“هوامش”| سعيد المرابط: 

قد يبدو أن المغاربة اعتادوا على التعامل مع الرشوة والفساد المسيطرين على قطاعات مختلفة، من بينها “الدرك والنقل والشرطة، والصحة في القطاع العام، والعدالة، والإسكان والتعمير، والعقار في القطاع الخاص، والقيادات والباشويات” حسب بحث وطني حول الفساد لسنة 2022، أنجزته “الهيئة المغربية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”.

حيث صرح مواطن واحد من بين أربعة بأنه سبق أن تعرض هو، أو شخص من أسرته على الأقل، لإحدى حالات الفساد خلال الفترة المرجعية للبحث، الذي قدمته في دجنبر الماضي، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

واعتبرت منظمة “تراسبرانسي” المغرب أن المؤشرات ترسم “معالم مغرب يعاني من رشوة نسقية ومعممة، والتي تهدد استقرار بلادنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتشجع وضعيات الريع وتمكن من حماية الأنشطة غير المشروعة”.

وفي بيان يتعلق بـ”مؤشر إدراك الفساد” سنة 2023، الذي أعدته هذه المنظمة ونشرته يوم الثلاثاء الماضي، تحت عنوان “المغرب ينساخ في مستنقع الفساد”، أشارت “تراسبرانسي” إلى أن المغرب يحتل حاليا الرتبة 97 ضمن 180 دولة، على مؤشر إدراك الرشوة، متراجعا بـ24 مركزًا، بعد أن كان يحتل الرتبة 73 قبل خمس سنوات.

هذا الانخفاض في “مؤشر إدراك الفساد” يرافقه تراجع آخر لا يقل أهمية في “مؤشر حرية التعبير”، حيث “احتل المغرب في هذا المجال المركز 144 سنة 2023، عوض 135 سنة 2022″، وهو ما يمثل انخفاضا بتسع مراتب، وفق ما يوضحه بيان المنظمة الذي حصلت “هوامش” على نسخة منه.

وحسب منظمة “ترانسبرانسي” غير الحكومية، فإن قضايا الفساد المرفوعة أمام المحاكم المغربية في السنوات الأخيرة تشمل 29 برلمانيا من الغرفتين، ما يعادل (5 بالمئة من إجمالي المقاعد)، وهو مؤشر “جد مقلق نظرًا لمهام البرلمان التشريعية ومراقبة السلطة التنفيذية”، حسب تعبير المنظمة.

وأعاد الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد في شتنبر الماضي، نقاش الهوة الاجتماعية الهائلة التي يعاني منها المغرب، بين المناطق الحضرية والقروية، الغارقة في الإهمال والتمييز الحكومي، والتي لم تسلم من “شبهات فساد ومصالح” في توزيع المساعدات المالية الاستعجالية لضحايا الزلزال؛ وهو ما رصده تقرير لمنصة “هوامش” في شهر دجنبر الماضي.

تدابير لمكافحة الفساد

من أجل كل ذلك، دعت منظمة “الشفافية الدولية” إلى اتخاذ تدابير عاجلة؛ مثل “تحيين وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي جمدت رغم المصادقة عليها منذ دجنبر 2015”.

كما طالبت بإصدار “المنظومة القانونية ضد الفساد التي تضمنها دستور 2011، وخاصة قانون تضارب المصالح وقانون تجريم الإثراء غير المشروع”، الذي نوقش لمدة ست سنوات في البرلمان، و”سحبته الحكومة الحالية”، تؤكد “ترانسبرانسي”.

وبالنسبة للمنظمة، من الضروري أيضًا “مراجعة قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، وقانون التصريح بالممتلكات، وقانون حماية المبلغين عن الفساد”.

وختمت المنظمة بيانها مؤكدة على أنه “في انتظار ما ستقوم به الحكومة الحالية لتفعيل تصريحها الحكومي، الذي وعد بجعل محاربة الفساد من أولوياتها، يظل المغرب ينساخ في مستنقع الفساد”.

وجدير بالذكر، أنه بعد حصول حزب “التجمع الوطني للأحرار”، على رئاسة الحكومة، بقيادة عزيز أخنوش، الذي يعتبر أغنى رجل في المغرب بعد الملك محمد السادس؛ لم يحقق القضاء المغربي في أي قضايا فساد واسعة النطاق منذ العام 2020، باستثناء قضايا قليلة آخرها، اعتقال شخصيتين بارزتين في حزب “الأصالة والمعاصرة”، أحد مكونات الائتلاف الحكومي، وهما سعيد الناصيري، رئيس نادي “الوداد الرياضي”، وعبد النبي بعيوي، رئيس “جهة الشرق”، اللذان يقبعان في السجن حاليا، في انتظار استكمال التحقيق معهما، بمعية أزيد من عشرين متهمًا آخرين، في القضية المشهورة إعلاميا بـ”إسكوبار الصحراء”.

وبلغة واضحة وصريحة، أكد رئيس “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” بشير الراشدي، أثناء حديثه في ندوة صحفية في دجنبر الماضي، أن “المغاربة يعتبرون أنه لا جدوى من التنديد بالفساد”.

حديث رئيس الهيئة، جاء في سياق تقديم نتائج بحث وطني حول الفساد، تضمنه التقرير السنوي لهيئة محاربة الرشوة في المغرب خلال سنة 2022، والذي كشف أن 6 بالمئة ممن تمت استشارتهم، ابدوا عدم الاستعداد لتقديم “شكوى إلى العدالة”، بسبب “عدم جدوى تقديم شكوى أو تبليغ، والخوف من الانتقام المحتمل” مِن قبل من هم في السلطة.