سعيد المرابط
وأكد القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، رونين نادير، بصفته مديرا تنفيذيا لـ”بلوبيرد”، في تصريح نشره موقع زونا ميليتار الإيبيري، أن شركته “أنشأت بالفعل منشأة الإنتاج المحلية”، التي ستبدأ عملياتها في المستقبل القريب.
ولحدود الساعة، لم تتسرب أية تفاصيل حول موقع هذه القاعدة الصناعية، ولا حول موعد بدء عملية الإنتاج، وذكرت جريدة لوموند الفرنسية أن ممثلي الشركة الاسرائيلية لم يرغبوا في التعليق على الموضوع، عند اتصالها بهم، بينما لم تعقب تصريحات نادير أي تعليق رسمي من السلطات المغربية.
ومنذ نهاية عام 2020، عندما وقعت الرباط وتل أبيب اتفاق التطبيع الرسمي للعلاقات، أصبحت اتفاقيات الدفاع إحدى ركائز هذه العلاقة الجديدة، وهو أمر غير مسبوق في الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع دول أخرى خاصة في سياق ما يسمى “اتفاقات أبراهام”.
وتقدم شركة “بلوبيرد”، (BlueBird) التي تأسست عام 2002؛ نفسها على أنها “شركة رائدة عالميًا في مجال الأنظمة الجوية، والطائرات بدون طيار من خلال الجمع بين التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة والخبرة العسكرية، مع التصميم والتطوير والتصنيع الخاص بها”، حسب التعريف المنشور على موقعها الإلكتروني.
في عام 2020، استحوذت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية “IAI”، إحدى الشركات الإسرائيلية الضخمة في مجال الصناعة العسكرية، على 50 بالمائة من شركة “بلوبيرد”.
وبالتوازي مع ذلك، فإن بناء مصانع أخرى للطائرات بدون طيار مطروح أيضًا على الطاولة، حيث أفاد مسؤول إسرائيلي رفيع أن شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية تخطط لفتح مصنعين لطائرات “الدرون” في المغرب، أحدهما سيكون في الدار البيضاء، بحسب ما نقلته تقارير لوسائل الإعلام.
مطلع أبريل 2021، أعلنت جبهة البوليساريو، مقتل “رئيس الحرس الوطني للجبهة”، الداه البندير، وهو قيادي عسكري يبلغ من العمر 66 عاما، متأثرا بصاروخ أطلقه المغرب على منطقة تيفاريتي الواقعة قرب الجدار العازل.
وقالت جبهة البوليساريو، حينها، إن “طائرة درون إسرائيلية الصنع تدخلت في الهجوم”، ويعتبر هذا أول ذكر لاستخدام المغرب لسلاح إسرئيلي.
وتقول رواية الجبهة إن البندير كان في عملية عسكرية ضد قوات الجيش المغربي بالجدار العازل، “لقد اقتربنا من الجدار لقصف قاعدة مغربية، وكان هناك رد من المغرب بقذيفة هاون عيار 155 ملم ثم تدخلت طائرة الدرون”، حسب شهادة العسكري محمد فاضل موندي، الذي كان يرافق البندير.
وبينما اتهمت جبهة البوليساريو المغرب لدى الأمم المتحدة بشن العديد من الهجمات بطائرات الدرون، ينفي المغرب استخدام طائرات مقاتلة بدون طيار في الصحراء.
حينها ذكر موقع “لو ديسك” المغربي، أن “طائرة استطلاع بدون طيار إسرائيلية الصنع تدخلت في التفجير الذي أدى إلى مقتل رئيس الحرس الوطني الصحراوي، ولكنها كانت فقط لتحديد موقعه وتحديد الهدف باستخدام شعاع الليزر”.
وبحسب الموقع ذاته، فقد “أطلقت مقاتلة من طراز F-16 تابعة للقوات المسلحة المغربية الصاروخ”، الذي أودى بحياة البندير.
يتزامن هذا الإعلان مع زيادة بأربع نقاط في المبلغ المخصص للجيش في ميزانية المغرب لعام 2024، حيث بلغ 124.7 مليار درهم (12.47 مليار دولار)، (ما يناهز 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المغربي) ويتم استخدامها “لشراء وصيانة معدات للقوات المسلحة ودعم تطوير صناعة الدفاع والصيانة”.
وخصصت الرباط سنة 2023، ميزانية للدفاع، بلغت 120 مليار درهم (12 مليار دولار)، وفي نوفمبر الماضي، قال الوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف الوديي، إن “الميزانية المرصودة للدفاع غير كافية في ظل التهديدات الأمنية التي تعرفها المنطقة، والتي تتطلب يقظة مستمرة”.
وأضاف الوديي وفق بيان صادر عن البرلمان المغربي حينها، أن “ميزانية الدفاع المغربي في 2023 تمثل 5.2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام”.
وتندرج هذه الزيادة في الإنفاق العسكري أيضًا في إطار مناخ التوتر بين المغرب والجزائر، على خلفية الصراع القديم بين البلدين الجارين بشأن الصحراء، وصل إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية حاليا، حيث لا تخفي الجزائر دعمها المطلق للبوليساريو، بينما يتهمها المغرب بأنها طرف أساسي وفاعل في هذا الملف.
وفي السنوات الأخيرة، زاد البلدان من إنفاقهما على التسليح؛ بحيث أنفقت الجزائر ما يقرب من 5 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع في عام 2022، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي.
في ظلّ التوتر المتصاعد بين المغرب والجزائر حول ملف الصحراء، يبدو أن المغرب يعتزم القيام بخطوة جديدة لتطوير قدراته العسكرية، وذلك من خلال سعي المملكة بشكل حثيث، إلى دخول النادي الحصري للدول المنتجة للطائرات بدون طيار، الـ”درون”.
إذ من المزمع أن يتم افتتاح مصنع لشركة بلوبيرد آيرو سيستمز “BlueBird Aero Systems” الإسرائيلية على الأراضي المغربية، وهي شركة تابعة لشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية.
وتأتي هذه الخطوة في إطار تعاونٍ عسكريٍّ متنامٍ بين الطرفين، حيث سبق للمغرب أن اقتنى أنظمة دفاعية إسرائيلية، بما في ذلك طائرات بدون طيار، ونظم مضادة للصواريخ.
ووفقًا لموقع “Zona-Militar” الإبيري المتخصص، نقلًا عن رونين نادير، الرئيس التنفيذي لشركة “BlueBird Aero Systems”، فقد قامت الشركة الإسرائيلية بالفعل “ببناء موقع الإنتاج الخاص بها، والذي سيبدأ عملياته قريبًا”.
هذه الخطوة لا تشكل سابقة، إذ يعد المغرب بالفعل زبونًا لشركة “BlueBird Aero Systems”، حيث يملك طائرات بدون طيار من طراز “SpyX”.
ففي عام 2020، طلب المغرب 150 طائرة بدون طيار من طراز “WanderB” و”ThunderB VTOL”، ومن المفترض أن يتم تصنيع جزء منها في المغرب. وفق ما أعلنته في آنه العديد من وسائل الإعلام، من بينها موقع ‘مينا ديفونص” المتخصص في القضايا العسكرية.
وكان المغرب وإسرائيل قد وقعا في فبراير من سنة 2022، اتفاقية بقيمة 500 مليون دولار لتزويد المملكة بنظام الدفاع الجوي المضاد للصواريخ “Barak MX”، المصنّع من قبل شركة “Israel Aerospace Industries IAI”، التي تملك 50 في المائة من أسهم “BlueBird Aero Systems”.
وبعد شهر، وقع وزير الصناعة والتجارة المغربي، رياض مزور، ورئيس مجلس إدارة “IAI”، أمير بيرتس، مذكرة تفاهم في مجال الطيران.
وصرح الوزير مزور، يوم 23 مارس من ذات السنة، بعد الصفقة مع “IAI”، بأن المغرب وإسرائيل يشرعان “اليوم في مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي والاقتصادي”، وفقا لما أوردته المنصة الرسمية لوزارة الصناعة والتجارة المغربية.
وذكرت صحيفة لاتريبون “La Tribune“، الفرنسية، يوم 5 دجنبر 2023، في مقال بعنوان “المغرب يفضل مجموعة إسرائيلية على إيرباص وتالس”، أن الرباط تسعى لإطلاق قمر مراقبة جديد بالتعاون مع نفس الشركة الاسرائيلية.
وذكر تقرير لمجلة “وورلد فييو”، أن المغرب شرع، خلال السنوات الأخيرة، في القيام بخطوات نحو التحول إلى صناعة الأسلحة محليا، تزامنا مع تحديث ترسانته العسكرية، من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا الإسرائيلية في مجال التسلح وصناعة الأسلحة.
وأوضح التقرير أن المغرب يهدف من خلال التحديث العسكري ليس فقط إلى اللحاق بالدول المجاورة، قصد تغيير ميزان القوة، بل التحول إلى بلد مصنع ومصدر للأسلحة، مشيرا إلى أنه “يعتمد على إسرائيل في هذا الجانب”.
عملية تصنيع الأسلحة في المغرب تم التمهيد لها، منذ 2021، تشريعيا من خلال إصدار مرسوم رقم 2.21.405 صادر في 4 ذي الحجة 1442 (15 يوليو 2021)، بتطبيق القانون رقم 10.20 المتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7011، الذي يحدد شروط تصنيع وتجارة واستيراد وتصدير ونقل وعبور المعدات والمعدات العسكرية، كما يضم بنودا لتشجيع الاستثمار في استيراد وتصدير المعدات الأمنية والعسكرية تحت وصاية لجنة وطنية.
واعتبرت دراسة أنجزها الباحثان رشيد الهودايغي، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، والأستاذ في الكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا بالقنيطرة، بمعية عبد الحميد البقالي، وهو باحث في العلاقات الدولية، لصالح مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، (اعتبرت الدراسة) أن الترسانة القانونية التي اعتمدها المغرب “تهدف إلى وضع الأسس المتينة لصناعة دفاعية مغربية مستدامة”.
سطرت الرباط وتل أبيب فصلا دبلوماسيا جديدا في عام 2020، عندما انضم المغرب إلى “اتفاقيات أبراهام” لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي فترة قصيرة، توالت عدة زيارات لوزراء إسرائيليين، بينهم وزيرا الدفاع والخارجية.
كما تم افتتاح “مكاتب اتصال” في الرباط وتل أبيب كخطوة تمهيدية لإقامة سفارتين، وتم إطلاق خط جوي مباشر، ما أدى إلى ارتفاع السياحة من إسرائيل إلى المغرب.
وبعد هجوم حركة “حماس” في عملية “طوفان الأقصى”، على مستوطنات غلاف غزة، في الـ7 من أكتوبر الماضي، كان المغرب من بين الدول التي أدانت العمليات ضد المدنيين، ودعت إلى الحوار دون الإشارة مباشرة إلى إسرائيل أو فلسطين.
وصعدت الدبلوماسية المغربية لهجتها ضد تل أبيب، بسبب القصف الإسرائيلي المستمر ضد السكان المدنيين في غزة، وكان المغرب من الدول التي أرسلت مساعدات براً إلى سكان القطاع، ودعت إلى “حل الدولتين”.
وخلال مشاركتها ممثلة بسفيرها بلاهاي، محمد البصري، في جلسات الاستماع التي عقدتها “محكمة العدل الدولية” ما بين 19 و29 فبراير الماضي، جددت المملكة عزمها على “العمل بكل الوسائل القانونية، من أجل حماية الوضع القانوني والتاريخي والسياسي والروحي للمدينة المقدسة، والحفاظ على طابعها المتفرد كمدينة للسلام واللقاء بين أتباع جميع الديانات التوحيدية”.
وخلفا لوالده الراحل الحسن الثاني، يترأس الملك محمد السادس لجنة القدس، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا)، والتي تشكلت بتوصية من المؤتمر السادس لوزراء خارجية البلدان الأعضاء في المنظمة.
كما أكدت الرباط على “التزامها الفاعل من أجل احترام القانون الدولي والنهوض بالسلام في الشرق الأوسط، والذي يمر عبر حل عادل وشامل ودائم، قائم على مبدأ الدولتين: دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، في سلام وأمن، طبقا للشرعية الدولية، ولقرارات منظمة الأمم المتحدة، وامتدادا لمبادرة السلام العربية”.
من جهتها، تؤكد جبهة البوليساريو على وجود حرب بينها والمغرب، منذ إعلان المنظمة الصحراوية في الـ13 من نوفمبر 2022؛ تعليق وقف إطلاق النار الذي وقعته مع المغرب سنة 1991، والعودة لـ”الكفاح المسلح”، في ما تسميه “حرب الصحراء الثانية”.
وتعتبر قضية الصحراء واحدة من القضايا التي تقف بين الرباط والجزائر، فمنذ اندلاعها ظلت الجزائر الداعم والممول الرئيس لجبهة البوليساريو.
ولا توجد معلومات دقيقة عن العدد الحالي لقوات البوليساريو، على الرغم من أنها تقدر بين 5000 و7000 مقاتل، موزعين على سبع مناطق عسكرية (زوغ، تفاريتي، ميجيك ، مهيريز، بير لحلو، دوكج وأغوينيت).
وتعتبر هذه الأرقام هزيلة للغاية، مقارنة بحوالي 100 ألف جندي ينشرهم المغرب في الجزء الذي يسيطر عليه من الصحراء، وخاصة في المواقع المنتشرة على طول الجدار الدفاعي العازل؛ والذي يحاول من خلاله صد هجمات جبهة البوليساريو، والذي تنتشر على طوله حقول ألغام تضم بحوالي ثمانية ملايين لغم أرضي، حسب تقديرات غير رسمية.