الرئيسية

أصبح ثاني مستورد في  العالم.. لماذا تراجع إنتاج التمور في واحات المغرب؟

في السنوات الأخيرة تسلق المغرب بسرعة كبيرة سُلم الدول المستوردة للتمور، حتى بات ثاني أكبر  مستورد لها في العالم، وفقا لتقرير نشرته، أواخر أكتوبر 2023، منصة East fruit المتخصصة في سوق الخضروات والفواكه في العالم. في هذا التقرير نسلط الضوء على بعض أسباب تراجع إنتاج التمور في المغرب.

محمد حميدي

“المستهلك المغربي اشترى الكميات الموجودة من تمور المجهول والفقوس؛ هذا الأخير واحد من عدة أصناف من التمور التي ندرت هذه السنة، نتيجة تضرر الواحة. وقفز ثمن الكيلوغرام الواحد منه (في أرفود) إلى 55 درهما، أي بزيادة 5 في المئة عن السنة الماضية”. يقول عبد البر بلحسان، منتج للتمور بمدينة أرفود؛ إحدى المدن الواحية في درعة تافيلالت، والتي تحتضن سنويا المعرض الدولي للتمور في شهر أكتوبر.

يوم 5 مارس، أسبوعا فقط قبل شهر رمضان، الذي لا تكاد التمور تغيب فيه عن موائد إفطار المغاربة، أفاد وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، محمد صديقي، ردا على سؤال كتابي تقدمت به النائبة عن حزب العدالة والتنمية فاطمة الزهراء باتا، بأن إنتاج نخيل المغرب لهذه المادة لم يتجاوز 102 ألف طن هذه السنة. وهو ما يؤشر على تراجع بنحو 38 ألف طن، مقارنة بالسنوات الأخيرة، حيث كانت الواحات تُنتج ما بين 145 و150 ألف طن من التمور.

الاستيراد يَسُد الفجوة

“ضعف إنتاج التمور تسبب في  رفع الأسعار، لتغطية مصاريف المُنتجين الكبار. أما غالبية الفلاحين الصغار، فلم ينتجوا أصلا هذه السنة، وهم يعانون في صمت” يؤكد بلحسان رئيس الفدرالية المغربية لتسويق وتثمين التمور، في حديثه لهوامش. 

وأضاف محدثنا أن :”نفاد المعروض من التمور المحلية الرئيسية كالمجهول والفقوس نتيجة للإقبال الكبير عليهما، ونُدرة الأصناف الأخرى، جعل المستهلك يُعدل بوصلته نحو التمور المستوردة، التي حظيت هي الأخرى بإقبال كبير، هذه السنة”.

في السنوات الأخيرة تسلق المغرب بسرعة كبيرة سُلم الدول المستوردة للتمور، حتى بات ثاني أكبر  مستورد لها في العالم، وفقا لتقرير نشرته، أواخر أكتوبر 2023، منصة East fruit المتخصصة في سوق الخضروات والفواكه في العالم. 

و يورد التقرير نفسه “في الشهور الأولى من موسم 2022/23، حطم المغرب الرقم القياسي في واردات التمور؛ إذ اشترى ما يقرب من 125 ألف طن من هذا المنتج من الموردين الأجانب”. مضيفا أن واردات البلاد من التمور المصرية تضاعفت مرتين مقارنة بالموسم السابق؛ حيث لامست كمياتها 32 ألف طن ما بين أكتوبر 2022 وشتنبر 2023. 

جراء الجفاف.. بقاء النخيل يؤرق البال

“لم تعد كميات الإنتاج ما يؤرق بالنا، بل بقاء النخل على قيد الحياة” هكذا يُجمل بلحسان بلسان المُنتج، تزايد تأثير الجفاف على الواحات المغربية. ويؤكد أن “هذا الإشكال الكبير بات يحاصر كلّ واحات المغرب، تتقدمها درعة وتافيلالت (تساهمان وفقا لإحصائيات رسمية بـ 90 في المئة من الإنتاج)  وطاطا، وكلميم-تاغجيجت، وآسا”.

ويستدرك المتحدث أن “بعض المناطق، كبوذنيب، دخلت في السنوات الأخيرة على خط الإنتاج. ولأن فرشتها المائية ما تزال تكتنز موارد مائية وافرة، فإنها  تَجُود بمحاصيل تغطي سنة بعد سنة  الخصاص في الواحات المذكورة”. 

لكن ذلك لا ينفي أن التمور ما تزال “المنتوج الأكثر تضررا  بأغلب المجالات الواحية، التي لم تحل كل مجهودات المتدخلين الرسميين، في مجالي الماء والواحة، دون تأزمها بسبب الجفاف. فقد باتت هذه المجالات قاصرة عن تلبية حاجيات السوق الداخلية. وإزاء ذلك يتم اللجوء إلى استيراد التمور من دول أخرى”، يقول الأستاذ الباحث في الموارد المائية والتنمية المستدامة، فيصل الحساني، في تصريح لهوامش.

وتسبب الجفاف في موت الآلاف من أشجار النخيل، وتحويل هكتارات من الواحة إلى أراضِ جرداء. وإذ يعزو الكثير من الباحثين والمهتمين بالماء والواحة، تفاقم الظاهرة إلى تقلبات المناخ، تبين أن الزراعات المستنزفة للفرشة المائية ساهمت بدورها في تعجيل حلول الجفاف بعدد من واحات المغرب، كما هو الحال في واحة طاطا التي رصدت هوامش في تحقيق سابق كيف أجهزت زراعة الدلاح على نخيلها ومقدراتها المائية.

الحرائق تُهدد النخيل المقاوم

انضافت الحرائق بدورها، في السنوات الماضية، إلى التهديدات التي تحيط بالواحات، حيث أنها تلتهم  مساحات هامة من أشجار النخيل التي ما تزال تُقاوم الجفاف.

 يشرح الحساني أسباب الظاهرة بكون :”ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف مع تسجيل إهمال الواحة؛ بعدم تنقية أعشاش النخيل كما في السابق، جعلها مجالا ذو حساسية مفرطة وعُرضة لكوارث الحرائق”.  

هنا يشير الأستاذ الباحث إلى أن “حريق  واحة (أوفوس)، إحدى أكبر الواحات بإقليم الراشيدية، خير دليل على الضرر البالغ الذي تخلفه الحرائق”. في إشارة إلى حريق غشت 2023 الذي أتى على أكثر من 900 نخلة جزئيا أو كليا، على مساحة تمتد إلى 8 هكتارات، حسب ما نقلته وسائل إعلام عن الحادث. 

ذات الواحة كانت قد تعرضت في غشت 2021 لحريق طوق منازل الساكنة وحظائر ماشيتها. وما تزال جذوع النخيل المتفحمة، التي يمكن للزائر رؤيتها على الطريق، شاهدة على قوة هذا الحريق وحجم خسائر واحة أوفوس من جرائه. 

ويبدو أن الحرائق أقبلت مبكرا هذه السنة حيث أتلفت أزيد من 300 نخلة في واحة درعة، وتحديدا بدوار الموضع بجماعة تمزموط إقليم زاكورة، يوم 10  مارس الجاري، وفقا لموقع العمق المغربي. 

ضُعف التكوين والإرشاد

علاوة على الحرائق والجفاف، يؤكد مصطفى تيليوا مدير ورئيس تحرير مجلة واحات المغرب، أن “ضعف التكوين والإرشاد الفني للفلاحين، خاصة الصغار والمتوسطين في الواحات التقليدية، له هو الآخر يد في انخفاض إنتاج المغرب من التمور؛ إذ يحتاج الفلاحون إلى التدريب على تقنيات الري الحديثة وإدارة الموارد المائية بكفاءة أفضل”. 

الحاجة إلى زيادة تدريب فلاحي الواحات المغربية يستدعيها “انتشار أساليب سقي تقليدية غير فعالة (الغمر)، تُهدر المياه دون استفادة شجر النخيل منها” كما يؤكد فيصل الحساني، الأستاذ الباحث في الموارد المائية والتنمية المستدامة.

ومن شأن “ضعف تكوين وإرشاد الفلاحين” زيادة أثر المشاكل البيئية والزراعية المحدقة بالواحة المغربية. وفي هذا السياق يقول مصطفى تيليوا “سُجلت في السنوات الأخيرة مشاكل بيئية مختلفة ومركبة مثل تلوث التربة أو المياه، ومشاكل مثل الآفات والأمراض (مرض البيوض). وكلها تؤثر سلبا على إنتاجية النخيل”. 

مُقترحات 

لتجاوز الوضعية القائمة وإعادة رفع إنتاج الواحة المغربية للتمور، يقترح الحساني “إدخال أصناف جديدة من النخيل تُلائم ندرة المياه والابتعاد قدر الامكان عن النباتات المستهلكة للماء”. 

ويضيف المتحدث أن هناك حاجة إلى :”تقنين حفر الأبار وتطبيق القوانين الزجرية، وتشجيع الممارسات المحافظة على الموارد المائية، وإنجاز عتبات مائية بعالية أودية الواحة قصد تطعيم الفرشات الباطنية، وكذا ترميم الخطارات باعتبارها تقنية محلية ناجعة بشكل هائل لضخ المياه الباطنية”. 

مصطفى تيليوا يُوافق فيصل الحساني في ضرورة “الاستثمار في البحث العلمي والابتكار لتطوير أصناف جديدة من النخيل، يمكنها التكيف مع التغيرات المناخية، وأكثر إنتاجية للتمور كما وجودة، وقادرة على مقاومة الآفات والأمراض”.

ويذهب مدير ورئيس تحرير مجلة واحات المغرب، إلى أن الحكومة بدورها “مدعوة إلى تقديم الدعم المالي والتوجيه للفلاحين لمساعدتهم على تحسين إنتاجية النخيل”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram