في وقفة تضامنية مع معتقلي حراك الريف بطنجة تعرض متضامنون “لهجوم عنيف من طرف أشخاص أغلبهم ذوي سوابق عدلية” كما أشار المشاركون. بدا تحرك هؤلاء الاشخاص منسقا، حسب شهود عيان، وقال بعض المشاركين، “إنّ المعتدين كانوا ينسقون ويتلقون التعليمات من طرف بعض أعوان السلطة”.
وبعد أن وصل الملف إلى القضاء، ظلت النيابة العامة تماطل في متابعة المتهمين، وهو ما حذا بالجمعية الجمعية المغربية التي يرأسها عبد المنعم الرفاعي في طنجة، إلى إصدار بيان في شهر يونيو الماضي، نددت فيه بهذه المماطلة، ودعت إلى التعجيل بالبث في الملف، ورغم استماع النيابة العامة للرفاعي يوم 2 أبريل الماضي بوصفه مشتكيا، ورغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الشكاية ظلت “دون إتخاذ أي قرار من طرف النيابة العامة بطنجة في حق المشتكى بهم رغم وضوح هوية بعضهم وصور وجوه البعض الآخر في شريط موثق للأحداث شاهده الآلاف المواطنين وأرفق بالشكاية (على شكل قرص مدمج) حسب ما صرّح به الرفاعي لـ ”هوامش”. ويعتقد الرفاعي أن أحدهم يشتغل مسيرا لموقف للسيارات وسط المدينة. وتقدمت الجمعية بطلب للنيابة العامة بطنجة بتاريخ 16يونيو 2021 بقصد معرفة مآل الشكاية والتعجيل بالبت فيها لكنها بقيت بدون جواب لحد تاريخه” يقول بيان الجمعية الصادر يوم 30 يونيو الماضي.
من أجل البحث عن أسباب بقاء شكايته حبيسة الرفوف، تواصلت منصة “هوامش” بمنعم الرفاعي الذي اعتبر ”أن الهدف من التماطل هو إتاحة الفرصة للملف لكي يطاله التقادم، بحكم أن الاعتداء وقع يوم 28 شتنبر2017، وإذا تم تكييف الاعتداء بوصفه جنحة، فإن مرور أربع سنوات يجعله تحت طائلة التقادم، وإسقاط المتابعة”.
هذا التخوف دفع منعم الرفاعي إلى مراسلة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بالرباط يوم 7 شتنبر 2021، في رسالة مفتوحة، توصلت منصة “هوامش” بنسخة منها، وجاء في الرسالة المفتوحة:
“سبق لنا في المكتب المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن طالبنا بضرورة تحريك المتابعات القضائية بشأن الوقائع الواردة في الشكاية المقدمة إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بطنجة بتاريخ 24 مارس 2021 تحت عدد 3440/3101/2021 في مواجهة السيد نبيل الزهري عون سلطة و ضد كل من سيسفر عنه البحث و المرفقة بقرص مدمج يوثق لأفعال الإعتداء التي طالت السيد عبد المنعم الرفاعي رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بطنجة و المحامي بهيئة المحامين بطنجة و العديد من المواطنين الذين حضروا لمكان الإعتداء بقصد المشاركة في وقفة تضامنية مع معتقلي حراك الريف. و أنه بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على تاريخ تقديم الشكاية و الإستماع للمشتكي من طرف الشرطة القضائية بطنجة فإن النيابة العامة لم تتخذ أي قرار بشأنها لحد تاريخه بالرغم من مراسلتها بتاريخ 11 يونيو 2021 لمعرفة مآل الشكاية و هي المراسلة التي ظلت بدون جواب “.
كما نبهت الرسالة إلى الضرورة الاستعجالية التي يستدعيها البث في الملف نظرا لخطورة الأفعال المرتكبة، ونظرا لأن الملف قد يطاله التقادم بسبب هذا التسويف والتماطل، إلا أن الرسالة ظلت كباقي الخطوات التي أقدم عليها الرفاعي، والتي ظلت دون جواب.
أمام كل هذه المعطيات السالفة، ينتصب السؤال المؤرق: من يحمي البلطجية؟ وهل ثمة جهات داخل الدولة تقوم بذلك؟ أم أن مماطلة النيابة العامة في البث في الملف مجرد تسويف بيروقراطي جار به العمل في مثل هذه الملفات؟
مع بداية انطلاق مظاهرات واحتجاجات حراك 20 فبراير 2011، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي حركة أطلقت على نفسها “الشباب الملكي”، إلا أن هذه الحركة، لم يكن لها من وجود في الواقع، ولم يعرف لها ملف مطلبي ولا شعار ولا أرضية، كان هدفها الأساس ملاحقة احتجاجات حركة 20 فبراير ومحاولة الاعتداء على المتظاهرين والمحتجين، وبلغ أوج هذه الهجوم في يونيو 2011 في سياق الحملات التعبوية والمظاهرات الشعبية الداعية إلى مقاطعة الاستفتاء على دستور 1 يوليوز 2011، حينها شهدت مدن مثل طنجة والرباط والبيضاء وغيرها، هجوم بالأسلحة البيضاء والبيض الفاسد والعصي على المحتجين من طرف شباب أغلبهم من ذوي السوابق، ولكن الأعمال الاجرامية لهؤلاء لم تستطع أن تنجح في فرض سلطتها، بل واجهها المتظاهرون “بحس وطني راق فوّت على هؤلاء جر الاحتجاجات الى حمامات دم كما حدث في بعض دول المنطقة” على حد تعبير المشاركين في الحراك آنذاك.
من حينها صارت أعمال البلطجة مرافقة لكل الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب، كما ظهر اشخاص في مواقع التواصل الاجتماعي يشهرون الاسلحة، يتلفظون بكلام نابي، ويوجهون تهديدات بالقتل والتصفية للمحتجين، من بينهم “مول الشاقور”،”مول الفردي”، دون أن يطالهم العقاب.
في سنة 2013 تعرضت جريدة “أخبار اليوم” لهجوم من طرف بعض الشباب، إذ اجتمعوا أمام مقرها بمدينة الدار البيضاء، و أقدموا على حرق نسخ الجريدة ثم قاموا بتهديد مديرها بالتعنيف. وفي سنة 2013 أيضا قام متزعم الشباب الملكي بالرباط ”البارودي” بتعنيف محتجرين مدافعين عن الحريات الفردية أمام البرلمان.
ولم تسلم احتجاجات الريف من تلك الممارسة، ففي سنة 2017 تعرضت الاحتجاجات في المنطقة إلى الإعتداء من طرف بعض الأشخاص الملثمين، حيت أقدموا خلال إحدى المسيرات على تكسير السيارات والإنارة والممتلكات العمومية، وكان ذلك أمام أعين السلطات التي لم تتحرك لإيقافهم، بل كان بعضهم يتحدث مع رجال الأمن، كما توثق بعض الأشرطة لذلك، وقد تلقى بعد ذلك قادة حراك الريف رسائل تهديد بالقتل، مما جعل بعض الشباب يقومون بحماية ناصر الزفزافي في إحدى المسيرات في مدينة الحسيمة. وأضهرت بعد ذلك أشرطة فيديو بعض رجال الشرطة وهم يقدمون على إتلاف بعض ممتلكات الساكنة.
لم تقتصر أعمال البلطجة هذه على التراب المغربي إذ تعرضت ندوة حول حقوق الإنسان بالمغرب في العاصمة الفرنسية باريس لهجوم عنيف من طرف عدد من الأشخاص المغاربة الذي دخلوا إلى قاعة الندوة وهاجموا بعض المتحدثين.
لم تكن أي من هذه الإعتداءات محط متابعة قانونية.
منذ انتشارها ضد الإحتجاجات التي عرفتها عدة مناطق مغربية، لم تحرّك السلطات ساكنا أمام هذه الأفعال التي تتضمن التهديد بالقتل والتحريض عليه، وظل أصحابها الذين ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في منأى عن المتابعة والمساءلة، وهو ما جعل أعمال البلطجة تنمو وتتكاثر إلى أن وصلنا إلى التهديد والقتل على وسائل الإعلام من طرف أشخاص معروفون. هذا ما حدث في الهجوم على شباب حراك الريف، وعلى ناصر الزفزافي خاصة، حيث هاجمه أحد الأشخاص (مامون الدريبي) في برنامج كان يقدمه على اذاعة “ميد راديو” المملوك لأحمد الشرعي، المعرف بقربه من جهاز الاستخبارات المغربية، إضافة إلى الهجوم على الزفزافي ونعته بأحط النعوت والأوصاف، وتضمن كلام الدريبي تحريضا واضحا على القتل، إذ جاء في ذات الحلقة الاذاعية المخصصة للهجوم على الزفزافي في ماي 2017، “ حشمت نجمع ولاد عمي ونطلع تما نقطعك”. رغم ذلك، لم تتم متابعة الدريبي، وكان اقصى ما تم فعله أمام هذا الفعل الخطير هو توجيه الهيئة العليا للسمعي البصري انذارا لاذاعة.
وفي نفس السياق، مع احتجاجات حراك الريف، عرفت مناطق الشمال، خاصة مدينتي طنجة وتطوان، حصارا ضد أي محاولة للتضامن مع حراك الريف، وكان حصارا مزدوجا: حصار الاجهزة الامنية، وحصار آخر يقوده “البلطجية” الذين صاروا يرتكبون أعمال الاعتداء والنشل في حق كل المحتجين، وكثيرا ما تم توجيه أصابع الاتهام إلى الوالي اليعقوبي في حماية وتوجيه هذه الأعمال ضد الحركات الاحتجاجية، خاصة منطقة الشمال التي عرفت ارتفاعا وتناسلا لأعمال البلطجة منذ توليه ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة في أكتوبر 2015، إلى أن تم تعيينه واليا على جهة الرباط –سلا –القنيطرة.
إلى جانب أعمال البلطجة التي رافقت الوقفات الاحتجاجية بمدن الشمال في السنوات الاخيرة، عرفت أيضا العديد من الاحتجاجات التي عرفتها مدن مغربية أخرى لهجوم عنيف من طرف البلطجية، حيث عانت مسيرات الاساتذة المتدربون من اعتداءات عنيفة، كان أشهرها واقعة “الحمار الوحشي” يوم 21 مارس 2021 حيث ظهر شخص يركل المحتجين ويصفعهم تحت أنظار رجال الأمن بمدينة الرباط، وسميت بواقعة “الحمار الوحشي” لأن الشخص المعني ظهر بقميص مخطط بالأبيض والأسود، وقد أثارت هذه الواقعة العديد من ردود الفعل وتحدثت عنها وسائل إعلام دولية، مما جعل ولاية الرباط تخرج ببلاغ تؤكد فيه فتح تحقيق في الموضوع ومتابعة المعني بالأمر، وهو الملف الذي أصدر فيه القضاء الحكم بسنة سجنا نافذة، وهذا الحكم هو من شجّع فرع الجمعية بطنجة على تقديم شكاية معززة بكل حيثيات الاعتداء املا في متابعة المتهمين، لكن يبدو أن الحكم على “الحمار الوحشي” كان مثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة لا غير.
واليوم وبعد استنفاذ كل الخطوات والمسالك القانونية، وبعد التماطل المستمر الذي طال ملف منعم الرفاعي، فإن الجمعية بمعية هيئات سياسية وحقوقية تفكر في تنظيم وقفة احتجاجية أمام المحكمة بطنجة وفق ما أفاد به رئيس الجمعية لمنصة “هوامش”.