الرئيسية

التعليم عن بعد خلال الجائحة .. هدر مدرسي واختلالات راح ضحيتها أكثر من مليون تلميذ   

بعد مرور أزيد من سنتين عن إقرار المغرب التعليم عن بعد بديلا مؤقتا لتوقف الدراسة بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذها من أجل وقف انتشار فيروس كورونا، فإن تنزيله لم يخلُ من اختلالات كثيرة، حيث أثيرت تساؤلات بالجملة حول مدى نجاعته خصوصا وأنه لم يكن هناك استعداد مسبق لهذه الخطوة.

رغم أن وزارة التعليم أكدت غير ما مرة حرصها على توفير الإمكانيات الضرورية لإنجاح التعليم عن بعد عن طريق إنشاء منصات رقمية لتسجيل الدروس، وكذا بث دروس مسجلة في القناة الرابعة والرياضية، إلا أن كل التقارير الرسمية والغير الرسمية تشير إلى فشل هذه الأخيرة في تنزيل هذا القرار. 

ووفقا لدراسة أشرف عليها المجلس العلمي للتربية والتكوين والبحث العلمي وهو مؤسسة رسمية، تحت عنوان “التعليم في زمن كوفيد في المغرب”، فإن “نسبة حضور التلاميذ في حصص التعلم عن بعد في الوسط القروي أقل بكثير بالمقارنة مع نسبة حضور زملائهم في المناطق الحضرية، حيث أفاد 61,8 في المائة من الأساتذة العاملين في المناطق القروية أن نسبة حضور التلاميذ كانت منخفضة جدا علما أن هذه النسبة لا تتجاوز 44,9 في المائة بين الأساتذة في المناطق الحضرية”، كما عبر 51 في المائة منهم أن هذا الغياب سببه عدم توفر أو نقص في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونقص في الحاسوب و الألواح الرقمية.

الدراسة كشفت عن أن ما يمثل 1.1 مليونا من تلاميذ التعليم العمومي لم يتمكنوا من التعلّم عن بعد خلال فترة الحجر الصحي، كما أن خُمس الأساتذة بالوسَط القروي لم يمارسوا التعليم عن بعد، وهو ما يحيل إلى كون تلامذتهم لم يستفيدوا من أي نوع من التدريس خلال الجائحة.

أثر سلبي على التحصيل

الارتجالية التي عرفها تنزيل قرار التعليم عن بعد كان له أثرا سلبيا على المستوى التعليمي للتلاميذ، هذا ما أكده   منير الجوري، خبير تربوي وباحث في علم الاجتماع التربوي في حديثه لـ“هوامش أنفو” قائلا: “كان لاعتماد التعليم عن بعد والتعليم بالتناوب أثر سلبي جدا على مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ والتلميذات، ليس فقط تحصيل المعارف والمعلومات، لكن أيضا تحصيل المهارات والكفايات”، مضيفا أن “التأثير امتد أيضا ليشمل الحافزية والرغبة في التعلم والانضباط لقواعد العملية التعليمية التعلمية”.

ويعتبر الجوري أن هذه “النّتيجة كانت متوقعة ومؤشراتها ظهرت منذ انطلاق هذه الأنماط من التعليم التي يحتاج اعتمادها إلى شروط اجتماعية وتربوية خاصة”.

نفس التقييم عبرت عنه دراسة المجلس العلمي للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث أفادت أن “النتائج الاستقصائية تشير إلى التقييم السلبي الذي يعبر عنه المدرسون اتجاه التعليم عن بعد، فقد عبر 36 في المائة من بين الذين استجوبوا عن الجانب السلبي “للتعليم عن بعد”، بينما أكد 27,5 في المائة عكس ذلك، أي أن له تأثير إيجابي، في حين اعتبر 13,5 أن ليس له أي تأثير على تعليم التلاميذ”.

وأضافت الدراسة التي تتوفر منصة “هوامش” على نسخة منها أن “النظرة السلبية للتعليم عن بعد توجد بنسبة أعلى في صفوف الأستاذات، بحيث ترى 39,6 في المائة منهن أن للتعليم عن بعد له تأثير سلبي على التعليم، مقابل 33,3 في المائة من الأساتذة الذكور”.

ووجد بعض الأساتذة أن البرنامج غير ملائم لتلامذتهم، خصوصا أساتذة وأستاذات التعليم الابتدائي، بينما يجد تلامذة السلك الثانوي أن البرنامج يفتقر للتفاعل كما هو الشأن بالنسبة للدروس التي تبث في الإذاعة والتلفزيون وموقع التواصل الاجتماعي يوتوب.

وعبر 62 في المائة من الأساتذة المستجوبين عن عدم رضاهم عن التجربة، ومن بين أسباب عدم الرضا المعبر عنه يتبين النقص في الوسائل الأساسية للتعليم عن بعد، يليه المستوى التعليمي للتلاميذ الذي لا يسمح لهم من التمكن من أدوات التعليم عن بعد.

تحديات التعليم عن بعد

لم يخل تنزيل “التعليم عن بعد” من اختلالات كثيرة أعاقت في كثير من الأحيان تنزيل البرنامج. فمن الأسبوع الأول لتنزيله عرف تحديات كثيرة، أهمها وفقا للخبير التربوي الجوري “انعدام التأهيل القبلي الذي يحفظ للعملية التعليمية مقوماتها وأسسها، سواء تعلق الأمر بتأهيل أطر التدريس في تقنيات وأساليب التعليم عن بعد”، ويضيف “أقصد هنا الأساليب والتقنيات التربوية والبيداغوجية قبل التقنيات الرقمية والتكنولوجية. أو تعلق الأمر بتأهيل المؤسسات التعليمية بما يلزم من معدات وأدوات التعليم عن بعد”.

واسترسل الجوري ” كان الأمر مفاجئا في البداية، لكن استمرار الوزارة في التعاطي مع الموضوع بكثير من الاستخفاف والترقيع والانتظارية والاتكال على التطوع والمبادرات الفردية جعل النتائج تكون أكثر ضعفا”، مستدركا “صحيح أن الوزارة أنتجت عدة مواد تلفزية لتدارك النقص الحاصل إلا أن ضعف نسبة تتبع ومشاهدة تلك المواد يعكس ضعف مستواها التعليمي”. 

بالمقابل تؤكد الدراسة التي قام بها المجلس الأعلى للتعليم أن “الإغلاق المفاجئ والفوري للمدارس لم يترك أي مجال للأساتذة للإعداد والتكوين في استعمال الوسائل المختلفة للتعليم عن بعد، وهو ما جعلهم يتساءلون عن مدى فعالية هذه الطرق الجديدة ونتائجها على ممارسة المهنة”.

من جهة أخرى، قال 52 في المائة من الأساتذة الذين شملتهم الدراسة، إن حضور التلاميذ في الفصول الدراسية عن بعد كان ضعيفا إلى ضعيف جدا، إذ كثيرا ما تطرح في المجموعات الافتراضية مع الأساتذة مسألة مستوى معيشة الأسر وعدم توفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات القادرة على تمكين التلاميذ من تسهيل متابعة الدروس عن بعد.

وقد حددت الدراسة أسباب غياب التلاميذ عن دروس التعليم عن بعد في “صعوبة الولوج إلى الأنترنيت، عدم إتقان أو صعوبة استعمال المنصات الرقمية للتعلم عن بعد، ثم ضعف مساعدة ودعم الآباء، وعدم التزام التلاميذ وضعف اهتمامهم”.

أما فيما يخص درجة إتقان تكنولوجيا المعلومات والتواصل، فيرى الأساتذة غير المتمكنين من التكنولوجيا أن “للتدريس عن بعد” أثر سلبي على المكتسبات، إذ أن ما يناهز 71,4 في المائة من الأساتذة لديهم مستوى ضعيف جدا في هذا المجال.

المغرب غير مؤهل للتعليم عن بعد

بعدما فرضت جائحة كورونا على وزارة التعليم اعتماد التعليم عن بعد كبديل عن التعليم الحضوري والتحديات التي واجهتها لتنزيل هذا القرار، تبين بالملموس أن المغرب لازال بعيدا عن دمج التعليم عن بعد ضمن منظومته التعليمية، وفي هذا الشأن يقول الجوري “قبل المؤهلات التقنية لابد من إكتساب المهارات التربوية المتعلقة بالتعليم عن بعد لأطر التدريس، وهذا أكبر التحديات التي تفتقر إليه المنظومة التعليمية”، مضيفا “المغرب لحد الساعة غير مهيئ له بتاتا، بل يسود الاعتقاد لدى بعض المسؤولين أن التعليم عن بعد مرتبط فقط بالتجهيزات الرقمية، وأن الأداء الحضوري كاف للاستنساخ الرقمي وهذا غير صحيح بتاتا”.

بالمقابل يقول المتحدث ذاته إنه “على مستوى التجهيز فقد عرف قطاع التعليم عدة مشاريع لتجهيز المؤسسات التعليمة بالموارد الرقمية، إلا أن مخرجات تلك المشاريع مازالت محتشمة جدا”.

من جهة أخرى خلصت دراسة المجلس الأعلى إلى أن فكرة إدماج التعليم عن بعد صعبة التنزيل، حيث جاء فيها “أن هيئة التدريس أدركت خلال مدة الحجر الصحي أنها ليست مستعدة للقيام بهذا النوع الجديد من التدريس، كما أدركت ذلك المنظومة التربوية بأكملها” تقول الدراسة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram