ويرغان/إقليم الحوز- جهة مراكش آسفي/ محمد حميدي
خسائر بآلاف الدراهم
“كل شيء ذهب. لقد تهشمت الأحافير (les fossiles)، وانكسرت الأواني، وضاعت الصور”، بهذه العبارة عاجلنا التامر الحسين، 73 سنة، ما إن ترجلنا عن سيّارة الأجرة، قرب محله الواقع بدوار ماغيرا بالجماعة القروية ويرغان، التي سويت نسبة كبيرة من منازل قراها ومداشرها بالأرض، عقب زلزال الثامن من شتنبر.
يضم محلّ الحسين مختلف السلع التي تسلب ألباب وأفئدة السيّاح الذين يتدفقون عادة بأعداد كبيرة على المنطقة. يحاول أن يقدر قيمة خسائره من جراء الزلزال، فيقول بحسرة بادية في نبرته وعلى وجهه “أغلب ما نبيعه مرتفع الثمن، لأنه عتيق وقليل في السوق. هذاك الفاز (المزهرية) على سبيل المثال، نشتريه جملة بـ 300 درهم. وهناك صحون تصل قيمتها إلى 200 درهم. عموما ما خسرته يصل إلى 3 ملايين سنتيم على أقل تقدير”.
يصمت محدثنا قليلا، ثم يلتقط برّادا من السلعة المتناثرة على أرضية المحل، و يواصل وقد امتزجت في نبرته الحسرة بالانفعال “حتى السلع التي لم تتضرر كليّا لن يأتي بيعها بربح. أنظر هذا البرّاد (من المعدن)، مايزال لائقا للبيع. لكن، التقعرات الصغيرة التي ألحقها به الزلزال، سوف تنقص كثيرا من ثمنه الأصلي لا محالة”.
“الزلزال عبث بجينات المنطقة”
على بعد أمتار قليلة من محلّ الحسين، التقينا المرشد السياحي لحسن أوفرسة، برفقة سائحتين بريطانيتين، لا تتوقفان عن إظهار انبهارهما بجمال المنطقة الذي لم تنقص منه الكارثة شيئا. يحاول لحسن أن يُلخص معاناته من جراء تراجع أعداد السيّاح بالمنطقة، عقب زلزال الحوز، فيورد “منذ الثامن من شتنبر، لم أقم بأي جولة، حتى هذا اليوم، حيث اتصل بي أحد الفنادق، لمرافقة هاتين السائحتين”.
يقول الشاب الثلاثيني، إن السياحة موجودة في جينات ساكنة هذه المنطقة؛ إذ “على سبيل المثال، كان جدي مسيّرا لفندق، ويعمل أبي هو الآخر مرشدا سياحيا. أما أنا فقد زاولت مهنا أخرى مرتبطة بالسياحة منذ أن كنت في سن الحادية عشرة”؛ ولذلك فجميع ساكنة ويرغان –حسب المتحدث- تنتظر إجراءات فورية لدعم القطاع تكسر “إهمال” المنتخبين.
وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، قامت الأربعاء بزيارة تفقدية لمراكش وإقليم الحوز، بغية “تقييم وضعية المؤسسات والمواقع السياحية، التي تضررت جراء الزلزال”. لكن الوزارة لم تكشف- حتى كتابة هذا الربورتاج – عن أي إجراء لصرف دعم مادي لفائدة مستخدمي القطاع بالمناطق المتأثرة بالكارثة.
“النوار” يزيد الطين بلة
على مسافة أربعة كيلومترات من دوار ماغيرا، يقع دوار البور. هناك التقينا هشام (اسم مستعار)، حارس ليلي بفندق مصنف أربعة نجوم، انهارت منه سبع غرف، فيما طالت جدران الغرف المتبقية شقوق تهدد بانهيارها في أية لحظة. يعتبر هشام كلمة “ضرر” قاصرة عن وصف ما ألحقه الزلزال بوضعه المهني، فيقول بنبرة غاضبة إنه “أمام هذا الوضع مهدد بالرجوع إلى نقطة الصفر (البطالة)”.
ويضيف المتحدث لـ “هوامش”، والغضب لم يفارق نبرته: “في اليوم الثالث للزلزال، اتصل بي مالك الفندق مهددا إياي بالطرد، إن لم ألتحق بعملي، برغم أنني أخبرته بعدم قدرتي على ترك زوجتي وأبنائي لوحدهم في الخيمة ليلا، وأنني -فوق ذلك- قد أصبح تحت الركام في أية لحظة”.
ما يعمق جراح أغلب مستخدمي القطاع السياحي بدواوير ويرغان، عقب الزلزال، هو كونهم يشتغلون في”النوار”، بدون عقود عمل تحفظ حقوقهم، وهو ما يجعل فرص استفادتهم من التعويض عن فقدان الشغل ضئيلة. وإزاء هذا الوضع يجمل محدثنا بأسى ما يؤرق باله “أودي الخلاصة، تاتشوف كاينة مسؤولية. وكاين خطر، ومكاين تأمين ما كاين وراق”.
تعافي السياحة بالحمراء.. بارقة أمل لويرغان؟
خلال الأسبوع الأول للزلزال، رصدت “هوامش” معاناة مهنيي السياحة في مراكش من جراء تراجع أعداد السيّاح. لكن رئة اقتصاد الحمراء بدأت في التعافي بوتيرة تبدو مطمئنة، خلال الأيام الماضية، بالنظر إلى عدم تمكن الزلزال من فنادقها. وهو ما يُشكل، حسب الخبير في القطاع السياحي الزبير بوحوت، “فرصة لإنقاذ القطاع بكافة المناطق القروية والجبلية المحيطة بالمدينة”.
في حديثه لهوامش، لا يجزم بوحوت، بإمكانية تعافي السياحة الجبلية بجماعات الحوز، وفي طليعتها ويرغان، بنفس وتيرة تعافي القطاع في مراكش. لكنه يرى أن استضافة مدينة البهجة للاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أكتوبر القادم “ستحدث طفرة في القطاع السياحي بالحمراء، تستفيد منها أيضا الفنادق والمطاعم التي لم تتضرر جراء الزلزال في إقليم الحوز”.
ويلفت الزبير بوجوت إلى أن تشجيع الأنشطة والشغل، أحد المكونات الأربعة لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة، الذي أعلن عنه الديوان الملكي، الأربعاء، بقيمة 12 مليار دولار، سيشكل بابا للنهوض بالقطاع السياحي بالأقاليم الستة المتأثرة بالكارثة، شريطة “مراعاة ذلك من قبل المسؤولين الترابيين المكلفين بتنزيل البرنامج، في خطط العمل التي سوف يعدونها”.
“اوا يصاوب الله” بهذه العبارة أنهى هشام حديثه إلينا، ولسان حاله ينطق بالأمل الذي يحذو مهنيي القطاع بويرغان، ويمتزج بصمود لا متناه عبرّ عنه التامر الحسين بقوله “رغم الخسائر سنبقى نفتح محلاتنا، حتى لا يهجر السيّاح هذه المنطقة”.