن أن نبحث عن من بلغ عن الرواية”.

ويرى الهايج أن “الدولة تقوم بمجهود عبثي من خلال تمثلها بالعقل الديني والخطاب المتشدد، في حين أنه لم تعد هناك حدود، فحتى لو منع الكتاب ورقيا يمكن الترويج له رقميا”.

ردود الفعل حول منع الرواية دفعت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان للخروج للتعبير عن موقفها من الواقعة، حيث علقت في تصريح لـ”تيل كيل عربي” قائلة إن”المجلس واضح بخصوص العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، لا نحدد ما هو نوعها، بما فيها هذه العلاقات”، وأضافت أن “الجميع يعرف أن هذه الفئات موجودة في المجتمع، والموضوع لا بد أن يكون محل كتابات وتعبيرات متعددة لكي يستوعب المجتمع التحولات الجارية وسطه”.

وأكدت بوعياش في التصريح ذاته أن “هذا الأمر كان دائما في المجتمع، ولكن الآن نتحدث عنه، بشكل عمومي، وليس شيئا جديدا أتينا به، بل انتقلنا من “الطابو” إلى “الإعلان العمومي”، موضحة أن “هذه التحولات، لا أقصد بها ما يكون على المستوى الاجتماعي أو الجنسي، إنما التحولات هي التي جعلت من هذه القضايا، قضايا عمومية”.

وترى بوعياش أن “ممارسة الرقابة على النشر سيكون أمرا غير منطقي، كل الأشياء تمرُ عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يمكن مراقبتها”، مشيرة إلى أنه “عندما تعطي فضاء الحريات والحقوق، لا يمكن بعدها، أن تأتي وتقول لا تنشر، هذا لا يمكن”.

ازدواجية تعاطي الدولة مع المثلية

يعيد النقاش الذي أثير حول رواية “مذكرات مثلية” تسليط الضوء حول المضايقات وخطاب الكراهية الذي يتعرض له مجتمع الميم في المغرب، حيث أن القانون المغربي يجرم المثلية الجنسية ويعاقب عليها وفقا للفصل 489 من القانون الجنائي بالسجن حتى ثلاث سنوات، وغرامات تصل إلى ألف درهم.

مواقف الدولة لازالت متناقضة فيما يتعلق بالتعاطي مع المثلية الجنسية، ففي الوقت الذي تمنع فيه عرض رواية تتحدث عن المثلية هي نفسها من نصبت نفسها للدفاع عن شخص مثلي الجنس ولم تتخذ أي إجراء ضده عندما جاهر بمثليته وذلك في قضية ما يعرف إعلاميا بملف “الصحافي سليمان الريسوني”، مما يعني أن الدولة لا تهمها حماية حقوق الأقليات التي تعاني الاضطهاد في المغرب من طرف الدولة والمجتمع.

وفي هذا الشأن اعتبر أحمد الهايج الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح لمنصة هوامش أن ” الدولة غير واضحة في شأن التعاطي مع ملف المثلية الجنسية، موضحا أن “الدولة من خلال سياستها التشريعية الجنائية وردودها في الاستعراض الدوري الشامل، تظهر معارضتها للمثلية وتجّرمها وتعاقب عليها، لكن بالمقابل بعد الجهد الذي قامت به الحركة الحقوقية تراجعت عدد ملفات الأشخاص المتابعين بالمثلية الجنسية في المغرب، خصوصا إذا كانوا نشطاء داخل الحركة الحقوقية لمجتمع الميم”.

وأضاف الهايج “الترافع الذي قامت به الحركة الحقوقية في هذا الملف دفع الدولة إلى الحد من المضايقات التي يتعرض له المثليون، فضلا عن تأسيس عدد من الجمعيات التي تدافع عن حقوق هذه الفئة رغم أنه لم تحصل أي منها على الترخيص “.

من جهة أخرى تنص المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram