يعود تاريخ ظهور “إِزْغْرَانْ” إلى القرون الماضية، تعلمها الأمهات للفتيات المقبلات على الزواج، كنصائح ذهبية، كما يعلمنهن الطبخ وأعمال المنزل والحقل وباقي مكتسبات الحياة التي ستحتاجها لتواجه بيئة قاسية ومناخا صعبا في قرى ومداشر الجنوب الشرقي، وقد يتعلم للفتيات المقبلات على الزواج إعداد هذه الخلطة عن طريق الملاحظة فقط.
تحضيرها مرتبط في أذهان الكثيرين بتلك اللحظات التي تسبق الاستعداد للقاء الزوج زوجته في غرفة النوم، خاصة في لحظات الأعراس، أو بعد عودة الرجل من سفر طويل، إن تلك الروائح أشبه بمحفز على المعاشرة.
وكأنها في مخيلة الناس دعوة سرية إلى المعاشرة، رسالة ملغمة ترسلها الزوجة إلى زوجها عن طريق تلك الروائح العجيبة التي تجعله يرغب في التقرب إليها أكثر.
وفي البوادي النائية، حيث يسود الصمت ليلا، والأجواء نقية جدا، تتسلل رائحة “إِزْغْرَانْ” لتقتحم المجال الشمي للعزاب الذين لا يزالون في مكان ما يتحدثون بهمس، وما أن تنفذ تلك الرائحة إلى خياشمهم حتى يغيروا الموضوع الذي كانوا يتحدثون عنه قبل أت تصل رائحة “إِزْغْرَانْ” إلى خياشمهم، ثم ينهمكوا في إطلاق التعاليق الطريفة والماجنة أحيانا، وهم يعرفون أن المرأة التي أطلقت هذه الروائح الزكية ما فعلت ذلك إلا لتأجيج رغبة زوجها في المعاشرة الجنسية، وإن كان مفعول هذه الرائحة غير متحكم فيه، إذ يتجاوز المعني بالأمر إلى غيره من الرجال الذين يوجدون في المحيط نفسه أو يتمتعون بحاسة شم قوية.
“إِزْغْرَانْ” ليست قنينة عطر يمكن شراؤها في السوق واستعمالها قبيل اللحظات الحميمية، أو نبتة يمكن استنباتها في حديقة المنزل، أو وصفة يقدمها عطار ما في سوق شعبي، إنها مورث ثقافي نسائي، هي مجموعة من الأعشاب لها رائحة قوية أثناء الاحتراق، ويعتقد الناس بأن لها تأثيرا جنسيا خاصة على الرجال في واحات الجنوب الشرقي للمملكة. وإن كان هناك من يرفض ربطها بذلك، ويعتبرها مجرد خلطة عادية تدخل في العادات وتقاليد النساء في الجنوب الشرقي.
توضح إحدى المسنات، بأن هناك نوعين من “إِزْغْرَانْ”: نوع يوضع سائلا لتطييب شعر المرأة ويكسبه رائحة زكية جدا، ونوع يوضع في مجمر ليحترق ويعطي أيضا رائحة زكية. وكلاهما يكملان بعضهما، مثل الشاي والسكر، ويُعتمد عليهما معا في الغالب، إلا في الحالات النادرة والضرورية، حيث يمكن أن تكتفي بهذا دون ذاك.
“إِزُوران”، وترجمتها العربية هي “الجذور”، ليست جذور نبتة خاصة ليتم وضعها في مجامر طينية؛ بل هي خلطة من مجموعة من العناصر، انتقلت إلى نساء تلك المنطقة بالتواتر، وما أن تضعها سيدة في مجمر ما حتى تُشَمّ من سابع جار.
“وجدنا أمهاتنا يصنعن هذه الوصفة، وتعلمنا الأمر منهن، ولا شك في أنهن تعلمن ذلك من أمهاتهن أيضا قبل عقود طويلة؛ فالمواد التي تتكون منها هذه الخلطة طبيعية، وليس فيها أي مركبات حديثة، ولا شك في أن إضافة أي مركب إليها قد يفسدها”.
حسب النساء اللواتي طلبنا منهن معلومات حول مكونات هذه الخلطة، فقد اتفقن على أن “إِزْغْرَانْ” خلطة تتكون مما يسمى محليا بتاوسرغينت أي “اليقطوم” والمعروفة باللغة اللاتينية بـ Telephium imperati إضافة إلى الدرنات الجذرية لنبتة “تارا”، التي تسمى أيضا بنبتة السعد، واسمها العلمي cyperus rotundus وبعض شعيرات الزعفران وبعض جذوره أيضا، ثم الريحان والقرنفل المعروف لدى النساء بالنوار.
وعن كيفية تحضير هذه الخلطة الزكية، تقول مستجوبتنا: “نقوم أولا بتحميص جذور اليقطوم (تاوسرغينت) في فرن، بعد ذلك نقوم بفرمها لتصبح أجزاء صغيرة قادرة على أن تطحن في الرحى التقليدية. نأخذ هذه القطع المحمصة ونبدأ في طحنها، ونحن نضيف كل مرة شعرات الزعفران وجذوره، ونبتة السعد (تارة)، والريحان ثم القرنفل (النوار). نقوم بهذه العملية ونحن نضيف بين هذه المكونات جزءًا من اليقطوم المحمص المفروم، إلى أن نحصل على خليط زكي الرائحة، فذاك هو إِزْغْرَانْ”.
أما “إِزْغْرَانْ” كمادة توضع في المجمر، فإن تحضيرها، حسب المستجوبات، سهل ولا يتطلب الكثير من المواد، إذ تكتفي النسوة بفرم جذور تاوسرغينت دون تحميصها، لتصير على شكل أجزاء صغيرة، ويتم وضعها في مياه زعفرانية مع القليل من الجاوي، لمدة يوم كامل أو ليلة كاملة، حتى يتشرب اليقطوم تلك المياه، ثم توضع الأجزاء في الشمس لتجف، وبعدها يمكن وضعها في المجمر عند الحاجة.
ترفض العديد من اللواتي سألنهن التأكيد على أن للوصفة أي تأثير في تهييج الرجل، ويعتبرن أن الوصفة قديمة، ويعود استعمالها إلى الحقب التي لم تكن فيها العطور المصنعة متاحة أمام الجميع؛ وهو ما دفع بهن إلى صناعة وصفات خاصة بهن، ينهلن من مركبات طبيعية توجد في محيطهن، أو يمكن العثور عليها لدى العطارين بسهولة، وتكون لها رائحة زكية تدوم لأطول وقت. وتبقى رائحة هذه الخلطات مرتبطة في أذهان الشباب بالمعاشرة، وكثير منهم يؤكد أن مجرد شمه لهذه الرائحة حتى تتحرك رغباته الغريزية!