خاص| هوامش

عقب الزلزال الأعنف الذي لم يعرف المغرب مثله منذ حوالي 120 سنة، والذي خلف أضرارا بشرية ومادية في العديد من مناطق المغرب، شهدت البلاد موجة عارمة من التضامن سواء في المدن المتأثرة بالزلزال، أو في باقي المدن الأقل تأثرا، إذ أظهر المغاربة، تضامنًا مع الضحايا من خلال مبادرات مواطنة، تنوعت أشكال تجسيدها.

نداءات مؤلمة واستجابة مواطنة سريعة

 أطلقت نداءات من قبل المتضررين من المناطق المنكوبة، على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال نداءات صوتية ورسائل نصية، فالتقطها النشطاء وتناقلوها على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال، نشر فريد أكسيل نداء لإيصال 400 خبزة إلى دوار تيكيرت، جماعة أيت زينب، قيادة أمزكان، لأن الساكنة لا تتوفر على ما تقتات به، واستجاب شخص آخر من مولاي بوعزة إقليم خنيفرة، معلنا أنه يتوفر على مخبزة ومستعد لتحضير 4000 خبزة، إن كان هناك من يمكنه إيصالها إلى المناطق المتضررة.

يوسف الطويل من مدينة سلا بدوره توصل بنداء من شخص في مركز أمزميز، مفاده أن هناك أشخاصا تحت الأنقاض وآخرين لا يجدون طعاما، طالبا منه إن استطاع المساعدة أن ينسق معه، فكانت الاستجابة فورية. بعدها نشر يوسف نداء عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، معلنا أنه مستعد للتنقل إلى ضواحي مراكش لنقل أدوات الإسعافات الأولية والأكل إلى من هم في حاجة إليهم، وأنه سيحتاج إلى 4 أشخاص لمساعدته في هذه المهمة وإلى تبرعات من يرغبون في ذلك، وما هي إلا بضع ساعات عاد يوسف ليعلن أنه جمع ما يناهز 4000 خبزة و4 أغطية، وأن الجهود لازالت مستمرة، وفي كل مرة يعلن إسم متبرع ويشكره على ذلك.

الحسيمة، التي ذاقت آلام ومرارة الزلزال سنة 2004، نظم شبابها  وشباب إمزورن وبني بوعياش قوافل محملة بالمساعدات، تتضمن المواد الغذائية والأغطية وكل المستلزمات اتجاه الأقاليم المنكوبة.

حيث عجت حسابات أبناء الريف بنداءات التضامن، وفيديوهات شاحنات، كما وبادرت جمعية المتوسط لاخصائيي الترويض الطبي والعلاج الفيزيائي بدعوة المهنيين المزاولين و المندرجين تحت لواء التنظيم المهني بجهة: [طنجة-تطوان-الحسيمة] عبر المجموعة الرسمية واتساب لجمع مساهمات جمعية “يالاه نتعاونو” المخول لها جمع التبرعات والمساعدات النقدية والعينية طبقا للقوانين الجاري بها العمل في هذا الصدد، وقد لقيت هذه المبادرة إستحسانا كبيرا من لدن كل المهنيين و تم إقتناء عدد مهم من الأغطية التي تم تسليمها لجمعية “يالاه نتعاونو”.

دم المغربي لإنقاذ أخيه.. كل ربوع الوطن من أجل الحوز.

تجسدت الجهود الأولى لتقديم المساعدة بسرعة، على مدى ساعات الصباح من يوم السبت، في جميع أنحاء البلاد. شكلت طوابير من الناس في انتظار التبرع بالدم خارج المستشفيات ومراكز تحاقن الدم، لساعات طويلة، انتظر المغاربة، وكذلك العديد من السياح الأجانب، تحت حرارة مرهقة للغاية للتبرع بالدم.

من الحسيمة في شمال المغرب، حيث وجهت الجمعية المغربية لواهبي الدم، فرع إقليم الحسيمة، نداء للساكنة، بأن يبادروا بالتبرع بالدم لفائدة إغاثة ضحايا ومنكوبي الزلزال، وذلك بتنسيق مع المركز الجهوي لتحاقن الدم، في إطار حملة شعار “كلنا واحد من أجلكم”، ومن دون مفاجآت، الاستجابة كانت سريعة، إذ توافد العديد من المتبرعين إلى أماكن التبرع بالدم في انتظار فتح الأبواب في الموعد المحدد بأماكن متعددة منها ساحة محمد السادس بالحسيمة، والمقر القديم للباشوية.

هشام الفقيه، فاعل جمعوي من  بني بوعياش، علق قائلا “قد لا نكون حاضرين جسديا مع إخواننا المتضررين من الزلزال، لكننا معهم ماديا ومعنويا وبدمنا”، وأضاف أن ذلك ليس من باب رد الجميل بل هو واجب وطني وواجب إنساني، مصرحا “أن ساكنة الحسيمة، التي تعي جيدا الآثار النفسية للزلازل، تشاطر الضحايا أحزانهم وآلامهم”.

ومن الشمال إلى الجنوب، أبناء الصحراء لم يخلفوا الموعد، العديد من المتبرعين بالدم، في مدينة الداخلة، انخرطوا بشكل كبير في هذه العملية، وتعبأوا بقوة لمساعدة المتضررين من هذه المحنة.

ومن أقصى الشرق، في وجدة، استجابت الساكنة بشكل فوري، للنداء الذي وجهه المركز الجهوي لتحاقن الدم بمراكش، من أجل التبرع بالدم ، بالتوافد على المركز الجهوي لتحاقن الدم بوجدة، بهدف تعزيز مخزون الدم، والمساهمة في توفير كميات إضافية من أكياس هذه المادة الحيوية.

نفس الأمر في عروس البوغاز  طنجة وضواحيها، حيث تقاطرت أعداد كبيرة من المواطنين، نساء ورجالا من مختلف الأعمار، على مركز تحاقن الدم بشارع المسيرة الخضراء، للتبرع بهذه المادة الحيوية وتوفير الأكياس اللازمة. و دعت الكثير من الجمعيات المحلية من مختلف الاهتمامات وفعاليات اجتماعية ومدنية ساكنة المدينة الى الإقدام على هذا الواجب الإنساني والمجتمعي، فأطلقت الجمعيات مبادرات مدنية عفوية لجمع مساعدات عاجلة لدعم ضحايا زلزال الحوز، لاسيما من خلال توفير الأغطية والخيام والمواد الغذائية الأساسية وإيصالها إلى المناطق المنكوبة.

من أكادير، في قلب سوس، شارك لاعبو وأعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم، في حملة للتبرع بالدم، وعلى منوالهم سارت ساكنة عروس سوس ونواحيها، التي توافدت بقوة على المركز الجهوي لتحاقن الدم بأكادير.

وعلى غرار ما ذكر، شهدت كل من تيزنيت، والراشيدية، وبني ملال، والعاصمة الرباط، والدار البيضاء، وتطوان، وجهة فاس مكناس، وتارودانت حملات مماثلة للتبرع بهذه المادة الحيوية لإنقاذ من لازال هناك أمل في إنقاذهم.

جمعيات وإطارات مدنية تجندت للقيام بما يمليه الواجب.

جمعية تيغزى أطلس للتنمية، التي يوجد مقرها بالقرية المنجمية تيغزى، بجماعة الحمام، على بعد 7 كلمترات من مدينة مريرت، أعلنت عن تسخير حافلتها طيلة يوم الأحد بالمجان لنقل جميع المتبرعين بالدم صوب مدينة خنيفرة.

وناشد الائتلاف المدني من أجل الجبل جميع مناضليه ومناضلاته للمزيد من الدعم، خاصة في العمليات التي شرعوا فيها من قبيل التبرع بالدم، وبالتنقل إلى المراكز  المتضررة القريبة من تواجدهم. كما دعا كل الهيئات المدنية والمبادرات الخاصة لتنسيق التعبئة وتعزيز الحس التضامني الذي عبر عنه عدد كبير من المواطنين والمواطنات في الداخل والخارج، في العمليات التطوعية الممكنة أو الإسعافات الأولية أو الإمدادات العينية.

كما أثار الائتلاف الانتباه إلى أن عددا مهما من الدواوير لم تصلها عمليات الإنقاذ، إما لانقطاع المسالك أو لعدم تجنيد الوسائل الكافية للوصول إلى الجميع بالاستعجال المطلوب، مطالبا بتحريك مختلف الآليات والمروحيات لإنقاذ من يمكن إنقاذه، وتوفير حلول آنية لمن فقدوا مأواهم وممتلكاتهم.

وعلى ذات المنوال أطلقت مبادرة مدنية تحت اسم “المبادرة المدنية لدعم المناطق المنكوبة”، أصدرت بيانا وقعه، في لائحة أولية 74 إطارا مدنيا. وتجمع المبادرة مجموعة من الجمعيات والمنظمات والفعاليات المدنية والحقوقية الفاعلة في مجالات الطفولة والشباب والنساء والاعاقة وحقوق الانسان.

ودعت المبادرة إلى تكثيف الجهود الوطنية والدولية لمساعدة الضحايا وجبر الأضرار التي لحقت بالمناطق المنكوبة، ودعت السلطات الى ربط الاتصال بالفاعلين الاقتصاديين، وجمعيات المجتمع المدني، وفسح المجال امام الواهبين والمتبرعين من أجل تكثيف التضامن، ومؤازرة المناطق المنكوبة. كما اقترحت تنويع المبادرات المدنية ومحاولة التنسيق فيما بينها لكي تمر العمليات والتدخلات بسلاسة في احترام تام لكرامة الانسان وحقوقه.

بدورها الجمعيات المنخرطة ضمن منتدى تمارة، أطلقت حملة للتبرع، مركزة على فئة الأطفال، من خلال الدعم النفسي والمادي، لمساعتهم على تجاوز الصدمة النفسية والاجتماعية، معلنة انفتاحها على كل من هو على استعداد للمساعدة في تفعيل فكرة المشروع أو المساهة في التأطير.

بعض المشاهير المغاربة، عبروا بدورهم عن رغبتهم في تقديم دعم مالي، لمساعدة الأسر المتضررة من زالزال الحوز، وذلك من أجل تجاوز محنتهم الصعبة، داعين المسؤولين إلى فتح حساب بنكي رسمي بشكل عاجل.

ومن أبرز هولاء المشاهير، أسماء لمنور، وحاتم عمور، وسعيدة شرف، وأحلام الزعيمي، وفاطمة الزهراء الإبراهيمي، ومريم حسين وآخرين.

وذلك على غرار حملة “تركيا قلب واحد” التي شارك في تقديمها العديد من المشاهير الأتراك، عقب الزلزال المدمر الذي شهدته البلاد، في فبراير الماضي، مما مكّن من جميع ملايين الدولارت من التبرعات.

الجالية المغربية المقيمة بالخارج بدورها لم تخلف الموعد إذ عبرت عن رغبتها في تقديم المساعدة لأبناء وبنات الوطن المتضررين من الزلزال العنيف. وعبرت شخصيات فرنكو-مغربية عن دعمها أيضًا للضحايا، مثل جمال دبوز وجاد المالح، ودعوا إلى التبرعات، إذ أطلق المالح نداءً يوم السبت لمساعدة المغاربة “المنكوبين” بعد الزلزال العنيف الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص، واقترح تنظيم “حفلة أو برنامج تلفزيوني” لجمع التبرعات.

وقال المالح: “اليوم، أشجع الأشخاص الذين يشعرون بالحيرة ويبكون أمام التلفزيون ولا يعرفون ما الذي يجب فعله، أقول لهم إن كل سنتيم يهم”، وأكد أهمية مساعدة الناجين على استعادة حياتهم وأعرب عن دعمه لهذا الموجة التضامنية، مضيفا أنه يناقش مع بعض الفنانين فكرة تنظيم حفل أو برنامج تلفزيوني بهدف جمع أكبر مبلغ ممكن.

وفي مراكش من قلب المعاناة، فتح عيادته مجانا يوم الأحد ابتداء من الساعة الثامنة صباح، قصد استقبال جرحى الزلزال لاستشارات وعلاج مجاني، فيما عرض شخص آخر ثلاثة منازل لفائدة الذين فقدوا منازلهم في مراكش والنواحي لمدة شهر أو ربما أكثثر