الرئيسية

المهاجرات الأفريقيات بالمغرب:  ضحايا انكسار الحلم وتبدد الآمال

 ''بلقيس'' و''كرستين'' و"إميلي" كلهن مهاجرات إفريقيات جنوب الصحراء، حملن معهن حلم العبور إلى الفردوس الأوروبي، لكنهن وجدن أنفسهن عالقات بالمغرب. بعد رحلة شاقة من بلدهم الأم، انكسر الحلم وتبددت الآمال في تحسين ظروف عيشهن. انقلبت حياتهن رأسا على عقب مع قصص التمييز والعنف والاغتصاب ومختلف أشكال العبودية. لكن بصيص الأمل الذي تحمله  قصة ''أديل'' و"جيرمين'' يعتبر نقطة ضوء صغيرة في عالم الهجرة غير النظامية المليء بالتعقيد. 

حسناء عتيب

في واقع تقل فيه المعلومات الدقيقة عن إحصائيات  عدد المهاجرات غير النظاميات بالمغرب، تشير بعض الأرقام إلى وجود ما يقارب 90 ألفا من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، تشكل النساء 40.7٪ منهم، يتمركزون بالأساس في مدن الشمال (طنجة ،الحسيمة، تطوان، والناظور)، بالإضافة إلى مدن الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش. “حوالي ثلاثة مهاجرين من كل خمسة هم رجال (59.3٪)، وتصل أعلى مستوى لها بين المهاجرين المنحدرين من جمهورية الكونغو الديمقراطية بنسبة 53.8٪، ومن كوت ديفوار بنسبة (53.6٪)، وأدنى مستوى لها لدى المهاجرين المنحدرين من غينيا (27.6 ٪) ومن مالي (29.9٪) وأفريقيا الوسطى (32.8٪). أما بالبلدان الأخرى فتوجد في وضعية وسيطة” يؤكد تقرير المندوبية السامية للتخطيط في دراسة أجراها خلال سنة 2021.

“كريستين”… ضحية للاغتصاب

بصوت منكسر، وعينين لا تقويان على النظر بثبات، تحدثت إلينا “كريستين” بصوتها الممزوج بالدموع، مؤكدة أن الحصول على عمل بالمغرب هو الأمر الذي أضحى مستحيلا، خصوصا وأنها تعيش بصفة غير قانونية، الأمر الذي أرغمها على اقتحام مجال غير منتظم. حينما فكرت في الاشتغال كخادمة في البيوت، تعرضت للعنف الجسدي والنفسي، وحتى الجنسي، من طرف مالك المنزل الذي ألقى بها في الشارع نهاية الشهر دون أن يدفع لها مستحقاتها المالية بحجة أنها “فاشلة”.

“كريستين” قالت لنا، كان لزاما من العيش تحت وطأة قصة لا يمكن وصفها إلا “بالدرامية” أثناء توجهها للمغرب، لأنها وجدت نفسها مجبرة على تقديم مبلغ مالي مهم، لطالما استثمرت فيه جهدها الفكري والجسدي لتحصيله، كما أنها أجبرت على الاستجابة لرغبات جنسية وصفتها بالشاذة لمرافقيها في رحلتها نحو المغرب، لتجد نفسها في النهاية وقد ضلت الطريق، بعدما تخلى عنها مرافقها قبل الوصول إلى المغرب.

تضيف “كريستين” إن المآسي الإنسانية المتعددة التي تشمل الفقر والتهميش وانعدام فرص العمل، هي التي اضطرتها لمغادرة بلدها الأصلي، غير أن العيش بالمغرب لم يكن بالأمر الهين كما تخيلته. “في البداية اعتقدت أن الهجرة هي الحل الوحيد الذي بوسعه أن يخلصني من  القدر المرير، غير أن الهروب جعلني ضحية للاغتصاب والاستغلال الجنسي بالمغرب”، تقول “كريستين”.

حسب  تقرير  للمندوبية السامية للتخطيط (رسمية)، صدر السنة الماضية (2021)، تعرض ما يقارب نصف المهاجرين (44.5٪) لصعوبات واجهتهم خلال طريق هجرتهم. وأضاف التقرير أن 13.7٪  منهم تعرضوا للعنف الجسدي والنفسي و7 ٪  تعرضن  للتحرش الجنسي أو الاغتصاب. 

بلقيس ومستحضرات التجميل المهربة

Hawamich

تجلس “بلقيس” ذات الـ 25 ربيعا، قرب محطة الطاكسيات  بباب شالة بالعاصمة الرباط، بعدما وصلت إلى المغرب  قادمة من الكوت ديفوار عن طريق سماسرة التهريب. انتهت رحلتها هنا بالمغرب، ولم تتمكن من المغادرة  لتحقيق حلم الوصول إلى الفردوس الأوروبي.

“بلقيس” اليوم، هي من المهاجرات المستقرات بالعاصمة الرباط. من أجل إعالة ابنها، الذي أنجبته بعد حكاية عشق، لم يتبقى منها سوى هذا الطفل كذكرى، تستثمر في مستحضرات التجميل المهربة عن طريق الحدود الموريتانية إلى المغرب، لكنها تعتمد أكثر على إعداد تسريحة” الرّاسطا” كوسيلة أخرى لكسب العيش، لكونها تسريحة الشعر الأكثر شهرة في بلدها. 

إميلي..  عاملوني كالعبيد 

Hawamich

غير بعيد عن “بلقيس” التي كانت تدندنُ لازمة أغنية تقول إنها مشهورة في السينغال، تقف إميلي (29عاما) تحمل طفلها على ظهرها وتستعد لوضع بعض الألبسة النسائية وبعض ديكورات تزيين المنازل على الأرض، قالت إنها صنعت في جنوب الصحراء وجلبها تجار مهاجرون.

حسب جمعية ائتلاف الجاليات الجنوب صحراوية بالمغرب فإن أغلب المهاجرين يعملون في القطاع  غير المهيكل دون عقود وضمان اجتماعي. غير أن أزمة انتشار كوفيد 19 خلال السنوات الأخير عمق حجم معاناة معظمهم، خاصة بعد تعقيد إجراءات السفر ومراقبة الحدود وفرض الحجر الصحي سنة 2020، الذي تبددت معه أمال العبور إلى أوروبا، غير أنه من جانب أخر يفضل أكثر من 53 في المائة من المهاجرين الأفارقة يعتبرون المغرب وجهتهم الأخيرة  وفقا لدراسة أجرتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2021. 

IOM

تقول إميلي لمنصة “هوامش”، إنها من الكونغو واستقرت رفقة أصدقائها في غرفة بالمدينة العتيقة استأجرتها بحوالي (700درهم) شهريا، بعد وصولها إلى المغرب رفقة زوجها الذي توفي الصيف الماضي في معبر جبل طارق في محاولة منه تحقيق حلمه بالعبور إلى أوروبا .

حركت رأسها بألم وهي تسترجع حكاية زوجها الذي كان يعيل أسرتها في شمال الكونغو ويوفر قوت يومه. أما اليوم فهي تشتغل في بيع الأثواب ذات الألوان المزركشة وبيع بعض ديكورات تزيين المنازل. تسرد حكاية عملها في الرباط عندما كانت خادمة بيوت لعدة شهور، “تعرضتُ من خلالها لأبشع أنواع الاستغلال”، تقول “إميلي” بصوت مبحوح لمنصة “هوامش” أن “معظم الأسر التي اشتغلت لديهم كخادمة يعاملونها كعبيد، وتؤكد على أن كلهم كانوا لا يدفعون لها أجرتها الشهرية ويهددون بإبلاغ السلطات عنها لكونها مهاجرة غير شرعية.

فاني وجيرمين .. بصيص أمل

غير بعيد عن باب شالة وبالضبط داخل المركز التجاري” تخفيض رضا” تقول فاني أديل ، في حديثها لـ”منصة هوامش”: “حين جئت للمغرب سنة 2008 كمهاجرة غير نظامية قادمة من السنغال، لم ألجأ إلى التسول للحصول على لقمة عيش، بل بذلت كل ما في وسعي لأشتغل كعاملة في البيوت”.

وأضافت فاني أنها التحقت بإحدى الأسر بمدينة الرباط لتسهر على الاعتناء بأطفالهم، فضلا عن القيام بأشغال البيت من طبخ ونظافة، مشيرةً إلى أن هذه التجربة سنحت لها في تعلم اللغة العامية المغربية. مكنها بعد ذلك من كراء محل تبيع فيه الشعر المستعار وبعض الكريمات  التجميلية. 

“جيرمين” أم لطفلين تنحدر أصولها من “مالي” متزوجة من “ايفواري”، سبق و التقى بها في المغرب منذ أزيد  من خمس سنوات قبل أن يقررا الاستقرار في مدينة سلا، رغم صعوبة حصولهما على إقامة قانونية.

تحكي جيرمين، التي تشتغل في شركة للتأمين أنها وزوجها وجدا الطريق سهلا للاندماج بسرعة في المجتمع من خلال إيجاد سكن لائق بمدينة سلا، زوجها يعمل بإحدى مراكز الاتصال، وأبناؤها مسجلون في مدرسة خاصة  بوسط المدينة. تروي “جيريمين” أنها سعيدة بالعيش في المغرب لذا فهي تزور عائلتها في مالي مرة كل ثلاث سنوات.

تسوية مجزوءة وتحديات

لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، كانت الحكومة المغربية قد أنجزت استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، سعت في المرحلتين الأولى سنة (2014) والثانية سنة (2016)، إلى تسوية وضعية ما يناهز 50 ألف مهاجر أفريقي  غير نظامي من خلال منحهم بطائق الإقامة. غير أن الحكومة المغربية وجدت نفسها محاطة بتحديات هائلة جراء تدفق المهاجرين الأفارقة نحوه، فالضرورة القانونية وحقوق الإنسان والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب وموارد البلاد المتواضعة، كلها أمور تضعها أمام خيارات صعبة، لانتزاع مكاسب اقتصادية إضافية من شركائه الأوروبيين التي وصلت 30 مليون أورو سنة 2018، أو كورقة ضغط قد توظف سياسيا في التعاطي مع عدة ملفات لعل أبرزها قضية الصحراء الغربية التي تراوح مكانها منذ عقود دون حل منظور في الأفق.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram