هاجر الريسوني
ورغم محاولاتهم للاعتراف بهم كأقلية دينية، إلا أن السلطات تتجاهل مطالبهم ولا ترد عليها لا بالسلب ولا بالإيجاب، بالمقابل توجه لهم اتهامات بأنهم لا يريدون حقوقهم بل إحداث الفتنة في البلاد والمس بالأمن الروحي والنظام العام.
وفي الوقت الذي لا توجد فيه قوانين مغربية تجرم تغيير الدين الإسلامي لديانات أخرى، يتم استخدام الفصل 220 من القانون الجنائي الذي يقول “من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”، ويعاقب بنفس العقوبة “كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز في حالة الحكم بالمؤاخذة، أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استغلت لهذا الغرض، وذلك إما بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات”، (استخدام الفصل) لترهيب المسيحيين المغاربة.
من جهة أخرى يواجه المسيحيين المغاربة خطرا آخر خصوصا خلال شهر رمضان، بحيث أنهم ملزمون بعدم الأكل أو الشرب في الشارع، خوفا من المتابعة القضائية، إذ يشير الفصل 222 من القانون الجنائي إلى أن “كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثني عشر إلى مائة وعشرين درهما”.
بعيدا عن الأنظار يجتمع المغاربة الذي يعتنقون الدين المسيحي، كل يوم أحد في الكنائس البيتية للصلاة، اختيارهم للصلاة في البيت وليس في الكنائس لم يكن اختيارا، بل فرض عليهم بسبب الحيف الذي يمارس عليهم من طرف السلطات التي تحرمهم من أداء صلواتهم في أماكن العبادة المخصصة لذلك، جنبا إلى جنب المسيحيين الأجانب المقيمين في المغرب.
الصلاة في الكنائس حقهم المشروع مثلما يصلي المسلم في المسجد من الواجب على الدولة أن تسمح لهم بالصلاة في الكنائس، هكذا يعبر زهير الدكالي مسيحي مغربي عن حنقه من التمييز الذي يطالهم، موضحا أن “اختيار اعتناق دين آخر غير الإسلام لا ينقص من مواطنتهم، فهم مغاربة لديهم نفس الثقافة والعادات لكنهم مختلفين”.
الإحساس بالتمييز والتهميش يزداد كلما حلت أعياد الميلاد التي تعتبر ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، بحيث أن السلطات المغربية تمنعهم في الاحتفال والذهاب للكنائس، مما يضطرهم للتخفي والاحتفال بسرية حتى لا يتحول عيدهم لمأتم ويتعرضون للمساءة القضائية.
ورغم أن السلطات ترفض فتح هذا الملف وتتجاهل مطالبهم إلا أن المسيحون المغاربة لازالوا متشبثين بالترخيص لهم بالاحتفال بأعيادهم بشكل علني، بحيث قال الدكالي في تصريح لـمنصة “هوامش”، إنهم سبق وأن وجهوا مراسلة إلى كل من رئيس الحكومة، ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضمنوها أمنيتهم في أن يتمكنوا خلال الاحتفال بذكرى ميلاد المسيح من الصلاة بشكل علني”، كما سبق لهم أن توجهوا بمذكرة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يطالبون فيها بالسماح لهم بحرية التوجه إلى الكنائس والصلاة فيها، وكذا السماح لهم بحرية التدريس في ما يتعلق بالتربية الدينية، إلى جانب الدفن وفق الطقوس المسيحية، لكنهم لم يتلقوا أي رد إيجابي من أي جهة أو مؤسسة حكومية”.
لم تستوعب مريم (اسم مستعار) وهي ابنة 9 سنوات، كيف يمكن أن تحصل على نقطة صفر رغم أن إجابتها على سؤال الامتحان كانت صحيحة من منظور دينها، حين سئلت من هو الإله، فكتبت بكل ثقة هو “يسوع” فمكان من الأستاذ إلا أن اعتبر الإجابة خاطئة، وعاملها بعنف لأن لديها إلاها مختلفا عن السائد، ولم يتقبل أن تكون مغربية وفي نفس الوقت تعتنق هي وأهلها ديانة غير الدين الرسمي للمملكة.
عائلة مريم اضطرت لنقلها إلى مدرسة أخرى حتى لا تعامل ابنتهم بتمييز وعنف وتنمر بعدما اكتشف أمرهم، وعرف كل من في المدرسة أنها تنتمي لعائلة مسيحية.
مريم فقط نموذج واحد عن حالات العنف وعدم التفهم الذي يتلقاه أطفال أبرياء كل ذنبهم أن أولياء أمورهم اختاروا أن يعتنقوا دينا آخرا، بحيث هناك عدد من العائلات تضطر إلى تغيير مدارس أطفالها مرات متكررة خوفا عليهم من التعرض للاعتداء.
ولأن الدولة غير معترفة بالمسيحيين المغاربة، فإن أبناءهم يضطرون إلى دراسة التربية الإسلامية في المدرسة، وحفظ القرآن، يحكي الدكالي عن أن “معاناة الأسر مع الأطفال مضاعفة، لأنهم مضطرون لأن يفسروا لهم لماذا يتعلمون في البيت دينا وفي المدرسة دينا آخر، ويعلمونهم كيف يتعاملون مع هذه الحالات”، ويضيف “الأطفال يطرحون الأسئلة ويحتاجون لإجابات مقنعة، فهم لا يستوعبون أن الدولة لا تعترف بهم كأقلية دينية وأن عليهم ألا يتحدثوا عن دينهم مع أصدقائهم أو مدرسيهم لأنه يمكن ألا يتقبلوهم ويتعرضون للعنف اللفظي وحتى الجسدي”.
وفي بعض الأحيان تضطر العائلات المسيحية لتغيير سكنها مرات متعددة، بسبب أن أطفالها أخبروا أصدقائهم بأنهم مسيحيين وليسوا مسلمين، وهذا ما يعرضهم للمضايقات من طرف الجيران.
التضييق الذي يتعرض له المسيحيين المغاربة لا يطالهم فقط وهم أحياء بل وهم أموات أيضا، إذ غير مسموح لهم بالدفن إلا في مقابر المسلمين وبالطريقة الإسلامية، يقول الدكالي “حتى في الموت ليس لنا خيار في الدفن، سيارة الإسعاف نفسها تشعرك بالتمييز حين تقرأ “نقل أموات المسلمين” رغم أن المغرب ليس فيه المسلمين فقط”، ويضيف “بعد نقل الميت في سيارة الإسعاف للدفن، يأخذونه للمسجد للصلاة عليه، ونحن لا نستطيع أن نعترض على ذلك حفظا لسلامتنا”.
ورغم أنه توجد في عدد من المدن مدافن للمسحيين، لكن عدم اعتراف الدولة بهم كفئة غيرت دينها، تجعلهم مضطرين لدفن أمواتهم بالطريقة الإسلامية، بالمقابل يسعون من خلال مراسلة الحكومة والجهات المسؤولية لسماح بمدافن خاصة بهم.
يحكي الدكالي أن “الزواج يتم بطريقتين، الأولى من خلال مباركة الكنيسة البيتية، بحيث يجب أن يكون المقبلان على الزواج مؤمنين بالمسيح، يتم إعلان الزواج، وبعدها يقام حفل بالطقوس المسيحية، يشرف عليها “باستور” الذي يكون معترفا به بين المسيحيين ولديه المستوى الروحي لتزويج الناس”.
أما الطريقة الثانية للزواج يقول الدكالي، فإن العروسين يكونا مضطرين لتوثيق الزواج بالطريقة الرسمية للبلاد، بحيث يقصدان “العدول” لتوثيق زواجهما بالطريقة الإسلامية.
الازدواجية في طريقة الزواج، فرضتها الظروف التي يعيشها المسيحيين المغاربة، بحيث أنهم، في حالة لم يوثقوا زواجهم عند العدول يكون غير معترف بهم كزوج وزوجة، يمكن أن يتعرضا لمضايقات الشرطة، ومنعهم من دخول الفنادق” يقول الدكالي، ويضيف “أن الموضوع معقد، بحيث أن هذا الزواج سيسفر عن أولاد، وأنت مضطر لتسجيلهم في الحالة المدنية”، مسترسلا ” هذا هضم لحقوقنا الفردية لكن ليس لدينا خيار”.