الرئيسية

بَدْوَنَة المُدن وترييفها.. هل نقل القرويين حياتهم نحو المدن؟

وأنت في مدينة كبيرة مثل أكادير أو مراكش وحتى الدار البيضاء، في حي شعبي يتنمي للمجال الحضري، أصبح مألوفا أن تستيقظ على صياح الديكة كل فجر. تخال للوهلة الأولى أنك في قرية بعيدة، حيث ترسل الديكة أول الرسائل المنبهة ببزوغ الصباح وضروة الاستيقاظ للحقول لكنك في مدينة كبيرة، على الأقل في المفهوم المغربي للمدينة.

لا يتوقف الأمر عند تربية الدجاج في بعض السطوح، بل يتعداه الأمر لتجد من يربي عنزة أو معزة، فيطعمها ببعض الحشائش وقشور الخضر والفواكه وما فَضُل عن حاجته من الخبز.

في الطرقات والشوارع الكبيرة أصبح مألوفا أن تجد حمارا يجر عربة فيعرقل السير، خاصة عندما يتوقف صاحبها أمام حاوية للنفايات ليبحث فيها عن أشياء قابلة للبيع أو الإستعمال، وما على المارة سوى الانتظار والضغط على منبهات السيارات. قطيع من الكلاب الضالة تجوب المدن الشاطئية والشوارع المتلئلة بالليل والنهار، ولم يعد غريبا أن تجد بائع الهندية بعربته المجرورة غير بعيد عن باب فندق مصنف وباسم عالمي.

بين من يسمي ذلك “تَرْيِيف المدن”، ومن يسميها “البَدْوَنة”، ومن يقترح مصطلح “القَرْوَنَة”، لكن المظاهر متعددة كما التسميات، وتتفق في مجملها على أنها وجود سلوكات وقيم ومظاهر المجتمعات القروية داخل المدن المغربية، خاصة في الأماكن التي تصنف على أنها حضرية ومتمدنة وراقية.

يرى الباحث المغربي في علم الاجتماع مصطفى عنبي أن أسباب هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى سياسة الدولة التي همشت الساكنة القروية لعقود طويلة، إذ كانت مخططات وبرامج التنمية لا تشمل الهوامش والأطراف بل إقتصرت على المدن.

هناك معتقد أن نشر التمدن هو المدخل للتنمية، لكن التمدن اقتصر على البنية التحتية دون أن يشمل تكوين العنصر البشري مما أنتج تجمعات إسمنتية وليس مدنا أو أحياء حضرية”. وزاد بأن “هجرة السكان نحو المدن من الأرياف بحثا عن ظروف عيش جيدة، جعل هؤلاء السكان ينقلون معهم أنشطتهم نحو المدن، فالذي يحمل المواطنين بالتريبورتور مثلا، نقل فكرة البغل التي تجر عربة وعليها مجموعة من الأشخاص، واستبدل البغل بالمحرك، وهكذا”.

مضيفا أن “أكادير كانت تضم أحياء صفيحية هامشية كثيرة، ومحاربتها بتوفير منازل لهم دون عمل ودون تكوينهم أفرز ما نراه بشكل يومي في مجموعة من الأحياء والأماكن العمومية”.

ثم زاد نفس المتحدث بأن “المرء يدخل أحيانا لحي السلام مثلا فيعتقد أنه داخل دوار وليس داخل مدينة، لدرجة يمكن أن نتحدث عن دوار أكادير وليس مدينة أكادير، والسلطة تتفرج لأنها تتخوف دائما من أن يحتج الناس وأن يحرقوا ذواتهم كما فعل البوعزيزي”.

ولم يفت السيد عنبي أن يزيد بأن “الأمر إذا استمر بهذا المنوال فستكون النتائج كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، دون أن ننسى أن هناك من يستفيد من هذا الوضع ويريده أن يستمر، من خلال سياسة انتاج الهامش، فهؤلاء المهمشون يؤدون وظيفة سياسية وهناك من يستفيد منهم ومن أصواتهم، بل هناك من يستفيد منهم ماليا، لأن مثلا كي يُرَخّص لشخص ليبيع في عربة في مكان غير مسموح به قانونا، فذلك لا يتم إلا إذا أخذ شخص ما مقابلا ماليا..”

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down
This website uses cookies and asks your personal data to enhance your browsing experience.
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram