الرئيسية

بعد الزلزال.. نساء أمزميز يواجهن فصل الشتاء والمرض والإقصاء

تقول نورة، 41 سنة وأم لطفل، والإرهاق باد على ملامح وجهها وجسدها النحيل، "أعاني من مرض السرطان، قبل الزلزال كان المحسنون يقدمون لي يد المساعدة، ولكن الآن بعد أن سمع الجميع بإعلان تقديم مساعدات مالية للأسر المتضررة من الزلزال، لم يعد هناك من يقدم يد العون ظنا بأن جميع المنكوبين استفادوا من مبلغ 2500 درهم"

متابعة | أمزميز- سامي صبير

ما إن تطلع الشمس حتى يغادر الرجال مخيمات الدائرة السادسة بجماعة أمزميز، كل إلى وجهته، يقصدون الأسواق والورش والبساتين طلبا للرزق، لقد مر أزيد من 100 يوم على ليلة الثامن من شتنبر، وتجاوز المنكوبون مرحلة البحث عن المفقودين تحت الأنقاض ومعالجة المعطوبين ووداع الضحايا بفترة طويلة، أما النساء فلا يغادرن الخيام.

يقول إدريس، أب لثلاثة أطفال وهو أحد منكوبي الدائرة السادسة، “نهارا لا تستطيع النساء الابتعاد عن الأطفال ويمضين اليوم يحرسن الخيام خوفا من السرقة، أما ليلا وفي ظل موجة البرد القارس الذي تزداد حدته خلال فصل الشتاء فنبحث عن الدفء بإشعال النار في الحطب كي ينام الصغار.

نورة .. قصة امرأة تصارع المرض والبرد والإقصاء

تلك الليلة، سجلت الهزة الأرضية الأقوى التي عرفها المغرب منذ أكثر من قرن، مركزها قرية جبلية تدعى إغيل التي لم يسمع بها أحد من قبل، وفي دقائق قليلة أضحت محط أنظار العالم، ومن هناك بدأ كل شيء.

اليوم، بعد مرور قرابة أربعة أشهر، وعلى بعد نحو 82 كيلومترا ونصف الكيلومتر، من مركز الزلزال، تبدو دروب بلدة أمزميز صامتة وخالية إلا من حركة قليلة لعابر مسرع، أو شيخ أمام محل بقالة لم تجهز عليه الهزة الأرضية ليلة الفاجعة، وعلى جدار قرب مسجد هوت منارة مئذنته، كتب بالأصفر “خطر” وسهم يشير إلى زقاق ملأت أكوام الأنقاض جنباته.

تحولت ساحات البلدة إلى مخيمات تؤوي العائلات التي تهدمت بيوتها أو أضحت آيلة للسقوط على رؤوس قاطنيها. تحلقت النسوة أمام مدخل مخيم صغير نصبنه على قارعة الطريق يضم المعوزين والأرامل، يراقبن القادم أملا في حلول لجنة تتفقد أحوالهن أو قافلة تضامن تزودهن بالحاجيات، مثل تلك التي هبت لنجدتهن في الأيام الأولى، بعدما قلبت الهزة الأرضية للثامن من شهر شتنبر حياتهن رأسا على عقب، فوجدن أنفسهن عرضة للشارع. 

الأحاديث هنا لا تخلوا من عبارات الاستفسار عن وصول الدعم وتتمحور حول (الكود) وهو الرمز الذي تبعثه السلطات في رسالة نصية إلى المعني بالأمر، والتوصل به يعني أنه سيحصل على المساعدة التي خصصتها الدولة لمنكوبي الزلزال وأملا في التعويض عن الضرر الذي لحق المنازل، الموضوع الذي يخيم على الدردشات هنا هو “الاستفادة”.

تقول نورة، 41 سنة وأم لطفل، والإرهاق باد على ملامح وجهها وجسدها النحيل، “أعاني من مرض السرطان، قبل الزلزال كان المحسنون يقدمون لي يد المساعدة، ولكن الآن بعد أن سمع الجميع بإعلان تقديم مساعدات مالية للأسر المتضررة من الزلزال، لم يعد هناك من يقدم يد العون ظنا بأن جميع المنكوبين استفادوا من مبلغ 2500 درهم”، تعيش نورة داخل خيمة محاطة بسياج من القصب مغلف بالبلاستيك، جزء من الخيمة خصصته للنوم إلى جانب طفلها والجزء المتبقي للطبخ والأكل، وتضيف “اضطررت لمغادرة المنزل الذي كنت أكتريه بعد أن هجرني زوجي وتراكمت سومة الكراء على كاهلي، وتم قطع الماء والكهرباء، وليس لدي حل”.

وتقول “لم نستفد حتى من الإيواء، صنعنا خيامنا بأنفسنا بعد طول المماطلة، كلما سألت أحد المسؤولين عن خيمة آوي إليها يوجهني إلى مسؤول آخر، حاليا لم يعد باستطاعتي شراء الأدوية وسأظل هنا إلى أن يجدوا لي حلا فليس لدي أحد ألجأ إليه”.

وأوضحت نورة في حديثها، بأن آخر ما وصل إلى علمها بشأن وضعية ملفها المتعلق بدعم الأسر المتضررة من الزلزال، هو أنها مثل عدد من نساء المخيم لن يستفدن لأنهن مكتريات ولسن مالكات للمنازل التي تم إحصاؤها من قبل اللجنة المختصة، قائلة “نحن في حيرة من أمرنا نظرا لغياب أي توضيح وتضارب في الأجوبة والأخبار التي نتلقاها، نحن تضررنا أكثر من أصحاب المنازل، فهم لديهم أمل أما نحن فلم يعد بإمكاننا دفع الإيجار من جهة ولن نستفيد من الدعم من جهة أخرى”.

نورة ليست المرأة الوحيدة التي قابلناها تصارع العوز والبطالة بسبب المرض وتنتظر جوابا إيجابيا على ما تعتبره حرمانا من الإستفادة من دعم الأسر المتضررة من الزلزال، بسبب مسطرة الإحصاء، فهناك عدد من النسوة يعشن نفس الوضع ويواجهن ارتفاع سومة الكراء بسبب الطلب الكبير وقلة المنازل الصالحة للسكن.

ترقب وخوف من فصل الشتاء وعقبات أخرى

الممر الذي يتوسط الخيام البلاستيكية ليس كبيرا، بجانبه مجرى ترابي يربطه من شماله إلى جنوبه لصرف مياه الغسيل. أمام باب خيمة صغيرة، يبدو أن بعض المتطوعين سهروا على تزويدها بالكهرباء، استقبلتنا مينة، سيدة سبعينية خط العمر آثاره على وجهها، هي الأخرى بدورها تعيش نفس واقع العوز مثل نورة، تقول في حديثها لمنصة هوامش، أعيش داخل هذه الخيمة مع زوجي العجوز وطفلي بالتبني، نشعر خلال الليل وكأننا في العراء بسبب شدة الصقيع الذي تعرفه المنطقة مع بداية موسم الشتاء، لدرجة أن الأغطية التي بحوزتنا لا تستطيع تحمل ضراوته.

تقول مينة، ما يزال مصيرنا مجهولا لحدود الساعة، حتى الخيمة التي أحتمي بها تمزقت، أخبرتنا السلطات عدة مرات بأنه سيتم توزيع خيام علينا لكنهم لم يفعلوا، وفي نفس الوقت توجد تجمعات في المنطقة استفادت من الخيام، ونحن لم نستفد.

وتضيف جارتها نورة، عندما تساقط المطر في الأشهر الأولى بعد الزلزال، تحول المخيم لما يشبه المستنقع من شدة الوحل، وتسربت المياه إلى الأفرشة والأغطية داخل الخيام.

نفس الأمر يؤكده إدريس، ويضيف “بالنسبة إلى عملية توزيع المساعدات التي يرسلها المحسنون ودعم الدولة للمنطقة، تخضع للحسابات بناء على الولاء ووزنك بين ساكنة أمزميز، ويوجد نوع من الفوضى حتى بين المنكوبين”.

مخيمات بمرافق صحية دون خصوصية للنساء

على طول الطريق الرابطة بين أمزميز وتحناوت عاصمة إقليم الحوز، يمكنك أن تشاهد المخيمات المتناثرة على قارعة الطريق وعند سفوح الأطلس الكبير، وفي كل مخيم استغلت مساحة فارغة وضعت فيها مراحيض مشتركة على شكل أكشاك من البلاستيك أو الخشب، بعضها عبارة عن منحة من المكتب الشريف للفوسفاط أو الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية، والبعض الآخر عبارة عن أكواخ من الخشب والقصدير، تغلفها أكياس بلاستيكية بقاعدة إسمنتية تم ربط مجراها بقنوات الصرف الصحي أو بالمجاري المكشوفة.

بحسب مذكرة للمندوبية السامية للتخطيط، فإن مجموع الأسر وفق التقديرات التي بنيت على معطيات إحصاء 2014، في المناطق التي أعلنت الحكومة في الجريدة الرسمية بأنها مناطق منكوبة، يبلغ 578 ألف و280 أسرة تضم ما بين أربعة وخمسة أفراد، موزعة على 6 أقاليم، تضم جماعات ودواوير اكتسحتها شدة الخراب، دافعة بالسكان إلى الاستقرار في الساحات وتحت الأشجار في البساتين هربا من الأطلال.

يقول إدريس، “بعد العصر تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض ويشتد البرد نظرا لقلة التساقطات، لو أنه فقط كانت هناك أمطار كان يمكن أن تخفف من شدة الصقيع”، مضيفا “تواجه النساء صعوبة في قضاء حاجتهن بسبب الصقيع الذي تعرفه المراحيض الموضوعة في العراء”، مشيرا إلى أنه “أحيانا تختنق وتفيض علينا إلى حين أن يتطوع أحدهم لإصلاحها وتنظيفها”.

داخل أحد المخيمات، المنتشرة في الدائرة السادسة بأمزميز، كانت بعض الخيام تبدو متروكة مع قليل من الأغراض كدليل على أنها محجوزة، فبعضهم لم يجد أمامه من حل مع بداية موجات البرد، سوى تقديم ملتمسات لإعادة النظر في قرار عدم استفادته من التعويض، وبدء حياة جديدة بالهجرة نحو مدينة مراكش أو الجماعات القريبة التي لم تدكها شدة الزلزال ويمكن أن يجد فيها مسكنا جديدا، تاركا خلفه ذكريات وموتى ومعوزين وأطلالا.

من جهتها تتساءل نورة: هل سنظل في هذا العوز والبرد؟

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram