الرئيسية

البحث عن آخر الضحايا.. مشاهد من دمار الزلزال وحقارة الصحافة 

يحدث هذا بينما يواصل المنقذون إزالة الأنقاض بحثًا عن آخر ضحية تم التعرف عليها في هذه البلدة، حيث تسبب الزلزال في مقتل أكثر من 60 شخصًا. فيما تطالب الصحفية بمعرفة كل التفاصيل الأخيرة المحيطة بلحظة وقوع الزلزال… وفجأة، أدركت أن المرأة قد رأت للتو ابنها الميت.

“هوامش”/ باترثيا سيمون

 قبل ساعتين، انتشلت حبيبة جثة ابنها الوحيد البالغ من العمر سبع سنوات، بعدما دفنت والدها وشقيقيها وزوجتيه وابن أخيها والآن ابنها في يومين فقط. 

تم استخراج جثث الجميع من قبل جيرانها، باستثناء الطفلة، التي انتشلها الجنود الذين وصلوا، على غرار مدن أخرى في الأطلس، بعد ثلاثة أيام من وقوع أخطر زلزال تم تسجيله في المغرب.

جنازة الضحية قبل الأخيرة التي تم إنقاذها في ويركان، حيث توفي أكثر من ستين شخصا.

في خضم وجعها، تهرع صحافية إلى حبيبة عندما علمت بقصتها، وتطلب من المصور التركيز عليها، وتطلب منها بمساعدة المترجم أن ترشدها إلى مكان القبور.

يحدث هذا بينما يواصل المنقذون إزالة الأنقاض بحثًا عن آخر ضحية تم التعرف عليها في هذه البلدة، حيث تسبب الزلزال في مقتل أكثر من 60 شخصًا. فيما تطالب الصحفية بمعرفة كل التفاصيل الأخيرة المحيطة بلحظة وقوع الزلزال… وفجأة، أدركت أن المرأة قد رأت للتو ابنها الميت.

– هل كان لديك أي أمل في أنه لا يزال على قيد الحياة بعد كل هذا الوقت تحت الأنقاض؟

ينظر إليها المترجم بصدمة، ولا يعتقد أنه فهمها بشكل صحيح.

– لا أستطيع أن أطرح هذا السؤال، إنه مؤلم للغاية، يقول المترجم.

‏– “Do it”، “قم بذلك !” تأمره الصحفية.

في تلك اللحظة، تنهار حبيبة، وتستسلم للبكاء، فتواسيها الصحفية بلمس ذراعها، قبل أن توجهها مرة أخرى إلى المنطقة التي يتراكم فيها الركام، تطلب من المترجم أن يتنحى جانبا لتتمكن المصورة من تصوير محادثة واضحة بينهما. 

بعد ثلاثة أيام من وقوع الزلزال، وصل الجيش بآليات ثقيلة إلى بعض المناطق الأكثر دمارا للمساعدة في جهود الإنقاذ.

كانت تريد من مصورها أن يوجه عدسته يمينًا ويسارًا لتسجيل اللقطات لأكثر من عشرين دقيقة أخرى، حتى يكون لديها ما يكفي للمونتاج، وبعدها ستطلق سراح حبيبة، في مشهد يثبت أن بعض البشر أقرب إلى الأموات منهم إلى بعض الأحياء.

إنه مشهد يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه في خضم الأزمات الإنسانية أيضًا، توجد صحافة تلحق الضرر بالناس، صحافةٌ قاسية عليهم في أشد لحظات ضعفهم؛ إنها أسوأ بكثير من الصحافة التافهة، مهما تنكرت في زي “المراسلين الدوليين”: إن تحريف آلام أمٍ لكسب تفاعل الجمهور يجب أن يكون أيضًا جريمةً ضد الإنسانية.

على بعد أمتار قليلة، تراقب المشهد ابنة عمها أميمة غوفرگان، 17 عامًا، والتي كانت تريد أن تصبح معلمة للغة الإنجليزية، أما الآن فكل ما يمكنها التفكير فيه هو أن نصف أفراد عائلتها قد رحلوا.

تجلس جدتها، وهي امرأة عجوز عمياء لا تكاد تبلغ السبعين من عمرها، وسط مجموعة من النساء المتجمعات في خيمة، يتوافد عليها الجيران لتقديم التعازي. 

وفي مدينة ويركان التي يبلغ عدد سكانها 7000 نسمة، كان الدمار شاملا، فهذه الجنة السياحية، المعروفة بموقعها داخل محمية طبيعية، بدأت تفوح منها رائحة الموت.

خيم الصمت على الجميع عندما تمكن الجيش من انتشال جثة امرأة ثلاثينية من تحت الأنقاض. وكما هو الحال مع طفل حبيبة، لم يتمكن المنقبون من الوصول إلى رفاتها إلا بعد وصول المنقذين.

لف الجنود المقنعون جسده ببطانية حمراء، وحملوه على نقالة إلى مكان منبسط حيث صلى عليه إمام وعشرات الرجال.

وإلى جانبهم، ظل رجال الجيش والدرك صامتين ورؤوسهم مكشوفة ومطأطأة، وبعد المراسم القصيرة، ركض الجنود لمواصلة البحث عن الضحية الأخيرة.

وفي مبنى مكون من طابقين، كانت الجرافة تقوم برفع الأنقاض بينما يقوم الضباط بنقل الأثاث والسجاد بعناية؛ كانوا يبحثون عن آخر شخص تم تحديده على أنه مفقود.

يقول جندي للصحفية معدة هذا التقرير إن “أفراد الجيش غير مخولين بالتحدث إلى أي شخص”، فيما يأمره رئيسه بالتوقف عن الحديث إليها.

هؤلاء  أعضاء في وحدة الإنقاذ والإغاثة، التي انتظرتها الساكنة طوال عطلة نهاية الأسبوع في جزء كبير من الأطلس، حيث كان على سكانها المبادرة لإنقاذ أحبائهم وجيرانهم بما يملكون وبأياديهم  العارية، قبل أن يقضوا الـ72 ساعة الماضية وهم يحفرون ويصلون ويدفنون موتاهم.

على بعد أمتار قليلة، يشير لحسن إلى المكان الذي دفنت فيه زوجته، التي فارقت الحياة، بينما تظهر غرفة نومهما كفناء في الهواء الطلق وسط جدران المنزل المتبقية.

كان هو نفسه، البالغ من العمر ثمانين عامًا من قام مع ابنه بإزالة الأنقاض على مدى 20 ساعة حتى تمكن من استخراج رفاة الزهرة.

من تحت جلابته المثقوبة، يستخرج لحسن كيسًا بلاستيكيًا صغيرًا، يخرج ما بداخله ويظهر ما يحتويه ثم يقول “كل ما تمكنت من إنقاذه، هو بطاقة هويتي”.

يقف لحسن في المكان الذي توفيت فيه زوجته زهيرة ويحمل بين يديه بطاقة هويتها

مياه الصنابير أصبحت ملوثة بعد أن أدى الزلزال إلى انفجار الأنابيب، وعلى الرغم من لونها البني، يضطر العديد من السكان إلى استخدامها لغسل أطرافهم.

أصبحت الطرق التي تربط مراكش بـ”ويركان” وغيرها من مدن الأطلس مسارات للمساعدات الإنسانية: تتقدم مئات الشاحنات العسكرية، والشاحنات الصغيرة من جميع أنواع المؤسسات، وسيارات المواطنين المحملة بالمياه والبطانيات والفرش والمواد الغذائية؛ لتبدأ المساعدات الإنسانية الرسمية في الوصول، على الرغم من أن معظم السلع الموزعة لا تزال من المجتمع المدني.

“نحن الذين نفعل ما ينبغي على الدولة أن تفعله”، هكذا صرخت امرأة شابة، ذات شعر أسود طويل ونظارة شمسية كبيرة، تقوم بتنسيق توزيع المساعدات.

وفي المستشفى الجهوي بالحوز، في قرية تحناوت، على بعد ساعة من مراكش، تم نصب مجموعة من الخيام لرعاية ضحايا الزلزال.

يتواصل توافد المصابين على المستشفى الميداني المحدث نتحناوت.

يوم الاثنين، تستمر سيارات الإسعاف، في جلب أطفال مصابين من مناطق نائية. “لقد كسر ذراع ابنتي ولم نتمكن من الوصول حتى اليوم”، تقول فاطمة قبل أن يطردنا أمن المستشفى من الفناء الذي تم تحويله إلى غرفة انتظار، وهي تردد “كان الطريق مسدودًا بالحجارة”.

بعد عشرين دقيقة، تحولت أزرو إلى مخيم للاجئين، انهارت المنازل التي كانت على الجبل، واضطر سكانها الستون إلى الانتقال إلى خيام أقيمت بشكل مرتجل من ستائر وعصي على ضفاف النهر. 

تقول فتيحة التي دفنت والدها وجدها، “كنت أنا وأختي وأمي نتناول العشاء في المطبخ. كان والدي قد ذهب لتوه إلى السرير، لوكان  تأخر بضع دقائق لكان على قيد الحياة”.

تدرس الشابة فتيحة تدرس التمريض، وأختها تلميذة في مستوى البكالوريا، والآن تدرك الشابتان أنهما ستعيشان على مساعدة الأسرة إلى أن تحصلا على عمل؛ لقد أصبحت دراستهما ترفًا لا يمكنهما بلوغه. 

ستستمر عواقب الزلزال لسنوات وستؤثر على كافة المناحي، “والدي هو الذي شجعنا على الدراسة لكي نعيش حياة جيدة ومستقلة.. لكن ماذا الآن؟” تتساءل هذه الفتاة البالغة من العمر عشرين عاما.

فتيحة وحنان مع أبناء عمومتهما في أنقاض منزلهما الذي توفي فيه والدهما وجدهما

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram