الرئيسية

“توسلوا للبقاء”.. القضاء الإسباني يأمر بإعادة قاصرين مغاربة إلى إسبانيا

يبلغ عبد الحكيم زراد الآن 19 عامًا، كان أحد القاصرين المغاربة الذين وصلوا إلى سبتة، سنة 2021، وقامت السلطات الإسبانية بإعادته إلى المغرب رفقة قاصرين آخرين. وقد تمكن من العودة إلى سبتة، مخاطرًا بحياته في البحر، بينما يواصل الأطفال المغاربة الآخرون والمتضررون من ذلك الترحيل القسري، العيش في المغرب بعد ترحيلهم إليه بشكل غير قانوني، والذين تطالب المنظمات غير الحكومية بإعادتهم إلى إسبانيا.

“هوامش”| “إِلْدياريو”/ ترجمة سعيد المرابط: 

أكدت المحكمة العليا الحكم القضائي الصادر ضد الحكومة الإسبانية بسبب الترحيل غير القانوني لعدد من القاصرين إلى المغرب من سبتة في صيف 2021. 

وأوضح القضاة أن هذه الإعادة “يجب أن تمتثل للتشريع الإسباني وضماناته ولا يمكن أن تستند فقط إلى القانون الإسباني”. 

كما طعنت المحكمة في اتفاق إسباني مغربي بشأن العودة المنسقة للقاصرين، وطلبت النيابة العامة والجمعيات المشتكية من القضاة المصادقة على هذه العقوبة أمام السلطة التنفيذية.

“لم يسألني أحد إذا كنت أرغب في العودة”

وللحديث عن العودة إلى المغرب التي عاناها في غشت 2021، يردد عبد الحكيم زراد نفس العبارة مرارا وتكرارا، وكأنه بعد عامين لم يفهم بعدُ؛ كيف تركته إسبانيا فجأة على الجانب الآخر من سياج سبتة بعد قضاء شهرين في المدينة، “لم يسألني أحد إذا كنت أرغب في العودة، ولم يخبرني أحد بما سيفعلونه”.

فعندما وضعوه في شاحنة مع 14 مراهقاً مغربيًا مثله، اعتقد أنه سيتم نقله إلى مركز آخر، حتى تعرف من خلال النافذة على معبر “تاراخال” الحدودي، ليغرق في البكاء، متوسلًا أنه يريد البقاء، ولكنه لم يُسمع.

وكان عبد الحكيم زراد أحد القاصرين الذين تعرضوا “لخطر جسيم” من قبل الإدارة خلال العودة “غير القانونية”، التي تم تفعيلها في عام 2021، من قبل الحكومة المحلية في سبتة وبموافقة وزارة الداخلية، كما أكدت المحكمة العليا الإسبانية ذلك يوم الاثنين الماضي.

وعلى الرغم من قوة الحكم، دافع كل من وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا والمتحدثة الرسمية باسم السلطة التنفيذية، بيلار ألِغْرِيا، يوم الثلاثاء الماضي، عن الإجراء وأصرّا على الحفاظ على “المصالح الفضلى” للقاصرين مثل عبد الحكيم ورفاقه.

ولكن الصبي المغربي، الذي أصبح الآن في السن القانونية، لا يفهم كيف يمكن للإدارة أن تعرف مصالحه إذا لم يسألوه عن وضعه في المغرب، “كنت في سبتة، في وسط سانتا أميليا ولم يسألني أحد إذا كنت أريد العودة… لم يسألني أحد، فقط دخلت الشرطة إلى المركز وطردت 15 طفلًا، ولم يحذرنا أحد. ولم أرغب في العودة”، يقول الفتى مصرًا.

ويؤكد حكم المحكمة العليا أن الحكومة “لم تراع مصالح القاصرين، ناهيك عن التحقق من ظروفهم الفردية”، كما يقتضي القانون الإسباني في عملية طرد القاصرين غير المصحوبين بذويهم.

ويقول عبد الحكيم “إذا لم يسألوني ولم يعرف أحد أي شيء عني، فكيف يمكن أن يفكروا فيما هو الأفضل بالنسبة لي؟”. ويضيف “كنت خائفا للغاية لأنني لم أرغب في المغادرة، ولم أكن أعرف ما الذي سيحدث”.

وبعد عبور الحدود، تم نقل الأطفال الخمسة عشر في تلك المجموعة إلى مركز للأحداث في المغرب، وبعد يوم عاد زراد إلى منزله المتواضع بالقرب من الحدود مع سبتة، حيث كان والداه يجاهدان لرعاية أسرتهما بصعوبة. 

“لم يكن لي مستقبل في المغرب. لقد فكرت دائمًا في العودة إلى سبتة. قضيت سنة في المغرب، وكان علي أن أساعد عائلتي وأعمل ولم يكن هناك شيء؛ عائلتي فقيرة جداً، فقررت أن أحاول مرة أخرى”، يقول الشاب الذي يبلغ من العمر الآن 19 عامًا.

وبعد أن أمضى شهرين في سبتة كقاصر دون مغادرتها، وجد نفسه يعود إلى المربع الأول، إلى الواقع الذي هرب منه، وبعد عام من عودته، قرر عبد الحكيم المخاطرة بحياته والعبور سباحة حتى وصل إلى سبتة. وبقي هناك، وعندما تمكن من الوصول إلى مدريد، تمكن من الحصول على وثائق إقامة من خلال دعم مؤسسة “Fundación Raíces”.

“كان يرغب بالعمل في مجال الفندقة، وتحديدًا الطبخ، ولهذا السبب رافقناه إلى مدريد حتى يتمكن من التدريب في مدرسة Cuisine Conciencia School الخاصة بنا. لقد أظهر حكيم دائمًا اهتمامًا كبيرًا بتعلم كل من التجارة واللغة الإسبانية، بالإضافة إلى المهارات الأساسية الأخرى المطلوبة في هذا العمل”، توضح لورديس ريزابال، رئيسة المنظمة.

وبعد إكمال العديد من الدورات التدريبية، حصل الشاب على وظيفة كمساعد طباخ في مطعم “Bertys Burger”، “الآن أنا سعيد للغاية. لدي مستقبلي”، يقول الفتى المغربي.

ويشعر عبد الحكيم بالامتنان، لكنه يتذكر زملاءه الذين ما زالوا في المغرب بعد إعادتهم، “الكثيرون ليسوا على ما يرام. يقولون لي نفس الشيء الذي قلته عندما كنت هناك، ليس لديهم مستقبل هناك، وأنهم يريدون مغادرة المغرب”.

ماذا حدث لأولئك الذين بقوا في المغرب؟

من محكمة في سبتة إلى المحكمة العليا، توصل القضاة التسعة الذين درسوا هذه المسألة إلى نفس النتيجة وبالإجماع، “لم تحترم إسبانيا والمغرب الحقوق الأساسية للقاصرين، ولم تكن الإجراءات الإدارية اللازمة لإعادتهم في الرباط موجودة على الإطلاق، (بمعنى أنه ليس هنالك مسوغ قانوني لذلك)، ولا كانت حكومة الرباط موجودة على الإطلاق، في تلك الإجراءات”. 

“إن أزمة الهجرة في 2021 لا تبرر كل هذه النقائص التي جعلت الإجراء غير قانوني من عدة وجهات نظر”، يؤكد الحكم قرار المحكمة الإدارية رقم 1 في سبتة، شهر فبراير 2022، حيث أمرت بإعادة القاصرين إلى إسبانيا، بعد أن تم ترحيلهم بشكل غير قانوني إلى المغرب

من جانبها، تؤكد المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن القاصرين، “Fundación Raíces” و”Coordinadora de Barrios”، عزمها التوجه قريبًا إلى محاكم سبتة لتعزيز إجراءات تنفيذ الحكم، والمطالبة بعودة الأطفال المرحلين الذين لازالوا في المغرب بأمان إلى الأراضي الإسبانية.

“يجب على الدولة أن تلتزم بالعقوبة التي تتضمن إعادة الحق المنتهك، وضمان إمكانية العودة”، تقول باتريشيا فرنانديز فيسينز، محامية منظمة “Coordinadora de Barrios”.

وتضيف “سنطلب تنفيذه، وللقيام بذلك علينا أن نسأل هؤلاء الأطفال عما إذا كانوا يرغبون في العودة إلى إسبانيا، وإذا رغبوا في ذلك، سنمضي قدمًا في تنفيذه”. وتوكّد المحامية في ذات السياق أن جميع الأطفال الذين ندافع عنهم “طلبوا منا مواصلة الإجراء حتى النهاية”.

وتخشى المحامية من العقبات المحتملة التي قد تعترض الخطوات المقبلة، وتقول “إن التصريحات التي أدلى بها يوم الثلاثاء المتحدث باسم الحكومة ووزير الداخلية، والتي تشير إلى أنهما تصرفا بشكل قانوني وحافظا على مصلحة القاصر، تظهر أنهما غير مستعدين للالتزام بالعقوبة”.

ويشير الحكم الأخير الصادر عن المحكمة العليا إلى ثمانية من أصل 55 قاصرا أعادتهم إسبانيا في غشت 2022، في حين تنتظر المنظمات غير الحكومية المشتكية حكما معلقا يتعلق بوضع 12 طفلا آخرين، قضيتهم متطابقة؛ لذلك، تتوقع أن تصدر المحكمة حكمها في نفس الاتجاه.

ومن بين الحالات الثماني المشار إليها في حكم المحكمة العليا الأخير، هناك حالتان فقط موجودتان حاليًا في إسبانيا بعد أن تمكنتا من الوصول إلى سبتة بمفردهما بعد العودة غير القانونية. 

وبلغ جميعهم الآن 19 عامًا، بينما يبلغ عمر أحدهم 20 عامًا، كما تصف لورديس ريزابال، رئيسة منظمة “رايِّيثيس” (جذور).

“تمكن اثنان فقط من السباحة عندما كانا قاصرين، وخاطرا بحياتهما مرة أخرى. عندما عاد هذان القاصران إلى سبتة، بمفردهما ودون حماية أي شخص بالغ، كانا تحت إشراف الحكومة المحلية بسبتة، وقبل أن يبلغا 18 عامًا، تم الاعتناء بهما من قبل مؤسستنا ورافقناهما في طريقهما إلى شبه الجزيرة وفي حياتهما، بالتدريب والبحث لاحقا عن عمل”، توضح ريزابال.

ومن بين الخمسة الذين ظلوا في المغرب، حددت المنظمة غير الحكومية مكان أربعة، “أحدهم يعيش في الشوارع منذ ذلك الحين، وفي وضع محفوف بالمخاطر الهائلة. لم نتمكن من تحديد مكان القاصرين الآخرين، ولا أحد يعرف عنهم شيئًا”، تقول رئيسة المؤسسة متأسفةً. 

“سندرس وضع كل واحد على حدة، وبما يتوافق مع مصلحته، سنتخذ الإجراءات المناسبة لاستعادة حقوقهم وإصلاح الأضرار التي لحقت بهم، والانتهاك الذي اعترفت المحكمة العليا أنه لحقهم” تؤكد ريزابال.

مسؤولية إسبانيا 

دخل الصبية إسبانيا في ماي 2021 وأعيدوا إلى المغرب في غشت من ذلك العام، بعد عدة أشهر فقط. وفي تلك الفترة، أدت أزمة الهجرة المفتوحة بين مدريد والرباط إلى عبور آلاف الأشخاص حدود سبتة بطريقة خارجة عن السيطرة، وتم إيواء القاصرين في مركز رياضي، لمدة ثلاثة أشهر، حتى اليوم الذي تمت إعادتهم فيه.

وتتفق جميع المحاكم على أن هذا الإجراء الذي اتخذته حكومة إسبانيا “ينتهك تقريبًا جميع القوانين التي تحمي القاصرين”، وبشكل خاص؛ قانون الهجرة، الذي يعزز حماية القاصرين غير المصحوبين بذويهم، واتفاقية حقوق الطفل.

وكانت المحكمة العليا واضحة في قرارها، “لقد انتهكت جميع الإجراءات الأساسية والاحتياطات الإجرائية التي كانت إلزامية للعودة إلى الوطن”، والتي عرضت الصبية “لخطر كبير على سلامتهم الجسدية أو المعنوية”. 

وأضاف القضاة أن سياق أزمة الهجرة “لا يسمح بأي حال من الأحوال لمملكة إسبانيا بالتذرع لخرق القانون”.

واستمعت المحكمة العليا إلى ممثلي الدولة، وحكومة سبتة المتمتعة بالحكم الذاتي، الذين تعذروا بأزمة الهجرة هذه، لكنها توصلت إلى نفس النتيجة. وأضافت المحكمة العليا أن “قبول المغرب لعملية التسليم بموجب هذه الشروط لا يبرر السماح لإسبانيا بالقيام بذلك”، مما ينتهك حقوق القاصرين، موضحةً أن الأمر “يتعلق باحترام إسبانيا كدولة قانون”.

وبالتالي، يوضح حكم المحكمة العليا، أنه حتى في الظروف الأكثر خطورة على الحدود الجنوبية، لا يُسمح لإسبانيا بإعادة القاصرين دون التأكد من أنهم بخير، وأنه يتم تسليمهم في الواقع إلى عائلاتهم. 

كما يسلط الحكم الضوء على الاتفاقية الموقعة بين مدريد والرباط عام 2007 كوثيقة تمكن القيام بذلك. وأصدرت تحذيرًا، “إن إعادة عشرات القاصرين غير المصحوبين دون أي نوع من الإجراءات يشكل طردًا جماعيًا للأجانب، وهو أمر غير قانوني” وفقًا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، كما تقول المحكمة العليا.

وعندما عاد عبد الحكيم إلى سبتة بعد عام من إعادته إلى المغرب، قابل مئات من زملائه الذين التقى بهم قبل عودته غير النظامية، والذين دخلوا المدينة معه ولكن لم يتم طردهم بعد تعليق العملية. 

حينها لاحظ مدى إتقانهم اللغة الإسبانية، “لقد كانوا يتلقون دروسًا طوال هذا الوقت وأنا لم أفعل ذلك، ولهذا السبب أنا متخلف قليلاً عن البقية”، يقول الشاب باللغة الإسبانية.

وختم قائلًا، “من المهم أن يقول القضاة هذا لأن شرطة سبتة تركتنا عالقين على الحدود وكان جميع الأطفال يبكون”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram