الرئيسية

 حي “الملاح” بمراكش.. تراث يهودي يحاول لملمة جراح الكارثة

استعاد حي "الملاح" سنة 2016، إسمه الأصلي، بدل حي "السلام" الذي منح له لمدة طويلة بعد رحيل اليهود، وذلك بناءً على قرار للملك محمد السادس، وبعد مرور عام على ذلك، قالت الصحافة المغربية أن أشغال الترميم في الحي اليهودي القديم بمراكش قد خصص لها ميزانية قدرها 17.5 مليون دولار. غير أن هذا المبلغ سيرتفع بعد أن اضطرت عشرات العائلات من ساكنة الحي يوم 8 شتنبر الماضي إلى مغادرتها بسبب حالة المباني الهشة.

مراكش-“هوامش”/ خاص: 

بين أطلال قرى وأحياء منهارة، لازال ضحايا زلزال الحوز يحاولون العودة إلى الحياة الطبيعية، بعد مرور ثلاثة أسابيعٍ ونيف على أعنف هزة أرضية دمّرت،  بشكل كلي أو جزئي، ما يفوق 59 ألف مسكن، فضلا عن تضرر عدد من المآثر التاريخية. 

 وغيرت الهزة الأرضية التي ناهزت قوتها 8 درجات على سلّم ريشتر؛ ملامح بعض الأحياء التاريخية، كحي “الملاح العتيق” في قلب مدينة مراكش، ثاني أقدم مدينة في المغرب.

تغيّر ملامح “الملاح” 

 يقع حي “الملاح” في المدينة القديمة بمراكش، وهو الاسم الذي تعرف به الأحياء اليهودية في جميع أنحاء المغرب. وصار “الملاح” مشهدًا شبحيًا لشوارع مغلقة، ومنازل مهدمة، وأخرى متصدعة أو مهددة بالانهيار؛ ذلك ما تظهره الأضرار الواضحة وسط هذا الركام الذي تحاول فيه الحياة، قدر استطاعتها، أن تشق طريقها نحو العودة.

بالاضافة إلى “الملاح”، تعرضت اثنتان من المآثر التاريخية  لأضرار متفاوتة في هذا الجزء من الذاكرة الحية المراكشية، ويتعلق الأمر بـقصر “الباهية وقصر “البديع”، في حين أصبحت لوحات الخشب المنقوش المزينة لسقف أزقة سوق الملاح، متهالكة ومدمرة، وبعضها مهدد بالانهيار على رؤوس المارة. 

شقوق في المعبد اليهودي 

في قلب هذا الحي، تعرض زقاق  يحمل إسمًا عبريًا لأضرار جسيمة، لكن المعبد اليهودي القديم ظل صامدا أمام قوة الهزة، ولم يصب بأية أضرار، مثلما سلمت أيضا  مدرسته الدينية الصغيرة، والتي عادت لفتح أبوابها بعد أيام قليلة من الكارثة. 

ويعود بناء هذا الكنيس إلى عام 1492، عندما هُجّر آلاف اليهود من إسبانيا، فلجأوا إلى شمال إفريقيا، وهو كنيس يعتمد لـ”صلاة العازمة”، تمت إعادة إصلاحه في القرن التاسع عشر. 

ورغم قوة الهزة، نجت أيضا أكبر مقبرة عبرية بالمغرب والتي شيدت غير بعيد عن “الملاح”،  واستفادت من عملية ترميم وتنظيف ليتمكن السياح اليهود من زيارتها بشكل طبيعي بعد زلزال الحوز.

معالم اليهود.. تكاد تختفي إلى الأبد 

 كاد الزلزال أن يخفي  معالم الموروث الثقافي اليهودي الذي يعود ترميمه إلى  القرن السادس عشر.  اليهود، الذين ينتمي جزء كبير منهم إلى السفارديم، من أصل أيبيري (إسباني)، عاشوا في تجمعات يقودها “رابي أو حاخام” (رجل دين يهودي) لتتوفر لهم إمكانية ممارسة شعائرهم وتناول طعامهم حسب الشريعة اليهودية.

 وخلال الأربعينات من القرن الماضي، استغلت الوكالة اليهودية وجهاز الاستخبارات (الموساد)، التجمعات السكنية اليهودية في أحياء الملاح، بقيادة الحاخامات، وكبار اليهود، حيث تمكنوا من نقل جزء مهم من اليهود المغاربة، على موجات مختلفة، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقدر من وصلوا إلى هناك بين 250 ألف و300 ألف شخص في الأربعينيات من القرن الماضي؛ مما جعل اليهود من أصل مغربي أكثر “الفئات” التي هاجرت إلى الأراضي المحتلة منذ 1948. وهكذا أفرغت أحياء الملاح من جل سكانها وأغلقت المحلات التجارية، وبدأت هذه الأحياء الشعبية في المدن العتيقة تعوض بالمسلمين. 

وبالإضافة إلى “إسرائيل”، كانت فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا من الوجهات المفضلة لدى اليهود الذين هاجروا من المغرب، فيما لا يتعدى من ظلوا، ألفين و500 يهودي يتركز أغلبهم في مدينة الدار البيضاء، ولم يتبق  في حي “الملاح” بمدينة مراكش، سوى 12 عائلة يهودية فقط.

ترميم وتطبيع 

مثل الأحياء اليهودية الأخرى ودور العبادة والمقابر، يخضع الحي الموجود في مراكش لعملية ترميم منذ ما يقارب عقدا من الزمن، وقرر ملك المغرب في السنوات الأخيرة، إحياء التراث المادي وغير المادي لليهود المغاربة، بينما سجل الدستور الجديد لعام 2011 في ديباجته، ولأول مرة، “العنصر اليهودي كجزء من الهوية الوطنية المغربية”. 

واستعاد حي “الملاح” سنة 2016، إسمه الأصلي، بدل حي “السلام”  الذي منح له لمدة طويلة بعد رحيل اليهود،  وذلك بناءً على قرار  للملك محمد السادس، وبعد مرور عام  على ذلك، قالت الصحافة المغربية أن أشغال  الترميم في الحي اليهودي القديم بمراكش قد خصص لها ميزانية قدرها 17.5 مليون دولار. غير أن هذا المبلغ سيرتفع بعد أن اضطرت عشرات العائلات من ساكنة الحي يوم 8 شتنبر الماضي إلى مغادرتها بسبب تأثر المباني.

وفي دجنبر 2020، وبشكل غير مسبوق، أعلن الملك محمد السادس، التطبيع  العلني، بين  المغرب وإسرائيل وشمل العديد من الميادين وصلت إلى التنسيق العسكري، بينما كان آنذاك حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المناصر للقضية الفلسطينية،  هو من يترأس الحكومة المغربية. 

وعلى الرغم من أن الحي اليهودي بأكمله أخذ النصيب الأكبر من الأضرار المعمارية الناجمة عن الزلزال، إلا أن هناك أماكن أخرى بالمدينة التاريخية، تعرضت لأضرار واضحة؛ طالت المنازل والمباني الأثرية في جميع أنحاء المدينة العتيقة، التي أُعلنت موقعًا للتراث العالمي، من قبل اليونسكو عام 1985. 

ويعود فضل تسجيلها تراثًا عالميًا إلى جهود الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، الذي عاش بها لعقود من الزمن،  وأعقبها قرار، يجعل من معلمة ساحة جامع الفنا، تراثا لا  ماديا للإنسانية في عام 2001 من قبل نفس المؤسسة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram