“هوامش”/ باترثيا سيمون: ترجمة هوامش- بتصرف
“قبل أيام فقط، كانت حياتي كلها تتمحور حول الحصول على أفضل معدل حتى أتمكن من دراسة الطب؛ الآن انتهى كل شيء… أنا غير قادرة على تخيل نفسي في المستقبل، وخاصة أن أصبح طبيبةً”، بهذه الكلمات تصف سلمى التي تبلغ من العمر 16 عامًا، حياتها بعد الزلزال.
تتحدث الفتاة أمام منزلها الذي تحول إلى أنقاض. وعلى مقربة من مائة شخص يعيشون في بستان أشجار مثمرة، أصبح السجاد هو الأرضية الوحيدة لهم، والستائر والأغطية سقفهم الجديد.
بجوار أفضل صديقة لها، زينب، تجلس سلمى على قارورة الغاز، وتشرح قائلةً “لدي شعور بأنني أحلم. ما زلنا في حالة صدمة، الأمر لايصدق”.
تقول الفتاتان أنهما تحاولان كل ليلة الدردشة حتى وقت متأخر ليضحكن كثيرًا قبل النوم. “قد يبدو الأمر غريبًا ولكنه مؤلم للغاية. “لقد مات أطفال وبالغون من جيراننا. لقد رحلوا ونريد أن ننسى ذلك”، تترجم سلمى لزينب لذلك فهي تتقاسم معها نفس الأفكار.
يتشكل عالم جديد حول الفتيات، وهو عالم غريب، مليء بالتضامن والعنف، فبعد أربعة أيام من وقوع الزلزال، تسير أمامهم قافلة إنسانية من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ عشرات سيارات الإسعاف، ورجال الإطفاء، والمنقذين مع الكلاب في سيارات فاخرة، جميعها جديدة بدون خدش أحضرت على متن الطائرات “هرقل” العملاقة.
أما الطرق فقد أصبحت عبارة عن نهر من السيارات والشاحنات الصغيرة، التي يقودها مغاربة هبوا لمساعدة إخوانهم بما يملكون، بينما يواصل المغرب رفضه تلقي المواد الإنسانية من دول مثل فرنسا والجزائر.
وتشكل الأزمات الإنسانية أيضًا لوحة جيوسياسية يواصل فيها زعماء الدول إظهار قوتهم على حساب معاناة شعوبهم، وهي أيضًا مساحة يستخدمها الحلفاء لإظهار قواهم أيضًا.
قرب الأنقاض، يعيش الناجون بفضل مياه “السقايات” العمومية، التي يجري من بعضها ماء ملوث تسرب من قنوات محطمة، وأيضا بفضل جهودهم للحفاظ على كرامتهم ، تقول زينب، “نحن بحاجة إلى أغطية بلاستيكية، إذا هطل المطر سوف يتلف كل ما تبقى لدينا”.
كلام الصبيتينِ هو طريقة التعبير العقلانية الوحيدة، وسط هذا الكم الكثير من الكلام العقيم؛ فعندما ينهار كل شيء، تبقى قدرة المرأة على الحفاظ على الحياة بأيديها ورهينة بسخائها.
يتم غسل الملابس يدويًا، ويجري تعليقها على حبال مشدودة على الخيام لتجف، فيما يتم تخزين المواد الغذائية والأطباق في أوعية بلاستيكية لحمايتها من الحشرات والغبار. في هذه السياقات التي تفتقر إلى الماء والحمامات والكهرباء، يصبح الحفاظ على الصحة أمرًا صعبًا، ولا يمكن تقدير الجهد المطلوب بسهولة، حيث يعتمد كل شيء على موارد محدودة في ظروف صعبة.
“عندما وقع الزلزال، تمكنت من الزحف خارج المنزل، كانت ساقاي ترتجفان، ولم أتمكن من الوقوف، مات أحد قططي، ونجت “ماشا” مع جراءها الخمسة، الأمر لا يصدق”، تحكي زينب هول ما عاشته.
كان والدها يعمل حارسا أمنيا بسد واد “نفيس” الذي تحول قبل سنوات إلى منطقة جذب سياحي، مثل بحيرة “ويركان”؛ نظرا لجمال مناظرها الطبيعية. أما هذه الأيام فهي بالكاد تراه، لأنه كرس نفسه لإنقاذ جيرانه الذين تهدمت منازلهم.
منزل أحد جيرانهم، لم يبق منه سوى جدار واحد؛ ولكي نفهم حجم تبعات الزلزال، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هناك عشرات القرى لم تعد صالحةً للسكن؛ وهذا ليس مجرد منزل واحد أو منزلين، بل عشرات الآلاف، وبينما يتضاءل الأمل، يعزي الناجون أنفسهم بالاستسلام لقدر الله.
عند التقاط صورة لهما، تطلب سلمى وزينب وشاحين من النساء الأكبر سناً، واللواتي يراقبنهن بفضول من خيمتهن.
يضحكن لهن، ويقبلنهن ويعتنين بهن؛ “الآن نحن جميعا عائلة واحدة كبيرة، نتشارك كل شيء، إنه أمر مختلف، نشعر أننا سنتشارك كل ما سنحصل عليه”، تشرح الفتاتان بجهد، محاولاتٍ إيجاد الكلمات لشيء لم يشهدنه من قبل.
وعلى بعد بضعة خيام، تحتضن فوزية صغيرها، وهي أم تبلغ من العمر 26 عامًا، ومهمتها الوحيدة هي وزوجها على مدار اليوم هي رعاية ابنهما.
تتقاسم فوزية وزوجها الخيمة مع أهل زوجها، وعندما لا تكون منشغلة بإرضاع الصبي، تقضي وقتها في البحث عن الخضروات وبعض اللحوم والمياه المعبأة لإعداد الطعام.
وتسأل فوزية إذا كانت المساعدات الإنسانية ستجلب أغذية الأطفال، وفي تلك اللحظة، لا يستطيع رجال الإنقاذ القادمين من دبي، بسيارات الإطفاء الحاملة لترقيم الإمارات العربية المتحدة، وسيارات شيفروليه تاهو من أبو ظبي أن يقدموا لها الكثير.
“كل شيء هنا للدعاية؛ هذه الخيام البلاستيكية الموضوعة بجانب الطريق هي دعاية للصحفيين ليسجلوها، لالتقاط الصور عندما يمر الملك في السيارة، ليبدو وكأنهم يفعلون شيئا ما”، يقول عبد الكريم، وهو يشير إلى البلاستيك الأزرق في آسني، القرية التي قام فيها الجيش المغربي بإنشاء مستشفى ميداني عسكري.
“كيف نستطيع العيش هنا مع عائلة اخرى، أنا وزوجتي وأطفالي الثلاثة؟” يضيف عبد الكريم، وهو يشير إلى الخيام الزرقاء والصفراء التي أصبحت مأوى للنازحين.
كان هذا الرجل يعمل طباخا للمجموعات السياحية، “هل سأقضي 35 عامًا أخرى في العمل لبناء منزلي؟ لا يمكننا البدء من جديد. لا يوجد مستقبل هنا، علينا أن نذهب إلى مدينة أخرى أو إلى بلد آخر”، يقول بيأس بينما تستمع عائلته باهتمام، وجميعهم يجلسون داخل البلاستيك.
لحظتها تدخلت والدته، التي كانت تلزم الصمت، وهي امرأة مسنة لا تستطيع الحركة، “لن أذهب إلى أي مكان”.
شاع بين الناس حينها أن الملك محمد السادس سيزور مراكش، وذلك ليس من خلال بيان رسمي، بل لأنه تمت ملاحظة العمال وهم يقومون بتنظيف وطلاء الشوارع الرئيسية للمدينة، وأمام المستشفى حيث تم إدخال بعض المصابين، بدأت النساء بالتجمع، في انتظار شيء ما.
وبعد ساعات، ظهر الملك علنا لأول مرة بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال، وتم تصويره وهو يقبل بعض الناجين.
“لا أحد يهتم بنا، لقد نصبوا هذه الخيام القليلة للقيام بالبروباغاندا فقط”، يختتم عبد الكريم، بينما يراقب أطفاله بذهول ترف قافلة سيارات الخليج.