عماد استيتو
منذ أزيد من أسبوع تصدر النبأ عناوين المواقع والجرائد المغربية، ووصل صداه إلى قبة البرلمان، وتقول الحكاية التي كشفت عنها بداية عدد من عائلات ومعارف المعنيين بالموضوع، إن عشرات الشبان والشابات المغاربة تعرضوا للاحتجاز في مجمعات سكنية مغلقة، على الحدود بين ميانمار وتايلاند، من قبل جماعات مسلحة توظفهم في عمليات نصب، تديرها شبكات منظمة للاحتيال الإلكتروني.
تجمع الروايات المتداولة على أن هؤلاء الشباب، المتطلعين لتحسين وضعهم الاجتماعي، تعرضوا لعمليات استدراج محكمة، حينما تم إيهامهم، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بأنهم يتواصلون مع شركات آسيوية حقيقية، تعمل في مجال التجارة الإلكترونية في الصين، وتقدم عروض عمل برواتب مجزية تسيل اللعاب.
انقلبت حياة هؤلاء الشباب بعد ذلك رأسا على عقب، عندما اكتشفوا أنهم تعرضوا لعملية نصب، من طرف شبكات متخصصة في الاتجار في البشر، تمارس أنشطة محظورة متعددة من بينها الجريمة الإلكترونية، حيث سيتم نقلهم إلى “كامباوندات” تحرسها عناصر مسلحة، تجبرهم تحت تهديد السلاح على العمل لساعات طويلة، قد تصل إلى 17 ساعة في اليوم، مقابل أجور زهيدة وظروف معيشية غير صحية، وفق شهادة إحدى عائلات المحتجزين، والتي كشفت عن تعرض من حاولوا التواصل مع عائلاتهم أو الهرب للتعذيب.
“خيروه بين استقطاب مغاربة آخرين وإغرائهم بعقود عمل، أو دفع فدية مالية تقدر بحوالي 10 ملايين سنتيم، و إلا فسيبقى في خدمتهم”، تقول شقيقة يوسف مزوز ابن أزيلال، أحد ضحايا هذه الشبكات، في تصريحات إعلامية أدلت بها لمنابر إعلامية مختلفة.
أحد الناجين من عملية مماثلة، والذي تفطن في اللحظة الأخيرة، مع مجموعة أخرى من المغاربة، إلى أن الأمر يتعلق بخدعة خبيثة، يروي قصة مثيرة عن نمط اشتغال هذه الشبكات.
“بدأ الأمر بإعلان عمل على منصة الفيسبوك قام بنشره شخص مغربي، من بين الشروط إجادة اللغة الإنجليزية وأن تكون لديك بعض المعارف في معرفة بالمعلوميات، تواصلنا معه وقام بإضافتنا إلى مجموعة خاصة، حيث تواصلنا مع رئيسهم الصيني الذي طلب منا إرسال صورنا وجوازات سفرنا و بياناتنا البنكية، وفي أقل من أسبوع حضّروا لنا تذاكر السفر وحجز الفندق في ماليزيا، التي قالوا لنا إننا سنمكث فيها في انتظار أن تجهز التأشيرة إلى تايلاند، وفي المطار وجدنا شخصا صينيا في انتظارنا، وهو من تكفل بتسريع إجراءات الفيزا، أو هكذا على الأقل كان يبدو لأن الملفات المقدمة تبين أنها مزيفة”، يحكي الشاب في رسالة بعث بها لصانع المحتوى أمين رغيب.
بدأ الشك يتسرب إلى بعض عناصر المجموعة المغربية المستدرجة، وبدأوا يبحثون في الأمر قليلا : “لحسن الحظ كان لأحدنا صديقة انجليزية تواصل معها، وأجرت بحثا معمقا في الموضوع، وتأكدنا أن الأمر يتعلق بحيلة سبق أن تعرضت لها مجموعات أخرى من جنسيات مختلفة، فقررنا أن لا نسافر. وذهبنا إلى المطار وأوهمناهم بأننا سنسافر إلى تايلاند كما اتفقنا معهم، وهناك غيرنا وجهتنا إلى اسطنبول بعد إغلاق هواتفنا، وبعد أن تأكدوا من عدم قدومنا شرعوا في إرسال تهديدات لنا بالانتقام منا”، يتابع الشاب الناجي.
لم يكن ليوسف ابن أزيلال حظ هذه المجموعة، حيث التقى خلال زيارته لتركيا والنمسا، من أجل السياحة، شخصا مجهولا يلقب بـ “الحاج”، وهو من سيقترح عليه السفر إلى تايلاند للعمل بمقابل مادي مهم، وهنا ستبدأ مأساته.
بعد فترة انتظار قصيرة في ماليزيا، في انتظار الفيزا سيسافر يوسف إلى تايلاند، وبمجرد وصوله إلى بانكوك وجد بانتظاره شخصا يحمل صورته. أوهمه الشخص بأنه سيتكلف بنقله برا إلى المكان الذي يوجد به مقر العمل، ليجد نفسه بعد ساعات بجوار أحد الأنهار محاطا بمجموعة من المسلحين، سيخبره متزعمها بأنهم اشتروه من “الحاج”.
سيكون يوسف لاحقا هو مفجر هذه القضية في المغرب، بعد أن تمكن من الولوج إلى حسابه على أنستغرام، ونشر نداء استغاثة يشرح فيه ظروف العيش في هذه المجمعات، وهو ما سيعرضه لاحقا للتعذيب والتنكيل، بحسب عائلته.
وروت شابة مغربية أنها وجدت نفسها في ميانمار بعد سفرها إلى تايلاند عبر ماليزيا، ونقلت إلى منطقة لا تخضع لسيطرة الدولة، بعد أن قدم لها شخص مغربي التقته في تركيا، أين كانت تتابع دراستها عرض عمل براتب كبير، لتجبر على العمل لحوالي 12 ساعة يوميا، حيث كانت مهمتها التحدث عبر الفيديو مع الضحايا المفترضين باستعمال الذكاء الاصطناعي، وإقناعهم بالاستثمار في مشاريع وهمية أو العملات المشفرة.
قضت الشابة التي تجيد الانجليزية ثلاثة أشهر في إحدى هذه المراكز، التي تديرها شبكات إجرامية صينية، قبل أن تفلح جهود عائلتها في إخراجها، بدعم من منظمات إنسانية، استطاعت عبر جهات محلية التفاوض مع الشبكة التي تحتجزها وتمكنت من تحريرها.
مصدر مغربي مستقل، في جنوب شرق آسيا، أخبر “هوامش” أن هذه الشبكات تقوم بنقل المستدرجين إلى مدينة “ماي سوت” الحدودية مع ميانمار، التي تبعد 7 ساعات بالسيارة عن بانكوك، قبل العبور بهم من بحيرة “موي” إلى مكان تواجد المجمعات الكبيرة التي تحميها مجموعات مسلحة.
ويشرح مصدرنا، الذي تحفظ على الكشف عن هويته، أن “المسار معروف، يتم اختيار ماليزيا كمحطة أولى لأنها لا تفرض تأشيرة على المغاربة وعدد من الجنسيات الأخرى، ثم يتم تحضير ملف للحصول على الفيزا من سفارة تايلاند، بمساعدة من الشخص الذي يستقبلهم في ماليزيا، وبعد الحصول عليها، يسافر المعني إلى بانكوك، ومن هناك إلى ماي سوت الحدودية، قبل أن يجد نفسه في مياوادي في ولاية كارين”.
ولم يتسن بالضبط التحقق من عدد المواطنين المغاربة الذين جرى احتجازهم من طرف هذه الشبكات، فإذا كانت المصادر الرسمية تتحدث عن 14 مواطنا مغربيا تقطعت بهم السبل في المناطق الحدودية، بين تايلاند وميانمار، التي تسيطر عليها جماعات عسكرية، دون تقديم توضيحات إضافية، تحدثت عائلة يوسف، نقلا عنه، عن وجود 158 مغربيا في هذه المجمعات دون تحديد مواقعها على وجه الدقة.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن هذه المجمعات تقع في “شوي كوكو” -مدينة جديدة بنتها شركات صينية- ومواقع أخرى في مدينة ميا وادي في ميانمار على الحدود مع تايلاند بما فيها kk zone و بحيرة “موي” ومنطقة “كوكانغ” الخاضعة لإدارة ذاتية.
وأحصى معهد الولايات المتحدة للسلام، التابع للكونجرس، 15 موقعا إجراميا على الأقل في هذه المناطق الحدودية.
وتركز التقارير أكثر على مجمع kk zone أو kk park حيث يوصف بأنه الأكثر وحشية، ويقع في منطقة خاضعة لحكم ميليشيا مسلحة مشكلة من متمردين سابقين، تخلوا عن حمل السلاح ضد الجيش مقابل تمكينهم من السيطرة على أراضيهم. وذكر تحقيق لـ “دويتشه فيله” أن هؤلاء المسلحين موجودون بالمجمع لكن من يديرون العملية هم صينيون.
ويقدر عدد المحتجزين فيه بالآلاف، بحسب منظمة “GAZO” التي تشتغل على الكشف عن ملفات الاحتيال ودعم الضحايا.
تتطابق شهادة عائلة يوسف والمجموعة المغربية الناجية، حول طريقة الاستدراج ومسار الرحلة والأفعال، مع شهادات مواطنين من دول أخرى، كانوا ضحية لهذا النمط الإجرامي الحديث نسبيا، والذي بدأ بالبروز نهاية سنة 2020، بحسب ما وثقته المنظمة الدولية للهجرة بعد الأزمة الصحية العالمية كوفيد-19، وبدأ بالانتعاش بشكل لافت عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية في ميانمار، في فبراير سنة 2021، حيث سمح ذلك لهذه الشبكات الإجرامية بتوسيع نشاطها في المناطق التي تشهد حضورا ضعيفا لقوى إنفاذ القانون، وفي مقدمتها المناطق الحدودية بين تايلاند وميانمار.
وبحسب المعطيات التي توصلت بها “هوامش” فإن تجنيد واستقطاب مغاربة من طرف هذه الشبكات الإجرامية، التي حولت نشاطها من الأنشطة التقليدية (الكازينوهات الرقمية، الاتجار في المخدرات)، إلى مجال الاحتيال السيبراني لم يبدأ إلا سنة 2023.
وقدرت تقارير أممية رسمية، استنادا إلى مصادر موثوقة، أن ما لا يقل عن 120 ألف شخص في جميع أنحاء ميانمار، يوجدون في وضعية احتجاز، ويتم إرغامهم على القيام بعمليات احتيال على الانترنت.
واعتبر معهد الولايات المتحدة للسلام، في ورقة بحثية صادرة سنة 2022، أن العائدات من الجريمة المنظمة، عبر رشوة حرس الحدود، أصبحت ركيزة أساسية في استراتيجية الجيش في ميانمار للبقاء. ولا يتوقع المعهد أن ينخفض نشاط الجريمة المنظمة في ميانمار في ظل النظام الحالي.
أحمد (اسم مستعار) وهو اندونيسي الجنسية، روى لفرع المنظمة الدولية للهجرة في بانكوك، التي وثقت شهادته، أنه تلقى عرض عمل مشجع براتب 850 دولار شهريا عن طريق شخص يعرفه في تايلاند، وقرر انتهاز الفرصة قبل أن تصبح الأمور سوداوية: “بعد الوصول إلى بانكوك، تم اقتيادي بالسيارة إلى شمال تايلاند، وبعد رحلة طويلة وجدت نفسي أمام رجال مسلحين بالقرب من نهر، أدركت أن الأمور على وشك أن تكون قاتمة، كنت مذعورا ومرتبكا، بعد عبور النهر رأيت علم دولة أخرى، لم يكن بالتأكيد علم تايلاند، حينها فهمت أنني في ميانمار”.
عمل أحمد بشكل قسري، على امتداد أشهر طويلة، لحوالي 19 ساعة يوميا، مقابل 50 دولارا شهريا فقط، كانت مهمته الاحتيال على الناس من خلال حساب تويتر مزيف، إذ كان يقدم نفسه على أنه امرأة جذابة ، وكانت مهمته جمع أرقام واتساب تعود لعدد من الأشخاص، وتسليمها لأشخاص آخرين يتكلفون بالجزء الآخر من عمليات الاحتيال المعقدة هاته.
ووفق إفادات متكررة ، تتوزع فرق الاحتيال الإلكتروني هاته على ثلاثة أو أربعة مجموعات. ويتم استعمال العديد من المنصات الرقمية لخداع الناس بعروض توظيف وهمية وكاذبة، لتشغيلهم لاحقا في عمليات الاحتيال، هذه المنصات والتطبيقات المستعملة للاستقطاب يعاد استعمالها لاحقا في عمليات النصب على الأشخاص عبر العالم، ومن بينها “فيسبوك” و”إنستغرام” و “تيكتوك” و “واتساب” و”تويتر” و “لينكد إن” وعدد من تطبيقات المواعدة، قبل توجيه ضحايا هذه العمليات إلى مواقع للعملات الرقمية، بحيث يعمد المحتالون إلى إقناع ضحاياهم بأن هذه التطبيقات موثوقة لأنهم يمكنهم تحميلها على متاجر آبل أو غوغل.
وبحسب إفادات ناجين فإن الذين يفشلون في تحقيق الأهداف الشهرية، التي تبلغ حوالي 15 ألف دولار شهريا، من المداخيل التي تحددها هذه الشبكات، يتعرضون لأشكال مختلفة من العقاب: الصعق الكهربائي، تمارين رياضية قاسية، التعريض لأشعة الشمس.
سينتا (اسم مستعار) ناجية إندونيسية أخرى تقول إن المشرفين على العمليات كانوا يقلصون راتبها إذا فشلت في تحقيق الأهداف. “لأعود إلى بلدي قالوا لي إن علي دفع الدين الذي علي وهو 13400 دولار، أو سيتم بيعي لشبكة أخرى تتاجر في الأعضاء البشرية”.
لحسن حظ سينتا وأحمد سينتهي الجحيم الذي كابداه، حينما سيقوم أحد المحتجزين الإندونيسيين بتصوير فيديو خفية عن أوضاعهم، انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، ما دفع السلطات الإندونيسية إلى التدخل والضغط من أجل تحريرهم.
وأحصت المنظمة الدولية للهجرة حوالي 230 شخصا من 19 جنسية مختلفة استقبلهم فرعها في تايلاند، ما بين يناير 2022 ويونيو 2023، قالوا إنهم كانوا ضحايا لشبكات أجبرتهم على العمل في الجريمة الإلكترونية، وتم تحديد 86 بالمئة منهم على أنهم ضحايا للاتجار في البشر.
وقدرت أرقام صادرة عن منظمات غير حكومية أن المجندين لخدمة شبكات الاحتيال الرقمي، الذين يتواجدون داخل مجمعات شديدة الحراسة، ينتمون إلى 40 جنسية مختلفة.
وبحسب تقرير أممي، صدر السنة الماضية، فإن المجندين معظمهم من الرجال، وينتمون لأنحاء متفرقة من العالم، حيث نجد من بينهم آسيويين من بلدان مجاورة، أو من غرب إفريقيا، أو حتى من البرازيل وتركيا. وأشار إلى أن شبكات الجريمة المنظمة أصبحت تستهدف أفرادا من بروفايل مغاير تماما لما كان عليه الحال سابقا: مستوى تعليمي عال، حاصلون على شواهد علمية، ينتمون إلى وسط مهني ولهم وظائف، يتحدثون لغات متعددة.
وحكى بعض الذين غادروا هذه المجمعات لمنظمات غير حكومية أن بناية واحدة فقط داخل هذه المجمعات يمكنها استيعاب أزيد من مئة شخص، وتضم كل بناية حوالي عشرة طوابق، وقد يصل عدد المكاتب في كل طابق إلى أربعة، ويحتضن كل مكتب ما بين 30 و 60 شخصا.
ذكر تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في غشت من السنة الفارطة، حول الاحتيال الإلكتروني والإجبار على الجريمة في دول جنوب شرق آسيا، أن مئات الآلاف من الأشخاص، في المنطقة وخارجها، شاركوا بشكل قسري في جرائم عبر الإنترنت، وأن الدول في المنطقة تحاول تحديد الإجراءات والسياسات المناسبة لمواجهة هذه الظاهرة، بينما ترد الجهات الإجرامية عبر إيجاد وسائل لنقل وتغيير مكان عملياتها، من خلال بناء مراكز جديدة.
ويتابع التقرير: ” العديد من هاته المراكز، التي يرغم فيها الأشخاص على ممارسة نشاطات إجرامية، تتموقع في مناطق تكون فيها الحكامة وسيادة القانون ضعيفين، والسلطة متنازعا عليها، حيث وفر الانقلاب العسكري والصراعات المسلحة العنيفة في ميانمار بيئة خصبة لنمو هذه الأنشطة الإجرامية، إذ تمكنت هذه الجهات الإجرامية من توسيع نطاق عملها عبر الاشتغال مع فصائل ومجموعات داخل القوات المسلحة، أو مختلف الميليشيات المنتشرة هناك” .
في شتنبر من سنة 2022، حذرت منظمة HRC، التي تشتغل على محاربة كافة أشكال العبودية، من أن يصبح “الاستعباد السيبراني” أخطر أشكال العبودية في العصر الحديث.
وقالت المنظمة غير الحكومية البريطانية، في تقرير لها، إن عددا من الضحايا الناجين أخبروها أنهم واجهوا تقييدا لحركتهم، واعتداءات جسدية وجنسية، أو تعرضوا للبيع لمشغل آخر، فضلا عن مصادرة هوياتهم وسوء الوضع المعيشي (الوصول إلى الطعام والماء والرعاية الصحية محدود).
ويعد الاحتيال تجارة مربحة في العالم، وفي جنوب شرق آسيا على وجه الخصوص، حيث تشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن عاملا واحدا فقط يمكن أن يحقق للشبكات التي تشغله ما بين 300 و 400 دولارا يوميا.
“الذين كانوا يشغلوننا كانون يجنون حوالي 300 ألف دولار يوميا”، يؤكد مواطن تايلاندي استطاع الإفلات من واحدة من هذه المجمعات لقناة “الجزيرة الانجليزية”.
وتشن قوى إنفاذ القانون في عدد من البلدان الآسيوية حملات ضد هذه الشبكات الإجرامية المنظمة، ووفقا لأحدث البيانات، الصادرة عن وزارة الأمن العام في الصين، فإن السلطات حلت بين يناير ونونبر من سنة 2023 حوالي 391 ألف قضية متعلقة بالاحتيال الإلكتروني، وعلى شبكات التواصل، واعتقلت 79 ألف مشتبه به، من بينهم 263 من الأعضاء الأساسيين للمجموعات التي لديها شبكات موزعة في دول آسيوية أخرى. كما اعتقل حوالي 1350 شخصا في عملية مشتركة بين الصين وتايلاند وميانمار في غشت من السنة الماضية.
لكن هذه الحملات، وعلى رأسها الحملات التي قامت بها الصين، وإن أجبرت شبكات الجريمة المنظمة على إغلاق عدد من هذه المجمعات، خصوصا على حدودها، فإنها تبقى غير كافية لإيقاف نشاط هذه الشبكات، التي لا تزال تتصرف بحرية، في عدد من المناطق الواقعة تحت سيطرة مجموعات مسلحة، على الحدود بين تايلاند وميانمار، وأبرزها ميليشيات “كارين” العرقية، التي تقوم بتزويد هذه المجمعات بالكهرباء والانترنت من تايلاند.
“من المثير للفضول، أن سلطات إنفاذ القانون، في الصين وتايلاند، لا تبدو راغبة أو قادرة على مواجهة هذه العمليات، التي تحميها جماعات كارين المسلحة بوضوح وتحد”، نقرأ في تقرير آخر نشره معهد الولايات المتحدة للسلام.
بعد وصول القضية إلى البرلمان، وتوجيه استفسارات وأسئلة كتابية للحكومة المغربية عن مصير المغاربة الذين وقعوا ضحية شبكات الجريمة المنظمة، في جنوب شرق آسيا، كسرت وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج صمتها أخيرا، بإصدارها بيانا حول الموضوع مساء الأربعاء.
وقالت الخارجية إن سفارتها في بانكوك تتابع هذه القضية عن كثب، وأنها “قامت بالاتصال مع السلطات المعنية في تايلاند وميانمار التي عبئت أجهزتها من أجل إطلاق سراح المغاربة المحتجزين في ميانمار. لكن هذه السلطات تواجه مشاكل على الأرض، نتيجة لتواجد الشركات في مناطق يسيطر عليها متمردون مسلحون”.
وأشارت الخارجية إلى أنها استقبلت العائلات، بمقر وزارة الخارجية بالرباط، للوقوف على أوضاع المواطنين المغاربة هناك، مضيفة أن المجموعة الأفريقية في بانكوك وممثلي المنظمات الدولية، بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة، سيعقدون “اجتماعا تنسيقيا لوضع مقاربة منسجمة لدعوة الحكومة التايلاندية إلى التحرك في هذا الاتجاه، وتسهيل إطلاق سراح المواطنين الأفارقة ضحايا شبكات الاتجار في البشر في ميانمار”.
كما ذكرت الوزارة أن “عددا من المواطنين المغاربة وافقوا على العمل في هذه الشركات مقابل أجر مغر ولا يعتبرون أنفسهم ضحايا للاتجار بالبشر. وتمكن آخرون من مغادرة مراكز الاحتجاز بعد دفعهم للفدية. وتم الإبلاغ عن حالات سوء المعاملة وكذلك التهديدات بالقتل”.
وترك البيان الرسمي عدة أسئلة عالقة، ليس أقلها الأسس أو المعلومات التي جعلت الخارجية تميز بين من صنفتهم كمن يعملون اختياريا، والذين كانوا مضطرين أو محتجزين.
وسبق لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن نبهت إلى أن السلطات في عدد من الدول تفسر توفر عدد من المشغلين على عقود مكتوبة، أو تلقيهم مقابلا ماديا، بأنه دليل على أنهم ليسوا ضحايا للاتجار في البشر، بل مهاجرين من أجل العمل.
وتدعو المفوضية إلى التعامل مع الأشخاص الذين تم إرغامهم على أنشطة إجرامية قسريا، كضحايا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتقول في تقرير إن الأشخاص الذين أجبروا على الجريمة السيبرانية يواجهون تهديدات لحقهم في الحياة، والحرية، والأمن الشخصي؛ وهم كذلك عرضة للتعذيب والتعامل القاسي، وغير الإنساني، والعقاب، والاحتجاز القسري، والعنف الجنسي.
وتحيل المنظمة الأممية على بروتوكول منع وقمع والمعاقبة على الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية، الذي يؤكد بشكل واضح أنه لا يمكن لشخص أن يوقع عقدا لارتكاب جريمة، وأن هذه الموافقة لا يمكن أن تكون محل اعتبار.
وجاء في الفقرة (أ) من المادة الثالثة من البروتوكول : “يقصد بتعبير ‘الاتجار بالأشخاص’ تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.
وترى منظمة HRC غير الحكومية أنه يتعين على سفارات الدول، التي يوجد مواطنوها في هذه المجمعات، أن تضطلع بدور أهم من خلال تقديم طلبات معززة بأسماء وأماكن تواجدهم إلى السلطات المعنية في هذه البلدان، لأنه السبيل الأكثر نجاعة لتحريرهم.
في سياق متصل، لم تصدر أي تصريحات رسمية أو توضيحات عن التدابير والإجراءات التي قد تتخذها الحكومة لمواجهة هذا النشاط الإجرامي المتنامي، وإذا ما كانت الجهات المختصة قد فتحت تحقيقات رسمية في الموضوع، خصوصا أن هذه الشبكات توظف وسطاء مغاربة التقاهم بعض الضحايا.