الرئيسية

تحقيق| نبتة العذاب والعذوبة ..”هوامش” تقتحم العالم السري لمزارعي الحشيش بالمغرب

منطقة جبال الريف، الواقعة شمال المغرب، هي المنطقة التاريخية لكبار منتجي الحشيش في البلاد؛ لكنها من بين المناطق الأكثر هشاشة وتهميشاً. وقد عرفت خلال السنوات احتجاجات واسعة ضد عدم المساواة الاقتصادية التي يعاني منها السكان؛ ولكن هل يمكن أن يساعد "تقنين زراعة الكيف" في المنطقة على خروج المزارعين الصغار من الفقر المدقع الذي يعيشون في براثنه؟ هو سؤال حملناه معنا ونحن نتجه شمالًا، إلى حيث مزارع "الكيف" التي تنبت فيها واحدة من أشهر مخدرات العالم، والتي تتعدد مسمياتها كثيرًا : "النبتة الشيطانية"، "النبتة الملعونة" في أعين البعض، وحتى "المباركة" في نظر آخرين، لتبقى في المحصلة النبتة التي زاوجت العذاب والعُذوبة وهي تخاصر جبال الريف، بنضارةٍ خضراء فاقعٌ لونها.

هوامش: باب برد/ شفشاون- سعيد المرابط 

الطريق إلى منطقة الخوف 

كان الجو حارًا، ورائحة الحشيش المنبعثة من نباته الذي وصل أوان القطف؛ تصيب بالدوار، ونحن نقف بين آلاف النباتات النفيسة مع أحد الفلاحين شعرنا وكأننا نحصي ملايين الدراهم، لكن المشهد في الحقيقة يخفي وراءه قصص بؤس الفلاحين الصغار. هنا الخوف يتمكن من الجميع، وقد وصل إلى ما وراء الجلد، فهم يخشون من الحديث للصحافة، فلذلك تبعات يصبح من خلالها الفلاح مبحوثا عنه بسبب “بْلانات” -كما تسمى بالدارجة- (المساطر المرجعية، وفق اللغة القانونية)، وتلك واحدة من “أوجه التعسف من قبل الضابطة القضائية” حسب تعبير حقوقيين لـ “هوامش” .

أحمد، ذو العشرين ربيعًا، شاب يعمل في حقول عائلته، حقول شاسعة استقبلنا بها، شريطة عدم تصوير الملامح وجغرافيا المكان التي قد تقود إليهم. في حديثه لـ”هوامش”، كشف أحمد الريفي أن “معظم سكان المنطقة يعيشون على مدار السنة من عائدات الأموال التي يكسبونها من بيع الحشيش”. ويقول إنه يجني أحياناً؛ في فصل الصيف مثلا؛ وقبل الجائحة، “ما يصل إلى 10 ألاف درهم من بيع الحشيش للزبناء المنتظمين والسياح”. في منطقة ”باب برد” المنتمية لجهة طنجة تطوان الحسيمة وهي من أشهر المناطق لزراعة الحشيش بالمغرب، يعيش هذا الشاب إلى جانب خمسين عائلة أخرى من عائدات القنب الهندي. في أحسن الحالات يجني أحمد 2500 غراماً يبيع الغرام الواحد منه بـ 4 دراهم، فيما يصل ثمنه في مدينة أمستردام الهولندية، في “مقاهي الحشيش المرخصة”، إلى ثمانية ونصف يورو (أي حوالي 90 درهم). 

في الوقت الذي تتجه العديد من دول الأوربية إلى الترخيص لبيع الحشيش في المحلات، يخيم الخوف منذ زمن بعيد وطوال فصول السنة على المزارعين الصغار في ”باب برد” الواقعة على جبل “تيزيران”. وتستقبل هذه المنطقة المئات من الفلاحين خلال شهر أبريل كل سنة عندما تنطلق عملية زراعة القنب الهندي. بيد أن  الفلاحين هنا تلاحقهم السلطات ويبقى دخلهم هزيلا جدا مقارنة بالمحاصيل المزروعة والعائدات السنوية المتحصل عليها من الإتجار في الاستعمالات المختلفة لنبتة الحشيش. بحسب تقرير صادر عن المكتب الأمريكي لمكافحة المخدرات والجريمة، فإن نسبة المزارعين المستفيدين من الدخل الجيد لم تتجاوز 1 بالمئة، ويبلغ دخل المزارع الواحد خلال تلك الفترة 20 ألفًا و900 درهم (حوالي 2000 دولار) في السنة، وهو دخل العائلة كلها، وجل متوسط ​​أفرادها في هذه المناطق سبعة أشخاص.

“أطفال الحشيش”

 وصلنا إلى هذه المنطقة في وقت مناسب للغاية، حيث تبلغ النبتة فترة ينعانها ويحين موعد جنيها، وبعد القطف يحتفظ الفلاحون الصغار بأكياس القنب المجفف في غرف صغيرة، قبل التحضير لاستخراج الحشيش وهي عملية معقدة تحتاج إلى الكثير من الدقة والحرفية. وتعتبر هذه العملية نقطة البداية لتزويد العالم بالمخدر الأكثر شعبية. حتى الصغار هنا أصبحوا محترفين في استخراج الحشيش، فهي حرفة تنتقل من ”جيل إلى جيل” وتعتبر إرثا عائليا، حيث يكبر الصغار من التجارة بالقنب الهندي وسرعان ما يصبحون مزارعين بعد تركهم لمقاعد الدراسة في سن مبكرة. 

وفقا لما أوضحه لنا شقيق أحمد الأصغر، عَليّ (13 سنة)، الذي يتابع دراسته في الثانية إعدادي فإنهم “يضعون الأوراق بإحكام في برميل كبير مغطى بغلاف بلاستيكي؛ ويضربون بإيقاع محسوب بعصي حتى يسقط مسحوق النبات في قاع الحاوية” وبذلك تستخلص المادة الأساسية لـ “لزطلة”. وبمجرد أن يجف النبات، تبدأ صناعة “الحشيش”؛ جزء منه مخصص للاستهلاك المحلي، والباقي يذهب إلى أسواق شمال إفريقيا وغرب ووسط إفريقيا وأوروبا الشرقية وجنوب شرق أوروبا. ورغم أن الاتجار في “الحشيش” يمثل لعصابات التهريب عذوبة الغناء الفاحش، فإنه في المحصلة يبقى عذابًا للفلاحين، إذ أن أرباحهم تظل دائمًا ضئيلة. كما أنه يخفي معاناة الأطفال الصغار، فأغلبهم لا يملكون أوراقا ثبوتية بسبب الملاحقات القانونية التي تمنع معظم أولياء أمورهم من تسجيلهم في الإدارات وسجلات الحالة المدنية.

 

من المحتمل أن يغادر علي، الذي سمح لنا بأخذ صورته من الخلف أمام “العشبة” كما يسميها، مقاعد الدراسة في السنوات المقبلة نظرا للبعد وضيق العيش. “هنا لدينا مشكلة في التعليم، الأطفال يلجون المدرسة فقط إلى غاية سن 13 عامًا فقط، لأنهم يضطرون بعد ذلك إلى التنقل ومواصلة دراستهم في مدن مثل شفشاون أو تطوان التي تبعد بحوالي 68 كلم وحوالي ساعتين بالحافلة” يقول أحمد الأخ الأكبر لعلي. إن بُعد مؤسسات التعليم الاعدادي  تجعلهم فريسة للعمل في حقول الحشيش وضحية للهدر المدرسي. ”هذا هو سبب انقطاع معظم الأطفال هنا؛ وأنا واحد منهم؛ عن الدراسة في هذا العمر”، يضيف أحمد الذي ترك مقاعد الدرس، ليساعد كبار السن في زراعة وجني القنب الهندي’. وربما يلحق به أخوه علي عما قريب، الشيء الذي لا يتمناه أحمد. 

يبدأ يومهم مع أول صياح للديكة، حيث يذهب علي مع الكبار للحقل؛ فالدراسة لم تبدأ بعد حتى الآن (خلال إنجاز التحقيق)، للعمل وتحضير الحشيش. ما يفوق 192 مليون شخص يستهلكون الحشيش عبر العالم حسب التقرير الدولي حول المخدرات. ويتمتع الحشيش المغربي بشعبية كبيرة في أفريقيا وأوروبا دون أن يعرفوا أن قاصرين يساهمون في إعداده عبر مسار طويل وأيام مضنية. “يتم تهريب أكثر من 15 ألف مليون دولار سنويًا من الحشيش، بشكل سري من المغرب، ولكن يتم التسامح معه بشكل كبير… تخيل لو كانت كل هذه الأموال تعود بطريقة مشروعة إلى خزينة الدولة؛ كانت لتكون سندًا في مكافحة الفقر”، يقول لنا أحد شباب منطقة “باب برد”؛ إحدى المناطق التاريخية لزراعة الحشيش شمال المغرب.

قانونية الكيف.. سوء الفهم الكبير

وفق أرقام وزارة الداخلية توجد بالمغرب أكثر ”من خمسين ألف هكتار” لزراعة النبتة؛ كما تعتبر ثقافة الحشيش، متجذرة بعمق في مناطق زراعته؛ لدرجة أن تدخينه وبيعه أمر مألوف فيها. ولا تزال هذه النبتة هي الركيزة الأساسية؛ ليس فقط للاقتصاد في الجزء الشمالي من البلاد؛ بل للناتج المحلي الإجمالي للمغرب. حسب مركز الأبحاث Prohibition Partners يمكن لتقنين الحشيش أن يُدرّ على  المغرب 100 مليار درهم سنويا، وهو ما يعادل  ثلاثة أضعاف ميزانية وزارة الداخلية و5 مرات وزارة الصحة. 

إن القانون 13.21 يشكل قفزة إلى الأمام خلافا لظهير 1974 بمثابة قانون رقم 1.73.282 21 صدر في مايو 1974 ويتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة، ويعاقب بالحبس في مادته الثانية “من خمس الى عشرة سنوات كل من استورد أو أنتج أو صنع أو نقل أو صدر أو أمسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات”، هذا القانون سقط ضحيته العديد من المزارعين الذين اعتقلوا أثناء سفرهم أو قضائهم أمورا إدارية،  لكن القانون الجديد يخفي وراءه أيضا الكثير من الغموض ومزيدا من المعاناة. 

يتماشى “التقنين”، الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان في 11 مارس ، مع قرار “الأمم المتحدة”، الذي أزال القنب من قائمة المواد الخطرة في دجنبر من العام 2020، بعد أن كان محظورا في الاتفاقية الوحيدة للمخدرات. يعتبر  المغرب من البلدان التي صوتت لصالح هذا القرار الذي ينضبط للتوصيات التي قدمتها “منظمة الصحة العالمية”، وهو ما يجعل المغرب يشرعن بموجبه زراعة وتسويق النبتة للأغراض الطبية والتجميلية والصناعية؛ ومع ذلك، سيظل استخدامه “الترفيهي” محظورًا. 

وعلى الرغم من تبني البلاد للقانون حول “الاستخدامات القانونية” لنبتة “الكيف” (أي في”الطب والتجميل والصناعة)، إلا أن السواد الأعظم هنا من المزارعين يجهله، إذ يظنون أن المشرع أباح لهم بيعها لأغراض “ترفيهية”.  ما استقيناه من أحد الفلاحين الذي قال لنا “إذا كان سيمكننا التقنين من العمل بحرية وبيع الحشيش كما في أوروبا فلم لا!”، وهذا الجواب التلقائي يميط النقاب عن وجه ما يظنه الفلاح البسيط، وهو البعيد تماما عن حقيقة ” قانون 13.21″.

لمزيد من توضيح سوء الفهم الكبير هذا، اتصلنا بأحد الفاعلين السياسيين والذي ينحدر من هذه المنطقة المعروفة بزراعة القنب الهندي، عبد الحي الطيار، عضو حزب الأصالة والمعاصرة (عضو في الحكومة الحالية)  وأكد أن “كل الفلاحين يعلمون أن الدولة  قامت بوضع قانون “للكيف”، غير أن السواد الأعظم منهم يجهلون ماهية التقنين وماهي الفصول المنظمة له، إذ لم يطلعوا على فصوله ولم يتم شرح كيف سيتم التقنين وآليات ذلك لهم”. عبد الحي الطيار عضو المجلس الوطني لحزب “الأصالة والمعاصرة” المشكل للأغلبية الحكومية، وهو من أول الأحزاب المبادرة لطرح مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي، يرى أن التقنين “ليس في مصلحة فلاحي المناطق التاريخية لزراعة الكيف”. ويشرح لـ”هوامش” أن فلاحي تلك المناطق “يريدون تقنين الكيف لأغراض ترفيهية، وتحرير بيعه في السوق للمستهلكين”. ويضيف أن التقنين في الشكل القانوني الذي سنه البرلمان، “لن تستفيد منه سوى المناطق حديثة الزراعة، والتي تملك أراضي خصبة ومساحات شاسعة صالحة لزراعة الكيف، مثل العرائش، ووزان وتاونات، بينما المناطق التاريخية لزراعة الكيف كبني خالد، كتامة وبني سدات ستكون متضررة بدرجة أولى من الصيغة الحالية لهذا القانون” يضيف الطيار.

الفخاخ الكبيرة

ونحن نبحث عن خبايا القانون الجديد، صادفنا شريطا لشاب من أبناء المزارعين، انتفض في وجه القانون بعد المصادقة عليه أمام جموع من المزارعين، يوضح لهم “أن ما وصفه بمخطط تقنين الكيف سيجهز على ما تبقى من اتجار طفيف للمزارعين الفقراء، وأن الطريقة التي تمت بها المصادقة على القانون في البرلمان، سيجعل من “القنب الهندي” عشبة عادية بدون قيمة مثل النعناع والقزبر، ما يعني أن ثمنه سينخفض أكثر ما سيضر المزارعين الصغار، أكثر مما هو الحال عليه اليوم”. 

بعض من التقيناهم من أجل تفكيك خيوط القانون الجديد لزراعة القنب الهندي، يعتبرون أن الشروط التعجيزية الموضوعة على رقبة الفلاحين الصغار، تعد فخاخا كبيرة. أولها شرط وضع ملف تسجيل لدى قيادة المنطقة. ويحتوى ملف الإيداع القانوني على شهادة السكنى، التي تثبت الانتماء للمناطق المسموح لها بزرع الكيف، بالاضافة إلى شهادة الملكية للأرض المسموح لها بزراعة الحشيش.

“أغلب الأراضي لا ملكية لها، وتعرف نزاعًا بين الأهالي ومديرية المياه والغابات (التابعة لوزارة الفلاحة)، حول القطع التي يمتلكها المواطنون بدون سندات ملكية”، يؤكد عبد الحي الطيار، ويضيف متسائلاً “كيف يمكن للفلاح أن يثبت ملكية الأرض، هل سيعتمد على الشواهد الإدارية المسلمة من السلطات، هل ستكون هناك سلاسة في إجراءات مساطر الحصول على الرخصة؟”. “إنها مشاكل كبيرة جدًا!، لم تظهر بشكل جلي حتى ظهر القانون”، يوضح الطيار لـ”هوامش”.

يقول علي، طالب جامعي من “باب برد”، إن قضية ملكية الأراضي هي “فخ الفلاحين”، موضحًا أن السواد الأعظم من الملاك “يقعون بين مطرقة التوفر على سند الملكية وسندان الملاحقات القضائية”. “هذا وحده سيجعل من يملكون المال على استعداد للسطو على أراضي الفقراء، عبر الرشوة والتزوير، وبالتالي سيصبح الفلاح خادمًا في أرضه” يوضح علي. 

الفخاخ الاخرى التي تتربص بالمزارعين، في حالة قبول الملف من الناحية القانونية أن يقوم القياد وأعوان السلطة بمعاينة الأرض وحجم المحصول. إن تقنين زراعة الكيف للاستعمالات الطبية ومواد التجميل يجعل الوكالات المسؤولة عن ذلك تقوم بتحصيل الكيف “أخضر” ما يحرم الفلاح من “بدور الكيف” لإعادة زراعتها، وهو ما سيجعل بعض الشركات تحتكر زراعة محاصيل السنوات المقبلة، بالاضافة إلى أن عدد العاملين الزراعيين سيتقلص بشكل كبير وستختفي الحرف المرتبطة بإعداد الحشيش وسيتم تعويضها بالآلات والأطر لتوجيه الكيف للاستعمالات الطبية، مما سيخلف المزيد من البطالة والتهميش في صفوف أبناء الفلاحين. 

وعليه يبدو أن  القانون الذي شرّعه البرلمان سيثقل كاهل الفلاحين الصغار بمزيد من الإجراءات التي يصعب عليهم مواجهتها في ظل سيادة قوانين المنع وثقافة التحريم لمادة الكيف. في مواجهة المجتمع يصعب على مزارعي الكيف مجابهة بنود القانون كما هو منصوص عليه. 

بين سندان الفقر وقصص الهروب 

“أغلبنا لا يستطيع حتى الذهاب إلى المستشفى فما بالك بالذهاب للتسجيل في تعاونيات فلاحية”، هكذا علق هشام، وهو أحد من المبحوث عنهم، استطعنا الوصول إليه بمشقة وحذر، فالكل هنا يخاف الحديث للصحافة، وهو واحد بين أزيد 50 ألف مواطن مبحوث عنهم بداية سنة 2021 حسب إحصائيات غير رسمية متطابقة توصلنا بها وأكدها قيادي حزب الاستقلال وعضو مجلس النواب نور الدين مضيان في تصريحات للصحافة.  ولا تزال قضية المبحوث عنهم من المزارعين بمناطق زراعة الكيف؛ عائقًا أمام المعنيين بالأمر، إذ يخافون أن يكون مصيرهم السجن. في حديثه لـ”هوامش”، يؤكد الأستاذ الجامعي، والناشط الحقوقي خالد البكاري ذلك، ويشدد على أنه “كان يجب قبل الاستعجال في التقنين إلغاء المتابعات في حق فلاحي المنطقة من مزارعي الكيف، وبعدها فتح نقاش حقيقي مع سكان المنطقة لإيجاد أفضل السبل لمعالجة كل الإشكالات هناك، قبل الإقدام على خطوة قد تخلق وضعا أفظع من الحالي”. 

مواطنون بدون هوية

تعيش أسرة “عبد الحق” دون وثائق ثبوتية، وهو إبن مزارع تقليدي بمنطقة “كتامة”، تواصلنا معه عن طريق أحد أصدقائه بالمنطقة، يعيش الآن منذ خمس سنوات بفرنسا، ويشتغل مياومًا بإحدى شركات البناء في جنوب بلاد الغال؛ بعد أن نجح في الهجرة بطريقة غير نظامية إلى إسبانيا، في قارب مطاطي، وبعدها استقل حافلة إلى باريس ومنها إلى مدينة تولوز للعمل. لم يكن التواصل معه سهلا، بالنظر للحذر الشديد للحديث عن ماضيه المظلم بين نبات “الماريجوانا”. عاش عبد الحق، هاربا من العدالة المغربية طوال حياته، ولم يسافر كثيرا في المدن المغربية مخافة الإمساك به؛ نظرا لأن اسمه مسجل في لائحة المبحوث عنهم بسبب عمله الماضي في حقول زراعة الحشيش.

 ”لم تكن لدي بطاقة تعريف، وأبي لم يستطع تسجيلي في الحالة المدنية ولا في المدرسة لأنه كان مبحوثا عنه”. يقول عبد الحق. ويضيف لمنصة “هوامش”، “أسرتي مكونة من 5 أفراد، أختي الصغيرة تعيش نفس المصير، ليس لديها أوراق هوية في وطنها المغرب، وأحاول أن إنقذها من هذا الواقع وتنظيم سفرها إلى فرنسا، أنا هنا منذ 5 سنوات”. 

في بلاد الجن والملائكة، لا يزال الشاب المغربي الذي هرب بحثًا عن حياةٍ تشبه الحياة، يشتغل دون عقد عمل، “في النوار” كما يقول، “مع أصدقاء مغاربة تعرفت عليهم بالصدفة، أبحث عن حياة أفضل.. عشت بدون وثائق هوية في المغرب وأعيش بدون وثائق هوية في فرنسا، هذا هو مصيرنا نحن أبناء مزارعي الحشيش”.

 وحول وضع عبد الحق وغيره من المزارعين وأبنائهم، الذين يعيشون حياةً في الظل، يشدد الحقوقي خالد البكاري على أنه  “يجب تصحيح الوضع، ولكن بمقاربة تجعل القانون في خدمة الإنسان وليس العكس، فهم ينتزعون اللقمة من فم الوحش”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram