الرئيسية

الجماعات الترابية في أقل من سنة: تحالفات هشة وأغلبيات تتفكك

لم تمض سوى 8 أشهر على انتخاب مجالس الجماعات الترابية، حتى تكشفت بالعديد منها إشكالات عميقة تكاد تشكل القاسم المشترك بين مختلف الجماعات الترابية بالمغرب، والتي تعاني من أزمة تدبير وتسيير أكثر منها أزمة موارد وإمكانيات مادية، وهو ما نتج عنه "بلوكاج" في عقد دورتها العادية الثانية، بعد أن قاطع عدد من المرشحين أشغالها، بما فيهم أعضاء في الأغلبية المسيرة لهذه المجالس.

محمد تغروت

شهدت جماعة تارودانت التي يترأسها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مقاطعة 10 أعضاء (من أصل 31) بما فيهم 6 من أعضاء أغلبيته، لدورة ماي، المنعقدة يوم 6 ماي الجاري، حيث أصدر المقاطعون بيانا استنكروا فيه ما اعتبروه تجاوزا لكل مقومات التشارك في قضايا الشأن المحلي، و”خروقات قانونية وقرارات ارتجالية وانفرادية” يتخذها نائب وهبي في مجلس تارودانت، مع “ما يترتب عن ذلك من تراجعات على المستويات: الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية”.

وسجل المقاطعون استياءهم من الغياب المتكرر لرئيس المجلس الترابي لتارودانت (عبد اللطيف وهبي)، وانعدام تواصله، وحملوه المسؤولية في الوضع التي تعيشه المدينة، وعبر المحتجون عن رفضهم العمل في غياب رؤية مستقبلية واضحة المعالم تتحقق معها مصلحة المدينة والساكنة.

كما وقف الموقعون على البيان على ما اعتبروه غياب منهجية حكيمة ومسؤولة في تدبير شأن الجماعة، وانعدام أي مظهر من مظاهر التنمية على أرض الواقع منذ تسلم المكتب الحالي للمجلس مهام تدبير شؤون الجماعة، بالإضافة إلى انتهاج منطق الإقصاء في اتخاذ قرارات بشكل “انفرادي ومزاجي ومفرط في الارتجالية من طرف النائب الأول للرئيس”.

وفي السياق ذاته كان المستشار في ذات المجلس محمد حاتمي قد بعث رسالتين إلى كل من رئيس جماعة تارودانت وعامل إقليم تارودانت، وأكد فيهما أن الجماعة “تشهد اختلالات خطيرة في ظل غياب الرئيس ومنحه صلاحية التسيير لأشخاص يجهلون القوانين المنظمة لعمل المجالس المنتخبة، وهو ما فسره عدم احترام النائب الأول للرئيس للقانون وإقدامه على توقيع دعوات الحضور لدورة المجلس الجماعي لتارودانت لشهر ماي 2022 بدون توفره على تفويض من الرئيس بهذا الخصوص.”.

ودعا حاتمي وفي مراسلة وجهها لوزارة الداخلية عبر السلم الإداري لعامل إقليم تارودانت من أجل وقف نزيف الاختلالات والعبث الذي تشهده جماعة تارودانت في غياب تام للرئيس وللتفويضات التي عرقلت مجرى التدبير بهذا المرفق الجماعي والذي من شأنه أن يوقف عجلة التنمية بالمدينة.

جماعة الفقيه بنصالح التي يرأسها محمد مبديع ليست أفضل حالا، إذ وقع 19 عضوا من أصل 35، الذين يشكلون الأغلبية المطلقة بالمجلس البلدي للفقيه بن صالح، الذي يترأسه الحركي محمد مبديع، بيانا، على هامش التحضير لدورة ماي العادية، حيث قرروا مقاطعتها، نظرا لما اعتبروه “ارتجالية في تدبير شؤون الجماعة والتخبط في وضوح الاختصاصات داخل المكتب المسير”، وكذا عدم تضمين جدول أعمال الدورة المشاكل الجدية التي يجب أن تتدارس في دورات المجلس.

المقاطعون المنتمون إلى أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي وجبهة القوى الديمقراطية والاتحاد الدستوري واليسار الاشتراكي الموحد، فضلا عن أعضاء من حزب الرئيس، اشتكوا من عدم توفر وتوفير الوثائق الضرورية والخاصة بنقط جدول الأعمال ومنع اللجان الدائمة من ممارسة مهامها القانونية، وكذا عدم تطابق محاضر الدورات مع النقاشات والمدخلات، بالإضافة إلى عدم تفعيل مقررات المجلس وتعثر وتوقف جميع المشاريع.

بلوكاج ومشاداة في المجالس

جماعة بني عياط بإقليم أزيلال وضعها أكثر كارثية، إذ تشهد منذ تشكيل المجلس الحالي “بلوكاجا”، لم تستثن منه دورة ماي العادية، إذ حضر أشغالها قائد قيادة بني عياط و25 مستشارا وتغيب عنها 3 مستشارين وجمهور غفير من الساكنة المحلية التي جاءت لمؤازرة الرئيس ومن بقي معه من الأعضاء. وتميزت الدورة بنقاش حاد وساخن وتبادل للاتهامات منذ الدقائق الأولى لانطلاقها، بين رئيس المجلس الجماعي عبد الغني مصادي عن حزب الاتحاد الاشتراكي من جهة، وعبد القادر بولمان عن حزب التجمع الوطني من جهة ثانية. لتصل شرارتها إلى ما تبقى من أغلبية الرئيس (4 أعضاء هم : أبو العرب مصطفى عن الاتحاد الاشتراكي، حسن عبدلاوي عن العدالة والتنمية، جمال الحسين عن الاتحاد الاشتراكي إضافة إلى الرئيس) و التكتل الجديد المتكون من الأغلبية المتخلية عن الرئيس والمعارضة (21 عضوا).

حيث يتهم الرئيس نوابه وأعضاء أغلبيته بعرقلة التنمية ببني عياط ووضع العصا في عجلة المجلس الجماعي من خلال مقاطعتهم لأشغال اللجان والقيام بأدوارهم في التسيير وفق ما يقتضيه القانون، بينما يتهمه “زملاء” الأمس بالعشوائية والانفراد بالتسيير إضافة إلى الفساد المالي المتمثل في الشبهات التي تحوم حول عدد من سندات الطلب آخرها المتعلق بمصابيح الإنارة العمومية. واتسمت الدورة بالرفض بالأغلبية المطلقة للنقاط المدرجة في جدول الأعمال ب 21 ضد 4.

وعللت المعارضة رفضها التصويت على جدول أعمال هذه الدورة للمرة الثانية على التوالي بما اعتبرته “عشوائية  في تدبير عدد من الملفات وغياب الشفافية والوضوح في معالجة بعض القضايا والانفرادية في التسيير”، مؤكدين  أنهم مع تنمية بني عياط، ومع مختلف المشاريع التنموية شريطة أن تستوفي كل الشروط القانونية والمعايير المطلوبة والشفافية ، داعين إلى إطلاع الرأي العام على الدراسات الخاصة بالمشاريع، لا الاكتفاء بالحديث عنها في غياب أدلة ملموسة.

دورة ماي لمجلس جماعة فاس شهد تجدد “المواجهة” والمشادات بين حميد شباط وعزيز اللبار، وذلك بعد مرور سنوات على واقعة التشابك بالأيدي بين الإثنين في مقر مجلس النواب، مباشرة بعد خطاب ملكي تحدث فيه عن تخليق الحياة السياسية وضرورة الرقي بعمل البرلمان، حيث عادت المواجهات لتندلع من جديد بين الطرفين لكن هذه المرة في قاعة الندوات بمقر جماعة فاس، والتي احتضنت، أشغال الدورة العادية للمجلس الجماعي الخاصة بشهر ماي.

المواجهة لم تصل إلى حد التشابك بالأيدي، لكن شباط المستشار بالمجلس عن حزب جبهة القوى الديمقراطية، التي جاء إليها من حزب الاستقلال، وعزيز اللبار النائب الأول لرئيس مجلس جماعة فاس، تبادلا السب والشتم، واتهامات أخرى لها علاقة بسوء التسيير. ما أدى إلى انسحاب فريق شباط من الدورة.

تباين في التعاطي مع انهيار التحالفات

جماعة تارودانت التي يرأسها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، تمكنت من عقد الدورة العادية، نظرا لتوفر النصاب القانوني الذي ينص عليه القانون المنظم للجماعات الترابية، وبذلك لم تؤثر مقاطعة المحتجين على أشغالها، غير أن عبد اللطيف وهبي، انطلاقا من موقعه كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصر، قرر توقيف الأعضاء الستة المنتمين لحزبه، وراسل الأمين العام الجهوي للحزب بتارودانت قصد إحالتهم على اللجنة الجهوية للتحكيم والأخلاقيات، بناء على القانون الأساسي للحزب.

بينما تم تأجيل دورة ماي للجماعة الترابية للفقيه بنصالح بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لانعقادها، وأصدر مكتب المجلس الذي يترأسه البرلماني الحركي السابق محمد مبديع بيانا، عبر فيه عن تفهمه لمحتوى بيان المقاطعين، واستعداده للتجاوب مع ما جاء فيه، موضحا أن أبواب مكتب المجلس مفتوحة للإطلاع على منجزاته وبرامجه ومشاريعه المستقبلية، وكذا انفتاحه على جميع آراء ومقترحات المعارضة وباقي الأعضاء بما يخدم المصلحة العامة للمدينة وساكنتها.

وجدد مكتب مجلس الجماعة الترابية للفقيه بنصالح في ذات البيان دعوته لباقي أعضاء وعضوات المجلس الجماعي للانخراط في اللجان والمساهمة في إغناء النقاش بها، وإبقاء باب التواصل والحوار مفتوحا للجميع بدون استثناء.  

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram