مروان المودن
على هامش الأزمة التي اندلعت مؤخرا بين المغرب والجزائر، على خلفية ما بات يعرف إعلاميا بأزمة “قمصان نهضة بركان”، احتلت العلامة التجارية “أتاي الدحميس” المغربية، حيزا مهما من الموضوع، مستفيدة من إشهار مجاني في القنوات العالمية والصحف الدولية. ونظرا للتغطية الواسعة التي حظي بها حادث احتجاز قمصان فريق “نهضة بركان”، انتشرت العلامة التجارية، بعد أن زاد الإقبال على القميص الذي ارتداه ايضا إعلاميون مغاربة خلال برامج تلفزية.
بعد الأزمة الرياضية والسياسية تلك، اخذت التوترات بعدا اقتصاديا، بعد أن وجّه المحامي خالد فكرني، الممثل القانوني للشركة المغربية المكلفة بتصميم وإنتاج أقمصة نادي نهضة بركان، إنذارا كتابيا إلى الاتحاد الجزائري لكرة القدم (فاف) “من أجل تدارك التجاوزات التي قام بها”، لأن الشركة المتخصصة في صناعة الأقمصة “ترتبط مع نادي نهضة بركان بعقد من أجل تسويق علامتها واسمها التجاريين، وفق الهوية البصرية المتعاقد عليها”. ويتعلق الإسم التجاري بشاي “الدحميس”.
ومباشرة بعد الواقعة، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج وصور أتاي الدحميس، مرفوقين بآلاف التعليقات من قبل رواد موقع التواصل الإجتماعي X (تويتر سابقا). كما حظي الحدث بمتابعة على منصات تيكتوك وفايسبوك ويوتوب. وبين الساخرة منها والجدية، اعتبرت العلامة التجارية “أتاي الدحميس” أكبر رابح من التوتر الأخير. فمن يقف وراء هذه العلامة التجارية ؟
لتتبع أثر العلامة التجارية ”الدحميس”، المساند الرسمي لفريق نهضة بركان، لا بد من العودة إلى نهاية الخمسينات من القرن الماضي، وتحديدا سنة 1958، عند تأسيس المنظمة الوطنية للشاي والسكر (ONTS)، والتي كانت تقتصر على استيراد وتوزيع الشاي على المغاربة، قبل أن تتحول إلى “المكتب الوطني للشاي والسكر”، ثم إلى “الشركة المغربية للشاي والسكر” (سوماتيس Somathes).
سنة 2006 نشرت وزارة المالية والخوصصة، طلب عروض من أجل تفويت حصة الدولة في “الشركة المغربية للشاي والسكر” إلى القطاع الخاص. إذ لم تنج “الشركة الوطنية للشاي والسكر” بدورها، بعد سنة 1993، من موجة تحرير الاقتصاد المغربي والتي تم من خلالها تفويت عدد من المؤسسات للخواص.
وجذب سوق حبوب الشاي، المشروب الأكثر استهلاكا في المغرب، اهتمام شركة “هولماركوم”. فبعد شهر من نشر إعلان تخلي الدول عن حصتها التي تجاوزت 65 في المائة، وتحديدا في 20 يوليوز 2006، أوردت جريدة الشرق الأوسط، في عددها 10096، خبرا يفيد بأن “لجنة تحويل المقاولات العمومية القابلة للتفويت (التمليك) تمكّن الشركة القابضة المغربية التجارية والمالية (هولماركوم) من اقتناء إجمالي رأسمال الشركة المغربية للشاي والسكر (سوماتيس) مقابل 539 مليون درهم”، بإشراف من وزارة المالية والخوصصة، التي كان على رأسها آنذاك الوزير الاتحادي فتح الله ولعلو.
بعد تغيير شكلها التنظيمي واستراتيجيتها الإقتصادية، شرعت “الشركة المغربية للشاي والسكر” سوماتيس، في إعداد شايها وتعليبه وتوزيعه، وأضحت المحتكر الوحيد للنبتة الشعبية المنتشرة بين مغاربة الداخل والخارج، خاصة في الجنوب. وانتقدت بعض النقابات، حينها، ما وصفته بـ “خطط الإجهاز على حقوق عمال شركة الشاي والسكر”، الذين تحولوا من موظفين إلى “أجراء”.
وأوردت جريدة الاتحاد الاشتراكي سنة 2009، أن “جزء من المال العام الذي منحته الدولة لمشتري المكتب الوطني للشاي والسكر، لم يوظف في عملية الاستثمار كما كان مقررا له”.
وأوضحت مصادر الجريدة آنداك، أن الإدارة ابتلعت أجزاء من عقار الشركة الوطنية للشاي والسكر، وبدأت في تسريح العمال، رغم أنها تحقق أرباحا صافية سنوية تفوق ملياري سنتيم”.
بالإضافة إلى “شاي الدحميس”، تصنع الشركة المغربية للشاي والسكر 9 أصناف أخرى من الشاي، منها المنارة، و”الشعرة”، و”لقبيلة”، إضافة إلى شاي الصويري والقافلة. بينما تحتكر الشركة سوق مواد أساسية أخرى، بينها السكر والحلويات والمعلبات (خاصة التونة…) والمقبلات والجبن، ويقع مقرها ببوسكورة.
بعدما استحوذت شركة “هولماركوم” على الشركة المغربية للشاي والسكر عام 2006، أصبح يديرها رجل الأعمال محمد حسن بنصالح، عبر هوليدينك عائلة بنصالح، وحسب مجلة فوربس Forbes المتخصصة في المال والأعمال، فإن “هولماركوم”، التي أسسها عبد القادر بنصالح، تعد واحدة من 100 أقوى شركة حول العالم سنة 2023، وتنتشر أعمالها حاليًا في 6 دول أفريقية، بما في ذلك المغرب والسنغال وساحل العاج، وبنين، وبوركينا فاسو، وكينيا. فيما تغطي أعمالها القطاعات المالية، والصناعات الزراعية، واللوجستيات والعقارات.
وتملك المجموعة 3 شركات مدرجة في بورصة الدار البيضاء: الماء المعدني “ولماس”، تأمينات “أتلانتا سند” و”مصرف المغرب”. وفي دجنبر 2022، أكملت المجموعة صفقة للاستحواذ على حصة 78% في شركة “القرض الفلاحي” (CREDIT AGRICOLE) حسب ذات المصدر.
حسن بن صالح، الرئيس التنفيذي لهذه الشركة العملاقة، ورئيس الشركة المغربية للشاي والسكر، من مواليد بركان، المدينة التي يمثلها فريق “نهضة بركان”. وتحتكر العائلة المالكة لهذه الشركة العديد من القطاعات الحيوية في المغرب في مجال الاقتصاد والفلاحة واللوجستيك والتغذية.
وتشير البيانات إلى أن ثروة رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة، محمد حسن بنصالح، قد تضاعفت حولي ثلاث مرات بين 2011 و2015، حيث كانت تقدر سنة 2011 بـ 270 مليون دولار، قبل أن تقفز إلى 800 مليون دولار.
ومحمد حسن بن صالح، ليس سوى الأخ الأصغر لمريم بن صالح شقرون، رئيسة الاتحاد العام لمقاولات، ومالكة شركة المياه المعدنية، بينما تدبر أيضا شؤون الهولدينغ العائلي “هولماركوم”.
وكانت شركة مريم بن صالح للماء المعدني قد تعرضت، قبل سنوات، لحملة مقاطعة واسعة أثرت على رقم معاملات الشركة.
ورغم ذلك فقد احتلت مريم بنصالح شقرون ضمن التصنيف السنوي لمجلة فوربس، المركز 16 ضمن أقوى 100 سيدة أعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنة 2024، وحسب فرع المجلة في الشرق الأوسط، انضمت مريم بن صالح إلى مجموعة هولماركوم العائلية في عام 1989، وتولت منصبها الحالي في شركة المياه المعدنية عام 2010. وفي عام 2022، استحوذت مجموعة هولماركوم على 78.7% من مصرف المغرب.
وعلى المستوى الدولي منح أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، مريم بنصالح عضوية التحالف العالمي للمستثمرين من أجل التنمية المستدامة، وهي أيضًا عضوة مجلس إدارة في مجموعة رونو (RENAULT)، ومجلس أمناء جامعة الأخوين. حسب ذات المصدر.