– محمد حميدي –
وأنت تتجول في ساحة جامع الفنا، رئة السياحة بمراكش، بعد انصرام أكثر من مئة يوم على زلزال الحوز، يخامرك للوهلة الأولى، الشك في أن هذا الزلزال كان له ذرة من تأثير على دينامية القطاع السياحي بالمغرب؛ فالساحة تزدحم بالمئات من السياح الأوروبيين والآسيويين والأفارقة بما فيهم المغاربة، طيلة فترات اليوم، وعلى مدار الأسبوع.
لكن، ما أن تتعمق في إقليم الحوز، حيث تتوارى المنتجعات الغابوية الخلابة بين جبال ودواوير الأطلس الكبير، حتى تكتشف أن “الجراح” التي تركها الزلزال في “جسد” السياحة الجبلية ومستخدميها في هذا الإقليم، لم تندمل بعد.
“لم يزرني سائح منذ ثلاثة أشهر”
“منذ ثلاثة أشهر لم يدخل محلي سائح واحد”، يقول (ت.ح)، الذي يملك محلا لبيع الأحافير les fossiles والأباريق والأواني والحلي العتيقة، بمحاذاة الطريق، عند مخرج دوار ماريغا بالجماعة القروية ويركان، التي أصبحت مبان كثيرة من قراها أثرا بعد عين.
وفي تصريح لهوامش، يضيف (ح) البالغ من العمر 73 سنة، قضى معظمها داخل المحل المذكور أنه “قبل الزلزال، كان الإقبال على السلع جيدا من قبل السياح، لكن منذ ذلك اليوم، تغير الوضع؛ إذ نادرا ما عدت أرى سياحا يمرون أمام محلي، وإذا حدث فغالبا يكونون (السياح) متجهين إلى أحد الفنادق الموجودة في الدوار”، وأغلب هذه الأخيرة، حسب ما رصدته “هوامش” أياما بعد الزلزال، لم يتضرر كثيرا أو تلحقه شقوق تستدعي إيقاف نشاطه.
وعندما زُرنا محل (ت.ح)، يوم 22 شتنبر 2023، كان ما تبقى من بضاعة الرجل، ما يزال متناثرا على أرضية المحل، وعاينت “هوامش” أباريق وأواني مكسرة أو تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه بفعل الزلزال، وهو يُقدر قيمة خسائره بثلاثة ملايين سنتيم على الأقل. لكن يظهر أن (ت.ح) تخلص منها، وأعاد “ترتيب ما بقي صالحا من السلع على رفوف المحل”.
وبنبرة جازمة، يقول (ح)، الذي شكل هذا المحل طيلة سنوات مصدر الدخل الذي أعال ودرّس به ثمانية من أبنائه إلى أن اشتد عودهم، “لم تسأل أي لجنة عن أوضاع أحد من مهنيي السياحة في دوار ماريغا بويركان”.
خسارة محدثنا لم تتوقف عند محل تجارته، فهو فضلا عن ذلك لم يستفد لا من الدعم الخاص بالسكن ولا من الدعم الاستعجالي البالغة قيمته 2500 درهم. رغم أنه يقول بأنه قدم “شكاية لدى السلطات المحلية، تبعتها زيارة للجنة تفقدية ثانية إلى محله وبيته الطيني المجاور (سقطت أجزاء منه بفعل الزلزال)، ثم شكاية ثانية بعدما لم تفي هذه الزيارة بالمراد”. وهو الأمر الذي يجعل الرجل ينفعل قائلا “2500 درهم هذه فقط أمانة… يكفي أن ينفذوا تعليمات الملك”.
تضرر مؤسسات الإيواء سبب نقص السياح بويركان؟
في دوار إمزيلن الذي يقع هو الآخر في نطاق الجماعة القروية لويركان، ولا يبعد سوى بمسافة ثلاثة كيلومترات ونصف تقريبا عن دوار ماريغا، قابلنا سائق سيارة أجرة كبيرة، يعمل في خط ويرغان-آسني، ظل ينتظر مدة طويلة حتى يكتمل عدد الركاب للرحلة.
وعلى الرغم من أننا شاهدنا مرور سياح، مثنى وثلاث، بين الحين والآخر في هذا الدوار، بخلاف دوار ماريغا، فإن السائق الشاب تحدث لنا عن تناقص أعداد السياح الذين يُقلهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية مقارنة بالمعتاد، مشيرا إلى أن “أغلب السياح الذين باتوا يقصدون ويرغان، يتجولون فقط في المنطقة، ثم ما يلبثون أن يعودوا أدراجهم”.
لا تقدم وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ولا المكتب الوطني المغربي للسياحة، أي إحصائيات يمكن أن يستشف منها العدد الدقيق للسياح سواء الذين يزورون إقليم الحوز بصفة عامة، أو الذين يزورون ويرغان بصفة خاصة. وهو الأمر الذي سجلت “هوامش” استمراره حتى بعد حدوث زلزال الثامن من شتنبر.
لكن بلاغا للوزارة في شهر أكتوبر 2023، أفاد أن مدينة مراكش، التي تعد بمثابة “مُصدّر” للسياح لإقليم الحوز والأقاليم الأخرى المحيطة بالمدينة الحمراء، شهدت في شهر شتنبر وحده توافد أزيد من 860 ألف سائح، مقارنة بـ 792 ألف خلال نفس الشهر من السنة الماضية. وهو الأمر الذي أثار في حينه ويثير الآن سؤال: “لماذا لم ينفض القطاع السياحي بقرى ويرغان غبار الزلزال بعد ؟”.
ويبدو أن جواب هذا السؤال بالنسبة لسائق سيارة الأجرة الشاب يتمثل في “كون زلزال الثامن من شتنبر أتى على عدد كبير من دور الضيافة والفنادق في المنطقة. ففي دوار إمزيل على سبيل مثال، تبقى فندق وحيد قبل الخدمة. وللإشارة فنصف غرفه فقط تبقت سليمة”.
ومع ذلك، يلفت المتحدث الانتباه إلى معطى “ينبغي استحضاره هنا، ويتمثل في كون بعض أرباب الفنادق بالمنطقة يتعمدون الإبقاء على فنادقهم “مغلقة” مخافة عدم الاستفادة من الدعم”، الذي أعلنت الوزارة الوصية منتصف الشهر الماضي عن بدء استقبال طلبات الحصول عليه بالنسبة لمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة.
عمال “النوار”.. بين خيار “البالة” أو الهجرة
ويبدو أن الدعم الذي تعتزم الوزارة الوصية تقديمه لضخ دماء جديدة في القطاع السياحي بالمناطق المتضررة من زلزال الحوز، قد استثنى المستخدمين بالقطاع، والذين يغلب عليهم في هذه القرى والمداشر المستخدمون ب”النوار”، أي المستخدمون بدون عقود عمل.
على سبيل المثال “يشتغل عدد من أبناء دوار إيمزيلن، في الحراسة والمطعمة…في الفنادق الموجودة في القرية. وبعد الزلزال لم يكن أمام الذين يتوفرون منهم على القدرة البدنية سوى “البالة” (يقصد بها العمل في البناء). أما الآخرون، فقد هاجروا إلى مدن أخرى”، يصرح توفيق الجعيدي، الفاعل الجمعوي بويرغان لهوامش.
ولم يتسن لنا رغم البحث اللقاء بأي من مستخدمي “النوار” السابقين في مؤسسات الإيواء السياحي بويرغان، ولا الحديث معهم عبر الهاتف، للاستفسار عن وضعيتهم وما إذا كانوا قد ناقشوا مع مشغليهم مصيرهم بعد الزلزال، بالنظر إلى امتناع بعضهم أملا في العودة إلى العمل في الفنادق بعد إعادة بنائها،ربما.
أما مرشدو الجبل غير المعتمدين، بويرغان وكافة إقليم الحوز، فيبدو أن في داخلهم يتقد أملان؛ أمل عودة السياح من جديد إلى المنطقة، وأمل الحصول على إذن رسمي لمزاولة هذه المهنة، بعد أن أصيبوا كما كشف المستشار البرلماني عبد الرحمن وفا في سؤال كتابي إلى الوزيرة الوصية، “بخيبة أمل كبيرة وضربة موجعة” قبل زلزال الثامن من شتنبر، حينما تم “إقصاؤهم” من اجتياز امتحان المرشدين في الثلاثين من غشت الماضي، نتيجة لـ “تشكيك” مصالح الوزارة بالحمراء في خبرة 30 عاما قضوها مع السياح بين جبال الأطلس.