الرئيسية

بعد 50 يوما من الحرب، مغاربة غزة بين المصير المجهول و”سماسرة” المعبر

بعد أكثر من شهر ونصف على بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، ما زال مصير ثلاثة أطفال مغاربة يتمهم العدوان، مجهولا بسبب انقطاع الاتصالات عن مدينة غزة. وإلى معاناتهم تنضاف معاناة باقي المغاربة العالقين في القطاع، الذين ينتظرون إجلائهم عبر معبر رفح البري، والمقدرين بأزيد من 500. هؤلاء كانوا قد "استبشروا" بإعلان السفارة المغربية في مصر، عن دفعة تشمل 112 مغربيا، غادرت معبر رفح يوم الاثنين 13 نونبر. لكن مجموعة من "مغاربة غزة"، كما تكشف "هوامش" في هذا التقرير، بدأت "تفقد الأمل" في إجلائها، بعدما "جف ريقها من المناشدة"، ولم "يتم الإعلان عن دفعة أخرى" بعد، متروكة بذلك "عرضة لسماسرة المعبر"، و"سبل أخرى للموت كالجوع والبرد والأمراض". فيما ترى مجموعة أخرى، في هدنة أربعة أيام فرصة، للنزوح بأمان، من مدن مغطاة بطائرات الاستطلاع الإسرائيلية كخان يونس، إلى مدينة رفح، أملا في الإجلاء.

هوامش – محمد حميدي

انقطاع الاتصال بأيتام مغاربة في غزة

جدّدت مصادر متطابقة في قطاع غزة لـ”هوامش” التأكيد على انقطاع الاتصال بثلاثة أطفال أيتام من عائلة العلمي، بسبب “غياب أي وسيلة للتواصل معهم. أمام احتلال الجيش الإسرائيلي لمدينة غزة بالكامل”. 

هؤلاء الذين عرضت “هوامش” مأساتهم في ربورتاج سابق، قضى والدهم المغربي وأمهم الفلسطينية، وعدد من أفراد عائلتهم؛ نحبهم في قصف استهدف منزلهم وسط مدينة غزة، منتصف شهر أكتوبر الماضي. وما زالت جثامينهم جميعا، تحت الأنقاض.

وقبل أسبوع، تأكد لـ”هوامش”، أن الأطفال الثلاثة كانوا محاصرين قرب مستشفى الشفاء، وبرفقتهم ثلاثة شهداء مغاربة آخرين، من أسرة خيال المغربية، إضافة إلى ستة مصابين، وأربعة شبان، وطفلين آخرين. وهؤلاء جميعا، عرضة للقصف الاسرائيلي المدفعي والجوي، الذي كان يشتد على مدينة غزة أكثر من باقي مدن القطاع. 

وأفادت مصادر إعلامية متطابقة، أن مجزرة يوم الجمعة 18 نونبر، التي طالت مدرسة الفاخورة، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الأردن والشرق الأدنى (الأنوروا)، “زادت أعداد الشهداء المغاربة خلال الحرب”. ومن ضمن الشهداء الجدد، الذين تُتداول أسماؤهم، صفية الحريري، موظفة في الوكالة، وزوجها، وخديجة آيت القاضي وأبناؤها، بالإضافة إلى حفصة كيناني، وكلثوم الشاشي، وعبد السلام السراج، الذي كان يشتغل قيد حياته تقني طاقة شمسية لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.

 وحسب ذات المصادر، فإن الشهداء المغاربة المتداولة أسماؤهم “ينحدرون من مدن صفرو وورزازات وتاونات والحسيمة”.

لا عدد محصور ولا هويات مؤكدة 

تعقيبا على الحصيلة المتداولة، أعلنت سفارة المغرب في فلسطين، في وقت سابق، مباشرتها لعمليات التحقق من حالات ارتقاء شهداء مغاربة جراء القصف الإسرائيلي على القطاع. وأكدت السفارة  لوسائل إعلام، أن هذه العمليات انتهت، حتى يوم الأربعاء الماضي، بـ”تسجيل حالتي وفاة مؤكدتين لمغربيين داخل قطاع غزة بعد قصف إسرائيلي”، من دون أن تحدد هويتي المعنيين، أو مكان استشهادهما بالضبط.

وقالت إيناس حمدان، مديرة مكتب إعلام “الأونروا” بالإنابة في قطاع غزة، السبت 25 نونبر، لـ”هوامش”، إن “التحقق من استشهاد موظفين مغربيين في الوكالة، -تقصد؛ عبد السلام السراج وصفية الحريري-، في قصف مدرسة الفاخورة، لم يتم بعد”.

وعزت المسؤولة هذا التأخر، إلى “إشكال عدم توصل الوكالة بعد بالاسم الرباعي (غير معتمد في المغرب) ورقم الهوية أو رقم جواز السفر الخاص بالمعنيين”، مؤكدة أنها تعمل رفقة إدارة الموارد البشرية للأونروا في قطاع غزة، “على إيجاد سبل للتأكد وتجاوز هذا الإشكال، رغم صعوبة الأمر”.

ويشار إلى أن الوكالة نشرت، الثلاثاء 21 نونبر، التقرير رقم 34 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي أفاد “ارتفاع أعداد القتلى في صفوف موظفيها في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر، حتى 19 من الشهر الجاري،  إلى 104 شخصا”، بعد أن أعلنت في الخامس عشر من نونبر، سقوط ما لا يقل عن 102 من موظفيها جراء “الأعمال العدائية في القطاع”. 

هذا المعطى، يؤكد أن قصف مدرسة الفاخورة بقطاع غزة، خلف شهيدين اثنين في صفوف موظفيها، ويزيد من احتمالية  كونهما المغربيين صفية الحريري وعبد السلام السراج، خاصة وأنه لم يُتداول حتى كتابة هذه الأسطر، أي ذكر  لأسماء أخرى لموظفين آخرين بالوكالة، فلسطينيين أو من ذوي جنسية أخرى، سقطوا خلال القصف المذكور.

مغاربة بخان يونس: آمالنا في الهدنة 

منير صافي، واحد من الذين تجرعوا مرارة النزوح من مستشفى الشفاء في مدينة غزة، غادره بمعية أفراد عوائل مغربية أخرى كالمغربي والمقوسي وصيام وحبوش، وذلك إثر اقتحام قوات الاحتلال للمشفى، فانتقلوا إلى مستشفى ناصر الطبي بمدينة خان يونس. 

ومع أن هذا المستشفى، لا يتعرض للقصف بشكل مباشر، فإن صافي يؤكد لـ”هوامش” أنه ليس بملاذ آمن للنازحين؛ إذ أن “أصوات طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، تملأ أرجاءه… هنا يسمع النازحون  أصوات القصف العنيف  بين الفينة والأخرى”.

ويرى المتحدث بصيص أمل في هدنة الأربعة أيام، التي دخلت حيز التطبيق، يوم الجمعة 23 نونبر 2023؛ إذ “ستمكن النازحين المغاربة من التحرك بأمان  اتجاه معبر رفح البري بغية إجلائهم”. 

وهذا المشهد المأمول لن يكتمل حسب صافي إلا “بتسريع المسؤولين المغاربة من وتيرة عملية الإجلاء”.

جدير بالذكر أن المئات من النازحين في جنوب وادي غزة، بدؤوا منذ الساعات الأولى للهدنة، العودة  إلى مدينة غزة وشمالها، بغية تفقد منازلهم وشققهم السكنية وذويهم. لكن يبدو أن المغاربة الذين تحدثت إليهم “هوامش” لا يعتزمون اقتفاء خطى هؤلاء؛ لأن “أغلب منازلهم مدمرة”. هذا عدا عن تناسل الأنباء في الإعلام العبري، حول اعتزام الجيش الإسرائيلي استخدام وسائل فض التظاهرات، لإيقاف عودة الغزيين إلى شمال القطاع.

“الحمد لله يخو عايشين بس”، بهذه الكلمات يلخص ميسرة المقوسي، حاله وباقي أفراد أسرته المغربية، بعدما نزحوا هم أيضا من مستشفى الشفاء بمدينة غزة، إلى مدينة خان يونس. 

أفراد أسرة ميسرة، تفرقوا بمجرد وصولهم إلى خان يونس. ولا يعرف الشاب العشريني، في “أي مكان بالضبط، يوجد نصف أعدادهم الآن”.

ويوضح ميسرة أن فرحهم بالنجاة من الموت قصفا في مدينة غزة، نسفته إمكانية “الموت جوعا من البرد والجوع في خان يونس… فالأكل سيء جدا، ومن الأمراض؛ حيث كان النازحون في مستشفى الشفاء محاطين بأعداد كبيرة من الجثث”.

“تُركنا عرضة للسماسرة”

لم يتمكن أغلب المغاربة الذين وصلوا إلى معبر رفح، من العبور إلى الأراضي المصرية؛ إذ على الرغم من بدء عمليات إجلاء الأجانب منذ مطلع هذا الشهر، فإن أول لائحة تضم المغاربة المرتقب إجلاؤهم، لم تصدر إلا يومه الاثنين 13 نونبر 2023. وتضمنت حينئذ 122 اسما من حملة الجنسية المغربية، مع وعد من سفارتي الرباط في القاهرة ورام الله “بأن يتم الإفراج عن كشوفات (لوائح) للمغاربة الذين سيغادرون قطاع غزة عبر معبر رفح، يوميا”. 

وأكدت  مصادر استشارتها “هوامش”، أنه “لم تصدر أي لائحة أخرى، منذ ذلك اليوم”، بل إنه جرى “إعادة أزيد من 40 مغربيا، من عائلات صافي والعلمي وحبوش وشراب، كانت أسماؤهم موضوعة على لائحة الاثنين، إلى قطاع غزة، بعد أيام من الانتظار داخل صالات معبر رفح”.

ومن ضمن المغاربة الذين أعيدوا محمد صافي، وزوجته وأطفاله الصغار الثلاثة، ويقول الرجل لـ”هوامش” إن سبب إعادتهم هو “غياب مندوب عن السفارة المغربية في مصر، حيث تشترط إدارة المعبر حضوره، للسماح للمغاربة المنتظرين في الصالات، بالعبور”.

ويؤكد صافي، أن هذا المسؤول، “اكتفى بالإشراف على مغادرة من تمكنوا من الوصول إلى المعبر يوم الاثنين، ثم انصرف”. 

وقال يوسف مجدي المقوسي، مغربي الجنسية، الذي غادر وأسرته المكونة من تسعة أفراد، منزلهم في غزة، منذ 13 أكتوبر، إنه ” أمر مؤسف أن سفارتي دولة المغرب بعظمتها، لم تتمكنا من التنسيق مع الإدارة لإخراج كافة رعاياها. بينما هناك دول كثيرة كإندونيسيا صفرت قطاع غزة من مواطنيها”.

“ليس لدينا أي معلومة. بهذه العبارة تجيب السفارة المغربية في فلسطين، في اليوم 45 للحرب، عن استفساراتنا حول موعد استئناف عمليات إجلاء مغاربة غزة”، يقول يوسف مجدي المقوسي. 

ويؤكد أن السفارة بذلك تركتهم “عرضة لسماسرة يشترطون مبالغ مالية باهظة تقدر بين 4000 آلاف دولار و6000 دولار أمريكي للشخص الواحد، مقابل التوسط له عند إدارة المعبر، لكي تدرج اسمه على لوائح الذين سيتم إجلاؤهم”. 

“لأننا أجانب..لا ملجأ لنا عند الأونروا”

ما يزيد الحاجة إلى التعجيل بإجلاء  المغاربة العالقين في قطاع “غزة”، وفق تصريح يوسف مجدي لـ”هوامش”، هو أن أعداد كبيرة منهم “محرومون” من اللجوء إلى منشآت “الأونروا”؛ “بحجة أنهم أجانب والأولوية للمواطنين الفلسطينيين”، مضيفا أنهم “يلجؤون إلى بيوت بعض العائلات في مدينة رفح”.

هذا “الحرمان” من الولوج إلى الملاجئ التابعة لـ”الأونروا”، التي أفادت في “التقرير رقم 34 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية”، أنها “غير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد”، الأمر الذي يعمقه عدم استفادة المغاربة العالقين، من المواد الغذائية التي تقدمها  كـ”الطحين والأغذية المعلبة والجبن والتمر…”.

ولذلك كشف يوسف مجدي، وعدد من المغاربة الآخرين، في ربورطاج سابق بثته “هوامش”، أن عليهم “إما الانتظار في طوابير طويلة لشراء الخبز، أو شراء بسكويت المساعدات، غير المخصص للبيع أصلا”؛ ففي أغلب الحالات يكون إما فاسدا أو اقتربت نهاية صلاحيته، بغية إسكات جوع أطفالهم.

ولا تكتمل فصول معاناة المغاربة العالقين عند ذلك الحد؛ فهم على غرار أغلب ساكنة قطاع غزة، يصلون بمشقة إلى المياه الصالحة للشرب؛ حيث تُظهر الصور التي توصلت بها “هوامش” اصطفافهم في طوابير طويلة للتزود بالماء من  أنابيب الشوارع، أغلبها متسخة أو محاطة ببرك من الدم القاني. 

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram